تعتبر الحرية من أكبر النعم التي وهبها الله تعالى للإنسان الحر,
وأرقى عناصر السعادة المادية والمعنوية. وتعتبر الرغبة الشديدة في
الحرية والتحرر الموجودة بالفطرة في أعماق كل إنسان من أجمل الرغبات
الطبيعية على الإطلاق.
في ظل الأجواء المناسبة التي تسود فيها الحرية يستطيع العقل أن يفكر
جيدا، وبقدر استطاعته يكون حجم إدراكه وفهمه للحقائق واضحا لا مجال
للشك فيها.
وفي ظل الحرية بمقدور الإنسان أن يبرز ويظهر استعداداته المادية
والمعنوية ويستثمرها جيدا ليصل بالتالي إلى السمو والرفعة والكمال الذي
يليق به. وفي محيط تسوده الحرية يمكن إرضاء جميع الرغبات الغريزية
والميول الطبيعية بالمقدار الصحيح الذي يجعل الحياة في نظر الإنسان
جميلة وسعيدة.
إن جميع أبناء البشر بمختلف قومياتهم وطوائفهم ومذاهبهم ينشدون
الحرية ويعشقونها وينبذون الأسر والقيود والأغلال والقوانين الوضعية
الظالمة والمستبدة, وإذا ما فقدوا حريتهم يوما ما.. فإنهم في الحقيقة
سيحاولون بكل ما في وسعهم وإمكانياتهم المحدودة واللا محدودة كيفية
استعادتها بطرق السلمية أو اللا سلمية إن لزم الأمر.
فالحرية هي من أهم السمات الحضارية للمجتمع المتقدم والناهض، لذلك
أكد عليها القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى، وعالجت مشكلاتها
المرتبطة بالآصار النفسية، وهي عبارة عن الأمراض النفسية وثقافة الوأد
ووساوس النفس الداعية إلى عبودية الذات والشهوات، وعالجت مشكلات الكبت
والحرمان التي يمارسها الطواغيت والجبابرة ورفضهم بالكامل من الشعوب
الحرة، ومجابهتهم بالوسائل المختلفة، باعتبارهم أهم معوقات لحركة
المجتمع وفاعليته وتطوره..
إن الطغيانية أو الدكتاتورية حالة سياسية متخلفة لا تتلاءم مع
الحياة المتحضرة والمتقدمة، ولا مع القيم العربية والإسلامية، ولا مع
تطلعات العرب للمستقبل الزاهر، وتشكل في الواقع أهم معوق من معوقات
التقدم في الوطن العربي خاصة، لذلك نعلن وقوفنا ضد الطغيانية، وضد
أشكال الحكم الاستبدادي، أينما وجدت وكيف وجدت، وندعو للعمل من أجل
الوصول إلى صيغ سياسية عربية، تقوم على المساواة والعدالة، وتستند إلى
أوسع مشاركة جماهيرية في صنع القرار السياسي والإشراف على تنفيذه.
احترام الحرية والمساواة والحقوق العامة للمواطنين بما فيها التعبير
وإبداء الرأي والرأي المعارض والممارسة الديمقراطية، على اختلافها،
والتعددية، كلها قضايا رئيسية نلح على التمسك بها والدفاع عنها. لقد
تحدث عنها الكتّاب والباحثون والمفكرون العرب منذ فجر النهضة, لكنها,
أمست مطلبا ملحا وهاما للمجتمعات العربية..
إن الحديث عن الحرية والديمقراطية مهم لثلاث أسباب:
أولا / يخلق تراكما معرفيا ينتج عنه في المستقبل رؤية ونظرة
إيجابية.
وثانيا /يشيع جوا من الطمأنينة والأمن, بعد جو من الخوف والقلق,
خلقناه لأنفسنا.
وثالثا / يعني نشر الوعي والمعرفة والدعوة إلى تربية الجيل الجديد
وتنشئته على مبادئ الحرية والديمقراطية.
في الحقيقة وبكل وضوح.. إن بلادنا العربية خاصة, تشكو من ضيق مبادئ
الحرية والديمقراطية الحرة, وتشكو من ظلم الحكام المفسدين, وأصبحت مصدر
قلق وإزعاج على المستوى العالمي، لما تفرزه من بؤر توتر واضطراب، تتمثل
في توجهات العنف والإرهاب، وتيارات التعصب والتطرف، والتي امتدت
أنشطتها وممارستها الخطيرة إلى مختلف بقاع العالم.. وأصبحت الحرية
والديمقراطية في كثير من الأحيان, غائبة أو شبه معدومة، ولا يمكن
مقارنتها مع مبادئ الحرية والديمقراطية في أمريكا والغرب واليابان
والدول الصناعية الكبرى.. " وأنا من المعجبين جدا.. بالتجربة
الديمقراطية الأمريكية والأوروبية واليابانية وغيرها من الدول
المتقدمة... " لكن علينا أن نفهم جيدا أولا أنه من غير الممكن نقلها
بطريقة عمياء, واصطناعية من دون توفر الأسس الضرورية لها.
