شبكة النبأ: في خطاب ألقاه في واشنطن
في آب 2008، رسمَ ضابط الإستخابرات الوطنية الأمريكية للتهديدات
الخارجية في ذلك الحين، تيد غيستارو، صورة عن الظهور المجدد لنواة
تنظيم القاعدة، بعد أن عزز التنظيم بصورة متزايدة، ملاذه الآمن في
المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الأتحادية في باكستان "فاتا". وحسب
وجهة نظر غيستارو فإن تنظيم القاعدة حافظ على العناصر الرئيسية
المتعلقة بقدرته على مهاجمة الولايات المتحدة خلال السنة الماضية أو
عززها، على الرغم من وفاة عدد من شخصياته الرئيسية وتزايد صعوبات
التمويل خاصة الخارجية منها.
وكتب مايكل جيكوبسون، الباحث في معهد واشنطن. وماثيو ليفيت مدير
سابق لبرنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن
مقالاً هاماً حول وضع التمويل لتنظيم القاعدة قالا فيه: في الوقت
الحاضر يبدو أن قيادة تنظيم «القاعدة» في حالة من الفوضى. فخلال عام
2008، فقد «التنظيم» 10 من كبار قادته، بينهم ثلاثة من رؤساء فرع
عملياته الخارجية – وهم الأفراد المسؤولين عن توجيه الهجمات الإرهابية
ضد الغرب. ويقضي الآن ما تبقى من قادة تنظيم «القاعدة» الكثير من وقتهم
في الخفاء، في محاولة لتجنب استهدافهم من قبل الطائرات بدون طيار التي
قتلت الكثير من الإرهابيين الآخرين خلال السنة الماضية.
لقد كان لهذا الوضع ثمنه الباهظ، ليس فقط على قدرة تنظيم «القاعدة»
الأساسية على توجيه وتخطيط العمليات، وإنما أيضاً على «صحة المنظمة
المالية»، التي هي أمر حيوي لبقائها وقدراتها على المدى البعيد. فقبل
فترة طويلة من بداية مواجهته لمشاكله الراهنة، التفت تنظيم «القاعدة»
بعيداً عن نموذجه القديم المتمثل بتمويل أنشطة خلايا «القاعدة» الدولية
التي "تستعد لتنفيذ عملياتها على المدى القريب" في الوقت الذي كان يخطط
فيه «التنظيم» للقيام بهجماته المذهلة على المدى البعيد. واليوم، تقوم
الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة» بجمع أموالها الخاصة، وهي
تفعل ذلك بصورة متزايدة. وبدلاً من أن يتم تمويل الخلايا التي تعمل "خارج
الحدود" مباشرة من قبل نواة «القاعدة»، هناك احتمال أكثر بأن تقوم تلك
الخلايا بإرسال الأموال التي جمعتها بنفسها إلى قادة «التنظيم» في
أفغانستان وباكستان.
التأثير على الوضع المالي
ويضيف الكاتبان، في وقت يضع الوضع الراهن قادة تنظيم «القاعدة» في
موقف دفاعي، سواء من ناحية حماية أنفسهم من الإعتداء على سلامتهم
البدنية وفيما يتعلق ببث رسالتهم، ومع انخفاض مجمل شعبية «التنظيم»،
ليس من المستغرب أن يتضرر أيضاً وضع المنظمة المالي. وعلى الرغم من عدم
توفر أرقام حقيقية وموثوق بها عن الميزانية الحالية لتنظيم «القاعدة»،
من المؤكد أنها انخفضت بصورة ملحوظة عما كانت عليه في مرحلة ما قبل
فترة 11 أيلول/سبتمبر 2001، حيث كانت ميزانيته السنوية في نطاق 30
مليون دولار أمريكي (18 مليون باون استرليني)، وفقاً لـ "اللجنة
الوطنية حول الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة (لجنة 11/9)". وفي
الواقع، قال ديفيد كوهين، السكرتير المساعد لشؤون تمويل الإرهاب
والجرائم المالية في وزارة الخزانة الأمريكية، في كلمة له في تشرين
الأول/أكتوبر 2009، أثناء تقييمه للقطاع المالي للمنظمة "[بأن] الوضع
المالي لتنظيم «القاعدة» [هو في] أضعف حالاته منذ عدة سنوات، ونتيجة
ذلك، فإن نفوذه آخذ في الإنحسار".
