واخيرا اكتشفت ان في ميسان ثروة نفطية!

جمال الخرسان

محافظة مترامية الاطراف طولا وعرضا وفيها ثروة بشرية وطبيعية ودون ذلك الكثير الا انها من اكثر المدن العراقية فقرا ودمارا واهمالا، بل ليس فيها عمارة من خمس طوابق واعلى ما فيها بناية المستشفى الاكبر في المدينة.

لقد كانت المدينة تعاني الامرين من الاهمال والنسيان، كان الفقر يخيم عليها وتركت وحدها تكابد القدر.. حتى جاء اليوم الذي اثيرت فيه قضية ابار الفكة النفطية التي حركت ضمير الساسة العراقيين وضمير البرلمان العراقي البائس فانتفضوا بنخوة عربية قومية ناصرية ليس من اجل حفظ كرامة المدينة وتقديم الخدمات او اعادة الاعمار هناك بل من اجل اعادة ذكريات نهر جاسم ومجنون والطيب وايام الزمن الذميم الذي دأبت تذكرنا به قناة الشرقية التي ثأرت هي الاخرى لاهل ميسان عبر تكرار اغاني القادسية الثانية ( ذوله اهل العماره .. عالنصر عباره ) كانت تلك الاغاني تصاحبها بصور الجيش العراقي الباسل الذي انتقم من محافظة ميسان واهلها شر انتقام طيلة فترة العقد الثمانيني والتسعيني من القرن الماضي وببسالة منقطعة النظير!

نعم لقد اكتشفت انا وبقية ابناء ميسان ان لهذه المحافظة ثروة نفطية كبيرة لا بل بعض ابارها يتنفس برئة الارقام الفلكية التي لا تستانس الا بلغة المليارات من النفط والدولار لكن حال ميسان يقول: خاوية على عروشها مناجم من ذهب.

هكذا جاءت دواعي الاقدار والايام لتجعل الحياة تنبض من سومر... نبضت من جنوب العراق من الشرق الذي كان منطقة الحياة والتاريخ والعمق الحضاري، من يصدّق ان تلك النقطة الجغرافية من العالم تتحول بفعل فاعل الى منطقة موت قفر ومقبرة للحياة!!!

ومع ان التاريخ حقب ومراحل فيوم سيد انت ويوم مسود، لكن ما يقفز على جميع تلك القوانين هو ان تصبح هذه المنطقة هي ورقة الرهان في لعبة الكبار، فالكبار لهم مصالح، اهداف واستراتيجيات، وسومر لها تاريخ وحاضر وارادة... تتجاوب.. تتاثر لكنها بكل تاكيد تؤثر وتستعيد بريقها بين فترة واخرى الا ان قدرها اخضعها في تاريخها الحديث الى لعبة الحيتان الكبيرة فكانت هي الرهان في تلك اللعبة بامتياز، مما جعل سومر تدفع ضريبة ذلك في الماضي كما في الحاضر.

فلسفة التاريخ التي ما فتئت تحكم... تؤكد ان الدهر كما يظلمك فقد تنصفك بعض من ايامه، فهل يا ترى ترجح كفة سومر في المرحلة القادمة؟؟ ام ربما تبقى على ماهي عليه؟ ذلك متروك لمتغيرات اللعبة واحكامها من جهة، وارادة السومريين وحنكتهم من جهة اخرى، والذكي من يلعب على تناقضات الكبار.

ان سومر بدات الحياة وعلّمت الاخرين، فحينما كتبت سومر كتب بعدها الاخرون، حيث ان (كل شئ بدا من سومر) كما قال المفكرالالماني كرومر.

كانت تعطي ولا زالت... واذا ما حجّم التراجع الثقافي عطاءها العلمي والادبي، فانها لازالت تعطي... لكن عطائها هذه المرة كان عصب وشريان الاقتصاد العالمي، انها تعطي النفط ودائما تفضّل على نفسها ايثار الاخرين.

هكذا تعوّد السومريون تلك العادة السيئة، وعليهم ان يسترجعوا انفسهم ومواقفهم فيها، يجب ان تتعدل مسارات الاحداث فسومر عليها ان تؤثّر كما كانت لا ان تتاثر فقط، انها جائعة ويقتات الاخرون على شريانها النابض من الذهب الاسود.

عليها ان تعيد حساباتها مع جميع من حولها، من قدّم لها ومن عاش على خيراتها... عليها ان تفكر بنفسها قبل الاخرين عليها ان تكون قوية بتماسكها... بنقاط قوتها... باقتصادها وبموقعها الجغرافي الاستراتيجي وبخيراتها الطبيعية.

ان سومر لم تقم لها قائمة عبر التاريخ الا حينما بحثت عن ذاتها وتعاملت مع محيطها برؤية منضجة تعتبر مصالحها فوق كل شئ بعيدا عن المجاملات وشعارات خاوية انتجتها احلام السراب.

اما اذا استمر السومريون يبحثون عن احلام اليقضة وشعارات لا تخدم الا اصحاب الفيافي الخاوية فلا يبقى لهم الا اوراق الماضي التليد ذلك الذي يبتاهى به فقط من لا يملكون غيره على الاطلاق.

لقد تجرعت سومر كاس سم القاصي والداني ولا زالت مصرة على تكرار ذات الاخطاء، ذلك الاصرار هو جعلها تتجرع المآسي والكوارث.

اخيرا:

ان من يبحث عن احترام الاخرين... قبل ذلك عليه ان يحترم نفسه، واللبيب من يفهم.

* كاتب عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/كانون الاول/2009 - 5/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م