تسونامي اندونيسيا.. دمّرَ البلد لكنه أنهى عقوداً من القتال

شبكة النبأ: مازالت عملية إعادة الإعمار في المنطقة الاشد تضرراً من التسونامي وهي إقليم آتشيه توصف بأنها قصة نجاح على الرغم من أن بعض المسؤولين يقولون أن التحديات الرئيسية ما تزال قائمة.

وقد استعاد العديد من الناجين من كارثة التسونامي في آتشيه، التي قتلت 160,000 شخص، سبل عيشهم بينما تم بناء المنازل والطرق والجسور والموانئ فيما يصفه البنك الدولي بأنه "أنجح جهود إعادة إعمار".

وقال كيم فون أمسبرغ، المدير القطري للبنك الدولي: "إذا نظرتم إلى الأرقام وكيف أعيد بناء العديد من الطرق والمدارس على نحو أفضل من ذي قبل، ستجدون أنه نجاح كبير".

 ولكن الحفاظ على استمرارية هذا التقدم وخلق فرص العمل وبناء القدرات في مجال السياسات العامة الفعالة من بين التحديات التي تواجهها الحكومة، وفقاً لفون أمسبرغ.

 وأضاف قائلاً: "سنواصل المساعدة... ولكن على الحكومة الإندونيسية وحكومة آتشيه أخذ زمام المبادرة في التغلب على التحديات".

 وكان التسونامي الذي ضرب آسيا يوم 26 ديسمبر 2004، مخلفاً أكثر من 220,000 قتيل في 13 بلداً، بمثابة دفعة للتوصل إلى اتفاق سلام في عام 2005 بين الحكومة الإندونيسية وحركة آتشيه الحرة الانفصالية. وقد أنهت تلك المعاهدة عقوداً من الصراع الذي أودى بحياة 15,000 شخص.

وقال تيونكو نزري، الذي فقد زوجته في التسونامي، أن حياة الكثير من الناجين قد تحسنت، وإن كان البعض ما زالوا يعيشون في ملاجئ مؤقتة وفرتها الحكومة.

وأضاف نزري البالغ من العمر 35 عاماً، والذي حكم عليه بالسجن سابقاً لكونه من مؤيدي الانفصاليين ويدير الآن ورشة لحام في باندا آتشيه، عاصمة المقاطعة: "هناك الكثير من الأعمال التي يمكننا القيام بها الآن، ولكننا بحاجة الى التدريب حتى يكون لدينا وظائف أفضل".

صيادو الأسماك عادوا إلى أعمالهم في آتشيه

وقالت ماس أماه، 36 عاماً، التي فقدت ابنها الوحيد و13 من أقاربها في أمواج المد، أن زوجها كان يبيع المنتجات قبل وقوع الكارثة لكنه الآن بلا عمل منتظم.

وقالت أماه لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "باتت الحياة أكثر صعوبة وغير مضمونة الآن. فزوجي يعمل بوظائف مؤقتة، وأحياناً يساعد الناس على بيع سياراتهم أو دراجاتهم النارية. نحن بحاجة إلى رأس المال لبدء عمل تجاري صغير، ولكن من الصعب جداً الحصول عليه".

بدوره، قال رئيس وكالة آتشيه لاستدامة الإعمار، التي حلت محل وكالة آتشيه ونياس لإعادة الإعمار والتأهيل بعد انتهاء ولايتها هذا العام، أن 94 بالمائة من أعمال إعادة الإعمار قد انتهت خلال السنوات الخمس الماضية.

وقال اسكندر، الذي كالعديد من الإندونيسيين يستخدم اسماً واحداً فقط: "لا يزال هناك الكثير من العمل في مجالات البنية التحتية والاقتصاد... فعندما ضربت أمواج التسونامي، دمرت العديد من حقول الارز وبعض هذه المناطق لا يمكن استخدامها مرة أخرى، لذلك فإننا لا نزال بحاجة إلى تطوير ألفي هكتار من الحقول الجديدة".

 وأضاف أن الفقر والرعاية الصحية والتعليم من بين القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة لحكومة إقليم آتشيه.

وقال تيوكو هيكل، المتحدث باسم التجمع الساحلي لجنوب غرب آتشيه، وهي منظمة غير حكومية، أن وكالة آتشيه لاستدامة الإعمار لم تتمكن من حل المشكلات التي ورثتها عن وكالة آتشيه ونياس لإعادة الإعمار والتأهيل، بما في ذلك ملكية بعض الناجين للعديد من المنازل.

