البناء الهش

دبي معجزة فاشلة

مهند السماوي

في منتصف يناير2008 تحولت مدينة دبي الى مدينة اشباح خلال زيارة قصيرة للرئيس الامريكي السابق جورج بوش والذي اراد الاطلاع على المدينة وطريقة نموها وتقدمها العمراني!،ليفاجئ بتوقف الحياة في المدينة التي تتبع نظام المناطق الحرة التي لاتخضع لنظام ضريبي بغية جذب الاستثمارات والعمالة الى حدودها لمنافسة المناطق الاخرى في العالم التي تمتاز عليها بتوفر الموارد البشرية.

الغريب في الامر ان ذلك تم بقرارات ارتجالية من الحكومة المحلية والتي فرضت فجأة اجازة اجبارية لجميع القطاعات الاقتصادية بغية تسهيل مرور الضيف في زيارته القصيرة!وشمل قطع الطرق الرئيسية ايضا ومنع الجميع من مزاولة اعمالهم رغم انهم جاؤا الى تلك المدينة بسبب الادعاء انها تمثل واحة الامان والاستقرار والحرية الاقتصادية!ليفاجئ الجميع بتحول المدينة في لحظة قصيرة الى اشبه ما تكون دولة شمولية تفرض القرارات على الجميع وبدون مناقشة ولاسباب مختلفة!...

وقد سبب ذلك خسائر مادية ومعنوية للمدينة وللمقيمين فيها وكشفت للجميع مدى الهشاشة في بنائها الحضاري الذي تدعيه والذي يرتكز على بنية فوقية ركيكة مع بنية تحتية لا بأس بها !فالعقلية الحاكمة لم تصل لحد الان الى مستوى البناء العمراني!...

ان تلك الزيارة كافية لتبين لنا ان الادعاء في التطور السريع لمدينة ما،ليس سهلا ابدا او هي كلمات تقال!،بل هو منهج حضاري متين يتم العمل به خلال فترة زمنية طويلة يخضع الجميع فيه الى بوتقة التحضر الحقيقي والتي من ابرز مصاديقها هي الالتزام بقوانينه واصوله الرئيسية والتي اهمها بالتأكيد هي العمل نصا وروحا بالمبادئ الانسانية السامية واصولها الفكرية الرئيسية والمتمثلة بالعدالة والمساواة والحرية وفهم واستيعاب العلوم المختلفة وتطبيقها على ارض الواقع، وهذا لايكون ابدا من خلال فترة قصيرة تسمى خرافة بالقفزة الحضارية،فهي ليست منتج اقتصادي بحت بل هو انتاج يكون من خلال المزج بين القدرات الحضارية المحلية والاجنبية دون الاخلال بالمبادئ المشتركة.

لم تكن مدينة دبي معجزة حقيقية كبقية المناطق الحرة في العالم مثل هونج كونج وسنغافورة وماكاو وغيرها،بل هي معجزة اذا ماقورنت بمناطق حرة فاشلة في العالم العربي مثل عدن وبورسعيد وغيرهما!...وادعائها انها نموذج مثالي للدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء هو ادعاء فارغ لا يمكن تصوره لولا وجود النفط في تلك البقعة الصحراوية القاحلة ...

نعم قد يقول قائل ان هناك الكثير من المدن والمناطق الحرة في البلدان النفطية ولم تستطع منافسة دبي او حتى تقليدها؟!...ذلك صحيح ولكن يستوجب قراءة الاسباب الموضوعية الكامنة وراء ذلك التخلف في السباق او الفشل في التقليد والذي سوف نبين بعضا منه في السياق القادم....

نشوء فكرة المناطق الحرة:

تعود فكرة المناطق الحرة الى ازمنة بعيدة في التاريخ،ولكنها بصورتها الحديثة بدأت مع بدء الاستعمار الاوروبي وبصورة خاصة البريطاني، من خلال منطقة جبل طارق في القرن الثامن عشر ومدينتي سنغافورة وهونج كونج في القرن التاسع عشر،وهي عبارة عن مراكز تجارية واماكن للتخزين واعادة التصدير ثم تطورت الى السماح بتواجد المراكز المالية والمستثمرين الاجانب ومع توفير كافة الخدمات وبخاصة الاعفاء الضريبي الذي هو اساس قوة الدول وغناها مع انخفاض مستوى الحكم الى ابعد حد في القوانين والتشريعات التي تحد من الحريات الاقتصادية...

