
شبكة النبأ: بتعبير مبسّط يفهمه جميع
العراقيين أن من يحق له الجلوس تحت قبة البرلمان ويُسهم بتشريع
القوانين والقرارات المختلفة، هو النائب العراقي الذي يمثل مجموعة من
الناخبين وينشط كبديل لهم في تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم سواء في ما يتعلق
بالرفاهية او الخدمات او تحقيق الخطوات السياسية والاقتصادية وغيرها
بما يكفل لهم (أي للشعب) نجاحا واستقرارا وتطورا في عموم مجالات الحياة،
وكل ذلك يتم عبر الممثلين البرلمانيين الذين أوصلهم الشعب الى مقاعدهم
و(امتيازاتهم) بصناديق الاقتراع لكي يأخذوا دور الشعب في خدمته لنفسه.
وإذا اتفقنا على هذا التوصيف، وهو متفق عليه عالميا، فإن عموم
الأنشطة التي تتم تحت قبة البرلمان بوساطة النواب تمثل خدمة للشعب
بطريقة أو أخرى، وكلما كانت تلك الانشطة صحيحة ومتوازنة وقائمة على
ركائز وطنية انسانية متفق عليها، كلما كانت خدمة النواب لشعبهم او خدمة
الشعب لنفسه من خلالهم تسير في الطريق السليم وتحقق الاهداف المتوخاة
منها، بكلمة أوضح إن الشعب كله موجود تحت قبة البرلمان ممثلا بنوابه،
واذا فشل هؤلاء النواب بتحقيق المشاريع والاهداف التي ترتقي بالشعب
وتقدم له الخدمات المطلوبة والصحيحة في كل المجالات، هذا يعني ببساطة
أن الشعب فشل في خدمة نفسه!!.
فهل فشل الشعب العراقي حقا في معاونة نفسه وخدمتها بما يليق بالشعوب
التي تستحق الرقي والتطور والازدهار؟.
إن نظرة متفحصة الى نواب الشعب عبر رحلتهم في السنوات الاربع
الماضية ستقول، نعم لقد فشل الشعب العراقي في خدمة نفسه بنفسه، ولكن هل
ان هذا الشعب هو المسؤول الاول عما حدث؟.
بطبيعة الحال ليس الشعب هو المسؤول الاول فيما حدث ويحدث من تداخلات
وتعارضات تصل الى حد الصدام الواضح تحت قبة البرلمان بين الاحزاب
والكتل المتعارضة التي تظن بأنها في مواصلتها لاسلوب التعارض والتصادم
إنما تقدم خدمة للمواطن العراقي الذي انتخبها بحجة الدفاع عن مصالح
الطائفة او العرق او ما شابه، واذا كان هذا الرأي مقبولا في اول مشوار
البرلمان عندما دخل العراق في اتون الطائفية المرفوضة، فإنه الآن وبعد
ازدياد الوعي السياسي الوطني لعموم الناس لم يعد هذا الرأي مقبولا كونه
يستند الى قاعدة التفريق والطائفية والعرقية وما شابه إذ رفضها الناس
جملة وتفصيلا، وهذا ما أدّى بدوره الى افتضاح اهداف الكتل والاحزاب
السياسية التي لها اجنداتها الداخلية والخارجية التي تُفرض عليها من
قبل الدول او الجهات الممولة المرتبطة بها، عازفة بذلك عن الولاء للوطن
وهو شرطها الاساسي في النجاح السياسي الراهن والمستقبلي.
وثمة من يرى او يقول بأنه من بين الأساليب القبيحة التي ينتهجها بعض
النواب هو تقصدهم المقيت بعدم حضور جلسات البرلمان لكي لا يتحقق النصاب
المطلوب وبالتالي عدم امكانية اقرار المشاريع المهمة كما في حالة عدم
التصويت على موازنة العام الراهن 2010 حتى الآن، ولعل المؤسف أشدّ
الأسف أن يظهر بعض المسؤولين ليقدموا تصريحات تبرر تأخير التصويت على
الموازنة، ومنهم السيد وزير المالية الذي قال لاحدى الفضائيات العراقية،
إن تأخير اقرار الموازنة لا يضر بإنجاز المشاريع والخدمات وما شابه،
كما صرح السيد رئيس البرلمان نفسه لاحدى الفضائيات بأن ثمة امورا فنية
هي التي تعيق اقرار الموازنة مثل مسألة زيادة تخصيصات المحافظات!!
وبدلاً من أن يؤشر -كرئيس للمجلس- الاسباب الحقيقية التي تكمن وراء
تغيّب النواب، وبدلا من ان يضع آلية فعالة وفورية لمحاسبة النواب
المتخلفين عن الحضور نسمع منه ومن غيره مثل هذه التبريرات التي لا تعدو
كونها ذرّا للرماد في العيون.
كما أننا نتساءل الآن، هل النواب المتغيبون لا يرتبطون بحزب او كتلة
سياسية معينة، وهل خطوة الغياب قرار فردي أم بتوجيه من رئيس الكتلة او
الحزب، وهل فعلا إن إكذوبة عدم اكتمال النصاب تحدث بصورة عشوائية غير
مخطط لها مسبقا؟ إن الاجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة ستقول لنا إن غياب
النواب إكذوبة لا تنطلي على ابسط العراقيين، وأن الهدف الأعمق لها هو
الاضرار بالشعب العراقي (الذي لم يعرف كيف يخدم نفسه في هذه الدورة
التي قاربت أن تلفظ انفاسها) ولعل الشعب سيعرف (في الانتخابات النيابية
التي لاحت قريبة في الافق) كيف يخدم نفسه تحت قبة البرلمان بصورة أصحّ
من هذه الدورة، وحتما قد أشَّر الشعب بدقة لا تقبل اللبس تلك الرؤوس
والوجوه والعقول التي خذلته في هذه الدورة حين خدمت نفسها وحاشيتها
وحزبها وكتلتها ومموّلها وأدارت وجهها عمن أوصلها الى مقاعدها في
البرلمان.
واذا كانت ثمة كلمة أخيرة يمكن أن تُقال هنا، فمن الأفضل أن تتجه
نحو مسارين:
الأول: لا يزال ثمة وقت لكي يُثبت البرلمان بأنه حريص على الشعب من
خلال إقراره للموازنة (وهو أبلغ وأنصع ما يمكن أن يقدمه البرلمان فورا)
وما يستطيع من قرارات هامة اخرى.
الثاني: أن تضع هيئة رئاسة البرلمان بصورة فورية -وهذه مسؤوليتها
حصرا لكي تبرّئ نفسها حيال الشعب- بنودا إجرائية فورية ايضا لمحاسبة
النواب المتغيبين وفصلهم اذا اقتضى الامر وحرمانهم من الامتيازات
المليونية التي هم لا يستحقونها قطعا، وبخلاف ذلك فإن وعي الشعب
العراقي سيقتص منهم قريبا في صناديق الاقتراع.
هذه الصناديق التي بدأ لعاب البعض يسيل لها منذ الآن. |