الذاكرة التاريخية لتمزق والتشرذم

برير السادة

غريب أمر العالم الإسلامي في تمزقه واختلافه، وكأنة يهوى الشقاق, ففي كل حادثة وفي كل حدث له القدرة على الانشطار, وتأويله  وتبريره، وتقديم المسوغات يتلو بعضها بعضا, وتغيب في اختلافه كل القيم والعلائق والمشتركات تحت رماد الاستئصال والبتر, ويصبح الاستبعاد ضرورة قصوى, والقسر والنفي واجب ديني ووطني, ومبادرة نوعية يفرضها الوعي والمعرفة.. إنها شريعة الغاب التي عابها الإنسان على الحيوان, ومارسها بعناوين العقل والنقل.

الذاكرة الجماعية, والعقلية العربية التي شرعنت حرب داحس والغبراء, باسم الإباء والعزة والكرامة, فرفعت من شان ناقة مذلله, وحطمت كرامة الإنسان، واستهترت بدمه ووجوده, فنحرت الآمة نفسها قرابين لناقة شيخ القبيلة ورئيسها. هي نفسها الذاكرة التي تقتل نفسها باسم الوطن والعلم, هي نفسها التي دفعت شعبين وآمتين لتدافع والاصطفاف والتمترس خلف فريقي كرة قدم... آمتين بحجم 100 مليون تلقي بنفسها للانتحار خلف 22 لاعبا !!؟؟؟

غريب أمر ذاكرتنا التاريخية التي استحضرت العصر الجاهلي بكل تفاصيله, فيما تنسى العهد النبوي بكل توهجه, أو تجعله مسوغا ومشرعا لممارساتها, حتى أضحت مساجدنا كما يرى المفكر اللبناني هاني فحص مسجد الطائفة, والتيار والحزب. وصارت كل حركاتنا وسكناتنا باسم القبيلة والفئة والحزب والفصيل...وغاب اسم الله الذي عاهدنا أن تكون باسمه وله.

هذا الحضور المنحرف والمختل, يقف ورائه العديد من المستثمرين والمتكالبين من السياسيين والعلامين و...الذين يستهويهم شبق الإثارة الإعلامية, والسبق الصحفي... انه الإعلام العربي المضلل والخادع والماجن والمستهتر بكل القيم والمشاعر, انه الإعلام المتملق والأعمى عن معاناة الإنسان...الإعلام الذي ينفخ في أهوائنا.

لهذا فالوعي الإعلامي والتحليل الموضوعي للأخبار والموضوعات ضرورة تفرضها طبيعة ونوعية الإعلام الذي ينشر وبائه في كل أرجاء المعمورة من اجل المكاسب السياسية... الوعي الذي يرى في الأخوة الإسلامية عقيدة, لا تزلزلها المهاترات والأبواق.. الوعي الذي ينفتح على كل الاحتمالات الخيرة والمبادرات الجميلة... الوعي الذي يقرءا الاختلاف تكاملا، وتسامحا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/كانون الاول/2009 - 28/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م