ثنائية الوقوع في الغضب والدفاع المشروع عن المقدس

 

شبكة النبأ: من التطلعات المعاصرة التي تحلم بها المجتمعات وتعمل على تحقيقها هي تشكيل منظومة علاقاتية متوازنة تحكم الأنشطة المتنوعة لأفراد المجتمع في شتى مجالات الحياة، بمعنى ان المجتمع لاسيما قادته في التوجيه والادارة يبحثون عن السبل التي تقود الى تطوير نوع من العلاقات الانسانية التي تسهم في دفع عناصر المجتمع نحو تقديم المنتج الافضل والاكثر في آن كل في مجال عمله بطبيعة الحال.

ولعلنا نتفق على أن الجهد الذي يبذله الفرد او الجماعة لن يأتي من فراغ ولا ينتهي الى فراغ أيضا، بمعنى ان عملية الانتاج سترافقها أمور كثيرة منها ما يشكل إعاقة للمنتج نفسه، وقد تترتب على هذه الاعاقة الجسدية او النفسية ردود فعل غير محسوبة منها ثورات الغضب المفاجئة التي تأتي على الاخضر واليابس في آن واحد.

بمعنى أن الانسان حتى لو كان منتجا فإنك لا تستطيع أن تضمن سلوكه ما لم تضبط هذا السلوك منظومة علاقاتية تستند الى تعاليم الدين والاخلاق والاعراف السائدة التي تشترك في تكون منظومة السلوك الايجابية وضبط تفاعلاتها بين افراد المجتمع، فالغضب حالة مفاجئة تتشكل من مزيج شعوري متضارب ومرتبك وغير مسيطر عليه من قبل الفرد نفسه، وقد عبر احد الكتاب عن الغضب قائلا:

هو ثورة الأعصاب، وهو حالة من الإنسياق الجارف مع الموقف الانفعالي الذي يسرق زمام النفس من (العقل) و (الإرادة) المتحكّمة ليُسلمه بيد (الغريزة) والغريزة عوراء لا ترى إلاّ بعين واحدة، العقل والإرادة والرويّة والصبر والتريّث والتماسك، كلّ هذه الأجهزة تتعطّل ـ كوساطات حميدة ـ أثناء اشتعال الغضب واندلاع نيرانه، فلا يكون لها أيّ دور في إيقاف هذه الحالة الثورانية ـ من هياج الثورـ المكتسحة المدمّرة، أي انّها تترك ـ مجبرةً ـ الحبل على الغارب للغريزة التي استجاشت واستشاطت إثر وخزة، أو إثارة خارجية، أو احتقان داخلي، ولم يردّها إلى رشدها أيّة دعوة للانضباط والتماسك والسيطرة على جماحها .

وهكذا تغيب هنا سيطرة الذات تماما فيبدو الانسان الغاضب هائجا منفلتا وربما يصل به الامر الى حالة من الهستريا التي تحمل في ثنياتها عواقب جسيمة، ولعل هذا الامر يشكل سلوكا معيبا للفرد لكن الاكثر من ذلك انه يشكل عامل إعاقة لنمو الشخصية المتوازنة المنتجة، وهذا ما تبحث عنه المجتمعات المعاصرة، فطالما كان الفرد هو العضو الأساس في التكوين المجتمعي، فإنه يصبح بذلك صورة مصغرة لطبيعة المجتمع او الأصح خلية صغيرة وربما بالغة الصغر في التكوين الاجتماعي لكنها مع التراكم تكون هي الصورة الأكبر للمجتمع، ولعلنا نستطيع أن نتصور مجتمعا مكونا من من منظومة سلوك غير منضبطة حيث يُطلَق العنان فيها لحالات الغضب الفردي او الجمعي كما قدمت لنا كثير من الوقائع والاحداث الانسانية صورا عن ذلك، وآخرها ما حدث بين الجماهير الجزائرية والمصرية بسبب مباراة كرة قدم بين فريقيهما وما تلال ذلك من ظواهر وامور واشارت تنم عن حالة غضب جماعية عارمة تستند الى منظومة سلوك غير منضبطة.

