
شبكة النبأ: عقب أحداث الحادي عشر من
سبتمبر 2001، وما تبعها من حرب أمريكية على "الإرهاب" وغزوها لدولتين
مسلمتين أفغانستان (أكتوبر 2001) والعراق (مارس 2003) ومراكز ومؤسسات
الرأي الأمريكية ـ مثل مركزي بيو وجالوب ـ ترصد توجهات الرأي العام
الأمريكي تجاه المسلمين بصفة عامة والمسلمين الأمريكيين خاصة، ناهيك عن
اهتمامها ـ أيضًا ـ بقياس رؤى شعوب العالم للولايات المتحدة وسياساتها
في العالم الإسلامي. وتتزايد أهمية تلك الاستطلاعات مع حدوث أحداث عنف
يتورط فيها مسلمون بصفة عامة أو مسلمون أمريكيون بصفة خاصة. وتعدد
نتائج الاستطلاع التي تختلف من فترة إلى أخرى تبعًا للأحداث والتطورات
الإسلامية والأمريكية تقدم صورة لتوجهات الرأي العام تجاه المسلمين
داخل واشنطن وخارجها.
وبعد حادث إطلاق الطبيب النفسي في الجيش الأمريكي الميجور نضال مالك
حسن ذي الأصول الإسلامية النار الأسبوع الماضي على مجموعة من الجنود
الأمريكيين في قاعدة فورت هودFort Hood ، اهتمت عديد من الأوساط داخل
واشنطن وخارجها بمعرفة رؤية الأمريكيين للإسلام والمسلمين. وفي تقريرنا
التالي سنسعى إلى الوقوف على رؤية الأمريكيين للإسلام والمسلمين. بحسب
موقع تقرير واشنطن.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو Pew Research Center for the
People & the Press and the Pew Forum on Religion & Public Life خلال
الفترة من الحادي عشر إلى السابع عشر من أغسطس من العام الحالي على ما
يقرب من ألفي مستطلع بالغ أنه بعد مرور ثماني سنوات على أحداث الحادي
عشر من سبتمبر 2001 يرى الأمريكيون أن المسلمين يواجهون مزيدًا من
التمييز داخل الولايات المتحدة أكثر من أي جماعة دينية كبرى داخل
أمريكا. فيقول ستة من كل عشرة من البالغين (58%): إن المسلمين يتعرضون
لكثير من التمييز. وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالجماعات الدينية الأخرى،
فعلى سبيل المثال يرى 30% أن اليهود يتعرضون للتمييز و27% المسيحيين
الإنجيليين و26% الملحدين وأخيرًا 24% المورمون.
ويرى ثلاثة أرابع (73%) الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18- 29 سنة
أن هناك كثيرًا من التمييز ضد المسلمين وتصل تلك النسبة إلى 45% بين
هؤلاء الذين يتجاوز عمرهم 65 سنة. وترتفع نسبة من يرون أن المسلمين
يتعرضون للتميز بين الديمقراطيين الليبراليين، حيث يرى ثمانية من كل
عشرة أن هناك كثيرًا من التمييز ضد المسلمين. وهي أعلى نسبة بين الفئات
الحزبية والأيديولوجية.
ويظهر الاستطلاع أن ما يقرب من نصف المستطلعين (45%) يقولون إنهم
يعرفون شخصًا مسلمًا. والأغلبية (53%) قادرة على الإجابة عن أسئلة حول
مسميات المسلمين التي تشير إلى "الله" و52% للنص المقدس للمسلمين (القرآن
الكريم). وهذه النتائج متسقة مع نتائج السنوات الماضية التي تظهر
تزايدًا في نسب إلمام الأمريكيين بالإسلام ومبادئه بالمقارنة مع الأشهر
التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهؤلاء الناس الذين يعرفون
المسلمين هم أقل رؤية للإسلام باعتباره محفزًا على العنف. وبالمثل، فإن
أولئك الأكثر دراية بالإسلام والمسلمين هم الأكثر احتمالاً للإعراب عن
وجهات نظر مؤيدة للمسلمين.
