أمن الغذاء العالمي وأزمة جديدة مقبلة

الاسباب المضاربة والوقود الحيوي والحل باللجوء للمحاصيل المعدَّلة وراثياً

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: قال مقرّر الامم المتحدة الخاص للحق في الغذاء ان حدوث أزمة جديدة في أسعار الغذاء بات مجرد مسألة وقت، وذلك في انتقاد لزعماء العالم لعدم التصدّي لما اعتبرهما العاملين الرئيسيين وراء ارتفاع الاسعار وهما المضاربة والوقود الحيوي.

وفي غضون ذلك، شارك حوالى ستين من رؤساء الدول والحكومات في روما في افتتاح قمة منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) حول الامن الغذائي في العالم التي تبحث "المأساة الهائلة" لمليار نسمة يعانون من الجوع في غياب غالبية قادة الدول الغنية.

من ناحية اخرى أكد تقرير لصندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) ان حوالى 200 مليون طفل تقل اعمارهم عن خمس سنوات يعانون في الدول النامية من تأخر في النمو بسبب قلة تغذية الامهات والاطفال المزمن.

حدوث أزمة جديدة في أسعار الغذاء مسألة وقت

وقال أوليفييه دي شوتر مقرر الامم المتحدة الخاص للحق في الغذاء ان حدوث أزمة جديدة في أسعار الغذاء بات مجرد مسألة وقت وذلك في انتقاد لزعماء العالم لعدم التصدي لما اعتبرهما العاملين الرئيسيين وراء ارتفاع الاسعار في 2008 وهما المضاربة والوقود الحيوي.

وذكر دي شوتر أيضا أن قمة الغذاء للامم المتحدة التي عقدت في روما فشلت في التطرق الى وقوع أسواق الغذاء العالمية تحت هيمنة شركات أعمال تجارية زراعية كبيرة.

وأضاف في مقابلة مع رويترز "قد تكون في ابريل 2010 أو ربما ابريل 2011 ولكننا سنواجه أزمة جديدة في أسعار الغذاء لان الاسباب المباشرة التي أدت لارتفاع الاسعار في 2008 لا تزال قائمة.

"هناك مؤشرات بالفعل بسبب تذبذب اسعار النفط وأنها مرتبطة بشكل كبير بأسعار السلع الزراعية. بمجرد أن يقع منتج كبير في ضائقة... ستبدأ المضاربة."بحسب رويترز.

وذكر أن صناديق الاستثمار في السلع ضخت استثمارات كبيرة في الاسواق الزراعية الآجلة في أواخر 2007 وتبع ذلك موجة من مراهنات المضاربين على استمرار ارتفاع اسعار الغذاء. وساهم ذلك في دفع اسعار الاغذية الى مستويات قياسية العام الماضي حتى انفجرت فقاعة المضاربات هذا الصيف.

وتابع أن زيادة الانتاج واستخدام الوقود الحيوي المستخرج من سلع زراعية كان لهما أيضا دور مهم في رفع أسعار الغذاء والاراضي.

وأضاف دي شوتر أن اعلان قمة روما جاء ضعيفا فيما يتعلق بالموضوعين. وذكر أن توفير احتياطي من السلع وتخصيص حصص لانتاج الوقود الحيوي هي تدابير قد تضع سقفا للاسعار.

كما انتقد دي شوتر شركات المنتجات الغذائية والزراعية الكبيرة قائلا انها تعمل " بدون أي نوع من الرقابة وعادة بمستويات عالية جدا من التركيز مما يمثل قصورا كبيرا في السوق.

"يواجه صغار المنتجين ممن يريدون دخول سلسلة الامداد العالمية عددا محدودا من اللاعبين الذين يهيمنون على السوق ولديهم القدرة على تحديد الاسعار."وأضاف "صغار المنتجين ليس لديهم خيار سوى العمل من خلال مشترين كبار للسلع وشركات معالجة الاغذية الكبرى وشركات التجزئة الكبيرة للوصول الى هذا السوق مرتفع القيمة. وهم في موقف تفاوضي ضعيف جدا وقدرتهم على الحصول على سعر عادل لمنتجاتهم محدودة جدا."

الفاو تسعى للقضاء على الجوع دون تحديد جدول زمني

وشارك حوالى ستين من رؤساء الدول والحكومات في روما في افتتاح قمة منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) حول الامن الغذائي في العالم التي تبحث "المأساة الهائلة" لمليار نسمة يعانون من الجوع في غياب غالبية قادة الدول الغنية.

وفور افتتاح اعمال القمة عرض الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ارقاما مأساوية بالقول "اليوم سيموت اكثر من 17 الف طفل من الجوع. طفل كل خمس ثوان. ستة ملايين في السنة. هذا غير مقبول علينا ان نتحرك". بحسب رويترز.

واضاف "علينا ان نجري تغييرات جذرية لنؤمن غذاءنا وخصوصا ان نحمي الطبقات الاكثر فقرا"، مشيرا الى انه لا بد من زيادة الانتاج الغذائي بنسبة 70% لتأمين الغذاء لاكثر من تسعة مليارات نسمة في 2050.

