سوق الحَلال في أوربا: علامة تجارية صاعدة تثير شهية الشركات العالمية

تحديات السعي لتوحيد معايير منتجات الحلال الأوربية

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: انتشرت تجارة المواد الغذائية المصنّعة وفقاً للمعايير الإسلامية في أوربا مؤخراً، تلبية لحاجة الجاليات المسلمة المقيمة فيها، فأصبحت سوق المأكولات "حلال" مجالاً لجني المليارات وتحقيق أرباح كبيرة، كما هو حال شركة "نستله"، الرائدة في السوق على المستوى العالمي، وتتعدى أرباح هذه الشركة السويسرية من منتجات "حلال"، تلك التي تجنيها من المنتجات الغذائية العضوية الخالية من الإضافات الكيميائية. وتعتبر فرنسا وبريطانيا إلى جانب ألمانيا من الأسواق الأوربية الكبيرة لمنتجات "حلال".

وربما اقتربت من نهايتها حقبة كان فيها الطعام الحلال مرادفاً للمطاعم الرخيصة التي تقدم الكفتة والكباب الغارقَين في الدهن مع ظهور جيل جديد من المطاعم الراقية التي تحترم المواصفات الشرعية للطعام الاسلامي وتقدم كل شيء من الاطعمة التايلاندية الى الاطعمة الفرنسية في انحاء متفرقة من باريس.

وتقدم الكثير من المطاعم الجديدة التي تنتشر حول المحيط الخارجي للعاصمة الفرنسية قرب المناطق التي تسكنها الجاليات المهاجرة الاطعمة لاصحاب المهن من الشبان ذوي الثقافة الرفيعة. لكن هذه المطاعم بدأت مؤخرا تفتح ابوابها في وسط المدينة نفسه بهدف اجتذاب مسلمي الطبقة الوسطى المندمجين في المجتمع الذين يحملون الجنسية الفرنسية لكنهم حريصون على التمسك بثقافاتهم والتزاماتهم الدينية.

وافتتح كامل سعيدي مطعم (ليزنفان تريبل) في ابريل نيسان عام 2007. وفي الوقت الذي تحترم فيه عملية الطهو التقاليد الاسلامية فان قائمة الطعام فرنسية تماما والاسعار دون اسعار السوق.

ويختار الزبائن كل الاطباق الفرنسية من كبد الاوز (الفوا جرا) بسعر 12 يورو (حوالي 18 دولارا) الى المحار بسعر 13 يورو للدستة يعقبها شريحة من لحم العجل بسعر 18 يورو او شريحة من لحم البط بالعسل واللوز مغطاة بالصلصة السوداء بسعر 18 يورو ايضا. وجو المطعم مترف جدا وينافس اي مطعم شبيه له في الجوار. بحسب رويترز.

ويقول كمال سعيدي صاحب المطعم انه افتتح هذا المطعم لانه اراد ان يقدم اطباق بلاده (فرنسا) في اطار احترام التقاليد الدينية لوالديه اللذين كانا من المهاجرين.

وقال لتلفزيون رويترز "ولدت في فرنسا ونشأت في فرنسا وشعرت بالاحباط لعدم قدرتي على التمتع بالاطباق الفرنسية التقليدية الرائعة."واضاف "هكذا نشأت الفكرة. وقلت لماذا لا ابتدع فكرة الطعام الفرنسي الحلال استجابة لاحتياجات الطائفة المسلمة الفرنسية."

وقال سعيدي "قبل ذلك كنت عندما اريد ان اتناول طعاما حلالا اتوجه الى متجر للكفتة والكباب او الى متجر بيتزا. وعندما اذهب الى مطاعم فاخرة مع اصدقائي لا استطيع ان اطلب اللحوم لاني اريد الاطعمة الحلال واطلب الاسماك فقط دائما الاسماك."

ويوجد في المطعم خمسون مكانا محجوزة بالكامل لمدة سبعة ايام في الاسبوع ويتوقع ان يفتتح مطعم جديد في حي اخر بوسط باريس في الشهر القادم.