وفي حين تناقصت أيضاً نفقات تنظيم «القاعدة»، إلا أنه لا يزال يتحمل
تكاليف باهظة. وحتى في المناطق القبلية في باكستان وأفغانستان، يجب
عليه دفع ثمن الغذاء والسكن والرواتب لأعضائه وأسرهم، فضلاً عن التدريب،
والسفر، والأمن، وتكاليف إنتاج الفيديو.
لقد كان مصطفى أبو اليزيد، رئيس تنظيم «القاعدة» في أفغانستان،
والرئيس السابق للجنة المالية لتنظيم «القاعدة»، صريحاً حول الوضع
الصعب الذي تواجهه المنظمة من الناحية المالية، بحيث كرر دعواته
العلنية لتقديم التبرعات. ففي بيان من حزيران/يونيو 2009 نُقل على
الفيديو، أشار أبو اليزيد بأن «التنظيم» يعاني من نقص في المعدات
واللوازم، وحث أنصاره على تكثيف تبرعاتهم: "في أفغانستان، لدينا عجز
كبير في الإمدادات. السبب الرئيسي لوجود ضعف في تنفيذ العمليات هو عدم
كفاية الإمدادات. فالعديد من المجاهدين يجلسون وينتظرون، ولا يستطيعون
القتال لنقص الإمدادات... إذا كان «المقاتل المقدس» لا يملك المال
للحصول على الأسلحة والطعام والشراب والمواد الخاصة [التي يحتاجها
للقيام] بالجهاد، فإنه لا يستطيع المحاربة باسم الجهاد. اتقوا الله
وكونوا طموحين في شن الجهاد عن طريق تبرع السلع".
وفي حين تشير النداءات المتكررة للتبرع بالمال بأن تنظيم «القاعدة»
يعاني بالتأكيد [من ضائقة] مالية، فإنها قد تشير أيضاً إلى أن تنظيم «القاعدة»
قلق أيضاً من إنخفاض مستوى الدعم الشامل الذي تحضى به المنظمة.
لماذا هناك متاعب مالية؟
تعزى المتاعب المالية لتنظيم «القاعدة» إلى حد كبير إلى زيادة
التركيز الدولي على الخطوات التي تتخذ لتضييق الخناق على أنشطة المنظمة
منذ عام 2001. وتقف حكومة الولايات المتحدة في طليعة هذه الجهود،
باستخدامها استراتيجية حازمة ومتعددة الجوانب لمكافحة عمليات تمويل
الإرهاب. وقد استخدمت وزارة الخزانة الأمريكية صلاحياتها التنفيذية
لتجميد أرصدة ممولي الإرهاب وشبكات دعمها، في حين استخدمت وزارة العدل
الأمريكية النظام الأساسي المتعلق بـ "الدعم المادي" لمقاضاة العديد من
الأفراد والكيانات بسبب دعمها لمنظمات إرهابية. وبعيداً عن نطاق تنفيذ
الصلاحيات، تشارك الولايات المتحدة أيضاً في بذل جهود نشطة لتعقب
عمليات تمويل الإرهاب.
كما اتخذت بلدان أخرى خطوات مماثلة لتحسين قدراتها في مجال مكافحة
تمويل الإرهاب. ففي أوائل عام 2007، كشفت الحكومة البريطانية النقاب عن
استراتيجية شاملة لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. وقد شمل
ذلك إنشاء "وحدة تجميد الأصول الإرهابية" داخل وزارة المالية
البريطانية لكي تعمل بشكل وثيق مع وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات
في المملكة المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان المملكة المتحدة الآن
وللمرة الأولى استخدام معلومات سرية في نطاق عملية تجميد الأصول [الإرهابية].
وهناك بلدان كثيرة قامت أيضاً بتشريع يجرم عمليات تمويل الإرهاب
ووضعت نظم لتجميد أصول الإرهابيين. وربما الأهم من ذلك، اتخذت عدد من
بلدان الخليج العربي خطوات لقمع التمويل الذي يقوم به تنظيم «القاعدة».
