الشورى وديمقراطية الحكم

الشيخ فاضل الصفار

تبرز أهمية الشورى كأرقى أُسلوب ديمقراطي حر يمارس فيه الحاكم الإسلامي صلاحياته السياسية في الإسلام من حيث إنها:

1- واجب إلهي وتكليف شرعي كسائر التكاليف الشرعية الملزمة في القرآن والسنة، بناء على بعض الآراء.

2- واجب أخلاقي أيضاً يدعو القمة السياسية والقدرة التي بيدها الأُمور والتي من شأنها العلو والطغيان عادة إلى التواضع والانفتاح واحترام الآخرين والمنطقية وعدم الاستبداد.

3- واجب عقلي يحتم على الحاكم الأعلى تجنب الأضرار والمفاسد السياسية الكثيرة والخطيرة أيضاً التي تترتب على الرأي الفردي المحدود، والمواقف الخاصة، والنظرة الضيقة مستعيضاً عنها بالمشورة ومبادلة الآراء والموقف الجماعي الموحد.

4- بل هي واجب حضاري أيضاً يتضمن في جوهره أفضل السبل والأساليب الراشدة التي تضمن لنا حياة حرة أمينة ووادعة بعيدة عن التعصب والانغلاق والتطرف والجهل التي يتولد في حصيلتها التخلف والانحطاط.

5- وفوق ذلك فإنها واجب إنساني؛ لأنها تقضي بالتالي على الديكتاتورية والاستبداد الذي هو في حقيقته ضد الإنسان والمبادئ الإنسانية، وتمحي أخطاره وآثاره السيئة في العمل السياسي والإداري للحكومة.

وبعد كل هذا لانمتلك إلاّ أن نقول: إن الشورى من الضرورات الحيوية التي يحتاجها ويقتات عليها الإنسان في الحياة السياسية كما يحتاج إلى الخبز والماء في حياته اليومية العادية؛ لأن الشورى تعني الحرية والديمقراطية وكل معاني الحياة المنتصرة الوديعة الهانئة، وتعني حكومة العقل والمنطق وسيادة القانون، فالدولة التي تنهض سياستها على الشورى والمشورة الحقيقية لاتكون دولة مستبدة يسودها العنف والإرهاب والهزائم والنكبات، ويخيم عليها الموت في كل مكان، ولكي تصدق أن الشورى هي الحياة الحرة الآمنة وضدها هو ضد الحياة ونقيضها الدائم سأروي لك قصة([1]) تكشف سرّ قوتنا وعظمتنا وانتصاراتنا بالأمس، وقصة أُخرى من حاضرنا المؤلم الحافل بالهزائم والنكبات تبين لك سر فشلنا وتأخّرنا وهزائمنا المتكررة اليوم، وشتان بين العصرين والصورتين.

القصة الأولى: أثناء الفتح الإسلامي لأرض فارس طلب قائد جيش الفرس أن يلتقي بالقائد العربي المسلم قبل المعركة ليتفاوض معه في حقن الدماء، وبعد أن عرض الفارسي مقالته قال المسلم العربي: امهلني حتى استشير القوم، فدهش الفارسي من موقفه وقال: ألست أمير الجند؟ قال: نعم. قال الفارسي: إننا لانؤمر علينا من يشاور. قال له المسلم: ولهذا نحن نهزمكم دائماً، أما نحن فلا نؤمر علينا من لايشاور، وهكذا انتصر المتواضع الحر الذي يشاور قومه، ويحترم الرأي الآخر على المغرور الذي يستبد برأيه، ومرت السنوات على هذا الحادث حتى بلغت أربعة عشر قرناً من الزمان، ثم جاءت الصهيونية تغزو العالم الإسلامي، وهزمت العرب في ثلاثة حروب متوالية، وتتكرر القصة مرة أُخرى، فيقول وزير الدفاع الإسرائيلي في مذكراته:

إنه كان يتعجب من أمر الجيوش العربية، فبعض الوحدات كانت تقاتل بشراسة ورجولة حتى آخر رمق وآخر طلقة، وبعض الوحدات في نفس الجيش كانت تستسلم دون طلقة واحدة، ولم يعرف السر في ذلك إلى أن استسلم أحد القادة العرب ومعه جنوده وجميع أسلحته، فأخذ يسأله: هل أخذت رأي زملائك الضباط والجنود قبل أن تأمرهم بالاستسلام لنا؟ فقال في كبرياء: إننا لانستشير من هم دوننا في الرتبة، فقال له: لهذا السبب فنحن نهزمكم دائماً

ثم يستطرد القائد الصهيوني فيقول: إن الضابط اليهودي مهما علت رتبته يأكل مع جنوده، ويعيش بينهم كأحد منهم، ويحضر معهم دروس الدين، ثم هو بعد ذلك دائم الاستشارة لهم والتفاهم معهم([2]).