سعي لتوحيد معايير منتجات الحلال الأوربية

وانتشرت تجارة المواد الغذائية المصنّعة وفقاً للمعايير الإسلامية في أوربا مؤخراً، تلبية لحاجة الجاليات المسلمة المقيمة فيها، فأصبحت سوق المأكولات "حلال" مجالاً لجني المليارات وتحقيق أرباح كبيرة، كما هو حال شركة "نستله"، الرائدة في السوق على المستوى العالمي، وتتعدى أرباح هذه الشركة السويسرية من منتجات "حلال"، تلك التي تجنيها من المنتجات الغذائية العضوية الخالية من الإضافات الكيميائية. وتعتبر فرنسا وبريطانيا إلى جانب ألمانيا من الأسواق الأوربية الكبيرة لمنتجات "حلال".

 وحققت شركة "نستله" في السنة الماضية وحدها أرباحاً بلغت المليارات من منتجات الحلال وهو ما يمثل نسبة خمسة في المائة من مجموع معاملاتها. وتسعى الشركة إلى تعزيز مركزها الريادي في أوروبا وإنتاج المواد الغذائية "حلال" في المناطق التي تسوق فيها هذه المنتجات. وتصدر هذا الموضوع جدول أعمال المنتدى العالمي للمأكولات "حلال" الذي انعقد مؤخراً في لاهاي، والذي صرح خلاله فريتس فن ديكFrits van Dijk مسؤول آسيا في شركة "نستله" بأن شركته تخطط لتوسيع عرضها من المواد الغذائية التي تراعي المعايير الإسلامية.

ويعتبر السيد فريتس فان ديك أن أكبر الفرص لتحقيق الأرباح من المأكولات "حلال" تتوفر في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ولهذا السبب بدأت شركة "نستله" بتسويق منتجاتها هذه في المتاجر المتخصصة في ألمانيا، بعدما أظهرت متاجر البيع بالتجزئة في العامين الأخيرين اهتماماً متزايداً ببيع المواد الغذائية والمشروبات التي تراعي المعايير الإسلامية.

وتمثل منتجات "حلال" 17% من معاملات الصناعة الغذائية في العالم، كما ن آفاق نمو هذا القطاع في ألمانيا كبير، باعتبار تواجد جالية إسلامية تقدر بحوالي أربعة ملايين شخص. وقد انتبهت الشركات الألمانية إلى أهمية القطاع، ومع ذلك فإن المتجول في المحلات التجارية الكبرى في ألمانيا لن يجد عرضا كبيرا لمنتجات "حلال" بالمقارنة مع بريطانيا أو فرنسا.

 وتحصل شركة "نستله" على شهادة "حلال" من "المجلس الإسلامي الأوروبي للتغذية" وهي واحدة من خمسة وتسعين هيئة في العالم متخصصة في منح الترخيصات الإسلامية،. وهذا رقم يكفي لإعطاء فكرة عن الفوضى العارمة التي تميز القطاع، وضعية تذكر بما عرفته علامات المنتجات الغذائية العضوية حين ظهرت في السوق لأول مرة.

وتعد "الوكالة الأوروبية للمأكولات الحلال" من الهيئات التي تأسست حديثاً و تسعى إلى اقتراح معايير أوربية موحدة للمأكولات "حلال" ابتداء من الربيع القادم. بلورة معايير على المستوى الأوروبي ستمنح منتجات حلال شهادة موحدة يُراعى فيها المستهلك في المقام الأول، بمعنى أن يكون واثقاً من أن ما يتناوله يطابق بالفعل المعايير الإسلامية.

توقعات بزيادة مبيعات الاغذية الحلال

وتوقع مسؤول رفيع في مجموعة "نستله" الغذائية العملاقة زيادة مبيعات الاغذية الحلال، بمعدل كبير في اوروبا خلال العقد المقبل. ونقلت وكالة رويترز للانباء عن فريتز فان دايك نائب الرئيس التنفيذي لنستله، قوله ان هذه النسبة ستتراوح بين 25% الى 30% خلال العشر سنوات المقبلة.

