
شبكة النبأ: تُفيد النتيجة التي
يعتبرها البعض تقليدية أن العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم
العربي تدهورت في ظل إدارة بوش، فقد دعَّمت استطلاعات الرأي العامة في
المنطقة هذا التأكيد. لكن استطلاعات الرأي في العالم العربي محفوفة
بالتعقيدات، ولا تخبرنا النتائج بأي شيء حول الطريقة التي يتصرف بها
العرب فعلياً فيما يتعلق بآرائهم. وقد شجعت هذه التعقيدات على تطوير
وسائل جديدة لتقييم الرأي العام العربي.
ففي المؤشر السلوكي للعرب، اعتادت أفعال العرب على مدح العلاقة بين
الولايات المتحدة والعالم العربي على المستويين الشعبي والرسمي. وعلى
وجه الدقة، يحاول المؤشر التحديد الكمي للعلاقة باستخدام مجموعة متنوعة
من المؤشرات والإحصائيات. تستخدم جميع الإحصائيات عام 2000 كخط أساسي
من أجل وضع مخططات للتغييرات بين عصر ما قبل 11 تشرين الأول/سبتمبر
والوقت الحالي.
وكما هو الحال مع كافة المقاييس الإحصائية، يعمل المؤشر فقط على
تلخيص الأحداث. وهناك جوانب رمادية محددة أو أحداث محددة لا يمكن
تحويلها مباشرة إلى كم في المؤشر رغم التأثير الهائل الذي قد تحدثه على
العلاقات بين الولايات المتحدة والعرب. ورغم ذلك، لا ينصب تركيز المؤشر
على هذه الأحداث، وإنما على القضايا اليومية التي تؤثر على العالم
العربي.
وفي ندوة جمعته مع مختصين آخرين قدّمَ ديفيد بولوك، الباحث في معهد
واشنطن ورقته الخاصة بهذا الموضوع قائلاً: إن تحليل المؤشر يكشف عن
اتجاه مثير للاهتمام: لقد تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة والدول
العربية بشكل عام في العقد الماضي رغم تأكيد استطلاعات الرأي على عكس
ذلك. ويدعم المؤشر هذا الاستنتاج من خلال معاملة الأفعال الواقعية
للعرب في المنطقة على أنها مرتبطة بالسياسة أكثر من ارتباطها بالخطاب.
واضاف بولوك، فيما يتعلق بالتنظيم، يُقيِّم المؤشر الروابط الشعبية
والروابط الرسمية بشكل منفصل. توضح الأجزاء المخصصة للروابط الشعبية
التغيرات في الأفعال الفردية للعرب المرتبطة بالولايات المتحدة. وهذا
يشمل الإحصائيات والنسب التي تركز على الروابط الطلابية وإصدار
التأشيرات واستهلاك البضائع الأمريكية. تتناول نسبة الروابط الطلابية
عدد الطلاب من دولة محددة اختاروا الدراسة في الولايات المتحدة. وعلى
مدار العقد الماضي، شهدت هذه النسبة زيادة متواضعة. وعلى نحو مشابه،
فإن نسبة التأشيرات تتناول عدد التأشيرات الأمريكية الصادرة للعرب.
وبيّنَ بولوك، رغم أن هذه النسبة تدنت على الفور عقب أحداث 2001،
إلا أن خط الاتجاه زاد بشكل ثابت بعد ذلك، حيث تجاوز في النهاية 2000
شخص في العام الماضي. وأخيراً، تقيس نسبة الصادرات الإستهلاكية مقدار
المنتجات الأمريكية التي يشتريها العرب. وتشمل هذه النسبة المشتريات
الحكومية الضخمة وتقتصر على المنتجات المصممة للإستهلاك الفردي. ومرة
أخرى، تظهر الإحصائيات زيادة ضخمة وثابتة في هذا العدد. وللتعمق في هذه
الظاهرة، تم إجراء استطلاع استقصائي في الأردن ومصر لمعرفة ما إذا كان
الناس أكثر أو أقل احتمالاً لشراء المنتجات الأمريكية. وقد ذكرت نسبة
مئوية صغيرة فقط أنهم أقل احتمالاً لشراء المنتجات الأمريكية لأسباب
سياسية؛ وفي الواقع، فإن نصف السكان فقط كان بوسعهم تحديد المنتجات
الأمريكية، وبلغ الحد إلى أن البعض حدد بعض المنتجات الزائفة في
الدراسة على أنها أمريكية. وبشكل عام، فإن العلاقات الشعبية منذ ذلك
الحين بين الولايات المتحدة والعالم العربي قد تحسنت رغم التوقعات
المعاكسة التي خلفها استطلاع الرأي.
