العالم يتجه نحو اليسار

مهند السماوي

تمهيد:

قبل ثلاثين عاما تقريبا،انهى تلامذة ميلتون فريدمان،سيطرة افكار النظرية الكينزية في الاقتصاد الرأسمالي والتي استمرت اكثر من اربعين عاما،وذلك بوصول مارغريت تاشر الى الحكم في بريطانيا عام 1979 ثم تبعها رونالد ريغان في امريكا عام 1980،ثم بقية دول العالم الغربي الاخرى.والان بعد ان عصفت الازمة المالية العالمية الجديدة في عام 2008 اخذ العالم الغربي في اتخاذ اجراءات اقتصادية متشددة تهدف الى انقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار من خلال الرجوع الى مبادئ النظرية الكينزية من جديد في تدخل الدولة لتنظيم الاقتصاد وانقاذه من شبح الركود الدائم،وبالتالي كان ذلك تمهيدا لعودة الافكار اليسارية من خلال الاقتصاد بعد ان سيطر اليمين على العالم لمدة ثلاث عقود مضت،والسياسة كما هو معروف تتبع الاقتصاد،او انهما مرتبطان معا مما يعني ان الافكار اليسارية في السياسة والاجتماع والفن والادب وغيره اخذت تعود بصورة تدريجية ولكن بصيغ مختلفة.

تعريفان:

النظرية الكينزية:

وهي نظرية جون ماينارد كينز(1883-1946)الاقتصادي الانكليزي المعروف في علم الاقتصاد والتي جاءت في كتابه(النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود)عام 1936 والتي عارض بها النظرية الكلاسيكية في الاقتصاد والتي كانت المتحكمة في الاقتصاد الرأسمالي منذ آدم سميث(1723-1790)العالم الاسكتلندي الشهير الذي يعتبر مؤسس علم الاقتصاد الحديث،والتي كانت تدعو الى ترك الاقتصاد بدون تدخل الدولة في تنظيمه،بمعنى آخر هو ينظم نفسه بنفسه وحسب تلك النظرية فأن الاقتصاد سوف ينمو بسرعة كونه ناشيء من قوة دفع المصلحة الذاتية والتي بمجموعها تكون المصلحة العامة للمجتمع.

وقد حققت تلك النظرية نجاحا كبيرا في تقدم الاقتصاديات الرأسمالية في القرن التاسع عشر والتي ساعد على تقدمها وجود عدد كبير من المستعمرات التي تقدم المواد الخام الاولية بأسعار زهيدة مما ساعد على تنشيط الاقتصاد الصناعي في الدول الاوروبية وهي التي تحتل اغلبية المستعمرات في العالم آنذاك.

ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى(1914-1918) والتي تسببت في تدمير اقتصاديات الدول الرأسمالية،لم تستطع النهوض منه،فكانت فترة العشرينات من القرن العشرين هي فترة التضخم والركود الاقتصادي في عدد كبير من البلدان ثم  ادى الى توجه عدد كبير من الناس للاستثمار في سوق المال المتمثل بالبورصة كوسيلة لتحصيل عائد اكبر مما ادى الى حدوث اعظم ازمة اقتصادية في العالم والتي بدأت يوم الخميس الاسود24\10\1929 في انهيار تام لاسعار الاسهم والسندات انتهى في يوم الكارثة المسمى يوم الثلاثاء الاسود 29\10\1929 حيث فقدت البورصات الامريكية ثم تبعتها بقية البورصات في العالم اكثر من 90% من قيمتها،ثم تبع ذلك حدوث ركود اقتصادي عالمي وبطالة عالية مع انهيار الانتاج الصناعي والزراعي،واصبح عدد كبير من الناس يعيشون على اعانات الحكومات لكي تدفع عنهم الجوع والفقر المدقع،واستمرت آثارها لمدة عقدين من الزمن تقريبا!...

في خلال تلك الاثناء درس كينز الوضع الاقتصادي العالمي، وتوصل الى نتائج بارعة اصدرها في كتابه الانف الذكر،والتي اصبحت مشهورة بنظرية كينز التي تدعو الدولة الى التدخل في الاقتصاد وتوجيهه خدمة للصالح العام من خلال زيادة الانفاق العام لغرض تشغيل العاطلين عن العمل والذي يؤدي بدوره الى زيادة انفاقهم لشراء السلع والخدمات مما يؤدي الى تحريك عجلة الاقتصاد وازدهاره مما يؤدي الى زيادة واردات الدولة من الضرائب التي تقوم بصرفها على الخدمات الاجتماعية والصحية بهدف اقامة دولة الرفاه الاجتماعي،ورغم ان الاشتراكيين يتهمون كينز بأستغلال المبادئ العامة للاشتراكية لغرض اعادة بناء الرأسمالية من جديد الا ان تدخل الدولة في الاقتصاد وان كان هو مبدأ اشتراكي عام الا ان العمل به مختلف كليا عن الموجود في البلدان الاشتراكية التي يخضع فيها الاقتصاد الى تخطيط مركزي صارم من الدولة لايسمح بوجود رأسمالية مهما كان حجمها.