وهكذا تغيرت الأوضاع والأحوال فأصبحنا نحن المسلمين الأُمة الوحيدة في التأريخ الذي جاء مبدأ الشورى كواحد من أهم تعاليم دينها وجزء من نظامها السياسي الحر، أصبحنا نرى غيرنا يلتزم ويطبق هذه المبادىء والتعاليم وينتصر بها علينا ونحن في نوم عميق وغفلة طويلة عن هذا السلاح العظيم الذي وضعه الله سبحانه بين أيدينا.

وإذا كانت هذه أهمية الشورى أثناء الحرب التي تقتضي السرعة والمبادرة والحسم فما بالك بأهميتها وخطرها في وقت السلم، وخصوصاً في شؤون الرياسة والحكم.

وبعد هذه المكانة الحساسة التي تحظى بها الشورى والاستشارة السياسية في الإسلام التي بفضلها انتصر المسلمون الأولون، وأصبحوا سادة عصرهم وقادة الحضارة، وبإهمالنا للشورى هزمنا وأصبحنا نحن المسلمين أيضاً من أكثر الشعوب تخلفاً.

هل نعود ثانية إلى مبادئنا الأصيلة هذه لنعيش في ظلها آمنين؟ وهل سيؤمن حكامنا وحكوماتنا التي لاتجيد سوى لغة الأنانية والفردية والملكيات الوراثية والمطلقة التي أقامتها في كل قطر وبلد؟ ويعيشون هم ويعيش معهم الشعب أجواء استشارية وديمقراطية حرة في ظل الدستور؟

ومن قبل قال لنا الإسلام: ((ماتشاور قوم قط إلاّ هدوا لأرشد أُمورهم)) ([3]).

وقال أيضاً: ((استعينوا على أُموركم بالمشاورة.. اثنان خير من واحد، وثلاث خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن الله عزوجل لن يجمع أُمتي إلاّ على هدى))([4]).

وقال أحد الخلفاء: الرأي الواحد كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين، والثلاثة أراء لاتكاد تنقطع([5]).

وكان بنو عبس من القبائل العربية التي اشتهرت بالذكاء والتفوق في التجارة والعلم والأعمال، فنادى الخليفة واحداً منهم، وسأله عن سر نجاحهم في الحياة، فقال الرجل: نحن ألف رجل بألف رأي، وفينا حازم واحد – كناية عن الموقف المتحد الناتج عن المشورة – هو يسمع لنا فكأنه ألف رأي... ونحن نطيعه فكأنه ألف حازم([6]).

مشاورة الحاكم والشعب

جاء مبدأ الشورى والتشاور في الإسلام كنص من النصوص الظاهرة في الإلزام في القرآن الكريم دون باقي المبادىء السياسية والاجتماعية الأُخرى للدلالة على مدى أهميته ودوره الفاعل في الحياة الديمقراطية للشعوب؛ إذ قال تعالى مخاطباً الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كرئيس للمسلمين وأعلى سلطة سياسية لهم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ..)(7).

وقال سبحانه أيضا ً واضعاً بين يدي الرعية المسلمة منهجاً عملياً يتكفل لهم الحياة الحرة السعيدة: (وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)(8).

فإن الملاحظ من سياق الآيتين الشريفتين الآتي:

1- أن الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي جاء بالشورى كمنهج عملي كواحد من أبرز تعاليمه ومبادئه للبشر التي تنظم شوؤن الحكم والدولة،وتقيم علاقات متبادلة ودائمة بين الحكومة والشعب.

2- أن الشورى والمشورة في الإسلام جاءت مرتبطة بالعبادة وبالصلاة والزكاة بالخصوص؛لتكون مشمولة بالوجوب والالتزام الحتمي كباقي العبادات،فنصت الآية الشريفة: (وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ)(9).

3-أن الشورى جاءت في القرآن بصيغتين مختلفتين لتشير إلى بعدين وموضوعين مهمين يقوم عليهما النظام السياسي الإسلامي،فالأُولى تخاطب كل رئيس وحاكم وقمة سياسية بالديمقراطية،وتطالبة أن يستشير ويحاور شعبه ومرؤسيه مباشرة أو عبر ممثليه ومجالسه النيابية فهي(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ)(10). والثانية تطالب من الشعب نفسه الانفتاح والتشاور فيما بينه على مستوى الفرد والجماعة، وهي: (وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ)(11).

فالمجتمع الذي يعي دوره ويفهم حقوقه وواجباته في الحياة عليه أن يتشاور أيضاً في أُمور السياسة والحكم واختيار الحاكم وغيرها من الشؤون العامة، بل إن الآيتين المباركتين تحثان كل شخص لأن يستشير أصدقاءه وأقرباءه في شؤونه الخاصة والعامة، فالحاكم يستشير ممثلي شعبه، والرئيس في العمل أو المصنع يستشير مجلس إدارته، والمعلم يستشير طلابه، والصديق يستشير صديقه، والأب يستشير أُسرته، والمجتمع كله أفراداً كان أو جماعات عليهم التشاور فيما بينهم في اختيار الرئيس وفي نصحه ومراقبة تصرفاته وأعماله، فكل شيء يمس المجتمع وحياته كما يمس حياة الفرد في الإسلام قائم على الشورى والحوار والتفاهم.