بمعنى ان تلك المناطق في الغالب هي خدمية وليست انتاجية وبذلك يكون اقتصادها عرضة مستمرة لهزات غير متوقعة وانها مكان لغسيل الاموال القذرة وخاصة المهربة من مناطقها المنكوبة،ولذلك بذلت الدول والسلطات المسؤولة عن تلك الاماكن جهودا مضنية في محاربة غسيل تلك الاموال وتواجد مراكز اللهو العبثية تحت ستار السياحة الترفيهية!او تحديدها مع الاكثار من القطاعات الانتاجية المختلفة،ورغم تلك الجهود الا انها فشلت في القضاء عليها او حتى تحديدها...

هنالك الكثير من الامثلة النموذجية والتي هي مثال حضاري ينبغي تقليده او على الاقل الاستفادة من خبراته،والنماذج الاسيوية في الشرق الاقصى هي خير نماذج واجبة التقليد من خلال ابداعاتها الاقتصادية رغم انه من المعروف عن تلك المراكز ككل فقرها الثقافي الى درجة تتهم بتحويل الانسان الى مادة جامدة من خلال العيش في مدن بدون روح من خلال انعدام الوجود الثقافي بمختلف اشكاله،ودبي غير مستثناة من ذلك رغم محاولاتها المستمرة في تغيير تلك الصورة من خلال بعض الاعمال التي تقع في خانة البناء العمراني اكثر منه البناء الثقافي الذي يحتاج الى مزيد من الحريات مع اساس ثقافي متين وهو ما تفتقر اليه المدينة ! وهذا جاء بأعتراف الكثير من اصحاب الفكر والرأي الغربيين مما يعني ان سمة التحضر تكون اقل وضوحا من غيرها!.

دبي نموذجا:

كانت الامال معقودة على البحرين لكي تصبح مركز الخليج الاقتصادي لكونها بلد صغير وقليل الموارد،الا ان الكثير من الظروف لم تسمح لها بتلك المهمة،والتي من ابرزها الاستقرار السياسي الطويل،مع توفر القدرات المحلية القادرة على تسلم زمام المبادرة،ورغم توفر بعض تلك الطاقات في البحرين الا ان الاستقرار السياسي شبه معدوم في دولة تسيطر عليها الاقلية على الاغلبية من خلال حكم اسري ديكتاتوري طويل،وهذا الحكم بالتأكيد ابعد الكثير من ابناء الاغلبية عن تسلم مراكز قيادية في الدولة والاقتصاد المحلي وبالتالي انعدمت شروط العدالة والحرية اللازم توفرها في بناء المناطق الاقتصادية الحرة وبالتالي ضعف المشاركة الشعبية في تلك المناطق التي هي اساس التقدم الحقيقي،ورغم وجود انفتاح سياحي على الخارج والمتمثل في السماح بتواجد مراكز اللهو وغيره والتي تساعد على توفير الاجواء المتسامحة مع جميع المستثمرين،وهي امور مقيدة الى حد كبير في الدول المجاورة والتي تخضع الى رقابة دينية مشددة الا ان ذلك ليس معناه المناخ المناسب للتطور الاقتصادي الحقيقي،هذا بالاضافة الى صغر مساحة البلد رغم ايجابيات موقعه الجغرافي،وفقره الشديد في مصادر النفط،لم تساعده على تسلم المهمة التي اوكلت اليه من قبل دول الجوار بعد نشوب الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 والتي ابعدت بيروت من المنافسة!.

ثبت فشل البحرين في تحوله الى مركز اقليمي رئيسي في منتصف الثمانينات من القرن العشرين،مما ادى الى بروز دبي كمدينة واعدة لتحمل المسؤولية في منطقة غير مستقرة وتغلب عليها نظم استبدادية متناحرة وتشيع فيها مظاهر التخلف الحضاري رغم تربعها على ثلثي احتياطي النفط العالمي!...

لم يكن المكان الجغرافي لدبي مثاليا! بل على العكس هنالك الكثير من مناطق الخليج الاخرى القادرة على الجذب وتفوقها في مثالية الموقع لو اتيحت لها اسباب التقدم والرقي خاصة وان دبي هي بقعة صحراوية ذات طقس قاس لا يساعد عادة على الجذب البشري،ويمكن عد البحرين والدوحة والبصرة وبعض المناطق في الساحلين الايراني والسعودي كنماذج جغرافية مثالية ولكن لم يتم استغلالها وفق الاصول المرعية لاي تقدم اقتصادي...

