ما هو السرّ في تحقيق الشخصية الناجحة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتطلب الحياة المعاصرة جهدا متفردا من لدن الانسان لكي يكون ذا شخصية متفردة ومعاصرة في آن واحد، فالحياة فيما مضى كانت من البساطة بحيث لا تشغل الانسان بالمطالب المادية الكثيرة والمتنوعة كما هو الواقع الراهن، ولذلك فإن الانسان الناجح في محيطه الآن يُعدّ من النماذج الراقية التي يُحتذى بها، لا سيما اذا كان النجاح قائما على الإلتزام ومراعاة الآخرين كمراعاة الذات وفق مبدأ المساواة بين حب النفس والآخر بمعيار واحد.

وغالبا ما تتشكل شخصية الانسان الناجح تحت تأثرّه بشخصيات تأريخية خالدة يكون لسماتها ومواصفاتها حضور قوي وواضح في تشكلها، وعندما نبحث في سر النجاح الذي يتحقق لهذا الانسان او غيره ونحاول أن نستغور الأسباب التي تقف وراء هذا التفرد سواء في الفكر أو السلوك، فإننا سنجد في سمة اللين واللطف واحترام الآخر مظاهر وجواهر أساسية لمثل هذه الشخصيات، ولذا فإن الانسان الذي يقتدي بشخصية خالدة ويكون لتأثيرها وجودا بيّنا في تشكيل شخصيته، فهو لا ريب سيحقق مبتغاه الذي يبغي من خلاله النجاح في حياته وفق الاشتراطات التي تضع الحكمة والتعقل والايمان واحترام الذوات الاخرى في مقدمة المحددات للفكر والسلوك معا.

وفي هذا المجال نقرأ في الكتاب القيّم الموسوم بـ (العلم النافع) لمؤلفه المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي قوله: (لو أردنا أن نبحث عن الإنسان الناجح والموفّق في حياته، فلا ريب أننا سنجده في ذلك الذي اقتدى بالنبيّ صلى الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم، ولاغرو أن يكون أحسن الناجحين والموفّقين في الحياة؛ وذلك لأنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كان المثل الأعلى للإنسان في قوله وصمته، وسرّه وجهره، وفي فعله وتركه، وفي كلّ أحواله، بل فاق وسما على كلّ الشخصيات في العالم منذ بدء الخلق وحتى انتهائه، بشهادة المؤمنين به وغيرهم).

إذن فمن يضع الشخصية الخالدة بأفكارها وسلوكها كنموذج للسير على هديه، فإنه لا ريب سيحقق ما يهدف إليه لا سيما أننا نعيش في عصر شائك تتداخل فيه النوايا وافعال وتتعدد وتتنوع الأنشطة لدرجة أن بعضهم يغيب عنه النموذج فيشتط في السلوك او الفكر او الاثنين معا ويوغل في التجاوز على حقوق الآخرين من دون ان تردعه الذات او الاخلاق او الدين بل تعجز في ردعه جميع المحددات المعنوية والرقابة الذاتية بل حتى القوانين الوضعة ربما تقف عاجزة اما ردع الشخصية السلبية التي افتقدت للنموذج التأريخي الايجابي.

وهنا تكمن اهمية ان يبحث الانسان دائما عن نموذجه الأمثل، لأنه سيصل الى ضالته من خلال معرفته للعنصر او السر الذي جعل من هذه الشخصية متفردة في زمانها وخالدة على صفحات التأريخ كما هو الحال مع الشخصية العظيمة التي يتحلى بها رسولنا الأعظم (ص).

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه: (لقد ألّف كاتب مسيحيّ كتاباً دوّن فيه أسماء أعظم مئة شخصية في تاريخ العالم أو (المئة الأوائل) كما سمّاهم، وذكر في المقدّمة أنّه جعل الترتيب حسب الأولوية من حيث نجاح الشخصية في حياتها وتحقيقها للأهداف التي كانت تصبو إليها، وليس حسب التسلسل الزمني، فجعل ـ رغم أنّه رجل مسيحيّ ـ اسم نبيّنا أوّل الأسماء إذ عدّه صلى الله عليه وآله الشخصية الأنجح).

ولعل السر في هذا النجاح كما يقول سماحة المرجع الشيرازي يكمن في صفة (اللين والرحمة) التي يتميز بها النبي الاكرم (ص) في تعامله مع الآخرين، فالشخصية الناجحة هي التي تُـؤْثِـر الآخر على نفسها سواء كان ذلك في الجانب المادي او المعنوي، فكلما كان الانسان لطيفا سمحا وكريما في تعامله مع الآخرين كلما كان اكثرا حضورا بينهم واكثر تأثيرا بهم، ولنا في شخصية رسولنا الكريم نموذجا خلاّقا في هذا المجال، فـ (لقد عاش النبيّ في قومه أربعين سنة لم يُعرف عنه أنّه آذى أحداً، بل كان الوحيد الذي لُقّب من بين العرب بالصادق الأمين) كما ورد في كتاب سماحة المرجع الشيرازي.

وهكذا تعدّ الرحمة واللين سرّا وعنصرا هامّا من أسرار او عناصر بناء الشخصية الناجحة في المجتمع، كونها تؤدي الى سعادة الناس والتأثير بهم كي يصبحوا أناسا فاعلين منتجين صالحين في المجتمع، ولا يتحدد مثل هذا السلوك مع أناس دون غيرهم، فالجاهل وغيره يستحقان الرحمة والتعامل اللطيف لأنه بالنتيجة سيقود الى تشذيب شخصياتهم واصلاحها، يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الصدد: (إنّ مطالعة سيرة الرسول صلى الله عليه وآله تكشف لنا أنّه كان بإمكانه أن يقتل أعداء الرسالة ـ ويحقّ له ذلك ـ لكنّه صلى الله عليه وآله مدّ لهم يده الرحيمة وأخرجهم بأخلاقه العظيمة مما هم فيه من هاوية الوثنيّة والشرك؛ لأنّه نبيّ الرحمة واللين، كما عبّر القرآن الكريم).

وهكذا فإن الرحمة والتسامح والتعامل بلطف مع الجميع سيجعل من شخصية الانسان فاعلة منتجة إيجابية ومتفردة في آن واحد، وما أحوجنا لمثل هذه الشخصيات في ظل الظروف القاهرة للعصر الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م