توترات الساحة الايرانية: بين الضغوط الأمريكية وتزايد عمق الإنقسامات الداخلية

 

شبكة النبأ: بين تساؤلات عن مدى جدية الاتصالات الاخيرة التي أجرتها ادارة اوباما مع شخصيات من المعارضة الايرانية لأجل تدارس سبل دعمها وامكانية رسم خارطة عمل واقعية لها، وبين إصرار النظام الايراني على المضي قدماً في عدم التساهل مع حركة الشارع ومطالب المعارضة والتهديد بقمع اية تظاهرات غير مرخصة، برزت العديد من أوجه التحليل المختلفة حول تداعيات الموقف على الساحة الايرانية في ضوء تنامي الفجوة بين طرفي النزاع دون اية أفق لحلول تفاوضية..

استعراض السلطة لقوّتها يعمّق الانقسام

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً للكاتب مايكل سلاكمان قال فيه: ان استعراض نظام طهران لقوته  وتصريح زعيم المعارضة مير حسين موسوي، أن حتى مقتله لن يضع حداً للاضطرابات، كانا في الواقع جزءاً من الاتهامات والاتهامات المضادة والتحذيرات ا لتي صدرت عن كلا الجانبين في ذلك اليوم مما يبين مدى عمق الانقسامات التي تعصف بإيران منذ بداية أزمتها السياسية عقب انتخابات الرئاسة قبل ستة أشهر.

فبينما لاتزال الحكومة ومؤيدوها أنصار الخط المتشدد يعتمدون على القوة والتهديد بها لقمع المحتجين، ترفض المعارضة التراجع عن مطالبها وسط أجواء مكفهرة لا تبشر باحتمال التوصل لحل وسط مقبول لدى الطرفين. إذ وصف رجل الدين الأصولي آية الله أحمد جنتي المحتجين بأنهم «مثال واضح للفساد بالأرض»، وحث على إعدامهم كما حدث في الأيام الأولى للثورة.

ويستدرك كاتب المقال مبينا، غير أن موسوي ما لبث أن أصدر بياناً من خلال موقعه الإلكتروني على الانترنت شن فيه هجوماً عنيفاً على الحكومة لاستخدامها القوة ضد المتظاهرين، وانتقد طريقة تعاملها مع الاقتصاد ومع السياسة الخارجية، وفشلها في التصدي لفساد المؤسسات.

وذكر موسوي أن على الحكومة إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتعديل قوانين الانتخابات، والسماح بحرية التعبير والتجمع والصحافة إذا أرادت استعادة شرعيتها بنظر الجماهير.

ويضيف الكاتب، ثم خاطب موسوي مباشرة أولئك الذين دعوا في الأيام الأخيرة لاعتقاله وإعدامه مع زعماء معارضة آخرين مثل مهدي خروبي رئيس البرلمان سابقاً قائلاً: لست خائفاً من أن أصبح واحداً من الشهداء الذين فقدوا حياتهم بعد الانتخابات وهم يناضلون من أجل مطالبهم العادلة. إن دمي لا يختلف عن دماء هؤلاء الشهداء.

ويوضح، غير أن موسوي اعترف بما أصبح واضحاً على نحو متزايد خلال الأحداث الأخيرة وهو أنه لم يكن، ولا خروبي أيضاً، مسؤولين عن توجيه المتظاهرين بل وقدم نفسه على أنه ليس أكثر من محلل لأحداث لا مشارك بها، ثم وصف موسوي الصراع الداخلي في ايران بأنه صراع بين القيادة والشعب وقال: أُعلن صراحة أن إعدام أو قتل أو سجن خروبي وموسوي لن يحل المشكلة.

جدير بالذكر أن علي موسوي ابن شقيق موسوي كان قد ٌُقُتل خلال الاشتباكات التي جرت يوم الأحد الماضي في ما وصفته مصادر المعارضة بأنه عملية اغتيال بتدبير حكومي.

وفي هذا السياق، يقول خبير في شؤون إيران طلب عدم ذكر اسمه كي يحاظ على علاقته مع المسؤولين، إن حركة الإصلاح لن تموت لكنها لن تتمكن من توحيد صفوفها. كما بمقدر النظام الاحتفاظ بسيطرته لكنه لن يستطيع سحق المعارضة وبهذا ستبقى المعركة سجال بين الطرفين.