فهناك عدة دول في الخليج بما فيها البحرين وقطر والإمارات العربية
المتحدة، تحاول أن تؤسس نفسها كمراكز مالية دولية رئيسية، وهي تدرك بأن
الإرهاب -- وتمويل الإرهاب على نحو أكثر تحديداً -- قد يعرض هذه الجهود
للخطر.
وحتى السعودية – المصدر الرئيسي لتمويل «القاعدة» منذ مدة طويلة --
قد بدأت باتخاذ إجراءات صارمة ضد تمويل تنظيم «القاعدة».
في أواخر عام 2007، أصدر الشيخ عبد العزيز الشيخ -- كبير رجال الدين
الوهابيين في المملكة -- فتوى دينية غير متوقعة، خاطب فيها لأول مرة
الجهات المانحة المحتملة لعمليات الإرهاب وحثها على "أن تكون حذرة أين
تنفق [أموالها] حتى لا تضر الشباب المسلمين". فبعد سنوات من رفض
الإعتراف بأن المملكة العربية السعودية هي مصدر لتمويل الإرهاب، أو أن
جهود السعودية لمكافحة الإرهاب لم تكن كافية، أثبت هذا التعبير بأنه
خطوة كبيرة إلى الأمام.
وفي الآونة الأخيرة - في آب/أغسطس 2009، أعلنت السلطات السعودية بأن
330 شخصاً أدينوا بتهم الإرهاب في أولى المحاكمات التي تقوم بها
المحكمة الجديدة المتخصصة في الإرهاب في المملكة. وعلى الرغم من أنه لم
تصدر سوى تفاصيل قليلة عن هذه الحالات، من الملاحظ أن هذه التهم شملت
جرائم مرتبطة بعمليات تمويل الإرهاب، مما يشير بأن الرياض قد بدأت تنظر
إلى تمويل الإرهاب بأنه يمثل "إرهاب حقيقي"، كما وصف ذلك وكيل وزارة
الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والإستخبارات المالية، ستيوارت ليفي،
خلال مقابلة أجراها في أيلول/سبتمبر 2007.
ومؤخراً انضمت المملكة العربية السعودية إلى "مجموعة إيغمونت" --
الشبكة الدولية لوحدات الإستخبارات المالية -- التي ترعاها حكومة
الولايات المتحدة، ويقال إنها تتعاون وتتبادل المعلومات بصورة نشطة مع
نظيراتها في المجموعة. ووفقاً لتقرير من "مكتب المحاسبة الحكومي"
الأمريكي من شهر أيلول/سبتمبر 2009 حول تمويل الإرهاب في المملكة
العربية السعودية، تحتفظ "مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)" --
الوكالة التنظيمية المالية في المملكة -- برقابة قوية نسبياً على
المصارف العاملة في البلاد، كما أن مديري البنوك هم الآن أكثر إدراكاً
عما كانوا عليه في الماضي حول التزاماتهم في مجال مكافحة تمويل الإرهاب.
وفي الواقع، يَعتبر المصرفيون في جميع أنحاء المنطقة أن "مؤسسة النقد
العربي السعودي" هي الوكالة التنظيمية الأكثر جدية ومهنية لقطاع
المصارف في منطقة الخليج.
وهناك منظمتان دوليتان تستحقان أيضاً تقدير كبير على حجم الإستجابة
العالمية [فيما يتعلق باتخاذ خطوات] ضد تمويل تنظيم «القاعدة» منذ عام
2001، وهما الأمم المتحدة و "فرقة العمل المالي (فاتف)" التي مقرها في
باريس والتي تسعى إلى وضع معايير عالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل
الإرهاب.
وأخيراً، ازداد دور وأهمية القطاع الخاص في الجهود العالمية لمكافحة
تمويل الإرهاب. وفي حين يتوجب على القطاع الخاص في معظم البلدان -- بما
يتماشى مع توصيات "مجموعة إيغمونت" -- تقديم تقارير إلى الحكومات عن أي
نشاط مشبوه، فإن عدد هذه التقارير المقدمة منذ عام 2001 قد ازداد
أضعافاً مضاعفة. وفي المملكة المتحدة، تجلت القيمة المحتملة لمساهمة
القطاع الخاص في مجال مكافحة الإرهاب في أعقاب الهجمات التي وقعت في 7
تموز/يوليو 2005 في لندن، عندما جاءت المعلومات الأكثر أهمية من البنوك
البريطانية، في الأيام القليلة الأولى بعد الهجوم.
