ستكشف قرارات لجنة (المساءلة والعدالة) في مجلس النواب العراقي،
والقاضية بابعاد مجموعة من المرشحين للانتخابات النيابية القادمة، على
خلفية شمولهم بقانون الاجتثاث، ستكشف ما يلي:
اولا: مدى جدية السياسيين في حفظ الامانة التي تحملوها عن الشعب
العراقي الذي عانى الامرين من نظام الطاغية الذليل صدام حسين، والذي
يحاول بعض ايتامه نفخ الروح فيه، واعادته الى الحياة السياسية، ليس
بالانقلابات العسكرية هذه المرة، وانما بادوات (الديمقراطية) على طريقة
وصول الحزب النازي الى السلطة في المانيا في ثلاثينيات القرن المنصرم.
ثانيا: ارتباطات المشمولين بالابعاد، سواء الخارجية والاجنبية، خاصة
مع الانظمة الشمولية التي تتربص بالعراق الجديد الدوائر، متحينة كل
فرصة من اجل طعنه وافشال تجربته الديمقراطية الوليدة، او الارتباطات
المشبوهة سواء مع التنظيمات الارهابية او مع تنظيمات ايتام النظام
البائد.
ثالثا: مدى حرص السياسيين على احترام ارادة الشعب العراقي التي
انصبت في الدستور الذي حملهم مسؤولية الحفاظ على النظام السياسي الجديد،
ان من خلال تحريم وتجريم كل ما يرتبط بالنظام البائد، وابعاده عن
الحياة العامة، او من خلال الايمان بالنظام السياسي الجديد وبذل اقصى
الجهود للحفاظ عليه، والانقلاب على الماضي اذا كان بعضهم مرتبط به بشكل
او بآخر.
رابعا: مدى انصياعهم لمؤسسات الدولية العراقية الجديدة، والتزامهم
بالقانون الذي تشرعه هذه المؤسسات، وعدم السعي للتاثير عليها بالتهريج
الاعلامي.
خامسا: حجم ايمانهم بدولة القانون، وما اذا كانوا صادقين في
شعاراتهم بهذا الخصوص ام لا؟.
سادسا: اخيرا، مدى (وطنية) هؤلاء وابتعادهم عن (العنصرية) و (الطائفية).
ان مشروع (المصالحة الوطنية) الذي اطلقته الحكومة العراقية لحظة
تشكيلها، اريد منه منح من لا زال يشكك في عملية التغيير، وظل يحن الى
الماضي الاسود، الفرصة الكافية لاعادة النظر في حساباته، ليقرر بعد ذلك
الكفر بذاك الماضي ونفظ كل ما تعلق به منه، والالتحاق بالعملية
السياسية الجديدة التي ظلت ابوابها مشرعة للجميع من دون استثناء، الا
اللهم الذين تلطخت ايديهم بدماء الابرياء ممن لم يكن بالامكان تطهيرها
بكل ماء الارض وتراب اليابسة وشمس المنظومة الكونية.
وبحمد الله، فلقد استفاد كثيرون من هذه الفرصة ونفظوا عنهم غبار
الماضي والتحقوا بالوضع الجديد، ولقد ابلى الكثر منهم بلاءا حسنا في
تثبيت دعائم الوضع الجديد، وتقف على راسهم الصحوات التي قاتلت تنظيمات
القاعدة الارهابية وفلول النظام البائد قتال الوطنيين الابطال.
هذه صورة، اما الصورة الثانية، فان البعض ممن استفاد من الفرصة لم
يسع الى نفظ غبار الماضي بالكامل، وانما ظل يمد يدا الى الماضي واخرى
الى الحاضر، بطريقة نفاقية معهودة من ايتام النظام البائد، الذين عرف
عنهم المزحة المشهورة والتي تنسب الى الطاغية الذليل، عندما ركب سيارته
وامر سائقه ان يؤشر على اليسار ويسير في اتجاه اليمين.
هؤلاء حاولوا خداع العراقيين طوال السنين الاربع الماضية، وما
يخدعون الا انفسهم، ظنا منهم بان الشعب العراقي غافل عنهم، لا يعرف ما
يفعلون؟ وكيف يديرون ارتباطاتهم المشبوهة، وما هي اجنداتهم، حتى اذا
ازفت ساعة الحقيقة، ووصل الجميع الى خط النهاية، وضعت مؤسسات الدولة
النقاط على الحروف، بعد ان لم يعد بالامكان التستر عليهم والاسترسال مع
خطرهم المحدق بالعملية السياسية اذا ظلوا في داخلها فترة اخرى من الزمن.