وفي بيان ختامي اقر في اليوم الاول من القمة، اكد المشاركون على ضرورة "القضاء على الجوع في العالم" لكن المهلة التي حددت لذلك وهي سنة 2025 الغيت من المشروع الاصلي. بيد انهم شددوا على "ضرورة خفض معدل وعدد الاشخاص الذين يعانون من الجوع وسؤ التغذية، الى النصف، بحلول 2015".

وكانت الدول الاعضاء في منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) اكدت على هدف الالفية في حزيران/يونيو 2008. ومذذاك ارتفع عدد الجياع من 850 مليونا الى 1,02 مليار.

ولم تكشف اي ارقام حول الاستثمارات اللازمة لزيادة الانتاج الزراعي خصوصا المبلغ السنوي للزارعة المقدر ب44 مليار دولار الذي اعتبر المدير العام للفاو جاك ضيوف انه ضروري.

وينص البيان الختامي فقط على "عكس نزعة خفض التمويل الوطني والدولي المخصص للقطاع الزراعي والامن الغذائي وتنمية الارياف في الدول النامية".

واعرب البابا بنديكتوس السادس عشر امام المشاركين في القمة عن مخاوفه من ان "يعتبر الجوع اليوم بنويا" وان يصبح موضع "لامبالاة وتثبيط للعزيمة". وانتقد البابا "الانانية" و"المضاربات" في سوق الحبوب واحتج على "اللجؤ الى بعض اشكال الاعانات التي تنعكس سلبا على القطاع الزراعي".

ولبى حوالى ستين من رؤساء الدول والحكومات اتى معظمهم من افريقيا واسيا واميركا اللاتينية، الدعوة للمشاركة في قمة الفاو في روما التي انتشر فيها الالاف من عناصر الشرطة والجيش.

وبين المشاركين رئيس زيمبابوي روبرت موغابي الذي يفرض الاتحاد الاوروبي عقوبات على بلاده لانتهاك حقوق الانسان والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي انتقد "الاقطاعية الجديدة" في افريقيا مع الشركات الاجنبية التي تشتري الاراضي الزراعية وتفرض "محاصيلها الشيطانية".

من جانبه اكد الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا الذي تلقى جائزة من منظمة "اكشن ايد" غير الحكومية "لانجازاته في محاربة الجوع" في بلاده، ان تحركه سمح لاكثر من 20 مليون برازيلي بالافلات من الجوع.

ووحده رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني من قادة مجموعة الثماني حضر القمة ما سمح له بالتغيب عن جلسة محاكمة في اطار قضية في ميلانو ارجئت الى 18 كانون الثاني/يناير.

الجوع يمثل خطرا على حياة مليار إنسان

وتعرّف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) المُصاب بسوء التغذية بأنه كل من لا يجد ما يكفيه من الطعام للإبقاء على وزنه الطبيعي في حالة تأديته عملا بسيطا.

وبحسب الفاو، تصل كمية الغذاء التي يحتاجها الإنسان يوميا لكي لا يعد من المصابين بنقص التغذية الى 1800 إلى 1900 كيلو كالورين.

وهناك نحو 02ر1 مليار إنسان في العالم لا يجدون هذه الكمية اليومية من الغذاء ، وهو أعلى معدل منذ عام 1970، أي منذ أن بدأ إحصاء عدد الجوعى في العالم.

وعندما تقل كمية الكالورين التي يتناولها الإنسان يوميا عن 1400 كيلو كالورين ، يتحدث الخبراء عن سوء ، أو نقص تغذية حاد ، وعن جوع مزمن. أما إذا استمر هذا الحال ، فإن الجسم يضعف يوما بعد يوم ، كما تتراجع مناعته ضد الأمراض مع استمرار الضعف. ويؤدي نقص التغذية لدى الأطفال إلى تأخر نموهم عن المعدل الطبيعي.

وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية ، يولد 17 مليون طفل سنويا مصابين بسوء التغذية. وتؤكد هذه البيانات أن الجوع هو الخطر الأول على الصحة في العالم.

ويمكن أن تؤدي الكثير من الأمراض إلى الموت لدى الأشخاص الذين أضعفهم الجوع رغم أن هذه الأمراض قد تكون عادية وبسيطة.

وتنتشر أمراض الجهاز التنفسي والإسهال لدى الأطفال المصابين بنقص التغذية. وحسب برنامج الأغذية العالمي ، يموت حوالي 25 ألف إنسان يوميا في العالم بسبب الجوع ، بينهم 13 ألف طفل.

ويبلغ عدد الأطفال المصابين بنقص التغذية في الدول النامية ، 146 مليون طفل دون الخامسة، أي واحد من بين كل أربعة أطفال في هذه البلدان ، ويعيش أكثر من 70% منهم في عشر دول، خمسة منها في جنوب آسيا. وبحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي ، من الممكن إنقاذ حياة 684الف طفل مصاب مصاب بنقص التغذية إذا حصلوا على فيتامين "ايه" حيث يعد نقص هذا الفيتامين السبب في وفاة نحو مليون طفل سنويا في العالم.