التحول من السيطرة المركزية
إن الزيادة الكبيرة في التركيز على تنظيم «القاعدة» التي تقوم بها
الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، أثرت
أيضاً على الكيفية التي أدارت فيها المنظمة عملياتها الإرهابية. فقبل
11 أيلول/سبتمبر، مول تنظيم «القاعدة» عملياته وأدارها مباشرة من
قاعدته في أفغانستان. ووفرت المنظمة التمويل اللازم لتفجيرات السفارات
في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في شرق افريقيا في عام 1998،
والهجوم على المدمرة الأمريكية كول في اليمن عام 2000، وهجمات عام 2001
في نيويورك وواشنطن. ووفقاً لتقرير صدر عام 2004 من قبل "طاقم الموظفين
إلى لجنة 11/9 حول تمويل الإرهاب"، استمر تنظيم «القاعدة» بتقديم
الأموال للقيام بعمليات إرهابية حتى في فترة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر،
مثال على ذلك هو مبلغ الـ 30.000 دولار أمريكي ( 18.000 باون استرليني)
الذي زودته المنظمة عام 2002 لتمويل تفجيرات بالي.
واليوم، يأتي التهديد الإرهابي بصورة أكثر لامركزية؛ ولا تقوم
القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة» بتمويل العمليات كما كانت تعمل
سابقاً. وحتى في الحالات التي يكون فيها الإرهابيون المحتملون قد
سافروا إلى باكستان أو أفغانستان لأغراض التدريب، لم يوفر تنظيم «القاعدة»
لأولئك المجندين الجدد التمويل اللازم للقيام بالعمليات الفعلية. وفي
حين يعزى بعض التحول، بدون شك، إلى تقلص الوضع المالي لتنظيم «القاعدة»،
فإن أمن الحدود الدولية الأكثر شدة، ومراقبة الوثائق وجهود تعقب
الأموال هي أيضاً عوامل تقنع تنظيم «القاعدة» بأنه سيكون أكثر فعالية
إذا ما بدأ في الإعتماد بدرجة أكبر على الجماعات المحلية للقيام
بالهجمات. ولدى بعض هذه الخلايا اتصالات مع القيادة العليا لتنظيم «القاعدة»
ولكنها مستقلة وممولة محلياً. وهناك أيضاً خلايا أخرى تعمل على حسابها
الخاص في مجتمعات "بلا قيادة" ولها فقط صلات ظاهرية مع تنظيم «القاعدة».
إن الإرهابيين الذين نفذوا هجمات 7 تموز/يوليو 2005 في لندن هم خير
مثال على هذه الظاهرة الجديدة. وفي حين كان العديد من أعضاء تلك الخلية
قد سافروا إلى باكستان للتدريب، واجتمعوا مع [أعضاء من] تنظيم «القاعدة»،
إلا أنهم تُركوا لمواجهة مصيرهم لوحدهم عندما وصل الموضوع إلى مسألة
تمويل الهجوم. وقد وفر أحد أعضاء الخلية الغالبية العظمى من التمويل،
وتعثر في دفع مبلغ 10.000 باون استرليني (16.000 دولار أمريكي) من خلال
إعطائه قرض شخصي وسحبه أموال من حساباته المصرفية المتعددة بمبالغ تزيد
عن الرصيد المتوفر. وحصلت الخلية أيضاً على تمويل من خلال تزوير بطاقات
ائتمان.
إن تفجيرات قطارات مدريد في عام 2004 وتفجيرات بالي عام 2002 (التي
كانت تمول إلى حد كبير من خلال السطو على محل مجوهرات) هي أمثلة جيدة
أخرى على خلايا محلية تقوم بتمويل هجمات محلية.