وفوق كل ذلك نجد أن القرآن الكريم وهو المشرع الأول في الإسلام يخصص سورة كاملة من بين سوره يسميها بسورة الشورى لإظهار العناية الفائقة والتأكيد المقصود من قبل الله سبحانه لبيان أهمية هذا المبدأ وأثره الكبير في كيان الأُمة وحياة الشعب.

ومن هنا نرى أيضاً أن مبدأ الشورى نظام واسع وشامل يكفل ديمقراطية الحاكم أو الرئيس وديمقراطية الشعب، بل هو أوسع حتى من الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية في مفهومها تعني سيادة الشعب على نفسه في المسائل السياسية الكبيرة فقط، بينما الشورى تعني في جوهرها سيادة الحق واتباع الفحص والتمحيص في كل مسائل الإنسان والمجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ ولذا فهي لاتنحصر في بعد واحد أو مجال من مجالات الحياة، وإنما هي محور الحياة الإسلامية والإنسانية كلها.

ومن هنا فإن الإسلام لم يكتف في تشريعها والنص عليها صراحة أو ظهوراً في القرآن في آيتين اثنتين فقط، بل إن المتأمل في كتاب الله الدارس له بعناية وتأن وتدقيق والمتتبع للسياسة العملية التي كان يمارسها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأساليب التي اتبعها (صلى الله عليه وآله وسلم) في إدارة الدولة والأزمات يستطيع أن يستخلص منها:

1-عدة نصوص صريحة نزلت في القرآن والسنة تؤكد على الشورى، وتحث على تطبيقها في كل مجالات الحياة.

2-كما يستنتج عشرات الأُصول والقواعد القانونية واللوائح الدستورية الثابتة التي تحتوي في مضمونها على المناهج العملية الدقيقة لكفالة الحريات وضمان الديمقراطية.

مجالات الشورى

فبالنسبة للنصوص تناول القرآن الكريم موضوعين مهمين من أهم المسائل الحيوية التي تساهم مساهمة فعالة في بناء الإنسان والمجتمع، والتي تتعرض دائماً أو في كثير من الأحيان إلى المشاكل والأزمات، هما:

1-موضوع الأُسرة ومشاكل العائلة التي لها تأثير كبير على حياة الفرد.

2- موضوع الحكومة ومشاكل الدولة التي يشمل تأثيرها الخطير إيجاباً وسلباً الفرد والمجتمع معاً، وقد عالج القرآن كلا المشكلتين بالشورى والحوار والتفاهم.

فمثلاً في مجال تعرض الدولة للمشاكل السياسية والحروب والأزمات الخارجية يضع القرآن نظام الشورى كخطة عملية وأُسلوب منطقي ومتوازن يساعد الحكومة على أن تتغلب على صعوبة الظروف وحل الأزمات.

ففي الصراع السياسي الحاد الذي نشب بين حكومة سبأ وملكتها بلقيس مع نبي الله سليمان (عليه السلام) والذي كاد أن يهددها بالغزو والمواجهة المسلحة اختارت بلقيس طريق الشورى والتشاور مع رؤساء قومها من أجل إيجاد سبيل يعينها على الخروج من الأزمة بسلام، وكان خيارها هذا هو الأسلم فعلاً في تجنيب الدولة ويلات الحرب ودمارها، حيث يعبر لنا القرآن الكريم عن هذه الحادثة بدقة متناهية، حيث يقول بعدما وصلت رسالة سليمان (عليه السلام) إلى بلقيس تضع أمامها خيارين، إما الإنضمام تحت لوائه أو الحرب؛ وذلك لأسباب وحكم خاصة لسنا بصددها الآن. (قَالَتْ يَـا أيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ * قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوَاْ أَعِزّةَ أَهْلِهَآ أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)(12).

وهو بيان واضح وعميق لأُسلوب تطبيق الشورى بين الحاكم والشعب في صيغة عملية مكشوفة وحوار ديمقراطي رائع وجذاب، فالحاكم يجمع الشعب أو ممثلي الشعب ويحدثهم بحوار هادىء مفتوح ويقول لهم: (يَـا أيّهَا الْمَلاُ O ثم يطرح الموضوع عليهم في استفتاء عام ويقول لهم: (أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي O أي أشيروا عليّ بالصواب، ثم يعلن مبدأ الالتزام برأي الجماعة فيقول: (مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ O اي حتى تحضرون وتقررون رأيكم، ثم يبدأ بعد ذلك بين الجماعة حوار ديمقراطي هادىء رائع، فمنهم من يرى الحرب ومنهم من يرى التفاوض والسلام، ويغلب أحد الرأيين على الآخر فيتركون للحاكم أمر تنفيذه، ويقولون له: (وَالأمْرُ إِلَيْكِ O أي عهدنا اليك بالتنفيذ. هذا في المجالات السياسية العامة.

