افعال وردود افعال

لطيف القصاب

هناك قاعدة فيزياوية تنص على ان لكل فعل رد فعل يساويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه الا ان هذه القاعدة الفيزياوية الشائعة لايمكن تعميمها على الحالة الانسانية مطلقا فنادرا ما يكون رد فعل الانسان علميا او منطقيا بل غالبا ما يكون رد الفعل اكبر بكثير من الفعل نفسه.

ولوتتبعنا الاسباب التي قادت الى الحروب بين بني الانسان قديما وحديثا لوجدنا غالبيتها العظمى كانت عبارة عن ردود افعال هائلة ضد افعال غاية في البساطة والتفاهة يستوي في هذا الحكم حرب داحس والغبراء العربية وحرب ستالين وهتلر الاوربية.

العراقيون ليسوا بعيدا عن هذا التصنيف العالمي فكلمة بسيطة تصدر من احدهم تجاه صاحبه قد تؤدي الى شجار ربما لاينتهي الا بقتل الثاني للاول غالبا والاول للثاني نادرا، يُحكى ان احد شقاوات ايام زمان اقدم على قتل احد المساكين بسبب (خزرة ) والخزرة تعني بالعربي الفصيح النظرة الشزراء، ولكن ليس الرد العراقي على الفعل يكون دائما بمثل هذه القوة العنيفة فاحيانا يكون الرد باهتا باردا الى درجة مثيرة للاعصاب.

في ايلول من عام 2007 اقدم خمسة من شقاوات امريكا على سفك دماء سبعة عشرا مدنيا عراقيا في تقاطع النسور ببغداد، كان هؤلاء الشقاوات الخمسة يعملون لصالح شركة امنية مشهورة باسم بلاك ووتر ولمن لايعرف معنى بلاك ووتر فان هذا الاسم الاجنبي يعني بالعربي الفصيح الماء الاسود وبحسب المتتبعين فان الثقافة الامريكية تتعمد احيانا استخدام العناوين القذرة لاسباغ طابع القوة والعنف على بعض صورها واشكالها.

طبعا حدثت ردود افعال عراقية قوية ولكنها بمجملها لم تكن كافية لتشغيل القاعدة الفيزياوية آنفة الذكر ولو بحدودها الدنيا، فما ان بدات الحركة تدب بالاتجاه المعاكس لمصدر الفعل الامريكي مع قيام الحكومة باجراء سحب رخصة العصابة التي ينتمي اليها هؤلاء الشقاوات حتى صدرت التعليمات بالتراجع عن هذه الخطوة العملية المهمة.

أغلب الظن ان السر في تراجع الحكومة يكمن في حسن نية الحكومة العراقية بعدالة القضاء الامريكي الذي اخذ على عاتقه مسؤولية اخذ حق المظلومين من الظالمين والاقتصاص من القتلة الذين ازهقوا ارواح الابرياء جهارا نهارا. وهكذا فقد اوكل اصحابنا الامر الى القضاء الفدرالي الامريكي الرحيم لينظر هذا الاخير بقضية جنائية امريكا فيها الخصم والحكم في ذات الوقت، بحسب ضوابط المحكمة فليس من صلاحية اية جهة حقوقية عراقية كانت اوغير عراقية حق الرقابة ولا حتى حق الفُرجة على سير المرافعات التي دارت سجالاتها القانونية فيما بين الادعاء العام الامريكي من جهة وبين هيئة الدفاع الامريكية من جهة اخرى، وبعد فترة من الاخذ والرد بين الامريكيين في وزارة العدل والامريكيين في وزارة الدفاع تم الحكم ببراءة الشقاوات الامريكيين الخمسة وقامت شركة بلاك ووتر الامريكية فور صدور الحكم بشرب كلاص مي اسود على ارواح العراقيين السبعة عشر.

طبعا لم يكن يتوقع احد ان تبلغ الخسة الامريكية الى هذا الحد ولكن الخسة الامريكية شيء وقاعدة الفعل ورد الفعل شيء اخر، فقد ذكر الناطق باسم الحكومة معقبا على هذه المصيبة بالقول : ان العراق سوف يستعين بالاتفاقية الامريكية العراقية الاستراتيجية هذه المرة، طبعا من اجل اخذ حق المظلومين من الظالمين والاقتصاص من القتلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/كانون الثاني/2010 - 23/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م