وقد ادى تطبيق المبادئ الكينزية في ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد لتنشيطه حتى لو ادى ذلك الى زيادة الدين العام مادام في النهاية يؤدي الى حدوث ازدهار اقتصادي يعوض عن تلك السنوات العجاف التي تلي تدخل الدولة،الى حدوث ازدهار اقتصادي كبير منذ نهاية الثلاثينيات،وخاصة في الولايات المتحدة التي تعتبر القاطرة الاقتصادية للعالم،واخذت مبادئ النظرية الكينزية تنتشر من خلال مؤيديها الكثيرون في العالم مستندين الى النجاحات التي حققتها من خلال التطبيق والذي ادى الى حدوث ازدهار اقتصادي كبير في الدول الرأسمالية في عقدي الخمسينات والستينات،الا ان حدوث الازمة الاقتصادية العالمية في عقد السبعينات والتي بدأت بارتفاع الاسعار وخاصة النفط بعد ازمة 1973،والتي تلاها حدوث ركود اقتصادي طويل ادى الى تقهقر النظرية في صالح مؤيدي نظرية الليبرالية الجديدة والتي تزعمها في امريكا مليتون فريدمان(1912-2006) وفي اوروبا كان فردريك هايك(1899-1992) و بعد تطبيق النظريات الجديدة حدث الازدهار الاقتصادي الغربي بعد عام 1983 والذي استمر طويلا وصادف خلال تلك الفترة انخفاض اسعار معظم المواد الاولية وخاصة النفط وبدء الثورة التكنولوجية الحديثة وخاصة في الاتصالات ورغم حدوث بعض الازمات الاقتصادية العالمية مثل ازمة عام 1987 المالية الا ان الاقتصاد الرأسمالي خرج منها سليما حتى بداية عام 2008 والتي تبعها وقوع الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة،مما ادى الى بدء التدخل الحكومي الواسع النطاق لانقاذ الاقتصاد مما يعني بصورة عملية الرجوع الى اساسيات النظرية الكينزية في التدخل الحكومي لتنشيط الاقتصاد من خلال ضخ الاموال والعمل على التشغيل الكامل للعاطلين عن العمل.

النظرية الليبرالية الجديدة:

وهي نظرية انصار الليبرالية الاقتصادية الحديثة والتي هي امتداد للقديمة والتي كانت مهيمنة على العالم الرأسمالي قبل انتشار افكار النظرية الكينزية،ولكن جاءت بصيغة تحديثية للنظرية الاولى،تلائم العصر الحديث وتطوراته الاقتصادية الجديدة.

عرفت النظرية بأسم النقدية تارة كونها تهتم بالنقد وتأثيراته على الدخل القومي،وتارة تسمى بمدرسة شيكاغو نسبة الى تجمع ابرز منظريها في تلك الجامعة العريقة،ومن ابرزهم ميلتون فريدمان(1912-2006)وفريدريك هايك(1899-1992) بالاضافة الى العديد من المفكرين المشاهير فيها الذين حصل اغلبهم على جائزة نوبل للاقتصاد تقديرا لخدماتهم العلمية في تفرد مثير في الابداع والتحليل،وتعتبر تلك المدرسة الرائدة في الاقتصاد الحديث والاكثر شهرة خاصة بعد تسلم زعامة امريكا وبريطانيا في وقت مقارب،انصار النظرية وتلاميذها ونخص بالذكر رونالد ريغان ومارغريت تاتشر واللذان طبقا افكار النظرية بحرفية وصرامة الى درجة اوصلتهما الى كره من قبل المعارضين وخاصة اصحاب النقابات العمالية والطبقات الشعبية الفقيرة التي لم تجد في تلك التطبيقات اثرا ايجابيا على حياتهم بل هي وسيلة لزيادة ثروات الاثرياء وبالتالي زيادة الفارق في الدخول بين الفئتين!رغم دعاوى الليبراليون الجدد في انهم مع الجميع ...