العلاقة بين الإسلام والعنف
وبالنسبة لمدى اتفاق مبادئ الدين الإسلامي مع مبادئ غير المسلمين
الأمريكيين رأى ثلثا غير المسلمين (65%) أن الدين الإسلامي يختلف ـ
كثيرًا أو بعض الشيء ـ عن معتقداتهم في حين رأى 17% أن يتشابه ـ جدًّا
أو بعض الشيء ـ مع معتقداتهم الدينية. وهي نسبة عالية مقارنة برؤية ستة
من كل عشرة أن البوذية في معظمها مختلفة عن معتقدهم والمورمونية (59%)
والهندوسية (57%).
وعن العلاقة بين الإسلام والعنف يرى 45% أن الإسلام أكثر من أي
معتقد ديني تشجيعًا لمعتنقيه على الإرهاب، في مقابل معارضة 38% أن يكون
الإسلام دافع إلى الإرهاب. وهذه النسبة تتفاوت خلال السنوات الماضية
ولكنها منخفضة في استطلاع المركز لعامي 2004 و2007 حيث زادت نسبة من
يرون أن الإسلام لا يشجع على العنف لتفوق من يرون أنه يشجع العنف.
وترتفع نسبة من يرون أن الإسلام أكثر الديانات تحفيزًا على العنف من
أي معتقد ديني آخر بين الجمهوريين المحافظين (55%). وعلى الرغم من
ارتفاعها إلا أنها منخفضة 13 نقطة عن نسبتها خلال العامين الماضيين.
ويشير الاستطلاع إلى أن وجهات النظر بين الإسلام والعنف قد تغيرت أيضًا
بشكل كبير بين الديمقراطيين والمحافظين المعتدلين، حيث انخفضت نسبة من
يرى منهم أن الإسلام يشجع العنف أكثر من الأديان الأخرى بتسع نقاط
مئوية منذ عام 2007، في حين استقرت بين الجماعات السياسية الأخرى.
وترفع النسبة أيضًا بين البروتستانت الإنجيليين البيض، فهم أكثر
الجماعات الدينية ربطًا بين الإسلام والعنف وتزيد تلك النسبة عن نصف
المستطلعين منهم (53%). ولكن تلك النسبة أقل بين المجموعات الدينية
الأخرى، فأقل من أربعة من كل عشرة يتبنون الرأي أن الإسلام يشجع على
العنف أكثر من أي معتقد آخر فتصل إلى 39% بين البيض البروتستانت
التقليديين و38% بين الكاثوليك البيض و33% بين غير المنتمين دينيًا
و30% بين البروتستانت السود.
الألفة مع المسلمين
يظهر الاستطلاع أن أقل من نصف الأمريكيين يعرفون شخصًا مسلمًا، وهو
رقم لم يتغير منذ عام 2007 وأعلى قليلاً مما كان عليه في نوفمبر 2001
عندما قال 38% من الأمريكيين أنهم يعرفون شخصًا مسلمًا.
ودرجة الألفة مع المسلمين تختلف اختلافًا كبيرًا حسب السن والتعليم.
حيث إن ثلثي خريجي الجامعات (66%) يعرفون شخصًا مسلمًا، وتصل تلك
النسبة في بعض الجامعات إلى 55%. وتنخفض تلك النسبة إلى 29% بين أولئك
الذين لم يذهبوا إلى الجامعة. ويقول 52% من الذين يقل عمرهم عن 30 سنة
إنهم يعرفون مسلمًا، ويقول نصف الذين تتراوح أعمارهم من 30-64 سنة إنهم
يعرفون شخصًا مسلمًا. ولكن من بين الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة يقول
ثلاثة فقط من بين كل عشرة إنهم يعرفون شخصًا مسلمًا.
ويظهر الاستطلاع أن الرجال أكثر معرفة بأشخاص مسلمين من النساء (51%
مقابل 40%)، والسود أكثر معرفة بمسلمين وتصل نسبتهم إلى 57% مقارنة
بـ44% من البيض و39% من الإسبان، وبين المعتدلين تصل النسبة إلى 51%
و50% بين الليبراليين مقارنة بـ41% من المحافظين.
