إن احترام شخصية الإنسان وكرامته في المجتمع الذي يعتبر دليلا على
الوعي العام هو من الأركان والأعمدة الأساسية لسعادة المجتمع ورقيّه
وتطوره.. كما أن عدم احترام شخصية الإنسان وكرامته يعتبر دليلا على
التخلف والانحطاط العام وسببا في شقاء المجتمع وتعاسته..
وبالرغم من أن السلوك الإنساني يتأثر تأثيرا كبيرا من عدة نواحي
ومجالات وأبرزها: " البيئة والثقافة العامة " إلا أن نظام الحكم المتبع
في أي بلد كان - في الواقع وبصراحة – له دور مؤثر أيضا وهام جدا في
إحياء أو كبت عزة النفس والكرامة في المجتمعات.
في كل بلد من البلدان المتقدمة والمتحضرة لها قوانينها العادلة التي
تحدد حقوق الناس وصلاحيات المسؤولين ولا تسمح لأحد بانتهاك حقوق
الآخرين أو تجاوز حدود وتحترم كافة طبقات الشعب وتمنحهم الحرية والأمن
والأمان ضمن حدود القانون وأن يكون الجو العام السائد في ذلك البلد
مناسبا جدا لتنمية عزة النفس والكرامة في نفوس الناس حيث يعيشون دون
قلق وخوف واضطراب وبعيدين عن الذل والعبودية ويتمتعون بثقة عالية
بالنفس وبراحة البال في ظل القوانين التي تحمي حقوقهم وتصون كرامتهم.
أمّا في البلدان المتخلفة والمنحطة والفاسدة التي تحكمها نظام
استبدادي وليست فيها قوانين عادلة وثابتة فلا يشعر في الحقيقة أي فرد
من أفراد الشعب بالأمن والأمان والاستقرار وراحة البال.. إذ يكون دائما
معرضا في كل الأوقات لانتهاكات تطال حياته وماله وسمعته وشرفه وفي مثل
هذا المحيط الفاسد ليس هناك مفهوم لعزة النفس والكرامة والفضيلة بل قد
يلجأ الإنسان أحيانا إلى التملق والتزلف والمداهنة والنفاق أو قد يرتكب
أعمالا رذيلة لاعتقاده بأنها طريقة إلى الخلاص ولو بشكل مؤقت.
يقول " مونتسكيو ": " إن الكرامة ليست أساس الحكومة الاستبدادية
فالناس في ظل حكومة كهذه عبيد متساوون. إن الكرامة لها قوانينها
وقواعدها الخاصة ولا يمكنها أن تخضع لقوانين وضوابط أخرى. ومن هذا
المنطلق فإن الكرامة لا مفهوم لها إلا في البلدان التي يكون لها أساس
ثابت وقوانين راسخة لا تتغير بتغير الأيام. فكيف يمكن للكرامة أن تخضع
للاستبداد ؟؟؟ فالكرامة لها قوانين ثابتة وأهداف منتظمة ومعينة بينما
المستبد لا يمكن أن يلتزم بقاعدة ثابتة لأن أهواءه فوق كل القواعد
والمقررات وهو من أجلها يطمح إلى تدمير الآخرين.
إن الكرامة التي لا تجد لها في الغالب اسما حتى في البلدان التي
تحكمها أنظمة استبدادية تكون في البلدان التي تحكمها نظم دستورية هي
الحاكمة وهي التي تمنح القوة لكل الجماعات السياسية والقوانين فيها. إن
طبيعة الحكم في الأنظمة الاستبدادية تستوجب نوعا من الطاعة اللا محدودة.
وحالما تبرز إرادة المستبد ينبغي أن يبرز أثرها فورا. وفي مثل هذه
الأنظمة تكون إرادة المستبد مطلقة وغير قابلة للتغيير ".
في الحقيقة وبعبارة واضحة.. يعيش الإنسان في ظل النظام الاستبدادي
حياة أشبه ما تكون بحياة الحيوانات فهو لا يعرف إلا الغريزة والطاعة
والعقاب ولا طائل من الحديث أمامه عن بعض الأحاسيس الطبيعية كاحترام
الأبوين وحب الزوجة والابن والكرامة وما شابه فهو لا يعرف إطلاقا غير
الامتثال للأوامر الصادرة دون جدل أو نقاش.. لقد أقام النبي الأكرم (ص)
قبل أربعة عشر قرنا وبوحي من الله سبحانه وتعالى قواعد الدولة
الإسلامية الفتية على أساس من القوانين العادلة وحدد صلاحيات الحكومة
وحقوق الناس في شتى مجالات الحياة من خلال سنّ بعض القوانين الحكيمة.