ويبيّن الكاتب، الحقيقة أن كلا الطرفين حددا استراتيجياتهما فبينما تسعى المعارضة للاستفادة من العطلات العامة والمناسبات الدينية باعتبارها فرصاً ملائمة للاحتجاج، تعمل الحكومة لتحويل ايران الى دولة بوليسية من خلال إضفاء الصفة الاحترافية رسمياً على ميلشيا الباسيج.

لذا، كان لابد أن تؤدي هاتان الاستراتيجيتان الى انفجار يوم الأحد الماضي عندما سار عشرات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع خلال «يوم عاشوراء» هاتفين شعارات تدعو لموت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. عندئذ أمرت السلطات قوى الأمن بالتصدي لهؤلاء المحتجين، وفتح النار على حشود المدنيين مما أدى الى مقتل 8 أشخاص على الأقل.

ويقول علي أنصاري أستاذ التاريخ الايراني في جامعة «سانت أندروز» في اسكوتلندا: يمكن أن يستمر هذا الوضع في ايران لبعض الوقت على المدى الطويل، وهنا يمكننا القول: إن خامنئي هو الشخصية الأساسية في هذا الصراع فهو يماثل الشاه في موقفه الضعيف.

ويلاحظ محللون آخرون أنهم يتوقعون مواجهة كبرى أخرى في الحادي عشر من فبراير الذي يصادف الذكرى السنوية لثورة ايران عام 1979.

لكن منذ بداية المواجهة في يونيو الماضي، دأبت السلطات على اتهام بريطانيا والولايات المتحدة بالعمل لإثارة الاضطرابات المدنية وتنظيمها كجزء من خطة لإحداث ثورة مخملية في ايران.

ورغم أن الغرب كان أنكر مثل هذه الاتهامات إلا أنها عادت وظهرت من جديد بعد تظاهرات يوم الأحد الماضي. فقد أصدرت وزارة الاستخبارات الإيرانية يوم الخميس تحذيراً شديد اللهجة طلبت فيه من مثيري الاضطرابات ألا يصبحوا أداة في أيدي الأجانب الذين يريدون السيطرة على ايران مرة اخرى.

كما حذر المدعي العام غلام حسين إيجيه زعماء المعارضة بأنههم سيعرضون أنفسهم للوقوف أمام المحاكم إذا لم يشجبوا الاحتجاجات الأخيرة المناوئة للحكومة.

ويختم الكاتب مقاله، بيد أن موسوي رد على هذا القول إن نهج الحكومة المعتمد على استخدام القوة، لن يؤدي سوى الى تقويض الأمن وتساءلَ، هل يعتقدون أن بمقدورهم إعادة البلاد الى الوضع الذي كانت عليه قبل الانتخابات من خلال إبعاد نخبة المفكرين والناشطين عن الساحة السياسية ودون معالجة جذور المشكلة؟

النظام والمعارضة يستعدان لجولة جديدة من المواجهة 

وكتبَ روبن رايت مقالاً في صحيفة كريستشن ساينس مونيتور جاء فيه: يتطلع نظام طهران، الذي بات سلوكه يتسم بنزعة عسكرية واضحة في مواجهة الاضطراب السياسي المتزايد حدة، يتطلع الى ما حدث في ساحة تيانانمن في الصين لضمان بقائه على ما يبدو.

فقد اظهر هذا النظام الديني خلال الاسبوع الماضي انه على استعداد لاستخدام سلطات عسكرية وقضائية غير عادية ضد زعماء المعارضة، متظاهري الشوارع، المنشقين بل وحتى المتعاطفين معهم من اجل وضع حدٍ للاضطراب السياسي المتنامي في ايران.

ويستدرك الكاتب بالقول، لكن من اكثر اهداف النظام اهمية وإلحاحا الآن هو منع نشطاء المعارضة من تحويل احتفالات الشهر المقبل التي تصادف الذكرى السنوية لاسقاط الشاه عام 1979، الى ثورة مناهضة لمن حلوا محله في السلطة.

بيد أن النموذج الصيني في استخدام قوة مطلقة وشاملة ضد حركة معارضة وليدة كما حدث في ساحة تيانانمن في بيجين عام 1989، لن ينجح على الارجح او يكون مؤثرا في جمهورية ايران الاسلامية عام 2010. اذ ان الاختلافات بين نظامي ومجتمعي البلدين اكثر من عوامل التماثل لكن على الرغم من هذا يبدو نظام طهران عازما على استخدام الأساليب التي لا يتم استعمالها عادة الا في مواجهة التهديدات الخارجية.

ففي 28 سبتمبر الماضي فتحت قوات الامن النار لاول مرة وبشكل مباشر على حشود المتظاهرين في يوم عاشوراء وجرى اعتقال المئات من الناشطين الطلاب، المفكرين واقارب كبار مسؤولي المعارضة.