وترتفع نسبة البروتستانت الإنجيليين البيض الذين يعرفون شخصًا
مسلمًا بـ11 نقطة مئوية مما كانت عليه في عام 2007 (41% مقابل 30%)
لتقترب من نسبة البروتستانت التقليديين (40%) و43% من الكاثوليك البيض
الذين يقولون إنهم يعرفون مسلمًا. ويظهر الاستطلاع أن التفاعل مع
المسلمين هو أكثر شيوعًا بين البروتستانت السود فنسبة 61% منهم يقولون
إنهم يعرفون مسلمًا.
المعرفة بالإسلام
بجانب ارتفاع الألفة بين الأمريكيين غير المسلمين وأقرانهم المسلمين،
أظهر استطلاع بيو ارتفاع نسبة معرفة الأمريكيين بالإسلام. فنسبة قليلة
من الأمريكيين يعرفون أن "الله" هو إله المسلمين وعدد مماثل يعرف بشكل
صحيح "القرآن" كنص الإسلام المقدس. وعمومًا 41% من الجمهور يجيبون على
التساؤلين ـ اسم إله المسلمين واسم نصهم المقدس ـ بشكل صحيح و23%
يجيبون بشكل صحيح على تساؤل منهما مقابل 36% من الأمريكيين لا يعرفون
أي منهما. ويظهر الاستطلاع أن الرجال أكثر معرفة بالإسلام (الله
والقرآن الكريم) من النساء (47% مقابل 35%). هذه المعرفة هي أعلى أيضًا
بين البيض من بين ذوي الأصول الإسبانية (الهيسبانيك Hispanics)،
والأمريكيين تحت سن 65 سنة هم أكثر ميلاً من كبار السن لمعرفة هذه
الحقائق عن الإسلام.
والمستوى التعليمي له دور في الإجابة بشكل صحيح على أسئلة عن
الإسلام، فيجيب نحو ثلثا خريجي الجامعات (64%) بصورة صحيحة على أسئلة
عن الإسلام بالمقارنة مع 24% أولئك الذين لم يذهبوا إلى الجامعة. وتلك
النسبة مرتفعة بين الليبراليين الديمقراطيين (56%) مقارنة بـ49% بين
الجمهوريين المحافظين وأقل من نصف المستقلين (44%) وثلث الجمهوريين
المعتدلين والليبراليين والمحافظين والديمقراطيين المعتدلين على حد
سواء أجابوا بشكل صحيح. وبين الجماعات الدينية النسبة متساوية ولكنها
أعلى بين غير المنتمين دينيًا فأجاب 44% على الأسئلة بشكل صحيح،
وأدناها بين الكاثوليك حيث أجاب 35% بشكل صحيح.
ويظهر الاستطلاع أن 41% من الأمريكيين أضحوا على معرفة باسمي "الله
والقرآن الكريم" مقارنة بعامي 2002 و2003 حيث وصلت النسبة إلى 33% و31%
على الترتيب، وخلال عام 2005 حدث زيادة هامشية حيث وصلت النسبة إلى
38%. وقد زادت المعرفة بالاسمين بين فئات في حين بقت ثابتة بين أخرى.
فعلى سبيل المثال حدثت زيادة ثماني نقاط بين من تقل أعمارهم عن 30 سنة
عن عام 2002 لتصل إلى 42%. وهي مرتفعة بين الذين تبلغ أعمارهم من 30
إلى 64 سنة. ولكنها لم تتغير بين كبار السن الأقل إطلاعًا على الدين
حيث تصل إلى 26% في الاستطلاع الأخير مقارنة بـ23% في استطلاع عام
2002.