ولذلك تحول المركز الى دبي في ظل انعدام اي منافسة من قبل اخرين وخاصة من قبل ايران والعراق المتصارعين آنذاك واللذان يملكان قدرات بشرية ضخمة ذات مستوى عال من التعلم والحيوية ولكن يعانيان من مشكلات سياسية عميقة لا تساعد على انجاز شروط التنمية الاساسية والمنافسة على زعامة المنطقة اقتصاديا...

من ابرز شروط التنمية هي ان يكون الاعتماد بصورة رئيسية على العمالة المحلية والمستوعبة لشروط التكنولوجيا وقدراتها اللامتناهية ولو في حدودها الدنيا،وهذه الصفة غير متوفرة نهائيا في دبي!حيث يمثل الاجانب المقيمون فيها نسبة 90%!!وهي نسبة تجعل من الصعب الاعتراف بالادعاء المحلي بنجاح مجهوداته الادارية والتنظيمية!...ان ضعف العنصر المحلي في المشاركة ماعدا القيادات الاقتصادية هو نتيجة لقلة عدد السكان ولحالة الثراء النفطي والتي ادت الى الاعتماد عليه كمصدر رئيسي للمعيشة والاعتماد على العنصر الاجنبي وخاصة من الدول الاسيوية الفقيرة في بناء البلاد بل وفي جميع افرع العمل البسيطة حتى اصبح الاعتماد على النفس حلما بعيد المنال .... مع استغلاله الى ابعد حد في حالات تقيد بأنها غير انسانية او لا تتصف بالعدالة وقد ظهر ذلك ليس في مستوى الاجور الضعيف والذي لايتناسب بالطبع مع ضروريات الحياة الدنيا بل وايضا في الامتناع عن منحهم تلك الاجور او بقية حقوقهم الاساسية مما ادى الى ظهور تمردات عمالية قمعت بقسوة وطردوا من البلاد رغم اعتراض منظمات حقوق الانسان! نظرا لعدم وجود قوانين وانظمة متقدمة تفرض على السلطات اتباعها بغية منح صورة مثالية للمنطقة الحرة يمكن لها المباهاة بها امام بقية الدول!

 وهذا من اهم نتائج الحكم الاسري ذو الصلاحيات غير المحدودة في الامارة والمشابه للنظم المجاورة والذين لايتبعون النظم الحديثة في توزيع السلطات وتحديدها وبذلك يكون هؤلاء فوق القانون حتى لو في سرية شديدة ،ورغم ان تلك الطريقة تتسم بالسلبيات الكثيرة والتي من ابرزها ضآلة حقوق الانسان الا انها لاتخلو من ايجابيات ابرزها سرعة اصدار القرار وتنفيذه بدون الحاجة الى مناقشة حقيقية حول جدواه كما هو حادث في الدول الغربية هذا اذا اعتبرنا ان القرار صائب بالطبع،وهذا يقودنا الى انعدام الشفافية التي هي جزء هام في عملية البناء الاقتصادي كما هو في العمل السياسي.

ورغم محاولة الامارة اتباع القوانين الدولية في العمل وتنظيم المجتمع كوسيلة من تحسين الصورة ومنح التقدم الاقتصادي صورة حضارية الا انها مازالت بعيدة عن الواقع الموجود في الكثير من الامم الحرة التي تفرض قيودا كثيرة على الاستخدام السيء للعمالة او في الحرص على منح الحقوق الاساسية للانسان او اخضاع الجميع لطائلة القانون بصورة متساوية نصا وروحا،ولذلك فأننا نرى ان البعد عن ذلك يؤدي بطبيعة الحال الى انتشار مظاهر الفساد والمحسوبية والخروقات القانونية في المجتمع حتى لو في نطاق من السرية في ظل تنوع المجتمع العامل الذي يمتاز بتقاليد مختلفة.

