لعبة كراسي أم لعبة بلاء..؟

عبد الأمير رويح

لعبة الكراسي لعبة جميلة كنا نلعبها ونحن صغار واعتقد ان الجميع يعرف مضمون وقواعد هذه اللعبة فهي بسيطة جدا، تقتصر على مجموعة من الصبية يتجاوز عددهم الكراسي الموجودة بعدد واحد.

ليبدأ بعد ذلك المرح والركض حول الكراسي الموضوعة بشكل دائري ومع تلك الضحكات البريئة يبقى المتسابق منتبها الى صفارة الحكم كي يسرع بالجلوس على كرسيه المقرر ومن لا تحالفه الفرص بالجلوس سيكون خاسرا ويخرج من اللعبة كل الأطفال كانوا متحمسين للبقاء والفوز بكرسي يجعلهم يتباهون امام أقرانهم ويفتخروا.

 لعبة لا زلت عالقة في ذهني ومخيلتي كنت أضنها لعبة لتسليه وقضاء الوقت! لكن الحقيقة والأيام أثبتت لي عكس ذلك بعد ان تحولت الى لعبة سياسية يلعبها الكبار وسط عدم الرضا بالخسارة أو الخروج مهما كانت النتائج!

لعبة الكراسي اليوم ليست كما عرفناها سابقا فقد تغيرت قواعد اللعبة واختلفت عن السابق كراسي اليوم تزداد مع ازدياد ممثلينا وسياسينا وأحبتنا في الأحزاب، نعم فمع وجود الامتيازات والحوافز والحصانة البرلمانية التي تتيح للاعب أن يلعب بدون قواعد وبدون تحكيم على الجميع ان يرشح ويتسابق لأجل الحصول على كرسي يمنحه الحياة في عراق يتمنى الحياة!

مع هذه  الامتيازات لا بد ان يفوز حزبي وأصدقائي وأحبتي ولابد ان أرشح او يرشح أخي او حتى ابن عمي او صديقي فمعهم يمكن ان أحضى بفرصة التقرب او الجلوس بجانب ذلك الكرسي الدافئ المريح الذي سأنتفع منه بطريقة او بأخرى!!

مع هذه القواعد وتلك المزايدات لأجل الحصول على كرسي تذكرت قصة من قصص (بهلول) العارف ذلك الرجل ادعى الجنون وانتصر على أعقل العقلاء!

وتقول القصة...

كان للملوك مجلسا عاماً يحضره عامة الناس، لاجل التعظيم والمدح والدعاء لهم بطول العمر والسعادة  فللمك حق على رعيته وأبناء وطنه فهو الراعي لمصالحهم والمسؤول عنهم.

 وفي يوم حضر بهلول إحدى هذه المجالس وكان ملك زمانه وخليفة في وقتها هارون الرشيد

وعند دخول هارون الى المجلس وقبل الجلوس على كرسيه العالي وعرشه الزائل، وقتها أسرع بهلول وجلس على كرس الملك فبقي هارون واقفاً متعجباً مما حدث!!

عندها أسرع الحرس والجلاوزة فأخذوا بهلول و بدءوا يجلدونه ويضربوه ويركلوه أمام الخليفة والناس.

فأخذ بهلول بالبكاء بالعويل والصياح العالي والصراخ، وبعد فترة من الضرب والجلد والركل  أمر هارون حراسه ومريديه بالكف عن ضربه.

حينها سأله هارون: هل أوجعك الضرب والجلد ؟

قال بهلول: لا !!.

فقال له هارون: إذن لماذا هذا البكاء والعويل والصياح والصراخ إذا لم يوجعك الضرب؟

 قال بهلول: بكيت عليك و أعولت على حالك ولم أبكي على نفسي !!

فقال هارون: وكيف والضرب والجلد وقع عليك والبكاء والصراخ صدر منك ؟!!

فقال بهلول: أنا جلست على هذا الكرسي أقل من دقيقة فنالني الضرب والجلد من الجند والحرس ما قد رأيت لولا أن تأمرهم بالكف عني لما كفوا حتى أموت، وأنت جالس على هذا الكرسي سنين فكم ستحصل عليه من الضرب والجلد من جند الله وملائكته وحرس جهنم ولا يكف عنك، فلذا شغلني حالك عن حالي وبكيت عليك.

حكمة وقفت عندها كثيراً وتحيرت فيها وكرهت بعدها حتى لعبة الكراسي القديمة التي كنت العبها مع الأصدقاء وتمنيت ان ترفع هذه اللعبة من قاموس ألعابنا حتى لا يعرف أطفالنا ضغائن السلطة وحب الحصول على كرسي!

مع هذه القصة تيقنت ان الكرسي يا أحبتي ليس خيراً بل بلاء جنبني وإياكم ذلك الكرسي الذي قد يعود علينا بسخط الرب وغضبه بسبب فقير نظلمه او أرملة ننساها او يتيم نعجز عن إسعاده او حق نتهاون عنه او ميزة نحصل عليها لا جل مصالح دنيوية.

Abdulameer_r@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/كانون الاول/2009 - 13/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م