سعف النخيل (الجِريد) أحجية القدر الذي يقاوم الانقراض

مهن تراثية تدعم الإنتاج المحلي وتضفي رمز فلكلوري

عدسة وتحقيق: علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: يعتبر سعف النخيل "الجريد" رمز تاريخي وحضاري في العراق، كما يُعتبر أحجية القدر وسر الخلود والعظمة تاريخياً، واليوم نرى ذلك السر والعظمة تكمنان في صناعة الأثاث المتخذ من سعف النخيل أو ما يسمى "الجريد"، هذه الصناعة التي تشق طريقها في حياة محبيها، وخصوصا إنها تتمتع بخصوصية، في حين يجد بعض أصحاب هذه المهنة إنها ستنقرض مع الزمن القريب، بينما يرى آخرون العكس من ذلك.

وحول هذه المهنة ومنتجاتها، قال أبو نور 33 عام الذي يعمل في صناعة الأثاث المصنوع من سعف النخيل "إننا نستخدم جريد النخيل في عملنا ونصنع منه الكراسي والطاولات والأسرة وأسيجة للدور والمباني، وفي بناء المضيف في المناطق العشائرية، وفي المقاهي كطاولة أو كسرير، كما نصنع أقفاص الدجاج وحاويات الفواكه، ومظلات الشمس، وفي صناعة المهفة، والحصيرة.

مراحل الصناعة

وأضاف أبو نور إن صناعة الجريد، تمر بمراحل عدة ابتدءا من جمع السعف أو الجريد وتقطيعه. ومن ثم غمره في الماء لمدة يومين. بعدها ينظف السعف من أوراقه. ومن ثم يجفف على أشعة الشمس لمدة لفترة يومين أو أكثر، وبعدها تزال القشرة الخارجية للجريد ومن ثم مرحلة التقطيع والتخريم، والتجميع النهائي.

وتساهم بذلك عدة آلات أهمها، مقص، منشار على شكل شريط، منشار يدوي، مطارق، والمنجل. ويعمل كل شخص حسب اختصاصه، وبعض الأحيان يستطيع الفرد أن يقوم بجميع الأعمال لكن هذه الطريقة متعبة وبطيئة.

ويروي أبو نور تجربته وكيف تعلم هذه المهنة قائلا، تعلمت هذه المهنة من والدي الذي زاول هذه المهنة منذ العام 1950، حيث كان يعمل على صناعة الأسرة والكراسي، أما السيد علي 30 عام وهو أحد الذين تحدثوا عن هذه المهنة حيث دعا إلى الاهتمام بهذه الصناعة التي وصفها بالفلكلورية والتراثية، واصفا الشعوب الأخرى بأنها حريصة على تراثها وإبداعاتها، كما دعا إلى الاهتمام بالعاملين في هذه المهنة، وتوفير متطلباتهم للمحافظة على هذا التراث، لأنه ينطوي على ذكريات وتراث كبيرين. حسب وصفه

وفي حديث آخر مع أحد صانعي الأثاث المنزلي حدثنا مهدي حول مهنته التي أعتبرها ضياع لساعات العمر واصفاً هذه المهنة بالمتعبة حيث قال أن هذه المهنة لا تناسب توجهاتي وتطلعاتي في الحياة حيث قطعت فترة طويلة من عمري وأنا أعتاش على بيع المواد المصنوعة من الجريد، مقارناً حالته مع أقرانه الذين سبقوه في المدرسة ووضعهم الأفضل حالا من حملة شهادات وموظفين حكوميين وقد أعزى سبب سوء أوضاعه المعيشية التي عاشها مع عائلته إلى الحقبة المريرة التي عاشها خلال سنوات الظلم تحت وطأت نظام صدام.

وأضاف مهدي بدأت هذه المهنة تنقرض لأسباب كثيرة، منها إن البضائع البديلة غزت الأسواق وبأسعار تنافسية مشيرا إلى ضرورة تشجيع الصناعات الوطنية التي تضاهي الصناعة المستوردة، مضيفاً أما قبل فكانت بضاعتنا تروج في الأسواق بشكل كبير أما الآن وبسبب غلق الاستيراد للخضر أثر على عملنا؛ لأن الخضروات تعتمد في نقلها على الأقفاص التي نصنعها.