بقيت دبي بعيدة عن الانتاج الصناعي المتقدم رغم تطور العمل الخدمي والمالي وبذلك يمكن القول ان الامارة سوف تبقى تحت رحمة تقلبات الاقتصاد العالمي في ظل اعتمادها على اقتصاد غير منتج او لا يعتمد على السوق الداخلية الصغيرة والتي هي ايضا ليست بحجم الاسواق الدولية الضخمة التي هي محرك التقدم السريع،ولذلك نرى ان هونج كونج على سبيل المثال تعتمد في الدرجة الاولى على السوق الصينية الضخمة وهو الذي اعطى لها قوة اضافية بعد عودتها الى السيادة الصينية وجعلها في مأمن من الازمات العالمية بفضل النمو السريع للصين،ولذلك حاولت دبي تشجيع القطاعات الصناعية الا ان الكثير من العوامل لاتساعد والتي من ابرزها الضعف المحلي والاقليمي في استيعاب التكنولوجيا المتقدمة في المجالات الصناعية او في الاستهلاك،لانها الوسيلة الرئيسية لتقدم دبي نظرا لانعدام وجود القطاع الزراعي فيها.

النمو العمراني السريع والذي صاحبه ارتفاع جنوني في الاسعار،هو خطأ كبيرة للامارة وقد ساهمت السلطات المحلية في خروجه عن النطاق الطبيعي،لان النمو السكاني غير الطبيعي هو مصدره خارجي بالاساس وهذا يعتمد على الاقتصاد الدولي الذي هو مترابط بشكل كبيرة مما يعني ان اي هزة في الاقتصاد العالمي معناه عودة المقيمين الى بلدانهم الاصلية مما يعني انهيار سوق العقارات عاجلا ام آجلا خاصة اذا عرفنا ان غالبية المقيمين هم من اصحاب الدخول المتوسطة او الفقيرة يساعد ذلك ان التضخم في الاسعار وصل الى مرحلة الانفجار ولكن مع وقف التنفيذ!مما يعني عدم قدرتها على الشراء بمستوى المعروض حاليا!...

الاقتراض بشكل جنوني من الاسواق المالية ليس وقفا على جهة دون اخرى،بل على العكس فأن حكومة الامارة هي الاكثر اقتراضا! لغرض انجاز المشاريع العملاقة التي لا تلائم المدينة او البلد وقدراته المعروفة،والاقتراض تم على اساس من الثقة بقدرة الامارة على السداد والتي تستند ايضا على قدرة اتحاد الامارات  ككل وهو المعروف بأمتلاكه لفوائض مالية ضخمة تساعد على حل اي ازمة مستقبلية متوقعة،وهذه الصورة هي ناتجة من الدعاية الحكومية بصورة رئيسية،الى ان ظهرت الصورة الحقيقية والتي تغافل الكثيرون عن رؤية بداياتها السيئة كونهم خاضعين لصورة المدينة المبهرة والتي لا يمكن ان يقف نموها عند حد معين رغم ان رؤيتهم تستند الحصول على ارباح عالية في خلال فترة زمنية قصيرة في التجارة او السوق المالية لكون ان القطاعات الانتاجية ذات الفوائد المستقبلية العالية تكون قليلة العوائد وتحتاج الى زمن اطول كي تسترجع رؤوس الاموال! وهذا معناه نمو اقتصاد طفيلي لا يعير اهمية للمصلحة المستقبلية للمدينة وهي نظرة طبيعية لكون اغلبية المقيمين من غير مواطنيها!.

دخلت الاسرة الحاكمة والاسر القريبة منها الى سوق العمل من خلال الاستثمار في مختلف القطاعات،وكونوا ثروات مالية ضخمة،مما يعني ان لهم مسؤولية كبيرة في اعطاء صورة غير حقيقية عن الاوضاع الاقتصادية للمدينة وهو ما اثر على وضعها الراهن الذي جعلها الاكثر تأثرا بالازمة المالية العالمية...

تعامل حكومة الامارة لا يختلف عن تعامل اي رأسمالي يقترض المال بدون غطاء واقعي كي يستمر في الحصول على ارباح اكبر من خلال اقتناص الفرص الاستثمارية التي تمر مر السحاب! ورغم امتلاكها لمعظم اسهم الشركات الضخمة والتي اغلبها شركات المقاولات التي تقوم بمشاريع لا يستفيد منها سوى حفنة من الاثرياء وبطريقة تفوق الوصف في التبذير والعيش بطرق غير معقولة،الا ان تنكرهم لتحمل المسؤولية عن سقوط الشركات جعل الجميع ينظر اليهم على انهم مسؤولون عن تلك الانهيارات دون اي اعتبار للعوامل الاخرى!فهم في النجاح مشاركون وفي الفشل متنكرون!...كل ذلك ادى الى انهيار او توقف تلك المشاريع العقارية التي تعتمد على تلك الفئة الصغيرة والتي كانت الاكثر تأثرا بالازمة المالية العالمية كونها المستفيدة الكبرى من القروض الممنوحة والتي اصبحت معدومة بعد ان تخلفوا في السداد!في ظل غياب رقابة حكومية فعالة.

