أن من أهم الأسباب والعوامل الرئيسية في صناعة ثقافة الرعب والخوف
في المجتمعات العربية والإسلامية تكمن في الحقيقة وبصراحة في طغيان
السلطة الاستبدادية سواء أكانت سلطة سياسية أو دينية أو اجتماعية...
وكذلك طغيان ثقافة اجتماعية موروثة من جيل إلى جيل مع وجود نظام تربوي
متخلف وفاسد غير قابل للتطوير والإصلاح.
كذلك أيضا لا بد من إشارة إلى نقطة هامة جدا وهي استخدام وسائل
الإعلام المختلفة والمتنوعة للترويج ونشر الجرائم الإرهابية والوحشية
التي يستخدمها الإرهابيون التكفيريون من خلال بث الرعب والفزع والخوف
بين الناس الأبرياء عن طريق القنوات الفضائية والصحف والمجلات والمواقع
الإلكترونية على شبكة الإنترنت التي تصنع في الحقيقة ثقافة الرعب
والفزع والخوف وتنشر العنف والفوضى والسعي لإثارة الفتنة الطائفية
البغيضة ومحاولة تزييف الحقائق وتضليل عامة الناس وخاصة البسطاء منهم
والسذج والمغفلين.
إن جذور الخوف والرعب والفزع المسيطرة في داخل الإنسان لفترات طويلة
لا يمكن استئصالها بالمطلق إذا انتشرت واستفحلت بشكل كبير... وفي هذا
السياق, لا بد أن أتحدث هنا بصراحة أن مشكلة المواطن العربي المسلم
تكمن في المواقف الصعبة ما بين قول كلمة الحق والعمل بها والتحدي
والمواجهة وهذه هي مهمته الأساسية في الحياة وبين الخوف والرعب من
انتقام السلطات ولاسيما في الأنظمة الشمولية الاستبدادية.
وهكذا تظهر وتبرز وضوحا نتائج ثقافة الرعب والخوف في معظم الدول
العربية والإسلامية , ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر الرعب والخوف المزمن
عند الشعوب العربية والإسلامية من أجهزة الاستخبارات أو رجال الأمن
بشكل عام , إذ فقدت كلمة الأمن دلالتها الفكرية والمعنوية منذ عقود حيث
يخاف المواطن العربي المسلم عند سماعه كلمة الأمن..
وهكذا تشكلت حالة خاصة يمكن أن نطلق عليها تعبير " الخوف والرعب
الأمني ". والذي كاد يصبح رُهابا.. إذ تركت حالة الطوارئ المعلنة منذ
ما يزيد عن عقود طويلة آثارها النفسية الثقيلة في حياة المواطنين
بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يذكر سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي ( رحمه
الله ) في كتابه المعروف " كفاحنا ": ( أن صدام حسين " المقبور " قال
لمعمر القذافي: خذ ثلاثة آلاف من شخصيات البلد من مختلف الطبقات
وأودعهم السجن وعذبهم لمدة شهر أشد العذاب , وبعد ذلك أرسل من يسألهم
عن أسمائهم , فمن نسي اسمه من هول التعذيب وشدته فاتركه وأطلق سراحه ,
ومن أجاب باسمه أجر عليه التعذيب مرة ثانية , لكن القذافي قال له: نحن
جميعا إخوة , ولا نحتاج إلى هذه الجرائم.
وقال من شهد قصر النهاية أي نهاية التحقيق: أنه أحيانا كان يؤتى
بإنسان يراد قتله , فيربط على الحائط , ثم يؤمر جماعة ممن عندهم السلاح
, أن يجربوا ( على اصطلاحهم ) سلاحهم فيه , فكانوا يضربونه بالبنادق
والمسدسات حتى ينهكوه جسديا , كسرا وجرحا وهو يستغيث ثم يطلقون عليه
الرصاص حتى يموت.
وأحيانا يترك بعد التعذيب يوما أو أكثر في حالة الغيبوبة وما أشبه
ثم يقتل. وكانوا أحيانا يحرقون بدن المقتول بإلقاء مواد حارقة عليه ثم
إشعال النار فيه. وأحيانا كانوا يثقبون بعض أجزاء جسم من يراد إعدامه
كاليد والرجل وما أشبه ثم إدخال حبل غليظ فيه, وجره من الطرفين
كالمنشار حتى يقطع اللحم والجلد... قال: وذات مرة مات المعذب بعد دقائق
من إجراء هذه العملية عليه. ثم إن من الجدير بالذكر , أن قصر النهاية
لم يكن مركزا للتعذيب وحده , بل كانت مراكز الأمن في كل العراق كذلك
وكانت السجون فيها محلا للتعذيب , وقد سيطر حزب البعث " المنحل " على
أكثر من مائتي مركز ا في بغداد , وكانت هي دور السجن والتعذيب ,
وأحيانا كان يصل عدد السجناء إلى مائة ألف ونحوه , كما كتبت عن ذلك بعض
صحف لبنان وغيرها ).
ونلاحظ أيضا في وقتنا الحاضر في بعض البلدان العربية والإسلامية غير
الديمقراطية يفعل الحكام وغيرهم أمثال هذه التعذيبات والانتهاكات
الصارخة بل وأشد وأعظم من ذلك... كما نسمع ونشاهد عبر وسائل الإعلام
المختلفة عن معارك طاحنة و حرب ضروس لا ترحم خاضها الجيش العربي اليمني
ضد أبناء وطنه الحبيب مع العلم أن هذه الصراعات والنزاعات كان يمكن حله
سلميا وبدون سفك دماء وسقوط ضحايا أبرياء إلا أن السلطة السياسية
الاستبدادية ركبت رأسها وجيشت جيشها لتخوض حربا شعواء ضد أبناء الوطن
الواحد. والعجيب في الأمر أن الجيش لم ينتظر كثيرا حتى لجأ إلى استخدام
الطائرات الحربية المقاتلة و السلاح المحرم دوليا ألا وهو الفسفور
الأبيض القاتل.
وكذلك ما يحدث في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال والسودان...
من اغتيالات وتصفيات جسدية و تفجيرات إرهابية وتخريب البنية التحتية
ترتكبها جماعات إسلامية متطرفة تكفيرية وجماعات أخرى مدعومة من بعض
استخبارات دول عربية وأجنبية وهي لا تؤمن إلا بمنطق القوة والضربة
الحديدية والقتل والدمار وثقافة العنف والإرهاب ونشر الرعب و الخوف في
نفوس المواطنين الأبرياء العزل الذين يؤمنون بثقافة السلام والاستقرار
الأمني والنفسي والتسامح والتعايش السلمي والاعتراف بالآخر والتعددية
الفكرية والسياسية وحرية التعبير وسلطة القانون.
وختاما وفي نهاية المطاف... نحن بأمس الحاجة إلى " ثقافة تنويرية
حقيقية " تصنع حضارة وأمة متقدمة ومتطورة تغيّر الواقع المتخلف والفاسد
الذي أفرزته ثقافة الرعب والخوف، وبالتالي نستطيع بالفعل أننتخطّى
العوائق والصعوبات للمضي قدما نحو المستقبل الزاهر، تحقيقا وتلبية
لطموحات شعوب المنطقة وأهدافها الاستراتيجية. ويجب أن ندرك جميعا أنّ
التغيير والإصلاح الحقيقي في العالم العربي والإسلامي يبدأ بإحيــــاء
مؤسسات المجتمع المدني وما تقتضيـــه من: التعددية الفكرية والسياسية،
وحقوق الإنسان ,و إقامة دولة الحق والعدل و سلطة القانون، ونشر
الديمقراطية والحرية. |