على خلفية الاحداث الامنية الاخيرة التي اودت بحياة العشرات من
المواطنين العراقيين في بغداد لابد من وقفة متأنية مع معطيات الواقع
الامني والمشرفين عليه من جهة كما لابد من وقفة اخرى اطول مع نواب
البرلمان العراقي الذين عودونا على استغلال الاحداث الدموية في توجيه
خطبهم الانفعالية الرنانة.
بالنسبة للواقع الامني في العراق فانه يلاحظ وبشكل ملفت ان عام 2008
كان هو العام المثالي فيما يتعلق بالاستقرار الامني الذي كان يشعره
المواطن في الشارع العراقي بعدما عاد اليه شيء من الامل في ان يعيش
بعيدا عن هوس السيارات المفخخة او العبوات الناسفة والذبح على الهوية.
نعم فالخطة الامنية التي انطلقت بتاريخ 14. 2 .2007 انتهت صلاحيتها
في هذه المرحلة ولم تعد مثمرة اليوم لانها اساسا كانت موضوعة لمرحلة
وظروف معينة، اما الان فالواقع تغيّر والهجمات تختلف، اذ انها لم تعد
من صنع جماعات سائبة هنا وهناك او ميليشيات لهذا الحزب او ذاك بل ما
تتعرض له العاصمة العراقية بغداد هذه الايام على مستوى عالٍ جدا من
التخطيط والاعداد والدعم الفني الذي يتغلب على اجهزة كشف المفتجرات.
وهذه الاخيرة ثبتت في مرات كثيرة انها عديمة الفائدة لانه يمكن
التغلب عليها بسهولة خصوصا بعدما اصبحت مكشوفة في طبيعة تركيبتها
الفنية بالنسبة لجماعات تنفذ عمليات نوعية على ذلك المستوى، لذلك على
رجل القرار العراقي ان يعيد النظر في خططه الامنية وامكانياته الفنية
على الارض فنحن بحاجة الى ترتيبات امنية بمواصفات خاصة هذه المرة.
اما فيما يتعلق بنواب البرلمان العراقي فانهم لم يتورعوا عن إلقاء
اللوم فقط وفقط على عاتق الاجهزة الامنية وعلى عاتق الحكومة فيما
اخرجوا انفسهم من نطاق ايّة مسؤولية .. واصبح بعضهم معجبا جدا بالنموذج
المصري ! وبعضهم يتحدث بشغف عن الكرامة ونسي ان اعضاء البرلمان يتمنعون
عن حضور جلسات البرلمان ولو حضورا ديكوريا يكمّل النصاب!!
هل نسي او تناسى السياسيون انهم اصحاب مشروع العفو العام الذي رفع
القيود عن آلاف المجرمين والذين قدمت الاجهزة الامنية مئات الشهداء من
اجل القاء القبض عليهم ؟!
هل نسيت او تناست كتل البرلمان انهى مارست ضغوط كبيرة من اجل دمج
الجماعات المسلحة والمليشيات ورجال الصحوات في مختلف اصناف الاجهزة
الامنية وان العديد من تلك العناصر عليها علامات استفهام ؟!
هل تناسى السياسيون انهم طالبوا بشدة من اجل اعادة العديد من عناصر
الاجهزة الامنية السابقة الذين يعرف القاصي والداني ملابسات الظروف
المشبوهة التي تحيط بهم وكذلك اعادة اغلب الضباط البعثيين الى مناصب
حساسة جدا في الدولة ؟!
كيف يتسنى للبرلمان ان يستجوب او يقيل مسؤولا حكوميا اذا كانت
مطالبات البرلمان مختلفة حد التباين! فيمين البرلمان يحمل الحكومة
المسؤولية لانها لم تسرّح الاف النماذج البعثية المشبوهة في الاجهزة
الامنية وبالتالي فهي تتحمل المسؤولية بسبب عدم طردها تلك النماذج، اما
يسار البرلمان يريد اسقاط الحكومة لانها لم تستوعب الاف العناصر
الامنية التي كانت عاملة في اجهزة الدولة قبل سقوط نظام صدام حسين!
وفي ظل ذلك الجدل العقيم كيف يتسنى للسلك التنفيذي تلبية رغبات
البرلمان العراقي اذا كانت من هذا النوع؟!
* كاتب عراقي
gamalksn@hotmail.com |