وهناك الآن من يدعو في البرلمان والسلطة القضائية لاعدام زعماء المعارضة بزعم ارتكابهم جرائم ضد الدولة منها الخيانة العظمى.

وهتف المشاركون في التظاهرة التي نظمتها الحكومة في الثلاثين من ديسمبر الماضي شعارات تدعو لموت رئيس الحكومة السابق مير حسين موسوي، وموت رئيس البرلمان السابق أيضا مهدي كروبي، وكان هذان الرجلان قد خاضا الانتخابات ضد الرئيس محمود أحمدي نجاد، واعلنا بعد ذلك ان انتخابه رئيسا تم من خلال التلاعب بنتائج الانتخابات.

ويذكر ان النظام تلقى اخيرا شحنة جديدة من العربات الصينية المصفحة المخصصة لمقاومة اعمال الشغب مزودة بمدافع مائية وغاز مسيل للدموع ومواد كيميائية.

ويضيف الكاتب، غير ان حركة الديموقراطية في الصين عام 1989 والانتفاضة الايرانية الراهنة تتقاسمان بعض السمات المشتركة، فكلاهما حركتان شعبيتان يحركهما الشباب وتطالبان بالتغيير وينقصهما وجود قيادة قوية وفي كلتا الحالتين زادت مطالب المحتجين مع اشتداد قمع النظام.

لكن ثمة اختلافات مهمة ايضا بين الحركتين يمكن ان تؤدي لنتائج متباينة، فالعامل المحفز والمساعد في الحالة الايرانية هو الاتهام بان السلطة سرقت الانتخابات التي تعتقد المعارضة ان موسوي فاز بها، بينما لم يكن لدى المتظاهرين الصينيين بالمقابل تاريخ يذكر في ممارسة التصويت بانتخابات تنافسية، وكان سبب تعبئتهم موت عضو اصلاحي في الحزب الشيوعي هو «هوياوبانغ».

وبينما استخدمت الصين قوة قصوى في وقت مبكر نسبيا، واحتوت التحدي خلال سبعة اسابيع، نجد نظام طهران قد بدأ يفقد زخمه بعد مرور سبعة اشهر، حيث امتدت التظاهرات الشهر الماضي الى عشر مدن رئيسية على الاقل.

ويبيّن كاتب المقال، في الوقت الذي منعت في الصين الصحافة الاجنبية من العمل داخل اراضيها وسيطرت باحكام على وسائل الاعلام التابعة للدولة، لم تتمكن ايران من منع تقارير شهود العيان من الصحافيين المواطنين من الوصول الى الانترنت «فيس بوك وتويتر».

الا ان الاختلاف الاكبر بين الحالتين هو ان ايران كانت تاريخيا اكثر ديموقراطية من الصين التي قيدت المشاركة الشعبية في السياسة لقرون طويلة بينما كان للايرانيين دور متزايد في عالم السياسة منذ ثورتهم الدستورية التي افرزت بين عامي 1905 و1911 اول برلمان في آسيا، كما اعتاد الايرانيون على التصويت خلال العهد الملكي وفي ظل السلطة الدينية الحاكمة، وبينما تميز مجتمع الصين بالانغلاق لفترة طويلة، كان سكان ايران المنحدرون من اصول هندية واوروبية على تماس دائما مع الافكار الغربية.

ويخلص الكاتب الى نتيجة مفادها، من الواضح ان المعارضة في ايران تأمل في تكرار حدث مختلف عن ساحة تيانانمن يتماثل مع سقوط جدار برلين وانهيار الانظمة الشيوعية في اوروبا، فعلى الرغم من تزايد تهديدات النظام، لايزال زعماء المعارضة في موقف المتحدي، اذ حذر موسوي اخيرا بان القمع الذي تمارسه السلطة لن ينجح. ويبدو ان انتفاضة ايران دخلت مرحلة جديدة بعد وفاة رجل الدين المنشق آية الله حسين منتظري في التاسع عشر من ديسمبر، وبعد احتجاجات يوم عاشوراء، فقد برهنت ما توصف بـ «الحركة الخضراء» انها تتميز بالتصميم والمرونة، ويبدو انها باتت تحظى بتأييد اوسع في شرائح المجتمع التقليدية والدينية التي كانت موالية للنظام في الماضي، وهذا ما سيوفر لها القدرة على الاستمرار والصمود.