فمنذ أن أطلق دعوته إلى الإسلام راح النبي (ص) يعطي المسلمين دروسا في
عزة النفس والكرامة وعلو الهمة وجبلهم بالكرامة المعنوية والفضائل
الروحية. وقد ذكر القرآن الكريم عزة المسلمين في مصاف الله سبحانه
وتعالى وعزة رسوله (ص) حينما قال: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين }
وذلك لما لهذه المسألة من أهمية بالغة وكبرى.
فالدين الإسلامي المحمدي يدعو – دائما- الجماهير المسلمة الواعية
إلى أخذ الحيطة والحذر من الأجهزة الإعلامية بمختلف وسائلها وأشكالها
التي تقوم ليل ونهار بالدعاية والتطبيل للمنحرفين الذين لا يجدون سبيل
لكسب آراء الناس إلا عبر خداعهم وتضليلهم.. فالإسلام يقول للجماهير
الواعية أن لا تستمعي إلى الأجهزة الإعلامية المأجورة بل يجب مقاطعتها
ورفضها وكشف زيفها... فليس للإنسان المسلم ( الحق ) في أن يستمع إلى كل
من يتكلم كذبا وزورا أو يقرأ خبرا مسموما ومزيفا.. فحينما يستمع إلى
إنسان آخر فعليه أن يتأكد من علم ذلك الإنسان وعدالته ونزاهته وصدقه
وحينما يقرأ خبرا عليه أن يبحث عن كاتبه ومؤلفه وعن الجهة التي أصدرته
ونشرته وحينما يستمع إلى إذاعة عليه أن يعرف أي إذاعة هذه ومن هم
المشرفون عليها. يقول رسول الله (ص): " من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن
كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس
فقد عبد إبليس ". ويقول الله تعالى: { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع
أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون }.
وعن الإمام الصادق (ع): " لا تكن إمعة تقول أنا مع الناس وأنا كواحد
من الناس ". فلا تتبع أحد لمجرد أن الناس يتبعونه وإنما يجب أن يكون
لديك رأيك الحر المبني على القيم والمبادئ الصحيحة وتلك مسؤولية جسيمة
عليك أن تتحملها أنت شخصيا. ويقول الإمام أبو عبد الله الصادق (ع): "
إياك أن تنصت رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال ". يجب أن يكون ذلك
الرجل الذي تستمع إليه حجة بينك وبين الله تعالى. فإذا سألك الله عز
وجل يوم القيامة.. لماذا استمعت إلى فلان واتبعته وصدقته ؟؟؟ فينبغي أن
تكون لديك حجة واضحة تقول إن هذا الإنسان كان صادقا بما يقوله وأمينا
في حديثه ونقله ومهتديا إلى الصواب وأنا عرفته وجربته ثم بعد ذلك اتبعه
وصدقه فإذا استطعت أن تقول هذه الكلمة أمام ربك يوم الحساب آنئذ
اتبعه.. إنك إذا أردت أن تتبع أي رجلا جاهلا مخادعا وتقرأ أي جريدة
تنقل خبرا مفبركا ومسموما فتقتنع بما قرأته وتستمع إلى أي إذاعة فتعتقد
بما تقوله فهذا شيء خطير جدا.
وأخيرا وليس آخر ا..إن كرامة المسلين وعزتهم ( نساء ورجالا - فقراء
وأغنياء - ضعفاء وأقوياء ) محترمة ومحفوظة كاملة في الدين الإسلامي حتى
أن بعض الروايات قد ذكرت أن الله سبحانه وتعالى يعتبر إهانة العبد
المسلم وانتهاك كرامته بمثابة محاربته.. عن أبي عبد الله الإمام الصادق
(ع) أنه قال: " نزل جبرئيل على النبي (ص) وقال: يا محمد إن ربك يقول من
أهان عبدي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة ". وقال الإمام علي (ع):" يوم
المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ". فالاعتداء على
كرامة أي إنسان مسلم وإهانته يعتبر شكلا من أشكال الظلم الذي لابد وأن
يعاقب الله عليه صاحبه عقابا يكون وقعه وألمه أشد من وقع الظلم على
المظلوم وخاصة إذا كان الظلم والاعتداء ضحيته الضعفاء والفقراء
والمساكين الذين لا يستطيعون مقاومة الظلم والدفاع عن حقوقهم و صيانة
كرامتهم.. يقول الإمام علي (ع): " ظلم الضعيف أفحش الظلم " ويقول أيضا
(ع): " وبؤسى لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين "..
و ختاما.. على المجتمعات الواعية اليقظة والشعوب الحرة بما فيهم
المفكرين والكتّاب والمؤلفين والمثقفين والسياسيين ( أصحاب الضمائر
الحية) أن يقفوا الظالم عند حده ويحاسب على أفعاله ومخططاته الشنيعة
وأن ينتزعوا حقوق المظلومين من يديه حيث يقول الإمام علي (ع): " لأنصفن
المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان
كارها " ويقول أيضا (ع): " لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من
القوي ". |