اما الصورة الثالثة، فهي الزمرة التي لم يخطر على بالها قيد انملة
في ان تقف قليلا لتعيد النظر في نهجها، فظلت تقتل وتذبح وتدمر وتتآمر
على العراق الجديد بعد ان تحالفت مع كل اعداء العراق وعلى راسهم تنظيم
القاعدة الارهابي والمجموعات المدعومة بفتاوى (الحزب الوهابي)
التكفيرية التي يصدرها فقهاء بلاط آل سعود واموال واعلام بعض الاسر
الضالة الحاكمة في دول الخليج وعلى راسها آل سعود.
ويتساءل البعض، لماذا صدرت قرارات هيئة المساءلة والعدالة
البرلمانية الان تحديدا، الا يعني ذلك انها مدفوعة باجندات سياسية؟
خارجية تحديدا؟ او ربما طائفية مثلا؟.
اولا؛ ليس من المعقول ان تستمر ابواب مشروع (المصالحة الوطنية)
مشرعة الى ما لا نهاية، فلقد منح الجميع الوقت الكافي واكثر.
يجب ان يظل زمام المبادرة بيد الدولة العراقية ومؤسساتها، للحفاظ
على هيبتها، وليس بيد الاخرين، خاصة وان بعضهم تمادى في نهجه النفاقي
ظنا منه بان الدولة العراقية ضعيفة وغير قادرة على فعل شئ تجاهه، وانها
اعجز من ان توقفه عند حده، فيما يفعل آخرون منهم كل ما من شانه ايذاء
العراق وشعبه الابي، حتى اذا تعب او انكشف امره لجا الى المشروع لانقاذ
رقبته من حبل المقصلة، فهل يعقل هذا؟.
ثانيا: لاننا اليوم امام استحقاقات انتخابية مهمة وحساسة وخطيرة جدا،
تتطلب من الجميع الحيطة والحذر من تسلل ايتام النظام البائد المعاندين
الى العملية السياسية لتخريبها وتدميرها وتفجيرها من الداخل، فقد كان
من واجب مؤسسات الدولة الدستورية والمعنية بمراجعة ملفات المرشحين، ان
تنجز عملها في هذا الوقت بالذات وليس بعد الانتخابات مثلا، اي (بعد
خراب البصرة) كما يقول المثل، ولو كانت هذه الانتخابات ستجري بعد عامين،
على سبيل الفرض، لاجلت اللجنة عملية البت في الملفات الى ذلك الوقت.
اذن التوقيت امر طبيعي، دستوري وعملي، تزامن مع توقيت الانتخابات لا
اكثر ولا اقل.
ثالثا: بالتاكيد ليس في قرارات اللجنة اية ابعاد لا طائفية ولا اي
شئ آخر، وانما هي قرارات قانونية استندت على مواد دستورية واضحة، ولو
انها لم تلتزم اليوم ببنود الدستور، والعراق باحواج ما يكون الان الى
ذلك، فمتى اذن ستلتزم بها؟ كان يجب عليها ان تنجز مهامها القانونية
الان تحديدا، والا لكان العراقيون يشككون بنزاهتها وارتباطاتها وراء
الحدود، ولطعنوا بوطنيتها، واتهموها بالتقصير والمداهنة وربما بالخيانة.
ان قرارات اللجنة استندت الى شئ واحد واضح، الا وهو ارتباط
المشمولين بالاجتثاث، فهي لم تستند الى انتمائهم المذهبي او الحزبي او
الاثني او المناطقي، ابدا، ولكن، في نفس الوقت، فاذا تطابقت وتشابهت
هوية المشمولين وانتماءاتهم بلون معين، فتلك هي مشكلتهم وليست مشكلة
الهيئة، اليس كذلك؟.
ان كثيرين من المرشحين يحملون نفس الانتماءات والهويات التي يحملها
المشمولون بالابعاد، فلو كانت وراء القرارات دوافع من هذا القبيل
فلماذا لم تشمل الجميع؟ الا يعني ذلك ان القرارات مهنية لا غير؟.
ويحتج البعض بالقول: اوليس بعض المشمولين بقرار الابعاد، هم الان في
العملية السياسية؟ وان بعضهم لازالوا يجلسون على مقاعدهم تحت قبة
البرلمان؟ فلماذا لم يتم طردهم بقرار الاجتثاث فيما مضى؟.
الجواب؛
اولا: لمصلحة عليا.
ثانيا: لمنحهم الفرصة الكافية حتى اذا اخذوا بالقرار تسقط كل حججهم
في ايديهم.
لقد سكت القران الكريم عن تسمية المنافقين لرسول الله (ص) واصحابه،
لمصلحة كبرى، من دون ان يعني ذلك قبوله باعمالهم وافعالهم، وهم الذين
كانوا يتسترون بالاسلام ويتآمرون عليه وعلى نبيه الكريم ودولته الفتية،
حتى اذا قوي الاسلام وتم فتح مكة، فضحهم قول رسول الله (ص) {اذهبوا
فانتم الطلقاء).