ويوضح بولوك، لقد كان نفس الاتجاه واضحاً بشكل كبير على الجانب
الرسمي، رغم اختلاف واحد. إذ توضح أجزاء المؤشر المخصصة للروابط
الرسمية التغيرات في أفعال الحكومات العربية تجاه الولايات المتحدة حول
قضايا مثل التجارية الثنائية وتسليم الأسلحة ونسب التصويت في الأمم
المتحدة. وقد أظهرت نسب التجارية الثنائية وتسليم الأسلحة زيادة ثابتة
خلال العقد. ومع ذلك، فإن نسبة التصويت – والتي تقيس توافق أنماط
التصويت الأمريكية والعربية في الأمم المتحدة – شهدت هبوطاً سنوياً
تقريباً من 2000 إلى 2008.
تؤكد قاعدة بيانات الاحتجاج العربي ضد أمريكا بمعهد واشنطن النتائج
الكلية للمؤشر من خلال إبراز الهبوط الأخير في حوادث الاحتجاج. يُظهر
التأريخ الزمني للمظاهرات المعادية لأمريكا في العالم العربي من 2000
إلى 2009 وفقاً لقاعدة البيانات ارتفاعاً كبيراً في أنشطة الاحتجاج في
2003 بسبب الغزو الأمريكي للعراق، عقبه هبوط في السنوات التالية.
وعلاوة على ذلك، فإن فهارس الإصلاح السياسي والاقتصادي العربي الجديدة
بهذا المشروع، استناداً إلى تقييمات أفضل الخبراء بواسطة المنظمات غير
الحكومية والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وفريدم هاوس، تُظهر أنه
في العديد من الدول العربية كان أعظم تقدم نحو الإصلاح هو الذي تم في
السنوات التي تدنت فيها الشعبية الأمريكية إلى مستويات قياسية.
ويختم بولوك بالقول، انطلاقاً من هذه النقطة، يجب أن تخطر واشنطن
صُناع سياستها بتحليلات تركز على الأفعال العربية وليس على الاتجاهات
العربية فحسب. ورغم أن الرئيس أوباما أعطى الناس في المنطقة سبباً
للإثارة بخطابه في القاهرة في حزيران/يونيو 2009، فإن هذه المشاعر لم
تسجل بعد تغييرات ملموسة في البيانات السلوكية. سيكون هذا التحول هو
الاختبار الحقيقي لما إذا كان بوسع أوباما تغيير ليس الرأي العام فحسب،
وإنما أيضاً الأفعال العامة تجاه الولايات المتحدة.
أما الباحث محمد عبد الباقي، زائر بمشروع فكرة التابع لمعهد واشنطن
فقدّم ورقته قائلاً: يناقش الرأي العام المصري الأفعال المصرية. فرغم
أن استطلاعات الرأي تشير إلى نتيجة واحدة، فإن السلوك الفعلي للشعب
المصري على النقيض دائماً. وعلى سبيل المثال، فإنه رغم الاحتجاجات
المتكررة نسبياً ضد الولايات المتحدة والمشاعر غير المواتية بشكل عام
في مصر، إلا أن الطلاب لا يزالون يعتبرون الولايات المتحدة مكاناً
مرغوباً للدراسة. وفي 2005، حصل حوالي 84000 طالب مصري على الدعم من
مؤسسة أمريكا – الشرق الأوسط للخدمات التعليمية والتدريبية (امديست)
لمواصلة دراساتهم في الولايات المتحدة. حتى جامعة الأزهر المعنية
بالدراسات الإسلامية، وهي مرتع للمشاعر المعادية لأمريكا، كان لها عدد
هائل من المتقدمين إلى مثل تلك البرامج.
ويتابع عبد الباقي، تظهر قوة العمل المصرية ميولاً مشابهة. فعلى
سبيل المثال، أقام مشروع المناطق الصناعية المُؤهلة (الكويز) مناطق
صناعية في مصر مسموح لها بالدخول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم طالما
أنها تشتمل على نسبة محددة من المدخلات الإسرائيلية. ورغم أنها حفّزت
زيادة هائلة في التجارة، إلا أن المناطق كانت شعبية بشكل مفرط في
استطلاعات الرأي. ووفقاً لاستبيان أجراه "مركز پيو" في عام 2005، عارض
حوالي 70 بالمائة من المصريين المبادرة. ورغم عدم الشعبية الجارفة
الواضحة هذه، إلا أن 24000 مصرياً تقدموا بطلبات للحصول على وظائف في
مناطق الكويز.
وعلى المستوى الرسمي، وُجهت إلى الحكومة المصرية نقد عام بسبب
أفعالها التي تُعتبر داعمة للسياسة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، عندما
كانت مصر الدولة العربية الأولى التي ترسل سفيراً لها إلى العراق بعد
الحرب، أيد 38 في المائة فقط من الجمهور هذا القرار.
