مجلس النواب العراقي ودوره في تعويق المشاريع الحيوية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لايزال العراقيون يحلمون ببناء دولة المؤسسات القائمة على الفصل بين السلطات والتي ينظم علاقاتها وانشطتها دستور دائم مُقَرّ شعبيا وغير قابل للتجاوز او المراوغة او الاحتيال على مواده وفروعها المتعددة، ولعل الانسان العراقي هو الاكثر حاجة لتحقيق هذا الحلم بسبب قرون وعقود متتابعة من الهوان والحرمان والاقصاء ومصادرة الحريات الفردية والجماعية التي تعرضّت لها الطبقات الأكثر فقرا، ناهيك عن انواع التعذيب والتجاوز على الكرامة الانسانية، مع اننا نتفق على ان هذا البلد يُعَدّ من مواطن الحضارة الانسانية الاولى، وكلنا سمع بمسلّة حمورابي التي حاولت منذ آلاف السنين أن تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وحياة الانسان بصورة عامة، بيد أن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح وبقي هذا البلد شعبا وارضا وثروات معرّضا لسلطان الطواغيت على امتداد القرون والعقود الماضية.

وهكذا يُعتبر الفصل بين السلطات وعدم تكريسها بيد الفرد الحاكم، مطلبا شعبيا ونخبويا لا تراجع عنه كونه الطريق الأسلم والأقوى لترسيخ دولة المؤسسات وردع الطواغيت عن الانفراد بالسلطة والمال العام، ومن ثم التحكم الاهوج بمصائر الناس لا سيما الفقراء والبسطاء منهم، ولعلنا لازلنا نخوض في مرحلة التأسيس، ومثالنا على ذلك برلماننا او مجلسنا الوطني الراهن.

ومع اننا نتفق كل الاتفاق على ان مجلس النواب العراقي الآن لا يشبه المجالس الوطنية السابقة، وانه فعلا يعتبر الجهة التشريعية الاولى والاقوى في عراق الآن، وهذا ما يُسجَّل لصالحه ولصالح بناء دولة المؤسسات، إلاّ أن الخلل الخطير الذي يترشح عن أنشطة هذا المجلس يجعلنا ننظر إليه بنوع من الريبة لدرجة أن المواطن العراقي بات يتوجس خيفة في عدد من خطواته التشريعية التي شُرِّعتْ او تلك التي لا تزال قيد التشريع، ولسنا هنا بحاجة الى تذكير أعضاء هذا المجلس بجاهزية وسرعة تشريعهم لكل ما يصب في مصالحهم الفردية والعائلية وحصول الاجماع (المريب) والسريع حول تلك المشاريع ذات المصلحة الذاتية، مقابل الإبطاء المريب أيضا لأغلب المشاريع التي تصب في الصالح العام لا سيما تلك التي تتعلق بأرزاق الناس ورواتبهم وثرواتهم النفطية وغيرها !!.

ولعل الشاهد الحي على قولنا هذا، هو محاولة ترحيل بعض القوانين والتشريعات الهامة الى المجلس القادم، أي بعد اجراء الانتخابات النيابية القادمة، ومنها قانون حماية الصحفيين الذي يخص حرية الاعلام والعمل في هذا القطاع الحيوي بحرية مما يساعد على تفعيل الدور الرقابي للسلطة الرابعة مع ضمان حماية حياة الاعلاميين وتوفير الحياة اللائقة لهم، واذا كان هذا القانون يخص مجموعة مهنية معينة من الشعب، فإن قانون الموازنة المالية لعام 2010 لا يتعلق بمجموعة أو طبقة محددة من الشعب بل يخص طبقات وشرائح الشعب كافة، وأن تعطيله الآن وترحيله الى المجلس القادم هو خطوة واضحة ومقصودة للإضرار بالشعب ومصالحة من دون تمييز بسبب بعض المصالح الحزبية او الفئوية الضيقة التي تتعلق بالانتخابات والفوز بالمناصب الحكومية وما شابه.

وهنا يمكن القول بصوت عال وبلا تردد، انه من المعيب على أي نائب او حزب او كتلة سياسية أن تضع مصلحتها فوق مصلحة الشعب مهما كانت الاسباب، واذا كانت لعبة الانتخابات مشروعة والمنافسة بين الجميع مشروعة ايضا، فإن هذا الامر لا يبرر ولا يبيح لجميع اعضاء البرلمان او احزابهم وكتلهم تفضيل الذات الفردية او الحزبية او الكتلية على مصلحة الشعب الذي يراقبهم الآن بعين ثاقبة لا تنسى من يسيء لها وذاكرة حادة ستحفظ المواقف الشريفة لأهلها وستفرز النواب والاحزاب والكتل الانتهازية التي تفضل مصالحها على مصالح الفقراء وسوف تحاسبهم الحساب الذي يستحقونه في صناديق الاقتراع.

ولهذا على النواب ومن يهمه الامر في ادارة العملية السياسية والانتخابية تحديدا أن لا يجعلوا مصالح الشعب لعبة تخضع لنوازعهم السيئة ومصالحهم الفردية او الحزبية الضيقة التي لن تتحقق لهم إلاّ عن طريق واحد هو طريق مراعاة مصالح الشعب، ولعله من المفيد أن نذكّر هنا من لا يريد أن يتذكر!!  بأن موازنة العام القادم (2010) تحمل معها حسب تصريحات المعنيين (115) ألف فرصة عمل للعراقين الذين ذاقوا الامرين بسبب تفشي البطالة بين صفوفهم شيبا وكهولا وشبابا، ناهيك عن تعطل ملف الخدمات المتردية اصلا في حالة عدم التصويت على الموازنة، والسبب فيما لو حصل ذلك واضح وضوح الشمس حتى لأبسط العراقيين وعيا وفهما، وأن الجهات البرلمانية او السياسية التي تريد تعطيل قانون الموازنة واضحة ومعروفة لفقراء الشعب وهم أنفسهم اولئك الذين لن يترددوا لحظة في التصويت على القرارات الخاصة بمصالحهم ومخصصاتهم المالية وما شابه.

إن ظاهرة تعطيل القوانين التي تهم مصالح الشعب من قبل اعضاء مجلس النواب ليست جديدة ولعلها تشكل الصفحة الأسوأ في رحلتهم التي قاربت الانتهاء، وما اختفاء الاعضاء وعدم حضورهم لجلسات المجلس الاخيرة إلاّ دليلا قاطعا على أمرين، الاول (لقد غسلوا ايديهم تماما من الفوز مرة أخرى بسبب كشف الناخب العراقي لهم بوضوح لا يقبل اللبس) والثاني (إنهم يأتمرون بأوامر احزابهم او كتلهم التي تتقصد عدم اكتمال نصاب المجلس وبالتالي عدم التصويت على القوانين او المشاريع الهامة كموازنة العام القادم).

ومع ذلك لم يبق لنا سوى أن نقول لمن يهمه الامر من النواب وقادتهم، بأن دربهم لا يزال يمر بالناخب العراقي، ولهذا على من يريد أن يبقي على مستقبله السياسي واضحا وسليما ووطنيا وانسانيا أن لا يعرقل مرور المشاريع التي تهم حياة الشعب عامة، لا سيما موازنة العام 2010. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/كانون الثاني/2010 - 18/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م