حرص اتباع تلك النظرية على الدعوة الى تحرير الاسواق تدريجيا والعمل على خصخصة مؤسسات القطاع العام وتقليل دور الدولة في المجتمع من جميع النواحي والى ادنى حد بأعتبارها رمز البيروقراطية والكابح الرئيسي لنمو الاقتصاد، فعارضوا بشدة قبل تحكمهم بالسلطات السياسية الوضع الاقتصادي السائد الذي اصبحت بلادهم الرأسمالية نصف اشتراكية من خلال زيادة نسبة مساهمة الدولة في الاقتصاد القومي والتي كانت على سبيل المثال لاتزيد عن 3% في امريكا قبل الحرب العالمية الاولى،ارتفعت الى الثلث تقريبا! وبالتالي دعوا الى تخفيض تلك النسبة من خلال بيع شركات الدولة وتقليص خدماتها والعمل على تقليص الضرائب ايضا،وجعل دور الدولة مختصا فقط في الفروع التقليدية والتي لا يستطيع القطاع الخاص الولوج فيها من قبيل الدفاع والامن القومي والقضاء او التعليم والصحة رغم المساهمة الخاصة فيهما بنسب محدودة ...

مع نشوء كل نظرية وبخاصة في عوالم الفكر والسياسة والاقتصاد،تكون بداية الظهور قوية كونها جاءت كرد فعل تنظيري على اخطاء ومشاكل واقعية وتحاول حلها من خلال بناء فكري جديد مدعوم ببراهين وقواعد جديدة تخالف المشهور والمتحكم في الواقع،وبالرغم من وجود معارضة لكل نظرية في بداية صدورها وهذا شيء طبيعي وواقعي كون المعارضون للتجديد يشكلون الاغلبية والذين بالرغم من اختلافهم،فأن مصالحهم المتعارضة احيانا تكون جامعة لهم...وبعد ذلك تبدأ النظرية بالتمدد والانتشار من خلال زيادة عدد المعتنقين لها او المؤيدين لافكارها،حتى تصل الى اعلى مرحلة يمكن ان تتوق لها وهي تطبيقها من خلال السلطة السياسية الحاملة لافكارها،وبعد ذلك تبدأ مرحلة التطبيق والتي تجد كل النظريات والافكار مشاكل ومعوقات جديدة لم تكن اساسا مقررة ضمن البنية الفكرية للنظرية،ولكن ايضا تكون الظروف ايضا موضوعية لنجاحها وبالتالي ينشأ جناحان احدهما متمسك بكل ماجاء فيها او بجزء بسيط منها وفي المقابل الجناح المعارض جملة وتفصيلا!...

ونظريات اليسار واليمين الاقتصادية والسياسية وهما المتداخلان الى ابعد حد،لا يشذان عن تلك القاعدة السائدة منذ نشوء البشرية...ولذلك عندما فشلت النظريات الاقتصادية التقليدية في منع حدوث الكارثة الاقتصادية العالمية عام 1929،فأن الظروف تهيئت لليسار الاقتصادي الرأسمالي في اثبات وجوده من خلال البحث عن حلول جذرية للمشاكل العالقة والتي هددت الاقتصاد الرأسمالي برمته بخطر الانهيار، ولتجنب السيطرة الشيوعية ونظرياتها الجديدة آنذاك والتي بدأت في العمل في روسيا واثبتت نجاحا كبيرا برغم المآسي الانسانية الناتجة منها والتي بقيت تحت ستار كثيف من السرية،فأن استعارة بعض حلول المذهب الاشتراكي وتحويرها لكي تلائم الفكر الرأسمالي وبيئته المختلفة بغية تخليصه من أزمته لم تكن عيبا او حتى نقصا بل هو عين الصواب،لان لكل نظرية ايجابياتها وسلبياتها وهنا يبدأ العقل الاقتصادي في استعارة الحلول الناجعة بدلا من الوقوف على المبادئ الرأسمالية المتشددة في رفض كل مايؤدي الى تقليص الحريات الفردية والمبادرات الناتجة منها...

وهنا صدرت نظرية كينز العامة والتي سرعان ما طبقت في العالم الرأسمالي خاصة بعد وصول الرئيس روزفلت الى سدة الحكم في امريكا عام 1933...فكانت النتيجة في البداية مشجعة،وساعدت ظروف الحرب العالمية الثانية والتي سحبت البطالة الى ساحات القتال!وشجعت المصانع والقطاعات الاقتصادية الاخرى على العمل بغية اشباع حاجات البلاد العسكرية والاقتصادية والتضحية بالطبع بحقوق العمال لان البلاد تمر بأمور استثنائية!...وهنا كانت النتائج ايجابية في قلب العالم الرأسمالي ونقصد بها امريكا والتي بقيت بعيدة عن دمار الحرب الهائلة رغم اشتراكها فيها كونها بعيدة عن ساحات القتال الرئيسية وبقائها تحت حماية المحيطين الاطلسي والهادئ!...وهنا اصبحت الولايات المتحدة المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي بفضل الضخامة في الانتاج وايضا نظرا لكبر حجم البلاد السكاني ووفرة مواردها الطبيعية...وبذلك اصبحت تشكل اكبر اقتصاد عالمي وصل حجمه عام 1946 الى ثلثي الاقتصاد العالمي الذي تعرض الى دمار رهيب كون غالبية دول العالم اشتركت في تلك الحرب الجهنمية!.