وفي مجال المشاكل والأزمات الشخصية الخاصة التي يواجهها الإنسان في المجتمع يقول القرآن: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ)(13)، وفي آية أُخرى يقول: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)(14).

حيث يبين الله سبحانه لنا أهمية الشورى في حل مشاكل الحياة الاجتماعية الخاصة، وخصوصاً مشاكل الأُسرة، وكيف يجب على الانسان أن لايقطع فيها برأي دون مشورة أصحاب الشأن من الأسرة ومشورة الأهل الآخرين من الطرفين، ولأن الإسلام يريد هذا النوع من الحل حالة سارية يطبقها الجميع لحل كل مشاكل المجتمع يخاطب المجتمع ككل بلسان الجماعة، ويحثه على إيجاد صيغة مشتركة للتفاهم بين الزوجين، حيث يقول (وَإِنْ خِفْتُمْ.. فَابْعَثُواْ حَكَماً)(15).

وقد تقدم بعض البحث في ذلك في باب ديمقراطية الشعب، فراجع.

شمولية الشورى في السنة

كما جاءت نصوص صريحة وواضحة في السنة الشريفة تحث على هذا المبدأ المهم، وتشير إلى آثاره وضوابطه وحدوده، والعمل به في مجالات الحياة،وهي تصلح لأن تكون لوائح دستورية شاملة في الحكم والدولة والمجتمع لو درست دراسة معمقة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأُمور)) ([16]). وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أراد أمراً فشاور فيه امرأ مسلماً وفقه الله لأرشد أُموره)) ([17]).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: ((إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أُمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها)) ([18]).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ماشقي عبد بمشورة، ولاسعد عبد استغنى برأيه)) ([19]).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لاوحدة أوحش من العجب، ولامظاهرة أوثق من المشاورة)) ([20]).

 وعن ابن عباس قال: ((لما نزلت (وشاورهم في الأمر)(21)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأُمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غياً)) ([22]).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره)) ([23]).

 وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل، وإياك والخلاف عليهم، فإن فيه الهلاك)) ([24]).

 وعن علي (عليه السلام) قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن العزم فقال: ((مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم)) ([25]).

 وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ)) ([26]).

وعنه أيضاً (عليه السلام) في وصيته لمحمد بن الحنفية: ((اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض، ثم اختر أقربها من الصواب، وأبعدها من الارتياب([27]) إلى أن قال: خاطر بنفسه من استغنى برأيه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ)) ([28]).

 وعنه (عليه السلام): ((اضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب)) ([29]).

 وعنه (عليه السلام): ((الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه)) ([30]).

 وعنه أيضاً (عليه السلام): ((كانت الحكماء فيما مضى من الدهر تقول: ينبغي أن يكون الاختلاف إلى الأبواب لعشرة أوجه: أولها بيت الله عزوجل لقضاء نسكه والقيام بحقه وأداء فرضه – إلى أن قال –: والسابع أبواب من يرتجى عندهم النفع في الرأي والمشورة وتقوية الحزم وأخذ الأُهبة لما يحتاج اليه)) ([31]).

وعنه (عليه السلام): ((من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها)) ([32]).

 وعنه (عليه السلام): ((من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل)) ([33]).

 وعنه (عليه السلام): ((أفضل الناس رأياً من لم يستغن عن مشير)) ([34]).

 وعنه (عليه السلام): ((شاوروا فالنجح في المشاورة)) ([35]).

 وعنه (عليه السلام): ((قد أصاب المسترشد وقد أخطأ المستبد)) ([36]).

وعنه (عليه السلام): ((امخضوا (أي قلبوا) الرأي مخض السقاء ينتج سديد الآراء)) ([37]).

 وعنه (عليه السلام): ((من استبد برأيه خفت وطأته على أعدائه)) ([38]).

 وعن الامام الصادق (عليه السلام): قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأُمورهم... واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لاتعزم حتى تتثبت وتنظر، ولاتجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فإن من لم يمحص النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه، ونزع منه الأمانة))([39]).

وعن الصادق (عليه السلام): ((من أعجب بنفسه هلك، ومن أعجب برأيه هلك، وإن عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه، فقيل: ياروح الله وما الأحمق؟ قال: المعجب برأيه ونفسه الذي يرى الفضل كله له لاعليه، ويوجب الحق كله لنفسه ولايوجب عليها حقاً، فذاك الأحمق الذي لاحيلة في مداواته)) ([40]).

حدود المشاورة

عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((أن المشورة لاتكون إلاّ بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلاّ كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها له.

 فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلاً.

والثانية: أن يكون حراً متديناً.

والثالثة: أن يكون صديقاً مؤاخياً.