وقال دايك، على هامش منتدى الحلال العالمي الذي يعقد حاليا في لاهاي، ان نسبة اعداد المسلمين ستصل قريبا الى ربع سكان العالم وهناك حاجة لتلبية احتياجاتهم.

وتقدر قيمة سوق الاطعمة الحلال- وهي الاطعمة التي تتوافق مع الشريعة الاسلامية- في السوق الاوروبية حاليا بـ66 مليار دولار، ويشمل ذلك اللحوم والاغذية الطازجة، والمعلبة.وتصل قيمة تلك السوق على المستوى العالمي 634 مليار دولار.

وقال دايك ان المنتجات الحلال مصفوفة الان في كبرى المتاجر الاوروبية في اشارة الى سلسلة متاجر تيسكو في بريطانيا وكاريفور في فرنسا.

رواج المنتجات الغذائية الحلال في الأسواق الألمانية

وفي المانيا يشكل المسلمون قوة شرائية كبيرة، ما دفع الشركات لتوفير منتجات تتناسب ومعتقدات المسلمين، وخاصة فيما يتعلق باللحوم المذبوحة بما يتناسب وتعاليم الدين الإسلامي وذلك على الرغم من طريقة ذبح المواشي على الطريقة الإسلامية التي تثير جدلا كبيرا في ألمانيا. دانييلا شرودر تسلط الضوء على ظاهرة "سوق الأغذية الحلال" في ألمانيا. "أدركت الشركات الألمانية أنَّه من الممكن كسب الكثير من الأموال من خلال طريقة الاستهلاك التي يتَّبعها المسلمون"

غيلينبيرغ قرية ألمانية هادئة تقع في جنوب منطقة أولدنبورغ. ويبلغ عدد سكَّانها ألفًا وستمائة نسمة، وفيها جمعية وكنيسة ونصب تذكاري للحرب، واسم حانتها "بارابلو" وفيها مطعم اسمه "هوتِّنبيرند". وتشاهد في شوارعها الكثير من الصلبان، وكذلك توجد فيها كنيسة صغيرة - فهذه المنطقة كاثوليكية ملتزمة. ولكن في مبنى مصنع يقع على طرفها الشرقي يتم كلّ شيء طيلة ثلاثة أيَّام في الأسبوع طبقًا لتعاليم الشريعة الإسلامية.

وشركة عائلة ميمكين Meemken تنتج هناك تشكيلة واسعة من النقانق، تتطابق مع تعاليم الشريعة الإسلامية. ويورِّد مصنعها في كلِّ أسبوع للتجَّار في ألمانيا وفي خارجها نحو مائة طن من السجق والنقانق المصنَّعة حسب الشريعة الإسلامية.

وشركات المواد الغذائية العالمية مثل نستله ويونيليفر تعرض منذ عدة أعوام عددًا كبيرًا من المنتجات التي تعتبر آمنة حسب تعاليم الشريعة الإسلامية. وعلامة "حلال" باللغة العربية و"helal" باللغة التركية تعني أنَّ هذا المنتج "مسموح به" أو "مشروع". وكذلك يشير مصطلح حلال إلى كلِّ أسلوب حياة الأفراد المسلمين، وفي ذلك تلعب التغذية الصحيحة دورًا رئيسيًا. وبالتدريج أدركت أيضًا الشركات الألمانية أنَّه من الممكن كسب الكثير من الأموال من خلال طريقة الاستهلاك التي يتَّبعها المسلمون. كما أنَّ فكرة فتح سوق جديدة تعتبر فكرة مغرية جدًا، خاصة في هذه الأوقات المضطربة.

