أزمة دبي: أسباب السقوط

حضور اقتصادي وغياب قِيَمي

علي حسين عبيد/النبأ

 

شبكة النبأ: حين يتتبع المراقب الاقتصادي او المختص في هذا المجال الحيوي، سيكتشف أن الخط البياني لتنامي المنظومة الاقتصادية في دبي مرَّ بصعود متسارع لا يتناسب مع المقومات التي تدعم مثل هذا الصعود من حيث التسارع والضخامة في النمو الاقتصادي، فلو دققنا في هذه المقومات كرأس المال والخبرات الأصيلة والمكتسبة ودرجة الوعي والثقافة والمعاصرة وما شابه، فإننا سنلاحظ ضعفا في مفاصل هذه المقومات، وهنا سيتساءل بعضهم، إذن كيف حققت دبي هذه الطفرة الاقتصادية الكبيرة  لتصبح أحد المراكز التجارية الاقتصادية المهمة في العالم؟!.

ولعلنا لا نعاني كثيرا في الاجابة، فثمة مخططون ومنفذون عالميون معروفون يقفون وراء مثل هذه القفزات وتكريسها اقتصاديا في هذه المدينة او تلك، وطالما أن دبي الصغيرة المحجّمة اقتصاديا وتجاريا وعلميا وادبيا وفكريا فيما مضى، أخذت فرصتها واصبحت على ما هي عليه من قوة اقتصادية يُشار لها عالميا، فكان الاحرى بالقائمين عليها أن يحافظوا على هذه المكانة التي تحلم بها المدن والبلدان الاخرى، لا أن يهدّموا بأيديهم وافكارهم وسلوكياتهم ما بنوه وما  بُنيَ لهم.

فثمة اسباب تقف وراء هذا السقوط الاقتصادي الذي تعرضّت له دبي حاليا، ولعلها ليست وليدة الراهن بل هي وليدة التراكم المتواصل لعدد من الاخطاء والأنهاج التي لا تنم عن وعي اقتصادي او فكري انساني متوازن، فهناك الفردية التي تحكم الانشطة الاقتصادية فيها ونعني بالفردية تغييب الرأي والفكر الآخر بصورة قسرية مما يولد حالات صدام متتالية تظهر على السطح وتبدو تأثيراتها واضحة رغم كبحها او تغييبها، كما يحدث الآن في الازمة الاقتصادية الراهنة التي أنتجتها مجموعة من الرؤى والسلوكيات التي لا تنسجم مع الحس الانساني الذي ينحو الى العدل والمساواة وعدم الانسياق وراء الافكار والدعوات التي تفضل الذات الاقتصادية على الذات الانسانية.

كما حدث ذلك في تعامل دبي مع عمالتها الوافدة لا سيما الاسيوية منها، فلقد تعرضت هذه العمالة الى أقسى انواع الهوان والتجاوز سواء على الكرامة الانسانية او على الجهد المادي الذي يبذله هؤلاء قسرا، مقابل اجور بخسة تنم عن روح جشعة متأثرة بالتوجهات الرأسمالية الغربية التي عُرفت بعدم مراعاتها للفرد العامل حيال المكتسبات المادية الضخمة للشركات والكارتلات وغيرها.

وقد أخطأت دبي حين أقصت الوافدين (رغم حاجتها لهم) ووضعتهم في أسفل قائمة الاهتمام، فأساءت لهم على نحو لا يمت للانسانية بصلة حين تعاملت مع مواطنيها كملوك ومع عمالتها كعبيد لا اكثر، فغاب بذلك الحس الانساني والرأفة التي يحث عليها (الاسلام) وكل المبادئ الانسانية المتوازنة التي لا تبيح لدبي او غيرها التجاوز على كرامة الانسان، فكيف اذا كان هذا الانسان ممن يقدم الخدمة لها ويحرك ماكنتها الاقتصادية برمتها؟!!.

وثمة عوامل أخرى أسهمت في تعجيل الازمة الاقتصادية الراهنة لدبي وتضخيمها ايضا، نتيجة لتوافر حرية التعاملات التجارية مقابل غياب الحريات في المجالات الاخرى، وهكذا يتضاعف الخلل وعدم التوازن بين الغنى في المال والفقر في الوعي والفكر الانساني المتوازن، بمعنى أن دبي الغنية في أموالها وحراكها الاقتصادي الضخم على المستوى العالمي هي نفسها فقيرة من حيث الوعي والتحلي بالذات المتنورة المثقفة التي توازن بين تطور الاقتصاد وتطور الفكر في آن واحد وتعي ان النقص في احدهما يعني إسقاطا للأخر كما حدث الآن في حالة التردي الاقتصادي التي تعاني منها دبي بسبب قصور الوعي والتعامل الانساني وما شابه.

وعندما نبحث في عناصر النهضة الاقتصادية المتسارعة لدبي سنجد من بينها تلك الأنشطة المريبة التي تضاعف رؤوس الاموال والربحية بصورة متسارعة في حين تأخذ من حصة القيم الانسانية على نحو مريب كما في شبكات الدعارة التي وجدت في دبي مكانا خصبا لممارسة انشطتها التجارية، كذلك هناك عمليات تبييض الاموال والاتجار بالمخدرات على نحو واسع وكل عمليات التهريب الاخرى، وقد أسهمت هذه الانشطة الاقتصادية في مراكمة رؤوس الاموال وتكديسها في البنوك وغيرها لكنها في المقابل دمرت الروح وسلبتها مواصافتها الانسانية كافة او اضعفتها الى حد كبير.

وهذا ما قاد بدوره الى غياب التنمية الفكرية وبناء الشخصية المتوازنة القائمة على توازن المادة والروح، فحين نمت دبي وتطورت اقتصاديا بالسرعة المعروفة عنها فإنها في الوقت نفسه افتقرت للتركيز على تنمية الفكر الفردي والجمعي البنّاء، لذا فإن النمو الاقتصادي المتسارع والكبير، مقابل سيطرة التخلف الفكري على المجتمع مع الاسباب التي ورد ذكرها، كل ذلك أسهم بإسقاط (منظومة المال المتسلطة) من علوها الى قعر الافلاس، وهو درس مهم من دروس التأريخ الذي ينبغي للجميع قراءته بدقة والافادة منه في الحاضر والمستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6/كانون الاول/2009 - 18/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م