الوطن وطوفان الفساد

علي آل غراش

قرار خادم الحرمين الشريفين بمحاسبة واستجواب كل مقصر أو متهاون ولأي من كان بعد الكارثة المفجعة في جدة، استقبل بحفاوة كبيرة من قبل أهالي القتلى والمنكوبين والمتضررين بشكل خاص، ومن قبل الشعب السعودي بشكل عام، إذ من المستحيل أن تمر هذه الكارثة المحزنة بعدد القتلى والمصابين والمفقودين والخسائر الفادحة بدون محاسبة المساهمين في وقوعها واستفحال حجمها، والتحقيق في طريقة التعامل معها ومعالجتها، ومع الذين ساهموا في هدر المال العام واستغلال المناصب وحرمان المواطنين من حقوقهم ومنها الحصول على أرض ومسكن والخدمات.

فقد جاء في البيان للقرار الملكي «فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه - جهات وأشخاصاً - ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة به، أخذاً في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى، ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها، والوفاء بواجباتها، مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاءً أو تقصيراً من بعض الجهات، ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم، فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا».

بلا شك ان كارثة جدة وقعت بهذا الحجم لأسباب عديدة ومنها توافر بيئة مهيأة مذ سنوات عديدة تعشعشت فيها خلايا العفن والاستغلال والتمدد للفساد الإداري والتخطيطي والمراقبة والخدمات وفي إقامة المشاريع، مما ساهم في عدم وجود بنية تحتية في المدينة العريقة بوابة الحرمين الشريفين. ومعظم المدن والقرى الكبيرة والصغيرة وبالخصوص بعض المناطق البعيدة عن الأضواء والإعلام هي أسوأ بكثير من جدة بسبب تضخم الفساد فيها بشكل اكبر لبعدها عن مصدر القرار، ونقص الوعي والمطالبة والمحاسبة لدى أبناء تلك المناطق.

من المؤسف في بلادنا ذات المساحات الشاسعة جدا وعدد السكان القليل بالنسبة للمساحة، وذات الدخل القومي الضخم جدا، ان نحو 60 بالمئة من المواطنين لا يملكون مترا من الأراضي لإقامة سكن، وهذا أمر غريب لاسيما إن الأراضي تملكها الحكومة، ولكن وبسبب أسباب مشبوهة ومنها الفساد واستغلال المنصب والتلاعب بحقوق المواطنين، فان الأراضي القريبة من المناطق السكانية تباع بأسعار فلكية لا يستطيع 60 بالمئة من المواطنين شراءها. بل حتى الأراضي التي تمثل ممرا طبيعيا مهما وخطرا كالأودية للسيول والأمطار لم تسلم من الاعتداء، حيث تم تحويلها إلى أراض سكنية وبيعت على المواطنين بمبالغ عالية، وكذلك ردم البحر والقضاء على البيئة. والأكثر غرابة انه يوجد في المخططات الرئيسية للاحياء أثناء البيع أراض للخدمات الحكومية.. الا انها بعد فترة من الزمن تباع هذه الأراضي..، وتحرم هذه الاحياء من إقامة المدارس والمستوصفات والحدائق والمرافق الأخرى الحيوية.

بالإضافة إلى الفساد في إنشاء المشاريع لعملية إنشاء البنية التحتية وهدر المال. فهناك أحياء لها 30 عاما تقريبا محرومة من الخدمات الأساسية!.

نحن مع فتح ملفات الفساد واستغلال السلطة والمنصب في كل مكان من الوطن، وفي جميع الدوائر والمواقع، ومحاسبة كل مسؤول مهما كان، فمن حق المواطن أن يحصل على حقوقه الوطنية والمالية ومنها الخدماتية، وان ما تدفعه الدولة من مال لإقامة مشاريع هي أموال المواطنين، ومن حق أي مواطن يعاني من ويلات تلاطم أمواج الأزمات من فقر وبطالة وعدم ملك أرض..، أن يحاسب المقصرين والمهملين؛ وعلى كل مواطن أن يكون واعيا بان لا يكون شريكا للمفسدين بالسكوت على الفساد والتقصير والإهمال والاعتداء على حقوقه.

يا خادم الحرمين إن الشعب معك في اجتثاث واستئصال المفسدين والمجرمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 9/كانون الاول/2009 - 21/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م