والرابعة: أن تطلعه على سرك، فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثم يسر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا كان حراً متديناً أجهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرك إذا أطلعته عليه،وإذا أطلعته على سرك فكان علمه به كعلمك تمت المشورة، وكملت النصيحة))([41]).

من نشاور؟

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((استرشدوا العاقل ولاتعصوه فتندموا)) ([42]).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((شاور في حديثك الذين يخافون الله)) ([43]).

 وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله..)) ([44]).

وعن علي (عليه السلام): ((من شاور ذوي النهى والألباب فاز بالنجح والصواب)) ([45]).

وعنه (عليه السلام): ((خير من شاورت ذوو النهى والعلم وأولو التجارب والحزم)) ([46]).

وعنه (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر: ((... ولاتدخلن في مشورتك بخيلاً يخذلك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولاجباناً يضعف عليك الأُمور، ولاحريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجور والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله)) ([47]).

وعنه (عليه السلام): ((استشر عدوك العاقل واحذر راي صديقك الجاهل)) ([48]).

وعنه (عليه السلام): ((شاور ذوي العقول تأمن اللوم والندم)) ([49]).

وعنه (عليه السلام): ((شاور في أُمورك الذين يخشون الله ترشد)) ([50]).

وعنه (عليه السلام): ((لاتستشر الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب)) ([51]).

وعنه (عليه السلام): ((أفضل من شاورت ذو التجارب، وشر من قارنت ذو المعايب)) ([52]).

وعنه (عليه السلام): ((مشاورة الحازم المشفق ظفر)) ([53]).

وعنه (عليه السلام): ((استشر أعداءك تعرف من رأيهم مقدار عداوتهم ومواضع مقاصدهم)) ([54]).

وعن الصادق (عليه السلام): ((استشر العاقل من الرجال الورع فإنه لايأمر إلاّ بخير، وإياك والخلاف، فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا)) ([55]).

وعنه (عليه السلام): ((شاور في أُمورك مما يقتضي الدين من فيه خمس خصال: عقل وعلم وتجربة ونصح وتقوى، وإن تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل على الله، فإن ذلك يؤديك إلى الصواب، وماكان من أُمور الدنيا التي هي غير عائدة إلى الدين فاقضها، ولاتتفكر فيها، فإنك إذا فعلت ذلك أصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة، وفي المشاورة اكتساب العلم، والعاقل من يستفيد منها علماً جديداً، ويستدل به على المحصول من المراد...)) ([56]).

حقوق المشورة

عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام): ((حق المشير عليك أن لاتتهمه فيما لايوافقك من رأيه، وإن وافقك حمدت الله)) ([57]).

وعنه (عليه السلام): ((وأما حق المشير عليك فلا تتهمه فيما لايوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك، فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه، فأما تهمته فلاتجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة، ولاتدع شكره على مابدالك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته، فإذا وافقك حمدت الله، وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع اليك، ولاقوة إلاّ بالله)) ([58]).

فلسفة المشورة

عن علي (عليه السلام): ((إنما حض على المشاورة لأن رأي المشير صرف ورأي المستشير مشوب بالهوى)) ([59]).

وعنه (عليه السلام): ((من لزم المشاورة لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً)) ([60]).

وعن حسن بن الجهم قال: كنا عند الرضا (عليه السلام) فذكرنا أباه فقال: ((كان عقله لايوازن به العقول، وربما شاور الأسود من سودانه، فقيل له: تشاور مثل هذا؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى ربما فتح لسانه)) ([61]).

وجوب الإشارة

عن علي (عليه السلام): ((خيانة المستسلم والمستشير من أفظع الأُمور وأعظم الشرور، وموجبة عذاب السعير)) ([62]).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من استشاره أخوه (المسلم) فأشار عليه بغير رشد فقد خانه)) ([63]).

 وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه)) ([64]).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه)) ([65]).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((المستشار مؤتمن، فإذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه)) ([66]).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله تعالى رأيه)) ([67]).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من غش المسلمين في مشورة فقد برئت منه)) ([68]).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبّه)) ([69]).

الشورى السياسية

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ((قلت: يارسول الله إن عرض لنا أمر لم ينزل فيه القرآن ولم تمض فيه سنه منك؟ قال: تجعلونه شورى بين العابدين من المؤمنين، ولاتقضونه برأي خاصة)) ([70]).

ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية يحاجه في موضوع الخلافة: ((إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على مابايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا الغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا..)) ([71]).

وفي معاهدة الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)مع معاوية في أمر الخلافة:

((.. ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين)) ([72]).