وتشكل حالة "غلاسفيج" Glasvej من 4 أيلول/سبتمبر 2007 استثناء نادر
لهذا النموذج الجديد عندما داهم "جهاز الأمن والاستخبارات الدنماركية"
أحد عشر عنواناً مختلفاً داخل كوبنهاغن وحوْلها وقام باعتقال ثمانية
رجال يشتبه بقيامهم بتخطيط لشن هجوم إرهابي. وفي شهادته أمام لجنة
العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في تشرين الأول/اكتوبر
2009، ذكر الخبير بشؤون تنظيم «القاعدة» مارك سيغمان بأنه حسب ما نقلته
التقارير استلم الجاني المزعوم، حماد خورشيد، مبلغ 5.000 دولار أمريكي
(3.000 باون استرليني) من نواة تنظيم «القاعدة» للقيام بالعملية. وقد
أدين كل من خورشيد ونظيره الأفغاني المتواطئ عبد الغني طوخي بالتحضير
للقيام بهجوم إرهابي في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008 وحكم عليهما بالسجن
لمدة إثنا عشر سنة وسبع سنوات على التوالي.
حملات جمع التبرعات لـ القاعدة
في حين يعاني تنظيم «القاعدة» من مشاكل مالية خطيرة، إلا أنه ما زال
قادراً على جمع أموال كبيرة، ولا سيما من المانحين من القطاع الخاص
والجمعيات الخيرية في الخليج العربي. وكما أشار وكيل وزارة الخزانة
الأمريكية لشؤون الإرهاب والإستخبارات المالية ستيوارت ليفي خلال رحلته
إلى المنطقة في شباط/فبراير 2008، فإن الملايين من الدولارات لا تزال
تُجمع وتُرسل إلى الإرهابيين في منطقة الخليج.
وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير على مدى السنوات العديدة الماضية، لا
تزال المملكة العربية السعودية إحدى أهم مصادر التمويل لتنظيم «القاعدة»،
كما تم إبراز ذلك في تقرير "مكتب المحاسبة الحكومي" الأمريكي من أيلول/سبتمبر
2009. ووفقاً لذلك التقرير، لا يزال المسؤولون في واشنطن قلقون بشكل
خاص من قيام العديد من الأفراد والجمعيات الخيرية في المملكة العربية
السعودية بدعم الإرهاب خارج المملكة، وكثيراً منهم قد صنفوا -- [كممولين
للإرهاب] -- من قبل كل من وزارة الخزانة الأمريكية ولجنة العقوبات
التابعة للإمم المتحدة والمشار إليها فيما بعد باسم "اللجنة المنشأة
بموجب القرار 1267" من عام 1999 للضغط على طالبان لطرد تنظيم «القاعدة»
من أفغانستان -- أي قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
ولا يزال تنظيم «القاعدة» يتلقى الكثير من التمويل المطلوب من
الأفراد والجمعيات الخيرية في الكويت. فقد أشار تقرير لوزارة الخارجية
الأمريكية عن "مراقبة المخدرات الدولية" صدر في عام 2007 بأن تمويل
الإرهاب "عن طريق سوء استغلال التبرعات الخيرية لا يزال يشكل مصدر قلق"
-- وربما جزئياً لأن تمويل الإرهاب لا يزال لا يشكل جريمة في الكويت.
ووفقاً لمنسق لجنة الأمم المتحدة لمراقبة عقوبات طالبان وتنظيم «القاعدة»،
ريتشارد باريت، اعتُقِل عدة سعاة في الكويت في أيلول/سبتمبر 2009،
وكانوا يحملون عشرات الآلاف من الدولارات المعدة لتنظيم «القاعدة».
وفضلاً عن النداءات العامة من أجل التبرع بالمال، لجأ تنظيم «القاعدة»
في بعض الأحيان إلى وسائل أكثر ابتكاراً لجمع التبرعات، بما في ذلك
معاملات معقدة على شبكة الإنترنت والتماسات على الهواتف الخلوية. وفي
عام 2008، اكتشفت السلطات السعودية رسالة مسجلة من قبل أيمن الظواهري
وزعت على الهواتف المحمولة، طلب فيها الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»
تقديم "التبرعات لمئات من أسر الأسرى والشهداء في باكستان وأفغانستان".
وفي أعقاب ذلك، اعتقلت الشرطة السعودية 56 شخصاً بتهمة محاولة جمع
الأموال باستخدامهم ذلك التسجيل. وفي أيلول/سبتمبر 2009، وجدت قوات
الأمن السعودية مقطع فيديو لسعيد الشهري -- أحد قادة "تنظيم «القاعدة»
في شبه الجزيرة العربية (AQAP)" -- على الهاتف الخلوي لإرهابي مشتبه به.
