العشوائيات في القاهرة الكبرى.. بين تداعيات الفقر والإهمال الحكومي

تحقيق: هند محمد

 

شبكة النبأ: متطرفون، متخلفون، هاربون من القانون. هذه بعض الصفات التي تُطلَق على سكان العشوائيات في انحاء متفرقة من العاصمة القاهرة، دون أن ينصفهم أحد بالتذكير بأن واقعهم المتخلّف هو نتاج لسياسات حكومية فاشلة انتهجت اهمالهم وغض الطرف عمّا يعانيه هؤلاء من بؤس وشقاء وصعوبات في العيش على مدى عقود عديدة..

عام 1977 أطلق الرئيس الراحل انور السادات على حركة شعبية كان قد قام بها سكان هذه العشوائيات بـ(انتفاضة الحرامية) وزاد من الطين بلّة وصف المثقفين لتلك الحركة بأنها (ثورة رُعاع) واتُهموا بأنهم أصحاب اليد الكبرى فى حادث المنصة الشهير، ومنذ ذلك الحين لم تمد الدولة يد العون لسكان هذه الاحياء الفقيرة بخدمات بلدية او بنى تحتية او مؤسسات تعليم وفرص عمل..

فهل يُعقل أن يكون الفاصل بين شارعين داخل القاهرة الكبرى كالفاصل بين قرنين من الزمان؟

وهل يُعقل أن ترفض ادارات المدارس الحكومية دخول أبناء الأحياء العشوائية لها بحجّة عدم امتلاكهم ايصال كهرباء رسمي!؟ وكيف يمتلكون ايصالات الكهرباء وهم أساساً محرومون منها ومن ماء الإسالة فيما تعشعش بؤر البعوض والحشرات المختلفة في بيوتهم نتيجة عدم وجود شبكات الصرف الصحي.

تداعيات خلّفتها الهجرة الى المدينة

تقول الدكتورة عزة كريم، الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية:" إن هذه المناطق عـبارة عن تجمعات بشرية تكونت على أطراف المدن الكبرى، خلّفتها عوامل الهجرة من الريف إلى المدينة".

وتضيف،" كان السبب في ظهور مشكلة البناء العشوائي في مصر في حقبتي الخمسينيات والستينيات، صدور عدد من القوانين استهدفت تخفيض الإيجارات والضرائب العقارية، فالكثير من المواطنين لجئوا إلى الإقامة بمساكن مصنوعة من الصفيح والخشب والكرتون بل وحتى في المقابر، لأسباب عديدة منها تهدّم منازلهم بسبب السيول وغيرها من العوامل الطبيعية.

ولفتَ عدد من الباحثين النظر إلى أن طبيعة الحياة في الاحياء العشوائية تجعلها بيئة ملائمة لظهور الإرهابيين والمتطرفين دينياً والمجرمين، فأغلب الدراسات التي أجريت على الإرهابيين الذين نفذوا عمليات إجرامية في مصر أثبتت خروجهم ونشأتهم من المناطق العشوائية المحرومة.

وهناك العديد من المناطق العشوائية الشهيرة بمصر مثل قلعة الكبش بجوار السيدة زينب تحوطها مقابر زين العابدين، وهناك أرض "عزيز عزت" بإمبابة وأرض مطار إمبابة، وعزبة أبو قرن بمصر القديمة وعزبة خير الله بدار السلام، وعزبة "أبو حشيش" بجوار كوبري القبة، وكفر قنديل بالجيزة، كذلك منطقة بطن البقر على أطراف منطقة مصر القديمة، وبالقرب منها منطقة زرزارة والزرائب اللتين لا تبعدان كثيراً عن عزبة بخيت بـ الدويقة التي سقطت فوق سكانها صخرة كبيرة من هضبة المقطّم مؤخراً!.

وتُبيِّن آخر احصائيات التعبئة والإحصاء للعشوائيات في مصر وجود 909 منطقة فقط، بينما يؤكد معهد التخطيط القومي أنها 1109، أما مركز دعم واتخاذ القرار فيؤكد أنها 1034 منطقة عشوائية!

هاجس أمني

ويقول نبيل عبد الفتاح، المحلل السياسي والخبير بمركز الأهرام،" هناك هاجس أمني واضح من سكان العشوائيات لصعوبة السيطرة عليهم، خصوصاً بعد ثمانينيات القرن الماضي بعد أن ثبت أن العشوائيات بيئة ملائمة للدعاوى المتطرفة مثلما حدث في "جمهورية البصراوي الإسلامية" في إمبابة أوائل التسعينيات والتي فرضت إتاوات على السكان على الرغم من أن شيخ الجماعة كان يعمل طبّالاً في البداية".

ويضيف عبد الفتاح،" سكان هذه المناطق سلعة رخيصة يمكن استخدامها في حقل الجريمة حيث يمكن أن تستأجر أحدهم للقيام بأي حادث شغب دون أدنى مسئولية تقع على عاتقك.