وهذه السوق تعدّ في ألمانيا وحدها أكبر مما كان يُعتقد حتى الآن. وطبقًا لدراسة حديثة يتراوح عدد المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا بين ثلاثة ملايين وثمانمائة ألف مسلم وبين أربعة ملايين وثلاثمائة ألف مسلم. ولأنَّ نسبة الأطفال تزيد لدى المسلمين عما هي عليه لدى غيرهم، فإنَّ أسواق المستهلكين المسلمين تعتبر من الأسواق الأكثر أهمية في المستقبل. وحاليًا تشكِّل "الأغذية الحلال" نحو سبعة عشرة في المائة من مبيعات المواد الغذائية في العالم، حسب معلومات منتدى الحلال العالمي في ماليزيا.

ويقول الخبراء في مجال الصناعات الغذائية إنَّ قوة هذه السوق لم تُستنفد لفترة طويلة، وإنَّه ليس هناك أي قطاع في السوق الغذائية ينمو بهذه السرعة مثل قطاع المنتجات الحلال؛ ففي العام 2004 بلغ معدل المبيعات من الأغذية المطابقة للشريعة الإسلامية في جميع أنحاء العالم خمسمائة وسبعة وثمانين مليار دولار أمريكي، وسيبلغ في عام 2010 ستمائة وواحد وأربعين مليار دولار أمريكي. ويتوقَّع الخبراء أنَّ مبيعات سوق الحلال في أوروبا سوف تبلغ في العام القادم سبعة وستين مليار دولار.

والبلدان التي يعيش فيها الكثير من السكَّان المسلمين تكيَّفت مع متطلبات المستهلكين المسلمين؛ ففي فرنسا تعرض سلسلة متاجر كازينو Casino منتجات من اللحوم والنقانق المنتجة حسب مواصفات الحلال، وفي انكلترا تقدِّم هذه العروض سلسة متاجر تيسكو Tesco وسينزبيري Sainsbury. ومحلات الوجبات الشهية الفرنسية تبيع كبد أوز حلال، وسلسلة محلات المستحضرات التجميلية والغذائية البريطانية بوتس Boots تبيع كذلك أغذية للأطفال منتجة بطريقة حلال، كما أنَّ سلسة مطاعم ماكدونالدز تريد قريبًا وبدافع مبيعاتها الجيِّدة في لندن تقديم وجبات دجاج حلال في أماكن أخرى في أوروبا.

ما هو الحلال في أوربا المعاصرة؟

ويقول محمود تتري من مركز مراقبة الأغذية الحلال في مدينة روزلهايم الألمانية: "لا يمكن أبدًا أن تكون صناعة اللحوم حلال". ويضيف أنَّه حسب أحكام الشريعة الإسلامية لا يجوز أن تكون الحيوانات معرَّضة للإجهاد والتعب أو للألم، بيد أنَّ معامل الإنتاج الواسع لا يمكن أن تطبِّق هذا الحكم.

وكذلك ينظر مصدِّقو شهادات الحلال إلى حكم "الإهلال" (ذكر اسم الله) في أثناء نحر كلِّ الحيوانات بتشدِّد مختلف. فبعضهم يكتفي بذكر اسم الله في أثناء النحر الميكانيكي من جهاز تسجيل، ولكن يقول البعض يجب أن يتم تشغيله من قبل شخص مسلم. وبسبب التفسيرات المختلفة الخاصة بهذه الأحكام القرآنية لم يتمكَّن حتى الآن مسلمو ألمانيا المتديِّنون من الاتِّفاق على معايير حلال موحَّدة. بحسب تقرير موقع قنطرة.

ولأنَّ الإسلام لا يشكِّل في ألمانيا هيئة خاصة، لا توجد سلطة رقابة عليا لختم اللحوم الحلال بخاتم فحص مشترك. وبحسب ذلك تعتبر سوق عمل مصدِّقي شهادات الحلال كبيرة وغير منظمة - وهؤلاء المصدِّقون يراقبون المواد الخام وعملية الإنتاج والتنظيف والمورِّدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الاول/2009 - 27/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م