وفي تسجيل الفيديو، كان الشهري يروج لفكرة التبرع بالمال لمساعدة "الجهاد
على الإستمرار" [في العمل لتحقيق حلمه الأكبر]، لافتاً إلى الحاجة إلى
تمويل "جوهر الحياة ونواة الجهاد".
ونظراً للتدقيق الدولي المتزايد، أصبح تنظيم «القاعدة» أكثر إدراكاً
من الناحية الأمنية عند قيامه بأنشطته لجمع التبرعات. وكان غريب
الهائلي – الذي يعرّف نفسه كمؤيد لتنظيم «القاعدة» -- قد أوصى من على
منتديات "الفلوجة" بأن على أعضاء «القاعدة» الذين يتعاملون مباشرة مع
الجهات المانحة أن يكونوا متخصصين حصراً بالأنشطة المتعلقة بالتمويل.
وحسب وجهة نظر الهائلي، من شأن ذلك أن يقلل من تعرضهم للكشف والإعتقال
من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية.
واقترح متطرف آخر من على منتديات "الفلوجة" تجنب كشف [العاملين مع
الجهات المانحة] من قبل الحكومات وسلطات مكافحة الإرهاب عن طريق
استخدام وسائل أكثر تعقيداً لجمع التبرعات على شبكة الإنترنت. وحذر من
أن الحكومات تقوم برصد وسائل الدفع الالكترونية بعناية، وتمكنت بذلك من
تمييز الجهاديين وكشف الشبكات بأكملها في النهاية.
وفي حين لا يزال المانحون الأفراد والجمعيات الخيرية أهم مصدر [لجمع]
الأموال لتنظيم «القاعدة»، تقوم المنظمة أيضاً بطلب الإلتماس للحصول
على التمويل اللازم من مجندين فرديين. وغالباً ما يطلب من المجندين أن
يجلبوا معهم الأموال إلى معسكرات التدريب لتغطية نفقاتهم. وأحد الأمثلة
على ذلك ما حدث في البحرين. في كانون الثاني/يناير 2008، أدين خمسة
أعضاء في خلية مقرها البحرين بتهمة القيام بأنشطة إرهابية، بما في ذلك
تلقي الأسلحة والمتفجرات الخاصة بالتدريب، والإنخراط في الأعمال
الإرهابية في الخارج، وتمويل الإرهاب. وكشفت مقابلة (أجراها كاتبا هذه
المقالة) مع مسؤولي إنفاذ القانون البحرينيين في كانون الثاني/يناير
2008، بأنه خلال استجواب أحد الأفراد اعترف بأنه كان قد سافر إلى
أفغانستان للمشاركة في القتال ضد قوات التحالف. ووفقاً لأولئك
المسؤولين، سافر العديد من أعضاء الخلية من البحرين إلى افغانستان عبر
إيران. وقد قام ميسري تنظيم «القاعدة» بنقل أعضاء الخلية من "شخص إلى
آخر" إلى أن وصلوا إلى معسكرات التدريب في أفغانستان. وقد اعترف اثنان
من المشتبه بهما بتقديم التمويل اللازم لدفع مصاريف نفقاتهم (حيث منح
أحد أعضاء الخلية 3.000 يورو، في حين منح العضو الثاني آلاف الدنانير
للشخص المسؤول عنه).
وقد كشفت أجهزة الأمن الأوروبية وجود نموذج مماثل في أوروبا في عام
2008. ففي كانون الأول/ديسمبر اعتقلت سلطات مكافحة الإرهاب البلجيكية
والفرنسية 14 شخصاً لهم صلات مع نواة تنظيم «القاعدة». وكان ستة من
أعضاء تلك المجموعة -- أربعة من الرعايا البلجيكيين واثنين من الرعايا
الفرنسيين -- قد سافروا إلى المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الأتحادية
في باكستان – "فاتا" للإتصال مع [نواة] تنظيم «القاعدة». وقد صدرت
تعليمات لأفراد تلك المجموعة أن يجلبوا معهم 2.000 يورو لدفع تكاليف
تهريبهم عبر إيران إلى مناطق "فاتا"، وبعد ذلك طُلب منهم دفع 400 يورو
ثمن تكاليف الدورات التدريبية (التي شملت السكن) وكذلك 900 يورو إضافية
عن المعدات والأسلحة.