وأضاف مهدي لولا فرص العمل قليلة لما كنت أستمر بهذه المهنة، فمسيرة مهدي في الحياة يكتفها الغموض والخوف في مستقبله القاتم في ظل تحديات المعيشة الصعبة. حسب قوله

صناعة ذات عمق تأريخي

وفي أحد المقاهي التي تستخدم صناعة الجريد، تحدث رئيس إتحاد إدباء كربلاء السابق علي حين عبيد وهو مسترخ يطالع صحيفة، عن دور وأهمية هذه الصناعة في الوقت الحاضر، قائلا تعتبر صناعة الكراسي والمقاعد وأسرَّة النوم من جرّيد سعف النخل، صناعة ذات عمق تأريخي مهم في مسيرة الصناعات العراقية الفلكلورية، ولعل الجانب الأكثر أهمية فيها إنها ليست صناعة كمالية، بل هي صناعة مهمة تدخل في الأعمال والمهن التي تدر على أصحابها أموالا يمكن أن تعيل عوائلهم وتقدم لهم ما يحتاجونه لمواصلة حياتهم بأنشطتها كافة، إضافة إلى كونها صناعة تتميز بنكهتها التاريخية التي تعيد الإنسان إلى أجواء المهن التي أخذت بالانقراض رغم جمالياتها، مع إنها من القوة والمتانة بحث تضاهي الأدوات الحديثة في هذا المجال.

ولعلها تعيد الإنسان إلى بعض الأجواء المفعمة بنكهة الماضي وجمالياته ولا أنسى تلك اللوحات التشكيلية التي خلّدت هذه المهنة وأعطتها قيمتها الجمالية من حيث انتمائها للإرث الصناعي العراقي الشعبي وإسهامها بملء غرف وبيوت العراقيين ومقاهيهم كأثاث لا يمكن الاستغناء عنه، لهذا أتمنى على من يهمه الأمر من أصحاب هذه المهنة أن لا يتركوها إلى مهن عصرية قد لا تضاهي جمالياتها ومتانتها أيضا، كما أدعو المختصين بتشجيع العملين بهذه المهنة وحثهم على عدم تركها لكي لا تنقرض الصور والأشياء الجميلة من حياتنا.

أما المواطن حيدر عبد الكاظم36 سنة، فقد قال إن منظر الأثاث المصنوع من جريد السعف له نكهة خاصة في النفوس، وله جمالية في الحدائق تذكرنا بجمال البساتين، وكيف كان أجدادنا يجلسون ويتبادلون الحديث.

بينما ترى المواطنة أم أيمن ، أن السوق ممتلئة من المواد المصنعة من الأخشاب والتي تتمتع بمواصفات جيدة، تفوق صناعة الأثاث المصنوع من سعف النخيل (الجريد). وخصوصا أصبحت البضائع عصرية وتتمتع بموديلات جميلة.

من جهته قال علي عبد الزهرة، صاحب محل بيع أثاث منزلي حديث، لم تُعد صناعة الأثاث المنزلي المصنوعة من سعف النخيل تلاقي رواج في المنازل الحديثة، ولم يُعهد حديثاً أن يضع إنسان غرفة نوم أو تقم أثاث مصنوع من سعف النخيل في منزل حديث، كما إن مهنة بيع الأثاث المنزلي الحديث تحقق أرباح أكثر وبأقل الجهود.

اختلفت وجهات النظر حول صناعة الجريد ويبقى أصحاب هذه الحرفة يعتزون بها ويراهنون على استمرارها، رغم دخول الصناعات الحديثة، وإنها تشق طريقها في نفوس محبي التراث والفلكلور الشعبي، فضلا عن إنها مهنة يكسبون من خلالها لقمة العيش.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/كانون الثاني/2010 - 21/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م