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لائحة دستورية

بنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سياسته على الشورى، ففي كثير من الأزمات والأحداث الخطيرة التي كانت تعصف بالمسلمين كان يأبى أن يواجهها إلاّ بالمشورة والحوار ومبادلة الصحابة الرأي بالرغم من أن الأحداث الخطيرة قد تتطلب أحياناً حسم المواقف والتفرد بالرأي، وبالرغم من أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان معصوما عن الخطأ ومسدداً من قبل السماء في كل حركاته وسكناته (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى)(73)، كان يحبذ أن يستشير أصحابه، وينزل عند آرائهم.

ومهما كانت التأويلات التي قد تذكر في تفسير استشارات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه إلاّ أن الجامع المشترك الأصيل الذي يهمنا في هذا الباب هو التأكيد على سماحة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وانفتاح الإسلام والتدليل على أن رسول الإسلام كان يحترم الآراء ودائم الاستشارة.

وقد أحصى لنا التأريخ الصحيح عشرات المواقف والأحداث الخطيرة التي عالجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمشورة، سنكتفي بذكر بعضها بالإجمال، ونفصل البعض الآخر في موارد أُخرى.

مشاورات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومين(عليهم السلام)

1-شاور رسول الله أصحابه يوم بدر في الذهاب إلى العير فقالوا: يارسول الله، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغمام لسرنا معك، ولانقول لك كما قال قوم موسى لموسى: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(74)، ولكن نقول: اذهب فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون([75]).

2- شاور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه يوم بدر أين يكون المنزل حتى أشار المنذر بن عمر بالتقدم أمام القوم ([76]).

3- استشار (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس يوم بدر فقام الحباب بن المنذر فقال: نحن أهل الحرب أرى أن تغور المياه إلاّ ماء واحداً نلقاهم عليه ([77]).

4-عن الحباب بن المنذر قال: أشرت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر بخصلتين فقبلهما منّي، خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعسكر خلف الماء فقلت: يارسول الله، أبوحي فعلت أو برأي؟ قال: ((برأي ياحباب)) قلت: فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك، فإن لجأت لجأت إليه، فقبل ذلك منّي ([78]).

وعن بن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل منزلاً يوم بدر فقال الحباب بن المنذر: ليس هذا بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم، ثم نبني عليه حوضاً، ونقذف فيه الآنية فنشرب، ونقاتل، ونغوّر ماسواها من القلب (الآبار)، فنزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: الرأي ما أشار الحباب بن المنذر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ياحباب، أشرت بالرأي)) فنهض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعل ذلك([79]).

5-وعن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ماتقولون في هؤلاء الأُسارى؟)) وذكر قصة طويلة ([80]).

6-شاور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في أُحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم ([81]).

7-شاور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى ذلك عليه السعدان -سعد بن معاذ وسعد بن عبادة -فترك ذلك([82]).

استشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الخندق حول الصلح سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقالا: إن لم يكن شيء أمرك الله به مانعطيهم إلاّ السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فترك ذلك رسول الله (([83]).

وفي رواية أُخرى أشار عليه السعدان يوم الخندق بترك مصالحة غطفان على بعض ثمار المدينة لينصرفوا فقبل منهما وخرق الصحيفة ([84]).

8-شاور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجىء لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين، فأجابه الى ما قال ([85]).

وفي رواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أشيروا علي، أترون أن نميل الى ذراري هؤلاء ؟)) ([86]).

9- استشارهم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم قريظة والنضير، فقام الحباب بن المنذر فقال: أرى أن تنزل بين القصور فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء وخبر هؤلاء عن هؤلاء، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله ([87]).

10- أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ([88]).

11- قد استشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في مجاوزة تبوك ([89]).

12- في قصة الإفك: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً، فتشهد، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ((أما بعد، أشيروا علي في أُناس أبنوا أهلي، وأيم الله ماعلمت على أهلي من سوء قط)) ([90]).

ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب وأُسامة بن زيد ثم استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ([91]).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلفت ابن أُم عبد)) يعني عبد الله بن أُم مسعود ([92]).

وجاء في تفسير الجلالين: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كثير المشاورة لأصحابه ([93]).

وفي الدر المنثور يقول الراوي: مارأيت أحداً من الناس أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله (([94]).

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: ((إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستشير أصحابه، ثم يعزم على مايريد)) ([95]).

13-ويو غزوة الأحزاب استشار (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في أفضل وسيلة للدفاع عن المدينة المنورة، وأخذ برأي سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) أخيراً، فأمر بحفر الخندق حول المدينة.

وعندما شاور الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه يوم غزوة الأحزاب شاورهم في أمرين:

أحدهما: في أُسلوب الدفاع عن المدينة حتى اتفقوا على حفر الخندق.

والثاني: في صلح الأحزاب على ثلث ثمار المدينة فقالوا: إن كان الله أمرك بهذا فالسمع والطاعة لأمر الله، وإن كان غير ذلك فلاتطمعهم فينا، فإنهم في الجاهلية لم يكونوا يصلون إلى ثمرة إلاّ بشراء أو قرى. فامتنع (صلى الله عليه وآله وسلم)من المصالحة على ثلث ثمر المدينة ([96]).