كما أظهر الاستطلاع زيادة المعرفة بالاسمين بين عديد من الجماعات
الدينية. ولكن الزيادة الأوضح بين البروتستانت السود حيث تصل نسبتهم
42% مقارنة بـ27% في عام 2002. والكاثوليك البيض وكذلك البروتستانت
الإنجيليين هم أيضًا أكثر دراية بالإسلام اليوم مما كانت عليه في عام
2002. ولكن النسبة ثابتة بين غير المنتمين دينيًا حيث تصل في الاستطلاع
الحالي إلى 44% مقارنة بـ42% في عام 2002.
وفي استطلاع لمركز بيو لعام 2005 أشار إليه تقرير نشره "تقرير
واشنطن" تحت عنوان "الرأي العام الأمريكي تجاه مسلمي أمريكا" فإن 55%
من الأمريكيين لديهم انطباع إيجابي عن المسلمين في مقابل 25% لديهم
انطباع سلبيٌّ، و20% لم يجيبوا. ويتضح من هذه الدراسة أن السود
والأشخاص دون الثلاثين وخريجي الجامعات والأشخاص الذين تزيد دخول أسرهم
عن 75 ألف دولار في السنة والديمقراطيين هم الأقرب لأن يكون عندهم
مشاعر إيجابية تجاه المسلمين.
وهو ما يعد أمرًا منطقيًّا بالنظر لإشارة عديدٍ من الدراسات إلى أن
السن الأصغر والمستوى التعليمي والاجتماعي الأعلى يكونان في الغالب
مرتبطين بتوجهات ليبرالية ومن ثم يكون الشخص أكثر ميلاً لقبول الاختلاف
والتفاهم مع الآخر.
وفيما يتعلق بولاء المسلمين للمجتمع الأمريكي، قام مركز جالوب عام
2006 باستطلاع اشتمل على السؤال التالي: "هل تعتقد أن المسلمين
المقيمين في الولايات المتحدة ولاؤهم الأول لأمريكا؟" وقد أجاب 49%
بنعم و39% بلا. كما أجاب 34% بنعم على سؤال عمَّا إذا كان المسلمون
الأمريكيون متعاطفين مع القاعدة، بينما أجاب 50% بلا. كما يرى 87% أن
المسلمين ملتزمون بقيم دينهم، و47% يرون أنهم يحترمون الديانات الأخرى،
بينما يرى 52% من المستطلعين أن المسلمين لا يحترمون المرأة مقابل 35%
يرون عكس ذلك. وذلك علي الرغم من أن الدراسة التي نشرها مركز جالوب
Gallup في مارس 2009 تشير إلى أن الرجال والنساء المسلمين يحصلون
تقريبًا على مستوى الدخل ذاته وأن المرأة المسلمة من بين أعلى
المجموعات الدينية من حيث مستوى التعليم. ورفض 59% من العينة أن يحمل
المسلمون بطاقة شخصية خاصة أو أن يمروا بتفتيش أكثر تدقيقًا في
المطارات، كما أجاب 59% بلا عند السؤال عمَّا إذا كان لديهم آراء
متعصبة ضد المسلمين.
هل تعيد واشنطن النظر في تجنيد المسلمين؟
من جانب آخر أثار حادث إطلاق نضال مالك حسن الطبيب النفسي ذي الأصول
الإسلامية الذي يعمل في الجيش الأمريكي النار في قاعدة فورت هود
الأمريكية تساؤلات حول مدى اندماج المسلمين في المجتمع الأمريكي، وإلى
أي مدى يمكن أن يؤثر هذا الحادث على وضعهم في المجتمع الأمريكي . لكن
الإشكالية الأكثر تعقيدًا تتعلق بانعكاسات ذلك الحادث على الجنود
المسلمين في الجيش الأمريكي، لاسيما بعد تحذير الجنرال جورج كاسي
George Casey رئيس أركان الجيش الأمريكي من أن يؤدي الحادث سالف الذكر
لردود فعل عنيفة ضد المسلمين داخل الجيش الأمريكي قائلاً "رغم فداحة
هذه المأساة إلا أنه سيكون من العار أن يصبح التنوع الذي نتسم به أحد
ضحاياها". وعلى الرغم من أن كافة المؤشرات الأولية تؤكد أن الحادث فردي
ولا يمكن اعتباره هجومًا إرهابيًّا تم إعداده مسبقًا فإن ذلك لا ينفي
أن التداعيات يتسع نطاقها بحيث تشمل كافة مسلمي الولايات المتحدة
ومسلمي الجيش الأمريكي على وجه التحديد.