الحرية والديمقراطية بمفهومها العالمي, هي نوع من المشاركة الفعلية,
وإعطاء المواطن حق الدفاع عن حقوقه أمام ما يسمى " بدولة القانون ".
فالمواطن في المجتمع هو نواة أساسية يجب احترامها وتأمين حاجاتها
الأساسية على أساس أن المواطن مسئول كخلية تشكل جوهر البنية
الاجتماعية، خلية لابد من احترام ملكيتها وحمايتها من الاستغلال..
كما لابد من احترام حرية التعبير لدى المواطن, واحترام أحلامه
وطموحاته, فمن حق أي مواطن أن يحلم بأن يكون حتى رئيس دولة أو جمهورية،
ويعيش في وطن يتمتع بالفدرالية والديمقراطية الحرة، ويحمي حقوق
المواطنين وحرياتهم، أو أن يكون قائدا عاما, أو أن يكون أستاذا جامعيا,
وأن يكون.. وأن يكون.. لكن لن يصل إلا عبر معايير وعبر إمكانيات وعبر
أنظمة ديمقراطية صالحة للممارسة.
وعلى أي حال.. فإن على شرائح المثقفين والنخبة الواعية في الوطن
العربي، بوصفهم أبرز من يدافع عن الحريات والحقوق ويستثمرها، فتتولى
تحديد الأولويات في مناقشة القضايا، وتتحلى بالوعي الكافي بطبيعة
العالم الذي تتحرك فيه. ولابد في الحقيقة من خلق مناخ يجعل إمكانية،
حرية التعلم وحرية التعبير عن الرأي وحرية تحويل الوعي إلى قرار،
وتحرير الإدارة لتتخذ القرار، أمرا ممكنا.
وهذا لا يكون إطلاقا إلا بمشاركة كبيرة وواسعة من الشعوب الحرة
نفسها,ولابد من قصبة للميزان هي شرائح المثقفين والنخب الواعية والفتية
وأصحاب الضمير الحي والرأي السياسي الراجح والمسؤولية السياسية القومية
والوطنية.
وأخيرا وليس أخرا.. إننا, في الواقع, نتحمل الكثير من الشرور
والمصائب في بلادنا العربية, فنترك السياسة لمن نسميهم " بالسياسيين "
وكأن الأمر لا يعنينا في شيء. على حين علينا أن ندرك وفرة الوسائل التي
تعيننا على محاربة الاستغلال والطغيان، بما أتيح لنا من قدرة على
التفاهم والتكتل.
والديمقراطية في جوهرها في هذا التجمع المتفاهم على احترام
الإنسان. ومن ثم التعاون على تحقيق الإنسانية في كل شخص، والاعتراف
باستقلاليته. وهذا، بدوره، يساعد المجتمع على قبول التطور والإبداع،
ويساعد على فتح إمكانات الإنسان إلى حدها الأقصى لإحراز التقدم مع
إبقاء المجال مفتوحا لكل جديد، من أجل مزيد من الحرية والديمقراطية.
إن الديمقراطية لست أمرا ناجزا, أو نظاما مقننا يمكن إقامته إلى
الأبد، إنها عمل متواصل وفق نهج معين. والديمقراطية هي هذا المنهج الذي
لا يغلق الأبواب على نتائجه دون التجديد الدؤوب. ولا يمكن – مهما تكن
الأحوال – أن تقتصر الديمقراطية على نظام معين ضمن مؤسسات, إنها أيضا
عادات. يقول بالاندييه: " الديمقراطية هي طريقة لتشغيل السياسة
ولممارسة السياسة بشكل أكثر احتراما للفرد والتعددية ومطاليب الفرد في
الحرية ومساهمته في اتخاذ القرارات..
لكن الديمقراطية مكتسب تاريخي ضخم جدا, وينبغي على المجتمع أن
يفتتحه بمشقة بعد مسار طويل. إنها عبارة عن عملية تاريخية طويلة. ولا
أعتقد أن بالإمكان فرضها بقرار من فوق. هذا شيء مستحيل. ينبغي أن تعاش
من الداخل وبدءا من قواعد المجتمع ".
وبعبارة واضحة.. نقول ونكرر دائما: أن الحرية والديمقراطية طريقة
لعيش الإنسان في المجتمع كله, بما يتضمنه ذلك من علاقات فكرية
واقتصادية وسياسية. إنها بحق منهج أو بوصلة يتمكن الإنسان, بامتلاكها
من السير بخطى واثقة نحو تجاوز ذاته باستمرار. إنها أسلوب حياة مبني
على المشاركة العادلة الحرة للجميع, مصدره وحافظه ومصبه المجتمع. |