(ألا هل من ناصر ينصرنا...)؟! صرخة عالية اطلقها الإمام الحسين
(عليه السلام) في ظهيرة اليوم العاشر من شهر محرم سنة 61 للهجرة،
لاستنهاض العقول وهزّ الضمائر المستترة خلف جدار الخوف والجهل، ولا
أخال أحداً من الواعين المنصفين يدّعي أن تلك الصرخة كانت خاصة بأهل
الكوفة المتجحفلين لقتاله، ومن أجل ذلك نجد مفاهيم الحرية والكرامة
والتضحية والإباء و... محفورة في منهاج الأحرار والثوار على مر الزمان
والاجيال، لكن كيف ننصر الحسين (عليه السلام) اليوم يا ترى؟!
رحم الله الخطيب الحسيني الشهيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي، حيث قال
في مقدمة تلاوته (المقتل) مخاطباً الإمام الحسين: (إن كان لم يجبك بدني
عند استغاثتك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري)، فاذا قدم أصحاب الإمام
الحسين أرواحهم فداءً له (عليه السلام)، وأبدانهم طعمة للسيوف، فاننا
نعيش بفاصلة زمنية بعيدة عن تلك الواقعة، ولم يبق لنا سوى أن ننظر ما
تجول به أبصارنا وتقرع به أسماعنا، والأهم هو ما يُستحصل من قناعات
ومتبنيات في ضمائرنا وقلوبنا لتخرج فيما بعد مواقفاً الى الواقع
الخارجي، لنكون بالفعل ممن بلغته تلك الصرخة المدوية وأدركوا ما أراده
الحسين من وراء تلك الملحمة الخالدة، فنستجيب لها ثم نجسدها في سلوكنا
وحياتنا انطلاقاً من النفس الانسانية ومروراً بالأسرة وانتهاءً
بالمجتمع والأمة.
إنه التغيير داخل نفس الانسان والثورة على الذات... هذا النوع من
التغيير والثورة هي التي قدمت للتاريخ نماذج خالدة واستثنائية مثل الحر
(الضابط في الجيش الأموي)، و زهير بن القين (العثماني)، وتلك المرأة
البطلة، أم وهب (المسيحي)، وهذه الروح الوقّادة هي التي ألهمت في
النفوس وعلى مر التاريخ والأجيال دروس الثورة على الواقع الفاسد، وهو
ما كان يخشاه الحكّام ومن يلوذ بهم من وعّاظ السلاطين وأصحاب النظريات
والمذاهب الأفيونية التي تسلب الانسان ارادته وقدرته العقلية على
التفكير والاختيار، لذا وجدنا كيف انصبّ الجهد على التخدير والتضليل
قبل اللجوء الى الحديد والنار لإسكات الحقيقة وتغييب الوعي.
يريد الإمام الحسين (عليه السلام) تفعيل الوازع النفسي ومحاكمة
الذات، قبل أن يحاكم الانسان أو يدين شخص آخر، فقد كانت ثورته على
النفوس الضعيفة والقلوب القاسية والضمائر الميتة، لذا نجد دائماً هذه
المفردات بمنزلة الصواعق بيد الثوار فجروا بها الثورات والانتفاضات
بوجه الظلم والانحراف، بل ذهب (عليه السلام) الى أبعد حدٍ في ذلك
الاستنهاض الكبير عندما خاطب المتجحفلين أمامه: (يا شيعة آل أبي
سفيان.. إن لم يكن لم دين ولا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم،
وكونوا عرباً كما تزعمون)! إنه رجاء ودود حقاً وسط المعركة المحتدمة
والسيوف المتشابكة والأطراف المتساقطة، فهو (عليه السلام)، يذكرنا بأن
نكون على الفطرة، لا أن نصطبغ بألوان بعيدة عن إنسانيتنا، وهو في ذلك
يؤكد حتى الرمق الأخير على إنه ليس بمقاتل هدفه الإكثار في قتل أهل
الكوفة، بل ناصحاً ومصلحاً. |