وبدأت الولايات المتحدة في الاعتماد بصورة متزايدة على المجندين
المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب الأمريكية على
أفغانستان والعراق، وبالرغم من أنه لا يتم عادة سؤال المجندين
الأمريكيين عن معتقداتهم الدينية، فإن وزارة الدفاع (البنتاجون) قد
أكدت وجود حوالي 3572 مسلمًا في الخدمة العاملة بالجيش البالغ عدد
أفرادها 1.4 مليون فرد. وفي الواقع لا يمكن الاعتداد بهذا العدد
التقديري للدلالة على حجم مشاركة المسلمين في عمليات الجيش الأمريكي
لوجود مصادر غير رسمية تشير إلى أن إجمالي عدد من يعتنقون الديانة
الإسلامية في صفوف الجيش الأمريكي قد وصل إلى حوالي 20 ألف جندي
تقريبًا. وفي هذا الإطار أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية
والقائد بقوات الاحتياط الأمريكية ناتان بانكس Nathan Banks على أن
المسلمين يؤدون مهام حيوية للجيش الأمريكي لاسيما تسهيل التواصل مع
السكان المسلمين المحليين في كل من العراق وأفغانستان.
لكن حادث إطلاق النار في قاعدة فورت هود أسفر عن عدة تداعيات من
أهمها مدى اختلاف هوية المسلمين في الجيش الأمريكي عن أقرانهم من
الأقليات الأخرى وهو ما يمكن اعتباره أحد دوافع قيام السيناتور اليهودي
المستقل عن ولاية "كونيكتيكيت"، جوزيف ليبرمان، رئيس لجنة الأمن
الداخلي والشئون الحكومية، بطلب عقد هذه الجلسة، لسماع وجهات نظر
المسئولين العسكريين، حول قيام الرائد من أصل عربي، نضال مالك حسن،
بقتل 13 شخصًا وإصابة 30 آخرين في القاعدة العسكرية. وأضاف ليبرمان، في
تصريحات لقناة "فوكس نيوز" أنه يعتزم الدعوة لإجراء تحقيق مبدئي ضمن
لجنة الأمن الداخلي"، مشيرًا إلى أنه إذا ما كان حسن قد أظهر أن لديه
نزعة "إسلامية متشددة"، فكان على الجيش أن يتخذ إجراء ما إزاء ذلك.
و في السياق ذاته دعا بعض الصحفيين المنتمين لليمين لتغيير سياسة
التجنيد وإجراءات الأمن في الجيش الأمريكي بما زاد من الضغوط التي
يتعرض لها مسلمو الجيش الأمريكي حيث وصف المحرر اليميني رالف بيترز
Ralph Peters في مقاله بصحيفة نيويورك بوست، هجوم تكساس بأنه "هجوم
إرهابي"، واتهم قيادات الجيش بالفشل في تحديد الخطر الذي يمثله "المتطرفون"
داخل الجيش على حد قوله معتبرًا أن الحادث تم التخطيط له ليبدو
احتجاجًا على الحرب الأمريكية على الإرهاب مطالبًا باتخاذ إجراءات
احترازية كي لا يتكرر الحادث. في حين أكد جيرالد ريفيرا Girard Rivera
المراسل العسكري لشبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية أن الحادث سيلقي
بمزيد من الشكوك على تركيبة الجيش الأمريكي الذي كان لا يصنف الجنود
وفق انتماءاتهم الدينية. فعلى الرغم من أن منفذ الهجوم فرد، إلا أنه
قطعًا سيؤثر على وضع مسلمي الجيش ومسلمي أمريكا عمومًا مشيرًا إلى أن
تعدد المطالبات بإعادة النظر في تجنيد المسلمين وإخضاعهم لعملية اختيار
دقيقة للتأكد من توجهاتهم .