ثالثا: لكشف نفاقهم على رؤوس الاشهاد، وهذا ما فعله هم بانفسهم،
فعندما يخرج احدهم على الملأ ويمتدح جرائم النظام البائد، ويفتخر
بانتمائه الى الماضي الاسود، يكون قد اقام الحجة والحد على نفسه، لان
(الاعتراف سيد الادلة) كما يقول القانونيون.
رابعا: ليثبت العراقيون للعالم بان التغيير حقيقيا وليس صوريا، يمكن
ان يتسع صدره للجميع، بعيدا عن روح الانتقام والكراهية.
اما اليوم وقد انتفت كل هذه المبررات، فقد كان يجب على مؤسسات
الدولة ان تتعجل بتحمل مسؤولياتها القانونية والدستورية، وذلك قبل فوات
الاوان.
وكلمة اخيرة اقول:
ان اية اعادة نظر محتملة في القانون، يجب ان تمر من خلال السياقات
القانونية والدستورية حصرا، وليس نزولا عند رغبة هذا او ترضية لذاك، او
انصياعا لضغط زيد او خوفا من تهديد عمرو.
ان على العراقيين ان لا يدعوا كائنا من كان ان يتدخل في شؤونهم
الداخلية، وان لا يؤثر عليهم احد ليتراجعوا عن قراراتهم المصيرية هذه،
وان على كل مؤسسات الدولة العراقية، كما ان على مؤسسات المجتمع المدني،
وخاصة الاعلام، ان يفصح عن هوية كل من يتدخل في هذا الموضوع من دول
وانظمة واشخاص ومؤسسات، فلقد تحركت جامعة الدول العربية لهذا الغرض،
كما ان عدد من انظمة المنطقة تحركت لتتدخل، وربما تدخلت الولايات
المتحدة الاميركية وبعض اجهزتها المعروفة بدعمها لمثل هذه النماذج،
وستبدا ماكينتهم الدعائية بعملية التضليل والكذب والخداع، للتاثير على
المشرع العراقي الشهم والنبه والشجاع، وستذرف دموع التماسيح على
الديمقراطية.
احذروا الفخاخ، ولا تخشوا في الله والشعب العراقي لومة لائم او
تهديد ارهابي، فهي والله الفرصة الذهبية لتطهير العملية السياسية من كل
المندسين واعداء الديمقراطية.
ان الديمقراطية لا تعني تمكين اعداءها من مصير ومستقبل العراق وشعبه
الابي، كما انها لا تعني تمكين القتلة والمجرمين من مواقع المسؤولية
ابدا، ان الديمقراطية التزام ومسؤولية واخلاق وثقة وامانة، واذا كان
الاخرون ينظرون اليها من زوايا اخرى، فلماذا لا يبادرون الى صناعتها
بمثل هذه الطرق، او اية طريقة اخرى يرونها مناسبة؟ ان كل من يتباكى على
التجربة الديمقراطية من هذه النماذج، يحكمون شعوبهم بالحديد والنار،
ولا يؤمنون بالديمقراطية وادواتها قيد انملة، ولذلك لا ينبغي للعراقيين
ان يصغوا الى اراجيفهم ابدا، لانهم هم (المرجفون في المدينة).
اخيرا، اتساءل:
اين الذين يتباكون ويحذرون من (الاجندات الخارجية) في الشان
العراقي؟ لماذا لا يتحدثون عنها الان؟ ام انه تدخل محمود لصالح العملية
السياسية ودفاعا عنها؟ على اعتبار ان احد المشمولين بالابعاد يمثل
العراق والمصلحة العليا والعملية السياسية؟ ولماذا يتدخلون لصالح مشمول
دون غيره؟ الا يكشف ذلك عن ارتباطاته المشبوهة؟.
لقد كشر كل اعداء العراق والديمقراطية عن انيابهم، لاسقاط القانون،
وهذا اكبر دليل على صحته وحكمة من اتخذه، وخطورة من شمله القانون على
العملية السياسية، والا لما تكتلوا الاعداء ضد القانون، ولذلك لا يجوز
لاحد ان يفرط به باي حال من الاحوال، فانها الخيانة بعينها.
لنثق بانفسنا ونصغ الى ضمائرنا وننظر الى مصالحنا العليا لنحمي
مستقبل اجيالنا، وندع نباحهم يرتد اليهم، فسنقرا الفاتحة على دولة
القانون اذا انصاع العراق لاي ضغط من اي كان، وتراجع عن قراراته التي
مثلت نبض الشارع العراقي، فالحذر الحذر.
[email protected] |