مقارنة بين وضعين بعد الازمة!:

لو نظرنا للوضع في الدول الغربية بعد الازمة المالية العالمية التي عصفت بها،وبين الوضع في دبي بعد ازمتها المالية،لوجدنا الفارق كبير بينهما ليس فقط في تحمل المسؤولية في الدول الغربية والتي تنكرت لها حكومة دبي! بل ايضا لكون الاخيرة مساهمة في المشاريع المختلفة والتي تعرضت للانهيار بينما لم تكن الدول الغربية مشاركة في المشاريع المتعثرة او في الاقتراض بدون وجود ضمانات كاملة للتمويل...لقد اثار رفض امارة ابوظبي المساهمة في حل الازمة،ثم تبعتها امارة دبي والتي هي مساهم رئيسي في الشركات العملاقة المنهارة، استغراب الكثيرين خاصة وان الطرفين من المستفيدين بصورة مباشرة او غير مباشرة من تلك المشاريع مما يعني ان تصرفهم هو اقرب للمقامر الذي يلعب برصيد لا يملكه وبالتالي الاستفادة من الحظ اذا حالفه،او الهرب في حالة الخسارة او الاستفادة من قانون الافلاس الذي يحميه من الدائنين!بينما تصرف الغرب بطريقة اكثر عقلانية ومسؤولة بحيث تدخلت حكوماته لدعم جميع المؤسسات المتعثرة مما يعني ان المسؤولية مشتركة،ولولا التدخل الحكومي العاجل لاصبحت دول الغرب تعيش في ركود دائم...

وهذا يجعلنا نقف امام حالة الادعاء بنجاح النموذج المثالي المزعوم في دبي!...فالمدينة تتكون في اغلبيتها من اجانب مقيمين لا يفكرون بتدعيم المركز الاقتصادي للمدينة بقدر حرصهم الدؤوب على الحصول على الربح السريع من جراء العمل فيها،ثم ان المدينة تفتقر الى الاساس الحضاري المتين خاصة المتمثل في ازدهار العلوم والفنون والاداب،وهي امور بعيدة عن متناول يد المدينة المنشغلة بالامور المالية واعادة التصدير بدلا من الانتاج لغرض التصدير! كذلك الحكم بطريقة هي اقرب للنظم المستبدة مازالت سارية المفعول فيها وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى وجود جو تنعدم فيه الحرية والديمقراطية والشفافية التي يحتاجها النمو الاقتصادي الحقيقي.

الاستقرار في الشرق الاوسط سوف يسحب البساط عاجلا ام آجلا من كون دبي الاولى في عالم الاعمال! وان ذلك سوف يجعلها غير قادرة على المنافسة في ظل محدودية ما تتمتع به من مزايا...فالاخرون ايضا يعملون بجهد ولكن احيانا الظروف السياسية لا تساعدهم في الحلول محلها على الاقل في المدى المنظور!...

الامثلة النموذجية للمناطق الحرة بالاضافة الى الدول التي اتبعت طريقتها في العمل،هي سنغافورة وهونج كونج والنمور الاسيوية الاربعة مع غيرها من المناطق الحرة الناجحة في العالم،بينما المقارنة مع التجارب الفاشلة في الشرق الاوسط هو خطأ فادح لكون المقارنة مع الاكثر نجاحا هي الاصوب والاكثر واقعية من المقارنة مع الاكثر فشلا!...فإذا هو فاشل فلماذا اقارن نفسي به!...

تبقى الاستفادة من تلك الدروس القاسية هي الوسيلة الوحيدة للنهوض ولاي فرد او مجتمع والاستفادة من اخطائها الى ابعد حد،بأعتبار ان العمل على ارض الواقع لن يمر بدون اخطاء ولكن العبرة في الاستفادة منها!... 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/كانون الاول/2009 - 20/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م