ويقول محمد عطا الله، محاسب قانوني، منتقداً تقريراً صدر عن المنظمة الدولية يصف احوال سكان العشوائيات المحصورين بين الفقر والاهمال،" كنّا نريد بدل التقرير وضع خطة مناسبة لحل مشكلة العشوائيات فالتقارير والبرامج والشعارات اصبحت بلامعنى في ظل تكرارها على مدى سنين دون فائدة تذكر.

فيما أفاد كامل حسن، 22سنة، طالب بكلية الهندسة، برأي صارم تجاه قاطني العشوائيات مبيّناً،" سكان العشوائيات هم أصلاً مشردين ومتسوّلين وهم الذين اختاروا السكن في هذه المناطق. موضحاً" ان الحل هو اخلاء هذه المناطق بالقوة وإسكانهم في الصحراء أو عودتهم الى المناطق التي أتوا منها". ولم يبيِّن كامل كيف يعيش هؤلاء في الصحراء دون خدمات واكل وشرب وتعليم وهُم بطبيعة الحال مواطنون مثله ومسؤولية عيشهم بكرامة تقع على عاتق الدولة.

مسؤولية الدولة

وتقول منار احمد، 25سنة، ربّة منزل،" المشرَّد والمتسوّل في أوربا يأخذ معونة من الدولة وراتب شهري ومنزل يسكن فيه، وهذا هو الحل برأيي فالمشرَّد تشرّد لأنه مظلوم ومسكين ولم يأخذ حقه من الدولة من تعليم وسكن وعلاج وغذاء وعيش بكرامة.

وتضيف منار،" الحديث عن ان سكان الاحياء الفقيرة هم الذين اختاروا العيش فيها يذكّرني بكلام (ماري انطوانيت) عندما قالوا لها ان الشعب لايجد خبزاً يأكله فقالت ما ياكلوا جاتوه".

منى احمد، موظفة، قالت،" سكان العشوائيات هم أناس مظلومين لم تترك لهم الأنظمة الظالمة سبيلاً لحياة كريمة فلم يجدوا سوى هذا الأسلوب المتدني للسكن الذي لا يعيشه ولا يرضاه حيوان فى أسوأ حدائق الحيوانات.

احمد عبد الرحيم، محامي قدّمَ رأيه بصورة حسابات دخل الدولة قائلاً،" أريد منك ان تعمل حسبة بسيطة للناتج الذي تدرّه قناة السويس على مصر، والاراضي الشاسعة المحيطة بالنيل لو انها استغلت استغلالا صحيحا، وناتج البترول والغاز وباقي الثروات الطبيعية التي تزخر بها أرض مصر.. لو وُزعت نواتج هذه الثروات بصورة عادلة فلن يبقى فقير واحد في مصر. ويوضّح احمد،" المشكلة برأيي غزارة في الموارد والانتاج وسوء في الاستثمار والتوزيع".

العضوة في مؤسسة الرفق بالإنسان منى علي، عبّرت عن أسفها لاعتقادها ان مشكلة العشوائيات مرشَّحة للتفاقم أكثر فأكثر لأن ساكنيها مساكين ولا حيلة لهم وقالت،" الاعلام عموماً يتجاهلهم فضلاً عن سكوت منظمات المجتمع المدني على مظلوميتهم، وهم بالطبع في آخر سلّم اولويات الحكومة.

وتتسائل منى،" لماذا لا تعطي الحكومة بعض الاهتمام بسكان العشوائيات وتوفر لهم أبسط حقوقهم الانسانية كمواطنين مصريين؟ ولماذا لايُحاسَب المسؤولين على الخدمات في هذه المناطق، وهل ان قدر هؤلاء المساكين هو العيش دون أية حقوق بانتظار الموت تحت وطأة التخلف والفقر والمرض..

ظروف غير انسانية

وتصِف الطبيبة سماح علي عبد الله الاوضاع القاسية في المساكن العشوائية قائلة،" منذ سنوات قضيتُ يوم وليلة في  منطقة (الدويقة) التي هي واحدة من العشوائيات ولن أنسى ما وجدته فيها، فهي برأيي لا تنتمي الى العالم الذي نعيش فيه بتاتاً، فالمنطقة تعاني من الحرمان من ابسط مقومات الحياة فلا توجد مياه شرب بالمنازل والكهرباء موصلة بطريقة عشوائية.

وتضيف سماح، المنازل بُنيت فوق الصخور وتحتها دون أدنى مواصفات أمان، والطرق الفرعية صعبة وغير سالكة، والذين يسكنون هذه المناطق معظمهم من قرى الصعيد والدلتا الفقيرة، ويتعجب المرء من اضطرار شخص ما للعيش فى هذه المنطقة، لكني أعتقد ليس هناك سبب إلا لأن حياتهم فى قُراهم أسوأ من هذه الحياة ولا شك ان المليارات التى تنفق على اشياء اخرى كثيرة هؤلاء أولى بها باعتبارهم مواطنين مصريين والدولة مسؤولة عنهم وعن توفير الحياة الكريمة لهم..

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/كانون الاول/2009 - 19/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م