تمر منطقتنا في هذه الفترة الزمنية بمرحلة خطيرة جدا على جميع
الأصعدة، فالوضع مخيف لا يحتاج إلى صب المزيد مما يثير الكراهية
والتكفير والفتنة والتمزيق، وتوسيع فجوة الخلاف والخلافات بين أبناء
الوطن الواحد، وكذلك بين أبناء الأمة، فالأمة تعاني من أزمات ومخاطر
عديدة، وأخطرها الغرور الديني والجهل وخصوصا الجهل المركب.
وفيما الوطن يواجه تحديات كبيرة منها الحرب في الجنوب، وإعلان الحرب
على الفساد والإهمال واستغلال السلطة - أبطالها جيش من المفسدين يشكلون
اكبر خطر على الوطن وعلى المواطنين -، يأتي من يستغل الظروف الوطنية
ليثير النعرات والفتن بين المواطنين باسم الوطن والدين من داخل أرض
الوطن وبالتحديد من بيت من بيوت الله المسجد!.
المسجد الذي من المفترض أن يكون منارة للسلام والمحبة والتسامح
وعبادة الله وللعلم النافع في الدنيا والآخرة، لقد أساء هذا الشخص
للدين ولرسالة المسجد وللوطن بسبب غروره وتطرفه وتشدده، إذ جعل نفسه
متحدثا باسم الحكومة في الوطن، وحاكما للشريعة الإسلامية على وجه الأرض،
يوزع الولاءات والمحبة الوطنية والشرعية، ويشكك في وطنية من يريد،
ويقسم الناس على مزاجه وحسب فكره ومعتقده، وكأنه هو الحكومة وهو
الشريعة!.
وهذا ليس بغريب على من يتصف بالغرور الديني وحب الرئاسة والمنصب
والوجاهة وعشق قذف الآخرين وإثارة النعرات والفتن - جهلا - لمجرد
البروز الإعلامي!.
وما الصور التي نشرت له وهو يرتدي اللباس العسكري ويحمل السلاح «الرشاش»
في المنطقة الجنوبية، إلا لإشباع غروره وكراهيته وحقده للمسلمين
المختلفين معه في الفكر والمذهب، واستعداده لقتالهم لأجل عقدة لديه،
وليس لإثبات وطنيته ومحاربته للأعداء، فالكلام الذي قاله في المسجد في
خطبة الجمعة لا يخرج من شخص لديه ولاء ومحبة للوطن وللمواطنين وينتمي
للدين الإسلامي الذي يدعو للمحبة والسلام والتسامح، بل يؤكد على ما
يحمله من حقد دفين وكراهية وتطرف وعدم احترام لرأي وعقيدة الآخر وعدم
إيمانه بالحوار، كما ان خطبته تخالف رسالة الإسلام السمحاء، وتخالف
توجهات حكومة خادم الحرمين الشريفين، التي تسعى لنشر ثقافة الحوار على
مستوى العالم برعايتها مؤتمر الحوار بين الأديان، ومؤتمر الحوار بين
المذاهب الإسلامية، وتأسيسها لمؤتمر الحوار الوطني بين أبناء الوطن من
جميع التيارات والمذاهب والمناطق لتقوية اللحمة الوطنية، كما ان كلامه
محاولة لإشعال نار الفتنة بين المواطنين، وتمزيق الوحدة الوطنية،
والإساءة لسمعة الوطن وإحراج الحكومة، وان كلامه اخطر على الوطن من
الذين يحاربون الوطن في العلن. وكلامه كشف عما يخفي بداخله من كره وحقد
(كل إناء بما فيه ينضح).
إن التكفيريين والمتطرفين والإرهابيين والمغرورين والجهلاء بالدين
والحاقدين على الآخرين لمجرد الاختلاف الفكري والمذهبي هم اخطر شيئا
على الدين والوطن وعلى البشرية، وهم من يصنعون الفجرة والمفسدين
والمتطرفين، فمن صفات الفاجر الفحش والبهتان في القول وعند الخصومة،
وان الجهل والكذب وتزييف الحقائق رأس كل فتنة وخطيئة.
هل الوطن ملك لجميع المواطنين من جميع التيارات والمذاهب والمناطق،
وان جميع المواطنين متساوون في الحقوق الوطنية، ولا يحق لأي كان أن
يستغل وظيفته ومنها الدينية في التشكيك في وطنية مواطنين أو الإساءة
لهم أو أن يكفرهم ويطعن في رموزهم لاختلاف الفكر والمذهب؟.
هل يتجرأ شخص يمثل الحكومة على الإساءة والطعن بالشخصيات والرموز
الدينية في العالم؟. ما موقف الحكومة ممن يقوم بتشويه سمعة الوطن
وإحراج الحكومة عبر الإساءة للشخصيات العالمية الدينية؟.
ما جزاء من يقذف الآخرين وبالخصوص الزعماء بالفجور والزندقة بهتانا،
وهل ستتم محاسبته؟.
ما موقف الجهات الإعلامية من الشخص الذي تعرى وكشف عن وجهه الحقيقي
الحاقد للبشرية، وهل ستتم استضافته على شاشة القنوات الفضائية، لتكون
شريكة معه في بث أفكاره وسمومه؟.
من الزنديق والفاجر والمجرم، هل هو من يسعى للسلام والمحبة والتسامح
بين جميع البشر، أما هو من يثير الفتن والنعرات الطائفية والقبلية
والكراهية والحقد، ويستخدم الكذب والبهتان نتيجة الغرور الديني الجهل
"الجهل المركب"؟
وبمناسبة اننا نعيش في ذكرى حادثة كربلاء ومقتل الإمام الحسين (ع)
حفيد النبي محمد (ص)، ذكرى البطولة والإباء والعزة، نستذكر كلمة الإمام
العظيمة في الحاكم الفاسق وفضحه بأعماله والموقف منه عندما قال: «يزيد
رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا
يبايع مثله». |