ولكن بطبيعة الحال ثمة استثاءات في هذا المجال، بمعنى ربما تكون بعض حالات الغضب مبررة او تستند الى (الحق) في الدفاع عن أمر يستوجب ويستحق الدفاع عنه كونه يمس صميم الفرد او المجتمع من حيث المعتقد –مثلا- او الفكر او منظومة القيّم وما شابه ذلك.

فالانسان المسلم، على سبيل المثال، لا يمكنه الصمت او التزام الهدوء حيال من يريد أن يتجاوز على مقدساته وهذا ينطبق على غير المسلمين بطبيعة الحال، وهنا يؤكد احد الكتاب مشروعية الدفاع عن المقدس، وهو امر لا علاقة له بحالة الغضب المتعارفة او التي لا تستند الى امر يبرر حدوثها، ويبيح الكاتب الثأر لمقدس منتهك، كأن ترى مَنْ يعتدي على القرآن الكريم كتابك وكتاب المسلمين المقدس سواء بإهانته بالفعل أو بالقول، فإن غيرتك على كلام الله المجيد ووحيه المنزل، تتحرك على شكل غضب يعنّف المعتدين ويمنعهم من التمادي في عدوانهم ،وإذا رأيتَ أو سمعتَ مَنْ يهين أو يسيء أو ينال من قدسية الرسول الأعظم نبيّك ونبيّ الاسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّك تغضب غضباً شديداً لتوقف المسيء أو المعتدي عند حدّه، بأن تنقد فعله وتؤنّبه وتحاسبه، بل وترفع دعوى عليه ـ إنّ كان ثمة مَنْ يستمع إلى مثل هذه الدعوى ـ فاقتراف هذه السيِّئة قد يُجرّئ غيره على اقتراف مثلها، وقد يجرّئه هو شخصياً على غيرها .

وهكذا حينما تقرأ أو تسمع مقالاً فيه تشويه وتشنيع على عقيدة الاسلام وشريعته، فإنّ الغضب يحملك على أن تردّ على صاحب المقال دفاعاً عن الحقّ والحقيقة، وقد لا تكون قادراً على الكتابة لكنك تلفت نظر القادرين عليها إلى ضرورة الردّ عليه .

إذن هنا يكون غضبك لمقدساتك ليس غضباً شخصياً، أو عابراً، أو لشيء لا يستحق الغضب، إنّما هو غضب مبرّر ومشروع لأ نّه يدافع عن مقدّسات أمّة من الناس، وإهانته تعني إهانة لك ولأتباع الدين المقدس .

وهكذا ثمة موازنة هامة ينبغي أن يتوصل إليها الانسان والمجتمع عموما مفادها، أن الغضب الفردي او الجمعي المنفلت لا يمكن أن يصب في الصالح الفردي او العام، بيد أن الامر محكوم بالاسباب التي تؤدي الى حالة الغضب ونوعها ودرجة اساءتها، وكلما كانت الاسباب قريبة من المساس بالمبدأ او المقدس كلما كان امر الدفاع عن ذلك واجبا وهنا علينا ان نفهم بأن ثمة فرقا جوهريا بين نوبات الغضب العشوائية وبين حالات الدفاع عن الحق سواء كان هذا الدفاع فرديا او جماعيا.

إلا إننا يجب أن نلتفت في هذا المنحى الى ضرورة التقيد بتفسير الغضب ذاته، حيث يرى اغلب المفكرين إن للغضب وجهان ايجابي وسلبي، فعندما يكون في مداره الإصلاحي الهادف الى تقويم الخطأ يتحتم علينا عدم الانجرار وراء الاندفاع العاطفي الذي قد يتجسد في إبداء القوة والعنف الاهانة ضد الآخرين، وهي الممارسات السلبية للغضب.

فالعنف بكافة أشكاله ممزوجا بالغضب يدفع بنا الى ولوج الخطيئة، وإفساد حقيقة مطالبنا المشروعة.

كما يجب معرفة معنى الدفاع المشروع، فليس استخدام العنف يعني هو الدفاع المشروع، فقد يؤدي الغضب الجماعي المنفلت في بعض الاحيان الى نتائج سلبية وخيمة والى صدام بين الاديان والحضارات، وبالتالي يؤدي الى مزيد من الاهانات والاضرار والمفاسد، وهو مايرفضه الاسلام، حيث ان الاسلام هو دين رحمة وهداية وسلام للجميع كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/كانون الثاني/2010 - 21/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م