وقال اسكندر أنه قد تم بناء أكثر من 130,000 منزل وهو ما يكفي لتوفير المأوى لجميع الناجين، ولكن بعض الأشخاص حصلوا على منزلين أو ثلاثة لأنهم كانوا يملكون مساحات كبيرة من الأراضي قبل التسونامي.

وأضاف قائلاً: "لقد ذكرت هذه المشاكل لحكومات المقاطعات والشرطة حتى يتمكنوا من التعرف على الأشخاص الذين لا يحق لهم ملكية بعض المنازل واعطائها لأولئك الذين يستحقونها". كما قال اسكندر أنه لا توجد أرقام متوفرة عن عدد الأشخاص الذين لم يتسلموا منازل بعد.

وفي ظل معدل بطالة يصل إلى 10 بالمائة، يعتبر خلق الوظائف مسألة بالغة الأهمية في آتشيه، وفقاً للمسؤولين.

وقال نائب حاكم آتشيه، محمد نزار في خطاب ألقاه يوم 16 ديسمبر: "سيمول مشروع بقيمة 50 مليون دولار مشروعات فرعية مختلفة ترمي إلى دعم التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل لا سيما في مجالات مثل الزراعة ومصايد الأسماك".

وأضاف نزار أن الصندوق الذي تسهم فيه جهات مانحة متعددة، في شراكة بين الحكومة والوكالات الدولية، ساهم بمبلغ 700 مليون دولار استخدمت لبناء 19,122 منزلاً، ومد 2,655 كيلومتراً من الطرق الريفية، وإقامة 936 جسراً وحفر 1,473 كيلو متراً من قنوات الري.

التسونامي غيّر كل شيء

عندما ضرب تسونامي إقليم آتشيه في 26 ديسمبر 2004 مودياً بحياة حوالي 160,000 شخص، كان خالدان البالغ من العمر 44 عاماً، مقاتلاً مع حركة تحرير آتشيه الانفصالية.

وبعد مرور خمس سنوات على تلك الكارثة، يتذكر خالدان كيف نجحت هذه الكارثة الطبيعية التي تعد الأسوأ من نوعها في البلاد في توحيد صف طرفي النزاع. وقد أصبح خالدان الآن زعيماً لقرية لامي وواحداً من آلاف المقاتلين الانفصاليين السابقين العاملين مع الحكومة. وقد تحدث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عن ذلك قائلاً:

"انضممت لحركة تحرير آتشيه عام 1996. لقد كانت الحياة خلال النزاع صعبة بالنسبة لنا. فغالباً ما كنا نبقى دون طعام ونقاتل ونحن جياع.

كنا نخوض حرب عصابات ولم تكن لدينا يوم قاعدة دائمة. فكنا نتنقل باستمرار حتى لا يستطيع العدو تعقبنا. وبمجرد أن نشعر بأن العدو [الجيش الإندونيسي] قد اكتشف مكان وجودنا، نسرع بالتحرك سواء ليلاً أو نهاراً.

كنا ندخل في مناوشات متكررة مع الجيش الإندونيسي بعد إعلان الأحكام العرفية [في مايو 2003].

وفي يوم كارثة التسونامي، كنا في مخيم صغير على بعد 11 كلم من الساحل وشعرنا بهزة أرضية عند الساعة الثامنة مساءً. لم نعلم بأمر التسونامي سوى في وقت متأخر من اليوم عندما سمعنا أخباره في الراديو ومن أصدقاء يعيشون بالقرب من المحيط. بحسب شبكة الانباء الانسانية.

زحفنا بهدوء تام إلى الساحل لتفحص الأوضاع. وعندما رأينا ما حدث، بدأنا نساعد في نقل الجثث التي ملأت المكان. كان أفراد الجيش أيضاً يقدمون المساعدة ولم يدركوا أننا من حركة تحرير آتشيه الانفصالية لأننا لم نكن نرتدي زينا أو أي شيء يدل على هويتنا. كنا هناك لمساعدة الناس ولم نكن نحمل أية أسلحة. لم نكن نملك أي طعام، فأخذنا بعضاً من المساعدات التي كان يقدمها عمال المنظمات غير الحكومية.