أما البعد الآخر لتلك التداعيات فيتمثل في احتمالات وجود عنصرية ضد
المسلمين في الجيش الأمريكي. فوفقًا لأقارب مرتكب الحادث، لم يكن نضال
مالك حسن ميالاً للعنف بطبعه وإنما كان هادئ الطباع ولكنه كان ينوي
الاستقالة من الجيش الأمريكي لعنصرية أقرانه في التعامل معه بالنظر إلى
كونه مسلمًا وعربيًّا، فضلاً عن معارضته الصريحة للحرب في العراق
وأفغانستان. وهو ما أثار ردود فعل مناوئة ضده من جانب زملائه. ومن
المرجح أن تتصاعد موجة العداء ضد المسلمين في الجيش الأمريكي على إثر
الحادث بما لذلك من تداعيات سلبية على العمليات العسكرية الأمريكية في
العراق وأفغانستان.
ويرى بعض المحللين الأمريكيين أن تزايد عدد المسلمين في الجيش
الأمريكي يعد خطرًا على الجيش الأمريكي بالنظر إلى الازدواجية في
الولاء من وجهة نظرهم، وتواصل بعض مسلمي الجيش مع متطرفين دينيًا. ومن
هذا المنطلق بدأت بعض الصحف الأمريكية تبحث حول وجود علاقة محتملة بين
نضال والشيخ أنور العولقي، وهو الإمام السابق لمسجد دار الهجرة في
فيرجينيا الذي اعتاد أن يصلي فيه نضال، وأحد الذين وردت أسماؤهم في
تحقيقات أحداث 11 من سبتمبر، مستدلين على تلك العلاقة بما ورد في رسالة
إلكترونية للعولقي مدح فيها الحادثة، واصفًا نضال بأنه "بطل لم يتحمل
ضميره أن يكون ضابطًا في جيش يحارب أهله"،" داعيًا المسلمين الذين
يعملون في الجيش الأمريكي أن يحذوا حذو نضال".
و على الرغم من إدانة غالبية المنظمات الإسلامية للحادث بصورة فورية
وتضامن بعضها لإنشاء صندوق تبرعات لصالح أهالي الضحايا فإنها لم تخرج
من دائرة الاتهامات من جانب عدد من الساسة اليمينيين الأمريكيين، حيث
اتهم أربعة أعضاء بالكونجرس الأمريكي مجلس العلاقات الأمريكية ـ
الإسلامية " كير" بالتخطيط لوضع متدربين في لجان القضاء والاستخبارات
والأمن الداخلي بهدف التأثير على سياسات الولايات المتحدة وطالب النواب
الأربعة ـ وهم: جون شاديج John Shadegg، وترينت فرانكس Trent Franks،
النائبان عن ولاية أريزونا، وباول براون Paul Broun عن ولاية جورجيا،
وسيو ميريك Sue Myrick عن ولاية كارولينا الشمالية - مراقب الكونجرس
لشئون التسلح رسميًا ببدء تحقيق كامل بشأن ما زعموا أنه "محاولة اختراق"
من جانب "كير" للكونجرس بما يعني بداية عملية لموجة جديدة من الاستبعاد
المجتمعي لمسلمي الولايات المتحدة تسير في الاتجاه المضاد لجهود الرئيس
أوباما لدمجهم في المجتمع الأمريكي .
و في السياق ذاته كشفت مؤسسة "راسموسن ريبورتس" الأمريكية rasmussen
reports عن نتائج استطلاع للرأي أجرته ونشرت نتائجه في 11 من نوفمبر
الجاري أكد خلاله حوالي 65 % من المبحوثين أن نضال ينبغي أن يتلقى
عقوبة الإعدام في حال إدانته، وحول إمكانية أن يعاني المسلمون في
أمريكا من رد فعل عنيف على هذا الحادث، أعرب 57% ممن استطلعت آراؤهم من
الأمريكيين عن قلقهم من أن يؤدي الحادث إلى رد فعل عنيف ضد المسلمين
الأمريكيين، بينما قال 40% إنهم ليسوا قلقين جدا، أو ليسوا قلقين على
الإطلاق من أن يؤدي الحادث إلى رد فعل عنيف ضد مسلمي أمريكا، كما دعا
76% من الأمريكيين إلى استبعاد الجنود الموجودين بالخدمة أمثال نضال
الذين يحاولون الاتصال بجماعات إرهابية مثل القاعدة.