14-واستشار (صلى الله عليه وآله وسلم) – كما في بعض الروايات – في حد الزنا والسرقة قبل أن ينزل فيها قرآن.

وقد ادعى بعض العامة قيام الإجماع على أن جميع أُمور الدنيا ومصالح الناس قد خضعت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمبدأ الشورى وسلطانها، ولم يشذ منها إلا مانزل في وحي خاص ([97]).

15-ومن خطبة له (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبها لما استشار المهاجرين والأنصار في المسير إلى الشام، ولما أراد عليّ المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والانصار، فحمد الله، وأثنى عليه وقال: ((أما بعد، فانكم ميامين الرأي... وقد عزمنا على المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم)) ([98]).

مشاورة الأئمة (عليهم السلام)

16-عن الفضيل بن يسار قال: استشارني أبو عبد الله (عليه السلام) مرة في أمر فقلت: أصلحك الله مثلي يشير على مثلك؟ قال: ((نعم إذا استشرتك)) ([99]).

17-أن موسى بن المهدي هدد موسى بن جعفر (عليه السلام) وقال: قتلني الله إن أبقيت عليه.

قال: وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر بصورة الأمر، فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن (عليه السلام) على ماورد عليه من الخبر، وقال لهم: ((ماتشيرون في هذا؟)) فقالوا: نشير عليك -أصلحك الله -وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار ([100]).

18-عن الحسن بن الجهم قال: كنا عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فذكرنا أباه (عليه السلام) فقال: كان عقله لايوازن به العقول، وربما شاور الأسود من سودانه، فقيل له: تشاور مثل هذا؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه. قال: فكانوا ربما أشاروا عليه بالشيء فيعمل به من الضيعة والبستان ([101]).

19-عن معمر بن خلاد قال: هلك مولى لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) يقال له سعد، فقال: ((أشر عليّ برجل له فضل وأمانة)) فقلت: أنا أشير عليك؟ فقال شبه المغضب: ((إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستشير أصحابه ثم يعزم على مايريد)) ([102]).

عن علي بن مهزيار قال: كتب إلي أبو جعفر (عليه السلام): ((أن سل فلاناً أن يشير عليّ، ويتخير لنفسه، فهو يعلم مايجوز في بلده، وكيف يعامل السلاطين، فإن المشورة مباركة. قال الله لنبيه في محكم كتابه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ O فإن كان مايقول مما يجوز كنت أُصوب رأيه، وإن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطريق الواضح إن شاء الله)) ([103]).

* فصل من كتاب الحرية السياسية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

.....................................

([1]) نقلا عن الحرية السياسية في الإسلام (أحمد شوقي الفنجري):ص 187 ـ 189، ((بتصرف)).

([2]) المصدر نفسه.

([3]) تفسير القرطبي: ج16، ص36.

([4]) انظر مسند أحمد: ج5، ص145.

([5]) الحرية السياسية في الإسلام (أحمد شوقي الفنجري): ص190.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) آل عمران: 159.

([8]) الشورى:38.

([9]) الشورى:38.

([10]) آل عمران: 159.

([11]) الشورى: 38.

([12]) النمل: 32-34.

([13]) النساء: 35.

([14]) البقرة: 233.

([15]) النساء: 35.

([16]) الدر المنثور: ج6، ص10.

([17]) الجامع الصغير: ج2، ص563 ؛ مجمع الزوائد: ج8، ص96.

([18]) تحف العقول: 36 ؛ بحار الأنوار: ج74، ص139، ح14.

([19]) الأحكام: ج6، ص765.

([20]) تفسير الصافي: ج1، ص395.

([21]) آل عمران: 159.

([22]) الدر المنثور: ج2، ص 90 ؛ الميزان: ج4، ص69.

([23]) مستدرك الوسائل: ج8، ص342، ح9610، باب 20 باب استحباب مشاورة اصحاب الرأي ؛ البحار: ج72، ص05 1، ح41.

([24]) البحار: ج72، ص105، ح41.

([25]) تفسير ابن كثير: ج1، ص430.

([26]) نهج البلاغة: ج4، ص42، الحكمة 173.

([27]) نهج السعادة: ج7، ص248.

([28]) نهج السعادة: ج7، ص315.

([29]) عيون الحكم والمواعظ: ص91.

([30]) البحار: ج72، ص104، ح38.

([31]) الوسائل: ج12، ص82، ح15698، باب 50 باب عدم جواز دخول بيت الغير من غير اذن.

([32]) نهج البلاغة: ج4، ص41، الحكمة161، البحار: ج72، ص104، ح38.

([33]) كنز الفوائد: ص88.

([34]) عيون الحكم والمواعظ: ص111.

([35]) عيون الحكم والمواعظ: ص196.

([36]) عيون الحكم والمواعظ: ص367.

([37]) عيون الحكم والمواعظ: ص91.