قامت امريكا بعمل مشروع مارشال لبناء اوروبا الغربية والتي نهضت بسرعة بفضل تلك الاموال والمعدات الامريكية وصادف خلال تلك الفترة،توفر الموارد الطبيعية الرخيصة وبخاصة مصادر الطاقة،مع توفر الايدي العاملة وبخاصة من الشعوب الاخرى التي هاجر عدد كبير من ابنائها للعمل في اوروبا،وهنا سيطرت النظرية الكينزية التي تبيح تدخل الدولة في شؤون الاقتصاد الى ابعد حد خاصة في ظل ظهور مقولة دولة الرفاهية بعد الحرب العالمية الثانية والتي يقصد بها توفير الرفاهية للجميع من خلال خلق فرص العمل والخدمات وتيسرها وتحديد ساعات العمل وحد ادنى للاجور مع ضمان التشغيل او توفير الرعاية لغير القادرين ... وبالفعل اصبح العالم الغربي برمته عالم تسوده الرفاهية الحديث الذي وجدها خير دعاية لمقاومة الدعاية الشيوعية التي تدعو الى المساواة والرفاهية ايضا ولكن بأسلوب مختلف ومتشدد!.

وبمرور الزمن اخذت الكثير من المشاكل الاقتصادية تظهر وبخاصة في بداية عقد السبعينات من القرن العشرين، فكانت البداية مع مشكلة البطالة ونشوء البيروقراطية الى التقليل من حرية الاسواق وفرض الضرائب الباهظة لتمويل المشاريع الخدمية والبناء الى الانفاق الدفاعي الضخم بسبب الحرب الباردة بين المعسكرين اللدودين:الرأسمالي والاشتراكي،وهي الحرب التي انهكت الطرفين وفقد من خلالها الكثير من الاموال والجهود بسبب الخوف من سيطرة احد المعسكرين على العالم! حتى ظهرت مشكلة التضخم والركود.

ساعد الى تفاقم تلك المشاكل،حدوث ازمة الطاقة التي رافقت حرب 1973 في الشرق الاوسط،مما ادى الى ارتفاع اسعار المحروقات في الغرب وهو المستهلك الرئيسي لها،والذي ادى بدوره الى ارتفاع اسعار بقية السلع والخدمات والتي هي مرتبطة مع بعضها البعض بالطبع!.

كل تلك المشاكل مع مشاكل اخرى كثيرة،ادت الى بروز الاتجاه اليميني في الاقتصاد والذي كان ضعيفا بفعل آثار ازمة 1929...والذي انتقل الى السياسة بسبب كونها تابعة اساسا للاقتصاد وتأثيراته المختلفة،وهنا برزت المدرسة الليبرالية الحديثة والتي تدعو تقليل دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع بأعتبارها كابحا لانطلاقته من خلال البيروقراطية الشديدة والتي تعطل النمو الحقيقي،وايضا تقليل حجم الضرائب الى ادنى مستوى ممكن،وبالتالي تقليل حجم الخدمات الاجتماعية بمختلف اشكالها بما في ذلك التعليم والصحة! واعتبار المبادرات الفردية والسوق مسؤولة عن تحريك الاقتصاد ونموه بأعتباره يدا خفية في ادارة الاقتصاد! على العكس من اليد المرئية في النظرية الكنزية اي يد الدولة! .

لم يعر انصار تلك النظرية الجديدة للمبادئ الاخلاقية والانسانية اي اهتمام ضمن اجراءات التطبيق! وهي من عيوبهم الرئيسية،بل لم يجدوا من عيب من دعوة الانظمة الديكتاتورية لتطبيق افكارهم التي كانت في البداية قاسية الى ابعد حد،كما حدث في تشيلي وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها،وكانت القسوة تتمثل احيانا في تحديد حقوق العمال او تقليل منحهم المزيد من الراحة والعلاوات! بل وتخفيض الاجور او زيادة ساعات العمل! اضافة الى الاستهانة بحقوق الضعفاء اثناء العمل من قبيل الاطفال العاملون في الدول المتخلفة!.