هل بدأت واشنطن في دعم حركة المعارضة الايرانية رسمياً؟ 

 ونشرت صحيفة وول ستريت مقالاً للكاتب جاي سولومون جاء فيه:كشف مسؤولون أمريكيون من مستوى رفيع ان ادارة أوباما تدرس احتمالات استقرار حكومة طهران على المدى البعيد، والعمل في نفس الوقت لإيجاد السبل الملائمة لدعم حركة «المعارضة الخضراء» في ايران.

إذ يقول هؤلاء المسؤولون إن البيت الأبيض يُحضّر عقوبات مالية جديدة تستهدف خصيصاً معاقبة الأفراد والمؤسسات الإيرانية المتورطة مباشرة في قمع قوى المعارضة والمنشقين وليس فقط أولئك المعنيين ببرنامج طهران النووي.

والحقيقة أن خبراء وزارة المالية الأمريكية ركزوا بالفعل منذ وقت قصير على وحدات الحرس الثوري الإيراني الذي كان قد برز في الآونة الأخيرة كقوة عسكرية واقتصادية وراء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد.

ويوضح الكاتب، كانت شخصيات كبيرة من الحركة الخضراء قد أعدت قائمة بالشركات التي تعمل مع الحرس الثوري أو لصالحه وقدمتها لإدارة أوباما عن طريق طرف ثالث.

ومن المؤسسات المدرجة في هذه القائمة: شركة الاتصالات الهاتفية، التي هي أكبر شركة اتصالات في ايران ويمتلك الحرس الثوري معظمها.. وشركة الألمنيوم الإيراني.

يحدث هذا في وقت أخذ فيه الدبلوماسيون الأمريكيون يجرون مقارنات علنية بين الاضطراب السياسي السائد في ايران الآن وبين الأحداث التي أدت الى الإطاحة بالشاه رضا بهلوي عام 1979.

يقول جون ليمبيرت كبير خبراء وزارة الخارجية المتخصصين بالشؤون الإيرانية: أعتقد أن هناك تماثلا كبيرا بين ما حدث في ايران بالماضي وما يحدث الآن، وهذا ما يجعل من الصعب جداً على الحكومة ان تحدد كيفية الرد على مطالب الشعب القانونية والمشروعة.

ويستدرك الكاتب، لكن يقول عدد من المفكرين الإيرانيين إنهم بدأوا منذ بلوغ تظاهرات حركة المعارضة ذروتها عقب موت رجل الدين الإصلاحي آية الله حسين منتظري بالاتصال مع كبار المسؤولين الأمريكيين الذين يريدون أن يعرفوا ما اذا كانت الاضطرابات الإيرانية تشكل تهديداً فعلياً للحكومة أكثر مما كان معتقداً من قبل.

ويوضح، في مؤشر على تزايد اهتمام البيت الأبيض بهذا الاضطراب، اجتمعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مع اربع شخصيات ايرانية بارزة، وكان من بين المسائل المطروحة تحديد كيف يمكن للولايات المتحدة أن ترد إذا ما أعربت طهران فجأة عن استعدادها للتوصل لحل وسط بشأن القضية النووية. وهنا تساءلت كلينتون ما اذا كان بمقدور أمريكا التوصل لاتفاق مع طهران دون أن يضر ذلك بفرص الحركة الخضراء.

لكن يبدو أن رد حلفاء الولايات المتحدة على هذا التركيز الأمريكي الجديد مختلط، فقد ذكر مسؤول عربي كبير هذا الأسبوع أنه أبلغ مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية أنهم يخدعون أنفسهم اذا اعتقدوا أن ايران يمكن ان تشهد قريباً تطوراً متماثلاً مع الثورة التي أطاحت بالشاه، وذلك لأن الحرس الثوري يسيطر على الشعب الإيراني.

ويخلص الكاتب الى القول، على أي حال أكد مسؤولون أمريكيون بارزون أن الرئيس أوباما لا يسعى لتغيير النظام في سياسته، وأن واشنطن لاتزال ملتزمة بنهج المسارين في العمل للحوار مع ايران بهدف إنهاء برنامجها النووي وممارسة ضغط متزايد عليها في نفس الوقت إذا ما فشلت المحادثات.

ويبيّن الكاتب، غير أن هذا لم يمنع أحد هؤلاء المسؤولين من الرد على السؤال التالي: «هل يمكن أن نتوقع الإطاحة بالحكومة الراهنة في طهران؟» بالقول: لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث الآن، لكن الصدع الذي ظهر لابد أن يزداد اتساعاً مع مرور الوقت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/كانون الثاني/2010 - 27/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م