([38]) عيون الحكم والمواعظ: ص460.

([39]) الوسائل: ج 11، ص 441، ح15208 و15209، باب 52.

([40]) الاختصاص:ص 221 ؛ البحار: ج69، ص 320، ح35.

([41]) الوسائل: ج 12، ص 43، ح15596، باب 2 إستحباب مشاورة التقي العاقل.

([42]) أمالي الطوسي: ص153.

([43]) البحار: ج 72، ص 98، ح4.

([44]) البحار: ج 72، ص 102، ح27.

([45]) محاسبة النفس:ص 79.

([46]) مستدرك الوسائل:ج 8، ص 343، ح 9613، باب20 باب استحباب مشاورة اصحاب الرأي.

([47]) تحغ العقول: ص128.

([48]) عيون الحكم والمواعظ:ص 79.

([49]) عيون الحكم والمواعظ: ص298.

([50]) عيون الحكم والمواعظ:ص 298.

([51]) المصدر نفسه: ص 525.

([52]) المصدر نفسه: ص 123.

([53]) المصدر نفسه: ص 486.

([54]) نهج السعادة: ج 7، ص 276.

([55]) الوسائل: ج 12، ص 42، ح15594، باب 22 باب استحباب مشاورة التقي العاقل.

([56]) مصباح الشريعة: ص152.

([57]) الجامع للشرائع: ص631.

([58]) البحار: ج71، ص 19، ح2.

([59]) عيون الحكم والمواعظ: ص179.

([60]) عيون الحكم والمواعظ:ص 433.

([61]) البحار:ج 72، ص 101، ح25؛ المحاسن: ج 2، ص 602.

([62]) عيون الحكم والمواعظ:ص 242.

([63]) كنز العمال:ج 3، ص 411، ح7193.

([64]) سنن أبي داود:ج 2، ص 178.

([65]) سنن ابن ماجة: ج 2، ص 1233.

([66]) مجمع الزوائد: ج 8، ص 96 ؛ المعجم الأوسط:ج 2، ص 349.

([67]) المحاسن: ج 2، ص 602.

([68]) عيون أخبار الرضا:ج 1، ص 71.

([69]) الوسائل: ج 17، ص 208، ح22354، باب باب ماينبغي للوالي العمل به.

([70]) مجمع الزوائد: ج 1، ص 178؛ الدر المنثور: ج 6، ص 407؛ نفحات الأزهار: ج 5، ص 334.

([71]) نهج البلاغة:ج 3، ص 7 ؛ تفسير نور الثقلين: ص551.

([72]) ينابيع المودة: ج 2، ص 426.

([73]) النجم: 3-4.

([74]) المائدة: 24.

([75]) تفسير ابن كثير: ج 1، ص429.

([76]) المصدر نفسه.

([77]) الدر المنثور: ج 2، ص 90.

([78]) الدر المنثور: ج2، ص90.

([79]) المصدر نفسه.

([80]) سنن الترمذي: ج 3، ص 129.

([81]) تفسير ابن كثير:ج 1، ص 429.

([82]) المصدر نفسه.

([83]) انظر أسد الغابة: ج 2، ص 284.

([84]) انظر أحكام القرأن: ج 2، ص 52.

([85]) انظر مسند أحمد: ج 4، ص 329 ؛ الدر المنثور: ج 6، ص 76.

([86]) تاريخ مدينة دمشق: ج 57، ص 225.

([87]) الدر المنثور: ج 2، ص 91.

([88]) الطرائف:ص 447.

([89]) انظر سبل الهدى والرشاد: ج 5، ص 461.

([90]) المعجم الكبير: ج 23، ص 108.

([91]) تاريخ مدينة دمشق: ج 29، ص 333.

([92]) سنن ابن ماجة: ج1، ص 49 ؛ كنز العمال: ج 11، ص 711، ح33467.

([93]) تقسير الجلالين: ص89.

([94]) الدر المنثور:ج 2، ص 90.

([95]) المحاسن:ج 2، ص 601.

([96]) انظر تفسير القرطبي: ج 8، ص 41 ؛ معالم المدرستين: ج 1، ص173.

([97]) الاسلام وفلسفة الحكم: مبحث الشورى.

([98]) البحار: ج 32، ص 398؛ شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد):ج 3، ص 171.

([99]) الوسائل: ج 12، ص 44، ح15601، باب 24؛ البحار: ج 72، ص 101، ح24.

([100]) مستدرك الوسائل:ج 8، ص 347، ح9624، باب 23 باب جواز مشاورة الانسان من دونه.

([101]) المحاسن:ج 2، ص 601 ؛ البحار:ج 72، ص 101، ح25.

([102]) المحاسن:ج 2، ص 601 ؛ الوسائل:ج 12، ص 44، ح15600، باب 24.

([103]) تفسير العياشي:ج 1، ص204- 205، ح147.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6/كانون الاول/2009 - 18/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م