ظهر لدى اصحاب الاتجاه الجديد في الاقتصاد عدم الاهتمام بالدول النامية ايضا كجزء من عدم اهتمامهم بالاخلاق والمثل الانسانية بصورة عامة سواء داخل بلدانهم او خارجها برغم اهتمامهم بحرية الفرد وعدم تقييد تلك الحرية بأي قيود حتى لو كانت اخلاقية او انسانية رغم انه معروف عن العالم الغربي مسؤوليته الاخلاقية والادبية عن الكثير من المآسي التي حدثت ومازال بعضها مستمرا في العالم الثالث،من قبيل الفقر والتخلف وسيطرة مجموعات مختلفة على الحكم والتحكم به بوسائل بدائية دموية،كذلك مسوؤلين عن الكثير من النزاعات والحروب بين الدول النامية خاصة في مجال الحدود والاقليات العرقية والدينية،وكان مثالا وقحا على عنجهية تاتشر عندما رفضت مع ريغان، رؤية او مناقشة تقرير ويلي براندت! (1913-1992 وهو المستشار الالماني الاسبق) بداية الثمانينات الذي دعى من خلاله الى تنمية الدول النامية في العالم ليس فقط لتطوير تلك الدول بل ايضا لاستمرار رفاهية العالم الغربي من خلال جعل شعوب تلك الدول قادرة على الانتاج والعمل وبالتالي التخلص من طلب مساعدة الدول الغربية وايضا سوف يصبحون مستهلكين للسلع الغربية من خلال توفر القدرات المالية التي تساعدهم على الشراء! وقد اثبت الواقع صحة ذلك التقرير الذي لم يطبق مع الاسف الشديد! ونحن نرى لحد الان مآسي الدول الافريقية على سبيل المثال من خلال استمرارية المجاعة والجفاف والفقر والتخلف واستمرار المساعدات الغربية بالاضافة الى الهجرة الغير شرعية المستمرة والتي تكلف العالم الغربي اموال باهضة من خلال اعادة تأهيل المهاجرين!.

برز بعد الحرب العالمية الثانية اليسار العالمي واصبح شبه مسيطرا على جميع افرع الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية من خلال اطروحاته المختلفة،واخذ يشتد مع استقلال الدول النامية وظهور بعض الزعامات اليسارية المتميزة في العالم الثالث وخاصة بعد عام 1960 الذي استقلت به اكبر عدد من المستعمرات، ورافق حينها انتشار المد السوفييتي ونفوذه في عدة بلدان حتى اصبحت الرأسمالية تهمة تطلق على عملاء الغرب المنبوذين بعكس الحال الان ! ولم يكن العالم العربي شاذا عن ذلك الوضع ايضا!...

ولكن لم يكتفي العالم الغربي في سياساته المعادية للاشتراكية والشيوعية بالتحديد،فقام بأجراءات منافية او متناقضة مع منظومته الفكرية والاخلاقية من خلال تدبير عدد من الانقلابات العسكرية والمدنية ضد الانظمة اليسارية المنتخبة!،ونجح في اغلبها ومورست ابشع جرائم بأسم محاربة اليسار، وبالتالي اصبحت السمعة الغربية سيئة جدا في هذه المجالات وقد برز العداء للغرب بشدة من خلال شعور بعض الشعوب المتحررة من السيطرة الغربية مثل كوبا وايران ونيكارغوا وغيرها،بل انتشر المد اليساري المتطرف حتى في دول الغرب نفسها من خلال مجموعات مثل بادر-ماينهوف في المانيا،والجيش الاحمر في اليابان والالوية الحمراء في ايطاليا وغيرها من المجموعات المسلحة اليسارية.

ولكن اليسار العالمي وقع فريسة عدة صراعات جانبية انهكته عن معركته الرئيسية مع اليمين ،سواء بين المجموعات المتصارعة على الحكم او من خلال ظهور مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة لم يستطع حلها ولكن اثرت على شعبيته اضافة الى السرطان السياسي الفتاك:الاستبداد...الذي هو معول تدمير كل فكر او عقيدة من داخلها مهما كان نوعها او مصدرها!...وهو المرض الذي لم يؤثر على الغرب وبخاصة على اصحاب الاتجاه اليميني!...

وهنا توقف منذ منتصف السبعينيات،النمو الاقتصادي السريع في الدول الاشتراكية واصبحت متخلفة عن العالم الغربي الرأسمالي بشكل واضح واصبحت غير قادرة على الاستمرار في المنافسة الفكرية والاقتصادية،مما أثر على قدرتها على الصمود بوجه الالة العسكرية الغربية والتي اخذت تنمو بشكل كبير بعد سيطرة اليمين على الحكم في البلدان الرئيسية والتي بدأت بسباق التسلح الذي خرج الاتحاد السوفييتي منه متعبا وممزقا ادى الى انهياره السريع! وقد فقدت تلك الدول نفوذها الرسمي والشعبي في العالم الثالث بصورة كبيرة.