ويختم عبد الباقي ورقته البحثية بالقول، بشكل إجمالي فإن المعاداة
المصرية لأمريكا تعمل في ظل ديناميكية فريدة: فتلك معاداة تقتصر على
المشاعر، ولكنها لا ترتقي إلى الأفعال. فالاتجاهات المصرية تجاه
الولايات المتحدة مختلطة. يعارض الجمهور بقوة السياسة الخارجية
الأمريكية، لكنه يرغب أيضاً في الإصلاحات الديمقراطية التي تتحدث عنها
الولايات المتحدة. فالاتجاهات والأفعال ليسا نفس الشيء في مصر. ورغم أن
الاحتجاجات في الشوارع تعكس استياءً، إلا أن نفس هؤلاء المعارضين
المصريين يريدون ما تريد الولايات المتحدة تقديمه ويأملون في حصد فوائد
علاقة صحية.
وقال الباحث نبيل خوري، مدير مكتب التحليل للشرق الأدنى وجنوب آسيا
في مكتب الاستخبارات والأبحاث بوزارة الخارجية الأمريكية في ورقته التي
طرحها: إن الاتجاهات نحو السياسة الأمريكية تُشكل الاستجابة العربية
ولذا يجب تحليلها بشكل تام. إن المؤشر السلوكي للعرب (وهو إطار عمل
تحليلي ومشروع لجمع البيانات يهدف معهد واشنطن إلى الإعلان عنه خلال
الشهور القادمة) يقوم بعمل رائع بسعيه لفهم أفعال العرب الأفراد
وحكوماتهم. ورغم أن العديد يرى أن الغرب على خلاف مع العالم العربي،
إلا أن الحقيقة الكامنة هي أن معظم النظم العربية هي في الواقع مؤيدة
لأمريكا حتى مع معارضتها للسياسة الخارجية الأمريكية. وعلى المستوى
الشعبي، فإن العديد من العرب يؤيدون الدعم الأمريكي للإصلاحات المدنية
والديمقراطية لكنهم يرفضون دعم واشنطن الثابت لإسرائيل.
ويتابع خوري، رغم ذلك فإنه بجانب هذه الإشارات الهامة، يقوم المؤشر
ببعض الافتراضات الجوهرية التي قد لا تكون صحيحة بالضرورة. على سبيل
المثال، يفترض المؤشر أن الآراء السلبية ينبغي أن تؤدي إلى سلوك سلبي.
عندما يعبر الناس عن ازدرائهم من خلال احتجاجات أو وسائل عامة أخرى،
فإنهم يعبرون عن مقتهم لجوانب محددة من السياسة الأمريكية – ورغم ذلك،
فإنهم لا يزالون بشكل عام يرحبون بُمثل الديمقراطية والمجتمع المدني
النشط. إن الجماعات التي تمثل حقاً معاداة لأمريكا من بين الـ300 مليون
عربي في المنطقة وتشكل تهديداً حقيقياً على الولايات المتحدة هي
الجماعات الجهادية الهامشية التي تعمل سراً ومن خلال وسائل عنيفة.
تحتاج هذه الجماعات إلى بعض إجراءات الدعم الشعبي، وإن كانت صغيرة، حتى
تمارس نشاطها. ورغم أن هذا الدعم يتضاءل، إلا أن هذا الاتجاه ليس
مرتبطاً بالضرورة بالمشاعر العامة تجاه الولايات المتحدة؛ وبدلاً من
ذلك، فإنه عامل يعبر عن الصعوبة التي تواجهها الجماعات الجهادية في
ترسيخ أنفسها داخل مجتمعاتها بعد مرحلة المقاومة الأولية. ولذا، فإنه
وإن كانت الاتجاهات العامة السيئة تجاه الولايات المتحدة لا تغير نسب
"الروابط الشعبية" بالمؤشر بشكل مباشر، إلا أن هذه المشاعر قد تؤدي في
النهاية إلى تجميع مزيد من الدعم الشعبي للجماعات الجهادية، مما يشكل
خطراً أكبر بكثير على مصالح السياسة الأمريكية مما تمثله على نتائج
الاستطلاعات السلبية.
ويوضح خوري، بالنسبة لصانعي السياسات في واشنطن والأماكن الأخرى،
يُرسل المؤشر رسالة مفادها أن الرأي العام لا يشكل أهمية.
ويختم خوري متسائلاً، مع ذلك هل يمكن لمؤشرات مثل اتجاهات
المستهلكين أن توفر فعلياً صورة كافية للرأي العام العربي؟ هل لا يوجد
لدى صناع السياسة الأمريكيين حقاً سبباً للقلق طالما ظلت هذه الاتجاهات
إيجابية؟ سوف تكون واشنطن حكيمة إذا أقامت توازناً أكثر حساسية، ساعية
بجد لكي تفهم ليس فقط ما يفعله العرب، لكن ما يفكرون فيه أيضاً. |