قطار الديمقراطية والجيوب المناضلة؟

كفاح محمود كريم

كثيرا ما تحاول بعض القوى اللعب بمفاتيح غاية في الخطورة لأغراض انتخابية أو تجارية تحت مظلات المصالحة الوطنية مع قوى النظام السابق الحزبية أو العسكرية من خلال اتصالات وحوارات حول إمكانية المشاركة في الحكم ودخول العملية السياسية على أنقاض الجرائم التي وصفتها المحكمة الجنائية العراقية بجرائم إبادة الجنس البشري في كل من الاهوار والوسط وإقليم كوردستان.

ومن يراقب أداء البرلمان العراقي وكيفية تعاطيه مع الإشكاليات السياسية والديموغرافية التي ورثها العراق من النظام السابق ودفاع مجموعة من التكتلات البرلمانية أو الأعضاء عن تلك الإشكاليات واعتبارها واقع حال وأخطاء ممكن تجاوزها، يدرك مدى الاختراق الكبير لقوى حزب البعث والمؤسسات العسكرية والأمنية السابقة للعملية السياسية ومؤسسات العراق الجديد، وبالذات تلك التغييرات التي تم أحداثها في العقود الأربعة السابقة لسقوط حزب البعث ومؤسساته الخاصة على الشكل الديموغرافي لمحافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين.

إن كل هذا التلكؤ والتسويف وإعاقة الحلول الدستورية والسياسية لكثير من قضايانا المهمة منذ ما يقرب من ست سنوات ما هو إلا نتيجة لتأثيرات تلك القوى وهيمنتها على مفاصل مهمة في الأداء الوطني العراقي بعد سقوط هيكل دولة الدكتاتورية وانتقالها أي تلك الدولة للعمل على شكل طفيليات تعتاش على هشاشة العملية السياسية وضعف كوادرها بل وتعيين كوادر شبه أمية على أسس عشائرية أو عائلية أو محاصصة مذهبية وعرقية مقيتة، إذ لا يعقل إطلاقا أن تكون هذه القوى البديلة للنظام الساقط لا تمتلك كوادر حزبية أو إدارية إلا بمستويات ابتدائية أو متوسطة تقود المجتمع العراقي من الجنوب إلى أقصى الشمال، وتستوطن في مواطن الإشكاليات والعقد الخلافية بين الإقليم والحكومة الاتحادية بل إنها انتشرت في أهم أجهزة الدولة الجديدة وبالذات المؤسسة العسكرية والأمنية مما جعل العراق ساحة مفتوحة للإرهاب الدولي والجريمة المنظمة التي تنفذها مجاميع من عشرات الآلاف من كبار المجرمين الذين أطلق صدام حسين صراحهم قبل سقوطه بفترة وجيزة مقابل الدفاع عن نظامه والعمل مع أجهزته الخاصة في الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية وفدائيو صدام.

وإذا كان البعث قد استقل القطار الأمريكي في انقلابه عام 1963م حسب اعتراف أمين سر قيادتهم القطرية الأسبق علي صالح السعدي إلا أنهم هذه المرة سيحاولون ركوب قطار الديمقراطية العرجاء في بلاد يعاني أكثر من نصف سكانها من الأمية والفقر والحاجة والخوف والتهجير والفساد والإفساد والخرق والبطالة وسيادة المنافقين والانتهازيين ومصاصي الجيوب والدماء، ويسود فيها حكام لا يفرقون في معظمهم عما كانوا يحكمون العراق طيلة العقود السوداء الماضية في سلوكياتهم ومصداقيتهم، بينما تتكلس وتتكثف في معظم مفاصل المجتمع ثقافة القرية وشيخ العشيرة والأنظمة القبلية المقيتة التي تستنزف الحضارة والتقدم وتعمل على التقهقر والاستكانة بما يعيق تقدم عملية التحديث والانتقال الى المجتمعات المدنية والديمقراطية.

في مثل هذه الظروف تتجه الأمور إلى انتخابات 2010م لكي تحدث تغييرا نوعيا كما يتصور الكثير من المتفائلين للأحداث المتوقعة بعد انجاز هذه الانتخابات، وربما قراءة أولية للآليات التي استخدمت وطريقة الوصول إلى قانون متفق عليه للانتخابات ونوعية المرشحين وآليات الترشيح لهذا السباق الذي يذكرني بتشبيه احد الشيوعيين السوفييت للديمقراطية الأمريكية بسباق الوصول إلى الهدف وحرية اختيار الوسيلة لذلك السباق يؤكد شكل النتائج ونوعية أولئك الواصلون بأمر الخليفة وأمواله وكمية المصروف من الأوراق الخضراء للجيوب المناضلة.  

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م