التطرف والتشدد - من أي جماعة أو فئة – يشكلان خطرا على الإنسان
والأديان وعلى الديمقراطية والتعددية، وهما سبب لتنامي الكراهية
والعداء بين شعوب العالم. وما يشهده العالم حاليا من صراعات وحروب
وأعمال إرهابية..، إلا دليل على استفحال حجم التطرف والعداء المتبادل
بسبب الفعل وردة الفعل، وتراجع روح التسامح والتعايش..، وأخر فصول نمو
التطرف، النكسة العظيمة التي تعرضت لها الديمقراطية والتعددية والحرية
وحقوق الإنسان في الدول العريقة الأوروبية، التي تمثل نموذجا يحتذى به
في تطبيق الديمقراطية على مستوى العالم.
فها هو اليمين المتطرف والمتشدد في الغرب الذي يكره كل مختلف
لثقافته الدينية ولعرقه ولونه ومحاربته للمواطنين والمقيمين من أصول
أجنبية، والذي كان يعاني من ضعف الشعبية وقلة المؤيدين لبرامجه، استطاع
التأثير على أغلبية الشعوب الأوروبية المسيحية وجذبهم إلى أفكاره
المتطرفة التي تخالف دساتير تلك البلدان التي تعطي كامل الحرية والحقوق
لكل مواطن ومقيم.
وذلك عبر اللعب على الغرائز والعواطف لوجود أرضية لتقبل هذه
الأفكار المتطرفة، مستغلا الأخطاء والجرائم والأعمال العدوانية
والإرهابية من قبل بعض المتطرفين والمتشددين المسلمين، وتضخيمها بشكل
مخيف لدى بقية الشعوب الأوروبية المسيحية، وجعل الإسلام (المسلمون)
اكبر خطرا يهدد المسيحية والثقافة الغربية.
وأخر ما حققه اليمين المتطرف في أوروبا هو شحن وتحريض أغلبية الشعب
السويسري للاستفتاء والتصويت على منع منارات المساجد في البلد بحجة
انها تهدد الثقافة والتركيبة الاجتماعية للشعب السويسري. ولقد صوت 57,5
بالمائة من الشعب مع قرار منع بناء المآذن.
وقد اظهر الاستفتاء مدى ضيق من يتشدقون بممارسة الديمقراطية والحرية
وحقوق الإنسان والتسامح والتعايش مع الآخر المختلف في الدين والعرق
والثقافة، وان الشعوب الأوروبية أصبحت رهينة للمتشددين الذين أصبحوا
يشكلون تهديدا للديمقراطية الغربية وللتسامح والحرية والتعايش وللوحدة
الوطنية، فمن الغريب ان سويسرا المعروفة بالتسامح والتصالح والحياد
والديمقراطية في العالم، لم تحتمل وجود أربع مآذن فقط تدل على وجود "مساجد"
للعبادة للمواطنين السويسريين المسلمين، الذين يمثلون ثاني اكبر ديانة
في البلاد إذ إن نسبة المسلمين في البلد نحو 5 بالمائة من تعداد السكان.
ما حدث في سويسرا هو مكسب باهر للمتطرفين اليمنيين في الغرب
وللمتطرفين المسلمين، ونكسة للديمقراطية والتعددية، وصفعة لنموذج
سويسرا، وتعدي صارخ على حقوق وحرية المواطن السويسري مهما كان دينه،
قبل أن يكون تعديا على حرية وممارسة المواطن السويسري المسلم، فسويسرا
نموذج عالمي تنعم بالامن والامان والتعددية والتعايش والتنوع بين
العديد من العروق واللغات والمذاهب المسيحية وكذلك الأديان.
لقد تعرضت الديمقراطية خلال الأعوام الأخيرة لنكسات عظيمة في العالم
وبالتحديد في أوربا بسبب التطرف والتشدد اليميني، فالمتشددون اليمنيون
في أوربا يحاولون بين الفينة والأخرى الزج بالإسلام والمسلمين في
الصراعات - بأسم خطر الحجاب والنقاب والإساءة للإسلام وللرسول الأعظم
محمد (ص)، والتشكيك في ولاء المسلمين للوطن، وقتل مروة الشربيني،
ووصولا بمنع المآذن-، وجعلهم بعبعا مخيفا وخطرا على الأوروبيين وعلى
الديانة المسيحية وعلى الديمقراطية. والضحية المستهدفة من تلك النكسات
هم المسلمون، وحرمانهم من الحقوق التي يضمنها الدستور لهم.
وللمعلومية ان الكثير من الذين صوتوا ضد وجود المنارات لا يعرفون
الإسلام، وإنما اعتمدوا على ما يقول المتشددون والإعلام الغربي.
إن ما يحدث من تراجع للديمقراطية في أوربا خسارة فادحة للمسلمين،
ولقد ساهم بعض المسلمين المتطرفين والمتشددين في ذلك وفي الإساءة
لأنفسهم ولدينهم، وتقديم المبرر للأعداء لاستغلال تلك الأخطاء
والتجاوزات وتضخيمها، فهناك الكثير من الجهات تعمل ضد الإسلام
والمسلمين، ولهذا يجب على المسلمين في أوروبا وفي كل مكان مراجعة
أساليبهم ليكونوا نماذج ايجابية فعالة في أوطانهم.
إن إثارة الكراهية والفتن والإساءة للأديان، وحرمان الإنسان من
حقوقه والتشكيك في ولاء المواطن، نكسة للديمقراطية وللمسلمين، ومكسب
للمتطرفين والمتشددين اليمينين كما انه مكسب كبير للمتطرفين المتشددين
المسلمين لتبرير أعمالهم المرفوضة، واستغلال الحدث للقيام بالأعمال
الإجرامية باسم الدفاع عن الدين وهي إساءة للإسلام والمسلمين.
نحن ضد منع أي إنسان من ممارسة حريته التعبدية، ومنع بناء الرموز،
ولكن لماذا الضجة - أيها المسلمون - من منع بناء منارات؟، وأين الصرخة
على ما يحدث للشعب الفلسطيني من قتل وتجويع وحصار؟، ولماذا الصمت عما
تقوم به بعض الدول الإسلامية من منع بناء المساجد لمواطنيها من الطوائف
الإسلامية في مواقع تجمعها، واعتقال من يؤدي الصلاة جماعة؟.
لماذا تعرض المسلمون للخسارة؟ |