وعندما تم التوقيع على اتفاق السلام في أغسطس 2005، لم تكن لدينا أية فكرة أنه مثل هذا الاتفاق سيكون في يوم ما ممكناً. ربما كان المسؤولون في الحركة على دراية بقرب وقوعه ولكن المقاتلين العاديين لم يكونوا يعلمون ذلك ولم تكن هناك أية بوادر على حدوثه. لقد غير التسونامي كل شيء.

أفكر كثيراً في معاناة سكان الغابات. ليست هناك أية ذكريات حلوة. كنا نعاني من الجوع ونضطر لأكل الأعشاب لسد رمقنا. أما اليوم فلدينا بيوتنا وزوجاتنا وأسرنا.

تقتضي مهمتي الآن، باعتباري زعيم القرية، أن أخدم الناس. أفوض الأمور الإدارية إلى المساعد وأمنح السلطة للمسؤولين الآخرين المنتخبين من قبل الناس. نحصل على ميزانيتنا من المقاطعات وإذا لم نسخرها كلها لخدمة الناس وحاولنا الاحتفاظ ببعضها لنفسنا فإن الناس سيصوتون ضدنا.

الأمر الأهم هو تحقيق العدل. فعندما كنا نعاني من النزاعات بين حركة تحرير آتشيه والحكومة، كان كل ما نريده هو العدل. فغيابه هو الذي يؤدي إلى النزاع.

أملي الكبير أن تستمر أوضاع آتشيه في التحسن. وإذا ما تم تطبيق كل بنود اتفاقية السلام، فإنني لا أعتقد أنه سيتم تنظيم حركة انفصالية جديدة. ولكن إذا لم يتم ذلك، فمن الممكن أن يقوم أولادنا وأحفادنا بحمل السلاح مرة أخرى".

لا بد أنني عشت لسبب معين..

أودى التسونامي الذي ضرب آسيا بحياة 220,000 شخص في 13 بلداً من بينهم 35,000 قتيل في سريلانكا. وتتذكر كونيشواري سيفاغانيشان، 11 عاماً، التي تعيش الآن مع جدتها في مدينة باتيكالاو شرق البلاد، ما حصل ذلك اليوم بعد مرور خمس سنوات على الكارثة:

"كانت تجربة رهيبة. كانت المياه تغمر المكان وكانت الأمواج ضخمة للغاية. أينما نظرت، كنت أرى المياه تجرف الناس. كان منظر المياه ترتفع إلى ذلك المستوى الخيالي أشبه بكابوس. كانت الأمواج تضرب بعض المناطق بقوة أكبر من بعضها الآخر. ولحسن حظي لم يرتفع مستوى المياه في المكان الذي كنت فيه ارتفاعاً كبيراً.

ولكن الوضع حولي كان في منتهى الفوضى. لم يكن من السهل استيعاب ما يجري. كان أبي قد خرج للصيد في الليلة السابقة ولذلك لم أفكر فيه مباشرة عندما بدأ التسونامي ولكنني فكرت في أمي لأنني كنت أشعر بالرعب.

شعرت بألم رهيب عندما أخبرتني خالتي أنه تم العثور على جثة أمي. وفي وقت لاحق من الأسبوع علمت أن والدي مفقود أيضاً. انتظرت أسابيع طويلة كي يعود أبي ولكنه لم يعد أبداً. أعتقد أنه مات هو الآخر. عادة ما أشعر بحيرة كبيرة ولا أفهم لماذا عشت أنا في الوقت الذي توفي فيه والديَّ معاً. وأحياناً أشعر بالرعب عند الذهاب للنوم ليلاً. أتخيل أحياناً أن المياه ستعود لتغمر المكان ثانية فعندما ضرب التسونامي في المرة الثانية، تمكنت بالكاد من النجاة بحياتي. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

أذهب الآن إلى المدرسة مثل باقي الأطفال وأحب مدرستي كثيراً. أجتهد وآمل في أن أحظى يوماً بحياة أفضل. تعاودني الذكريات الحزينة أحياناً ولكنني أريد أن أنسى الماضي وأركز على المستقبل. هذا هو هدفي الآن. أقاربي طيبون معي وهم يساعدونني على المضي قدماً وأنا أحبهم كثيراً. لدي بيت أعيش فيه. وأنا ممتنة لله على تمكني من البقاء على قيد الحياة. لا بد أنني عشت لسبب معين".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/كانون الثاني/2010 - 20/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م