وقد لجأ تنظيم «القاعدة» في بعض الأحيان أيضاً إلى الفروع التابعة
له للحصول على الدعم. ولعل أفضل مثال على هذه الظاهرة الجديدة ما حدث
في عام 2005، عندما بعث الظواهري برسالة إلى زعيم "تنظيم «القاعدة» في
بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي، طلب فيها أن يقوم "فرع العراق"
بتوفير 100.000 (دون أن تحدد أي عملة) إلى نواة تنظيم «القاعدة».
وفي الآونة الأخيرة، تلقى تنظيم «القاعدة» مساعدة من "جماعة عسكر
الطيبة"، الفرع القوي في جنوب آسيا التابع له. وفي 1 تموز/يوليو 2009،
صنفت وزارة الخزانة الأمريكية أربعة أشخاص -- فضيل الطول شيخ أبو محمد
أمين الپيشاوري، عارف قسماني، محمد يحيى مجاهد، وناصر جاويد -- كداعمين
لتنظيم «القاعدة» و "جماعة عسكر الطيبة" حسبما قيل. ووفقاً لبيان صحفي
صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية، قيل بأن قسماني، الذي وُصف بأنه
"المنسق الرئيسي" لتعامل المجموعة مع منظمات إرهابية أخرى، قام بتوفير
تشكيلة واسعة من الدعم المالي وغيره لتنظيم «القاعدة» منذ عام 2001،
بما في ذلك تسهيل سفر أعضاء «القاعدة»، وتوفير الإمدادات والأسلحة. وفي
المقابل، ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أن تنظيم «القاعدة» وفر قيام
نشطاء مجموعة قسماني بمساعدة "جماعة عسكر الطيبة" على تنفيذ تفجير
القطارات في مومباي، الهند، عام 2006، والهجوم على قطار «سمجوتا
اكسبريس» في بانيبات، الهند عام 2007.
ويختم الكاتبان الدراسة بنتيجة مفادها، إن واقع الحقيقة بأن
المسؤولين يفيدون في تقاريرهم بأن تنظيم «القاعدة» يرزح اليوم تحت ضغوط
مالية أكثر من أي وقت مضى، هي من المؤكد أنباء طيبة بالنسبة للضالعين
في مكافحة الإرهاب، ولكنها ليست أيضاً ناقوس الموت بالنسبة لتنظيم
«القاعدة» أو لعموم الجهاد الإسلامي. وكما يوضح طلب الظواهري للمساعدة
المالية من عام 2005، تعافى تنظيم «القاعدة» من فترات عانى خلالها من
ضائقة مالية في الماضي. إن تنظيم «القاعدة» هو عدواً عنيداً، وقد أصبح
كذلك بصورة أكثر من خلال نجاحه في بناء [خلايا حصل عن طريقها على]
امتيازات إقليمية، وقيامه بإلهام أتباع يشاطروه الرأي دون أن يكون لهم
أكثر من اتصالات ظاهرية مع تنظيم «القاعدة» نفسه.
ويخلص الكاتبان الى، إن وجود نواة لتنظيم «القاعدة» تفتقر لقابلية
الحصول على الأموال وتعتمد بشكل متزايد على مساهمات الخلايا التابعة
لها وأنصارها، هي «تنظيم» أضعف من ذلك الذي يتمتع بسهولة الوصول إلى
الموارد المالية والقدرة على تمويل أنشطة الخلايا التابعة له وتلك التي
يقوم بها مؤيدوه (وبالتالي الحفاظ على المزيد من السيطرة عليهم). وإذا
ما استمر هذا الإتجاه، فبإمكانه أن يؤدي إلى إنحطاط نواة تنظيم
«القاعدة» بصورة أكثر وسيقوض التمرد الذي يقوم به تنظيم «القاعدة» على
النطاق الدولي بحيث يصبح تهديداً إرهابياً أكثر محلياً وعلى الأرجح أقل
فتكاً. |