سليم لسلمى

قصة قصيرة

حسن آل حمادة

تناهت إلى مسامعه معلومات عديدة عنها، حدثته والدته عن جمالها.. كان سابقًا لا يعرف شيئًا اسمه الإنصات، إلا أنه ولأول مرة يصغي لوالدته، مستمعًا ثناءها ومديحها على المرأة التي ربما تكون شريكة حياته، والتي أصبح وأضحى وأمسى وبات، متصورًا لجمالها الساحر، فقد حدثوه بأن شعرها متهدل؛ كسعفات النخل الشقراء.. وسمع من أخته عن بياض بشرتها، ويكاد لا ينسى حديث عمته وهي تحدثه عن عينيها الزرقاوين.

في هدأة الليل، وبعد أن انتهى من حديثه الهاتفي مع عمته، استسلم للنوم، ووضع رأسه على تلك الوسادة التي تخيلها حضن زوجة المستقبل. لحظات، وإذا هو غارق في أحلامه الجميلة، متنقلاً في الواحات، خارجًا من حديقة، داخلاً في بستان، قاطفًا لوردة، مستنشقًا لأخرى، إذا به يفاجأ بأن أحد اللصوص يقتحم منزلهم؛ مسرعًا متوجهًا نحو غرفته، مستخرجًا صندوقه المملوء بالذهب والمجوهرات والأموال، عندما رآه وهو يهم بالخروج أراد أن يمنعه من سرقة حاجياته، إلا أنه لم يستطع تحريك رجله، حينها أراد أن يصرخ لعل أحدًا من أفراد الأسرة ينتبه للأمر.. لم تسعفه قواه على أن ينبس ببنت شفة، خرج السارق وكأن شيئًا لم يحدث.

جلس (سليم) من نومه فزعًا مرعوبًا، اتجه نحو الخزينة، وجد كل شيء، كما هو. ثم توجَّه نحو الثلاجة، فتحها بسرعة، أمسك بقارورة وأفرغ ماءها في فمه، ما أحس ببرودة الماء الذي شربه إلا بعد أن حوّل القارورة إلى صحراء قاحلة!

في الصباح أخبر أمه بما حدث له في منامه، صرخت: «كفاك الله الشر يا ولدي»، سمعت أخته بذلك، سألته: بماذا تفسر هذا؟ حينها تصور نفسه ابن سيرين، فصرخ بصوت عالٍ، أفزع جدته:  وجدتها.. وجدتها.. و... سألته جدته: ماذا وجدت يا بني؟ هل وجدت أموالك ومجوهراتك التي سرقها اللص؟ ضحك الجميع لسماع ذلك.

أمسك سليم بالسماعة، أدار أزرار الهاتف، متصلاً بعمته التي كانت على علاقة كبيرة بأسرة (ناريمان)، طلب منها أن تحضر للبيت بسرعة، لأنه سيدير اجتماعًا مهمًّا. حضرت عمته متلهفة بعد أن علمت بالأمر، أخذ الكل موقعه في صمت، وهم متشوقون لما سيطرح عليهم الآن.

بدأ الاجتماع التاريخي، حدثهم (سليم) قائلاً: خلاصة ما رأيته البارحة في منامي يتمحور في الآتي: ربما فكر أحدهم بسرقة (ناريمان) التي اخترتموها زوجة لي.. لذلك بادروا بسرعة من أجل خطبتها.

ابتسمت أخته قائلة: نعم، هكذا تفسر الأحلام يا أخي! أيّدها الكل. ذهبوا على عجلٍ لخطبتها، جاءه الرد بالموافقة. عُقد القِران، جلس مع خطيبته التي لم يُحِط وصفهم بحُسنها، فهي أجمل تُحفة يراها.

في اليوم التالي لخطبته، وبينما هو جالس في عمله، سمع أحد زملائه يتحدث عن خطبته لـ(سارة)، أصغى السمع، علم أنها بنت جيرانهم، وحدّث نفسه: لماذا العجلة؟ لماذا السرعة؟ كيف غابت عني سارة؟

المرأة/الجمال، الجمال/المرأة.. ثنائية سيطرة على (سليم)، إذ كان دائمًا ما يُصغي لأحاديث أصدقائه عن النساء وعن جمالهن. يومًا بعد آخر بدأت نظرته لناريمان تتغير، إذ بعد كل جلسة معها يتصور بأن سحرها قد تلاشى وبدأ بالأفول، ويبدأ معاتبًا نفسه؛ عاضًّا لأصابع الندم!

 في يومٍ سعيدٍ -كما تصوره- تعرف إلى شخصٍ وسيمٍ، ذي منطقٍ جميل، وتكررت زياراته لبيت صديقه الجديد، وبعد أن التقى والده وتعرف إلى إخوانه، وبعد أن أنس الحديث معهم وأعجب بأخلاقهم وسلوكهم، وقبل ذلك بدرجات كثيرة بـ(جمالهم ووسامتهم)، جاءه الشيطان مخاطبًا: لماذا لا تتقدم يا (سليم) لخطبة ابنتهم (سلمى)، فتصبح (سلمى لسليم) ويكون (سليم لسلمى)؟ ابتسم، هزَّ رأسه بالإيجاب! لكن، وماذا أفعل بـ(ناريمان)؟ أجابهُ الشيطان، هذه مسألة سهلة! ماذا تقصد؟ طلِّقها، ماذا؟! إِي وَرَبِّي، طلِّقها؛ فكثيرون فعلوا ذلك بعد أن اكتشفوا أن زوجاتهن أقل من المستوى المطلوب!

بعد شجار كبير بينه وبين أخته التي كانت مستنكرة عليه ما يود عمله، استجاب لشيطانه وهواه، وطلق زوجته!

خلال أيام قلائل، أرسل خطابًا لعائلة صديقه الوسيم، طالبًا منهم يد ابنتهم (سلمى)، جاءه الرد سريعًا..

أخي العزيز: سليم.

عطفًا على خطابكم الكريم الذي أرسلتموه لنا، تطلبون فيه يد أختنا المصونة (سلمى)، نفيدكم بأنكم أخطأتم في العنوان؛ فأختنا (سلمى) التي تودون خطبتها لا يتجاوز عمرها (6سنوات)! ودمتم لأخيكم.

[email protected]

.....................

*  من مجموعة: «زوجة أخرى»، ستصدر للكاتب مطلع 2010م عن دار البلاغ في بيروت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 13/كانون الاول/2009 - 25/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م