ساعد سباق التسلح على تنشيط الاقتصاديات الغربية من خلال تلبية احتياجات القوات المسلحة مما ادى الى تقليل البطالة بشكل كبير،ولم يكن ذلك متوقفا على الحرب الباردة،بل الحروب الساخنة بين الدول المختلفة،وابسط مثال على ذلك الحرب العراقية الايرانية التي استمرت 8 سنوات والتي دمرت البلدين،بينما في المقابل استطاعت الكثير من الدول التخلص من الكثير من مشاكلها الاقتصادية من خلال تصدير السلاح والسلع الاخرى الى الطرفين المتحاربين واحيانا بأسعار عالية،مما يعني تشغيل مستمر للكثير من الطاقات المعطلة وتصدير الفائض المخزون،وكانت من ابرز الدول التي استفادت من تلك الحرب هي فرنسا التي لم يستطع الحزب الاشتراكي الحاكم من اصلاح الاقتصاد وتطويره الا بالاستفادة غير الاخلاقية من تلك الحرب وايضا من حروب اخرى،حتى قدر ان تصدير السلاح انخفض الى النصف تقريبا عام 1989 بالمقارنة مع عام 1988 الذي انتهت فيه تلك الحرب!.

من اسباب نجاح اصحاب الفكر الليبرالي الجديد في الاقتصاد واليميني في السياسة آنذاك ايضا،هو تدهور اسعار الطاقة وبخاصة النفط مع المواد الاولية الاخرى، واسباب ذلك معروفة بالاجمال،فقد صادف بدء الانتاج بشكل كبير من بحر الشمال منذ منتصف السبعينات،وكذلك الانتاج من الآسكا وخليج المكسيك،مع استمرار اجراءات خفض الاستهلاك بعد ارتفاع اسعار النفط عام 1973 من خلال فرض المزيد من الضرائب وتقييد الاستعمال لغرض الحفاظ على البيئة وغيره،كل ذلك ادى الى وجود فائض انتاجي كبير في السوق العالمية فرض هبوطا كبيرا على الاسعار منذ عام 1981 ووصل عام 1986 الى ادنى مستواه! وكل ذلك ساعد على تنشيط الاقتصاديات الغربية والتي تعتمد على الطاقة المستوردة بشكل كبير بالاضافة الى تصنيع الكثير من البدائل للمواد الاولية الاخرى وبالتالي ايضا اثر بشكل واضح على الاسعار...

وقد استمر توفر الطاقة بأسعار رخيصة حتى عام 2004 عندما بدأت الاسعار بالارتفاع نتيجة لارتفاع الاستهلاك في الاقتصاديات الحديثة النمو مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها،مع توقف الاضافات في القدرات الانتاجية والاحتياطية للدول المنتجة.

بعد سيطرة اليمين المتشدد في البلدان الرئيسية في الغرب وعلى رأسها امريكا وبريطانيا والمانيا وغيرها منذ اواخر السبعينيات،ازداد النفوذ الغربي في العالم خاصة بعد بدء الازدهار الاقتصادي عام 1983 الذي اخرج الغرب من اطول فترة ركود وتضخم في تاريخه،نتيجة للعوامل الرئيسية السابقة، الى ان وصل الى الانتصار الكبير على المعسكر الاشتراكي عام 1989 الذي انهار بفضل عوامل سباق التسلح واجراءاته المكلفة ونمو البيروقراطية وتوقف الاقتصاد عن النمو مع سيطرة النظم الشمولية على الحكم، وهنا اخذ اصحاب الفكر الرأسمالي وخاصة اليمين المتشدد يدعون الاخرين الى اعتناق افكارهم ومبادئهم وطريقة ادارتهم لدولهم باعتبارهم المنتصرون في الحرب الباردة ولولا اجراءاتهم الاقتصادية والسياسية لما سقط المعسكر الشيوعي،واخذت تنشط دعاوى من قبيل نهاية التاريخ باعتبار ان الغرب وفكره الرأسمالي هو الاكثر صوابية وقدرة على تلبية احتياجات الانسان ورغباته.

ورغم بروز المديونيات الداخلية الكبيرة في الدول الغربية اضافة الى العجز الكبير في ميزان المدفوعات والذي سد بفضل الاقتراض من البنوك واستمرار سياسة اصدار السندات لدعم الخزينة،الا ان ذلك لم يعتبر حسب رأي خبراء الفكر الجديد سوى امرا طبيعيا مؤقتا يتم من خلاله تنشيط الاقتصاد وتطويره بشكل سريع يستطيع خلال فترة قصيرة من ان يسدد كل الديون والعجز!...الا ان ذلك التوقع لم يحدث وبقيت مستويات المديونية مرتفعة كذلك بقي ميزان المدفوعات والميزان التجاري في حالة عجز خاصة في امريكا.