إن الأوضاع العسكرية المتردية في العراق وأفغانستان كانت أحد أركان
حادث فورت هود، فوفقًا للمقربين من مرتكب الحادث فإن وجود أوامر لنقله
للخدمة في العراق وقيامه بإعادة التأهيل النفسي للجنود العائدين من
العراق وأفغانستان، حيث أكدت أنطوانيت زيس antonette zeiss نائبة رئيس
الخدمات النفسية لشئون المحاربين في تصريحات لمجلة التايم الأمريكية:
إن حسن قد تأثر بتعامله مع مرضاه ممن يعانون من إضرابات نفسيه . ويرتبط
ذلك من جانب آخر بتصاعد الخسائر البشرية الأمريكية في أفغانستان حتى
وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الحرب في أفغانستان قبل ثماني سنوات
إذ قتل 54 جنديًا خلال شهر أكتوبر ليصل إجمالي الخسائر البشرية في صفوف
القوات الأمريكية منذ بداية عام 2009 حوالي 277 جنديًا وهو ما يفسر رفض
نضال لأوامر نقله إلى ساحة القتال في العراق. .
وتواكب ذلك مع تصاعد معدلات الانتحار بين الجنود العائدين من
أفغانستان والعراق، وفق إحصاءات الجيش الأمريكي التي أكدت وقوع 133
حالة انتحار خلال عام 2008، إلى جانب 15 حالة قيد التحقيق، وذلك من بين
عناصر القوات المسلحة ممن لا يزالون في الخدمة، أو العاملين في الحرس
الوطني أو عناصر الاحتياط وغالبيتهم ممن شاركوا في العمليات القتالية
في العراق وأفغانستان، بينما وصلت حالات الانتحار في عام 2007 إلى
حوالي 115 حالة وهو المعدل الأعلى الذي تم تسجيله منذ عام 1980 ويرتبط
ذلك بالحالة النفسية السيئة للجنود المشاركين في عمليات القتال في
العراق وأفغانستان. وقد أشارت إحدى الدراسات التي أجريت على حالات
الانتحار بين جنود الجيش إلى أن معدل الانتحار بين الجنود الذين تقل
أعمارهم عن 24 عامًا يبلغ نحو ضعفين إلى ثلاثة أضعاف معدل الانتحار بين
المدنيين من العمر نفسه.
ويمكن القول إن الجيش الأمريكي لا يزال في حاجة ماسة لجهود المجندين
المسلمين بالنظر إلى إجادتهم اللغة العربية والإلمام بالثقافة العربية
والإسلامية ومعلوماتهم عن الشرق الأوسط واستمرار التواجد العسكري
الأمريكي في العراق وأفغانستان.
إلا أنه من المرجح أن تشهد أوضاع المسلمين في القوات الأمريكية
ترديًا ملحوظًا وتصاعدًا للممارسات التمييزية ضدهم لاسيما على المستوى
غير الرسمي، مما سيعزز الصراع النفسي بين الولاء للوطن وبين الولاء
للدين لدى مسلمي الجيش الأمريكي، وسيؤدي لتفاقم أزمات العلاقة بين
الجنود المسلمين وغير المسلمين في الجيش الأمريكي، كما يظل عدم الاتزان
النفسي الذي يعاني منه الجنود العائدون من العراق وأفغانستان إشكالية
معقدة تجعل تكرار الحادث غير مستبعد بما يرتبط بالجدل الدائر حاليًا
حول جدوى استمرار العمليات العسكرية الأمريكية في الدولتين كلتيهما. |