في فترة التسعينات من القرن العشرين،ازدهرت معظم الاقتصاديات الغربية في ظل توفر امدادات الطاقة الرخيصة وبقية المواد الاولية الاخرى ثم الاستثمار في الصين الذي ساعد على توفر السلع الرخيصة،كذلك ساهمت نهاية الحرب الباردة في تخفيض حجم الانفاق الدفاعي والامني ومايتعلق بهما بنسبة كبيرة،جعلت الجهود تتوجه للاستثمار في بقية الفروع الاخرى وخاصة في مجال الاتصالات في ثورة تكنولوجية هائلة وغير مسبوقة في التاريخ استغلت فترة سقوط الكثير من اجراءات الامن الاحترازية التي قيدت الاعمال التجارية والاستثمارية في جعل العالم كقرية صغيرة من خلال شبكة الانترنت التي كانت محتكرة من قبل الاجهزة العسكرية، وتحول الاستثمار المتزايد في التكنولوجيا الى مصدر ربح كبير،وساعد تخفيض اسعار الفائدة والتهاون الكبير لدى البنوك في منح القروض لعدد كبير من غير القادرين على السداد على توفير مصادر السيولة للاستثمار وخاصة في مجال سوق الاوراق المالية والعقارات اللذان ازدهرا بشكل كبير وغير مسبوق،وتطور استخدام التكنولوجيا لدرجة الاستغناء عن الكثير من الايدي العاملة في ظل التحول الى مصادر الايدي الرخيصة في الدول النامية.

ظهرت اوجه كثيرة وجديدة في التعاملات الاقتصادية من قبيل بيع الديون وتحويلها الى اسهم وسندات! والمتاجرة فيها والمتاجرة بالعملات والمضاربة فيها وتحول الاقتصاد غير المرئي او الطفيلي الى اقتصاد كبير ومؤثر!،وساعد غض النظر من قبل الحكومات على تفشي الفساد والتستر عليه واصبح التهرب الضريبي وغسيل الاموال القذرة من سمات المرحلة الحديثة! واصبح الفارق كبيرا بين الفئات الرأسمالية والطبقات الاكثر فقرا وهذا ليس في داخل البلد الواحد بل بين دول العالم المتقدم والعالم الثالث ايضا!،ورغم تحول العالم بفعل العولمة الى قرية صغيرة فأنه وبموجبها تحول الازدهار والمشاكل الناتجة عنه ايضا الى مشاكل عالمية مشتركة بفعل تشابك المصالح والاستثمار،ورغم وجود العديد من المزايا الايجابية من قبيل زوال الفوارق الحدودية بين الدول والبشر ماعدا العالم العربي الذي بقي يعاني منها!كذلك حدوث التطور الكبير في العالم وفي دول اصبحت نموذجا مثاليا للتطور الاقتصادي الدال على براعة الانسان وقدرته على الخروج من الفقر والتخلف اذا توفرت الارادة والنزاهة في دول مثل ماليزيا وسنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية كذلك في دول اوروبية وامريكية لاتينية اخرى،فأن ذلك ساعد على شيوع افكار السوق الحرة والمبادرات الفردية والتطرف بها الى درجة رفض اي تدخل او ضبط حكومي لها !والذي ادى الى شراهة كبيرة في الاستهلاك الذي مول من قبل القروض الشخصية وبطاقات الائتمان حتى اصبح مرضا نفسيا مستفحلا في المجتمعات ورغم تحذيرات القلة الا انها اهملت بأعتبار انها تعرقل النمو بشكل غير واقعي او انها تحذيرات تشاؤمية لامبرر لها!...

وقد جلب الاستهلاك الكبير في العالم انماط ثقافية جديدة تتعارض احيانا مع الطبيعة الانسانية وقد دخلت حتى في مجالات الفن والادب والعلاقات الاجتماعية واحدثت تشوها هائلا فيها اثر على نفسية الانسان،ورغم توقع نهاية الحروب والازمات بين الدول وفي داخل المجتمعات بعد نهاية الحرب الباردة على اعتبار انها سبب الازمات السابقة بسبب التنافس بين المعسكرين الا ان ذلك اصبح حلما بعيد المنال بشكل مؤسف،فقد ازدادت بشكل غير مسبوق المشاكل العرقية والدينية والاجتماعية المختلفة وبقيت الكثير من الدول تحت سيطرة نظم مستبدة وفاسدة دون ان تشجعها العولمة على اتخاذ سبيل الديمقراطية طريقا مثاليا لها في العمل السياسي!

ونشبت حروبا مأساوية عديدة ازهقت ارواح الملايين مع استمرار المجاعات والنكبات الطبيعية التي لم تستطع التكنولوجيا من حلها بل على العكس اصبح مسببا رئيسيا لها من خلال استنزاف الموارد الطبيعية بشكل جنوني دون مراعاة امكانيات الارض والبيئة مما ادى الى ظهور مشكلة ارتفاع درجات الحرارة في العالم وازدياد التلوث وما نتج عنهما من مشاكل اخرى!.

اصبحت تلك المشاكل الكبيرة امرا واقعا دون ان تجد من يتصدى لها بجدية احد في ظل التنافس الغير مسبوق بين الدول وبين الفئات الاكثر ثراءا التي اصبح البعض منها وبصورة مريبة غنيا خلال فترة قصيرة جدا،واللهاث الكبير وراء المال والنفوذ هو مفسدة كبرى للبشر يستحيل السيطرة عليه في ظل التحرر الكبير من الاخلاق والقيم التي اصبحت من موروثات الماضي!...كل تلك المشاكل والازمات، ولدت شعورا معاديا للعولمة الجديدة وللفكر اليميني سواء في الاقتصاد او السياسة واخذ التطرف المعادي ينتشر حتى نجح اليسار في الوصول الى الحكم في بعض الدول من خلال صناديق الانتخابات واصبحت مهمة الغرب السابقة في التغيير بالقوة من مخلفات الماضي البغيض وبالتالي فرض عليها احترام ارادة الشعوب الاخرى التي اختارت الطريق اليساري حتى لو باجراءات طفيفة في التغيير!

والامثلة عديدة خاصة في بلدان امريكا اللاتينية التي تحولت معظم بلدانها الى الخيار الاخر! بعد ان جربت الطريق الرأسمالي وفق الليبرالية الجديدة التي بشر بها اتباع مدرسة شيكاغو وكذلك النخب اليمينية في الحكم والتي اشتهر عنها الفساد واستغلال النفوذ!مما جعل الطريق مهيئا للفكر اليساري للبروز من جديد خاصة من خلال نخب فكرية وسياسية جديدة استغلت التدهور الحاصل في بعض المستويات للرجوع الى اماكنها السابقة،بحلة جديدة وبنبذ للماضي البغيض الذي علق ببعض النظم اليسارية او التي استغلت اسمه في اعمالها!..

وبعد بدء الانهيار المالي العالمي عام 2008 والذي كان متوقعا حدوثه فأن فرصة اليسار اصبحت مواتية للفوز بالحكم والنفوذ في بلاد عديدة وكان فوز اوباما بالرغم من ضعف اليسار في امريكا هو مؤشر ايضا على سقوط اليمين باعتباره ممثلا ليسار الوسط فأن ذلك هو ايضا دليل هام على تدهور ولكن ليس سقوط نظريات الليبرالية الجديدة،بل ان ذلك معناه ان كلا المدرستين بحاجة للاخر من خلال الاستعانة بالافكار المنصوص عليها،والتطرف في التطبيق هو يؤدي بلا شك الى فشل ذريع!والنجاح في البداية الى ينتهي بالضرورة الى نجاح دائم بل هو وقتي لان الظروف تتغير بأستمرار وبالتالي تتغير المشاكل والاساليب الناجعة لحلها...

ان الازمة المالية العالمية ادت الى تأميم الكثير من المؤسسات المالية والشركات العملاقة واصبحت الحكومات متحكمة بجزء كبير من الاقتصاد مما يعني ان الكنزية قد عادت وهي المعبرة عن اليسار بصورة اجمالية في العالم الرأسمالي من خلال الاقتصاد وان الحكومات الجديدة هي على الاغلب سوف تكون يسارية التوجه حتى وان كانت يمينية الصبغة! كما حدث في المانيا (ايلول 2009)عندما فاز اليمين مرة اخرى رغم اتباعه سياسات انقاذ الاقتصاد بعد حدوث الازمة العالمية وبالتالي فأن التوجه نحو اليسار ليس منحصرا ضمن نطاق الاحزاب اليسارية بل حتى الاحزاب اليمينية مما يعني ان الاقتصاد وطريقة ادارته تحكمه الظروف الدولية والمحلية والحلول التي يقترحها الخبراء بغض النظر عن المنهج السياسي للاقتصاد!

وهذا قد تكرر اوائل الثمانينات من القرن العشرين عندما سيطر التوجه اليميني على الاقتصاد العالمي ولكن ذلك لم يمنع الاحزاب الاشتراكية التي فازت بالحكم في فرنسا واسبانيا واليونان مثلا على اتخاذ اجراءات اقتصادية مشابهة لدى الدول الغربية الاخرى التي تحكمها احزاب يمينية...

هكذا الاقتصاد مثل التاريخ يتكرر حدوثه ولكن باشكال ووجوه جديدة...وهنا يفترض الوقوف بتأمل ودراسة مستفيضة للواقع ومشكلاته وللمدارس الاقتصادية وآرائها حتى يمكن اتباع الطريق الاقل كلفة من ناحية الخسائر والاكثر امانا...ثم ومراعاة لانسانية الانسان وعدم تحويله الى حيوان مستهلك يعيش لحاضره دون ادنى اعتبار للاخرين او للاجيال القادمة... 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الاول/2009 - 27/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م