كي مون يمتنع عن الطعام و"مليار من أجل مليار" للجوعى

وأطلقت الأمم المتحدة حملة نوعية على الشبكة العنكبوتية تستهدف الأفراد، وليس الحكومات المانحة التي تنؤ تحت ثقل الأزمة الاقتصادية، للمساهمة بتبرعات وتحدي الجوع الذي ينهش مليار شخص حول العالم.

ويهدف برنامج "مليار من أجل مليار" الذي دشنته منظمة "برنامج الأغذية العالمي" التابعة للأمم المتحدة، للوصول إلى مليار فرد من مستخدمي الإنترنت.

وقالت جوزيت شيران، المدير التنفيذي للبرنامج: "إذا تبرع مليار مستخدم للإنترنت بدولار أو يورو واحد أسبوعياً، فيمكننا عندها تغيير حياة مليار جائع حول العالم."

وأردفت: "إطعام مليار شخص قد يبدو كتحد حقيقي، لكن في مقدور التبرعات الصغيرة إحداث تغييرات كبيرة... على مر السنوات دعمت الحكومات برنامج الغذاء العالمي لإنجاز مهامه لإطعام جياع العالم.. لكننا لا نتوقع أن يقوموا بذلك بمفردهم."وأضافت: "حان الوقت للتحرك على مستوى الأفراد."بحسب سي ان ان.

وتأتي حملة "مليار من أجل مليار" عشية قمة "منظمة الزراعة والغذاء "فاو" الذي سيعقد الاثنين استبقته المنظمة الأممية بالدعوة لإضراب عن الطعام لتسليط الضوء على حجم أزمة الجوع.

واستجاب كبار مسؤولي الأمم المتحدة للدعوة، على رأسهم الأمين العام للمنظمة، بان كي مون، الذي يعتزم الصيام لمدة يوم كامل للإعراب عن "تضامنه مع مليار فرد حول العالم لا يجدون ما يسد رمقهم"، وفق ماري أوكابي، الناطقة باسم الأمم المتحدة.

وارتفع عدد جياع العالم بما يناهز 100 مليون فرد هذا العام ليتجاوز الرقم مليار شخص، وفق "برنامج الغذاء العالمي" الذي أعلن عن حاجته إلى 6.7 مليار دولار للمساعدة، في حين  ساهمت الجهات المانحة حتى الآن بـ 2.9 مليار دولار.

وقد وصل تدفق المعونات الغذائية إلى أدنى مستوياته منذ عشرين عاماً، في حين أن عدد الجوعى في العالم آخذ في الازدياد وذلك يرجع إلى الآثار المترتبة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأزمة المالية العالمية بالإضافة إلى ازدياد سوء الأحوال الجوية.

قلّة التغذية من ابرز اسباب وفيات الاطفال

من ناحية اخرى اكد تقرير لصندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) ان حوالى 200 مليون طفل تقل اعمارهم عن خمس سنوات يعانون في الدول النامية من تأخر في النمو بسبب قلة تغذية الامهات والاطفال المزمن.

وبحسب الوثيقة التي تحمل عنوان "متابعة التقدم في مجال نمو الطفل والام"، تسهم قلة التغذية باكثر من ثلث وفيات الاطفال دون الخامسة في العالم.

واضاف التقرير انه يمكن تفادي هذا الوضع اذا احترمت الاسرة الدولية تعهداتها بشأن الامن الغذائي والتغذية والزراعة الدائمة. بحسب رويترز.

وقالت آن فينيمان المديرة العامة ليونيسف ان "قلة التغذية تجرد الطفل من قوته. وامراض يمكن ان يقاومها عادة تصبح اكثر خطورة". واضافت ان "اكثر من ثلث الاطفال يقضون من التهاب الرئة والاسهال وامراض اخرى كان من الممكن مقاومتها في حال لم يتعرضوا لقلة التغذية".

ومضت تقول ان "الذين ينجون من قلة التغذية ستكون صحتهم الجسدية اسوأ طيلة حياتهم وستتأثر قدراتهم الادراكية ما يحد امكاناتهم للاستيعاب وبالتالي فرصهم في الحصول على مردود لائق. ويجدون انفسهم في دوامة الفقر والحالة الصحية المتردية التي قد تستمر لاجيال".

وقال التقرير ان اكثر من 90% من الاطفال الذين يشكون من تأخر في النمو في العالم يعيشون في افريقيا واسيا.

والحل لهذه المشكلة في الوقاية، ويمكن الحد من قلة التغذية لا بل القضاء عليه. واحرز تقدم كبير في وضع حلول قليلة الكلفة مثل تأمين المواد الضرورية للاجسام الحية للسكان الاكثر تأثرا بسؤ التغذية.

واحرز تقدم ايضا لجهة تأمين فيتامينات اي للاطفال ما ساهم في خفض نسبة الوفيات بين الاطفال والرضع. وفي الدول الاقل تطورا في العالم، معدل الاطفال دون الخامسة الذين يتلقون جرعات اساسية من فيتامينات اي ازداد اكثر من الضعف من 41% في 2000 الى 88% في 2008.

وبين الخطوات التي اثبتت فعاليتها، تناول الرضيع حتى سن الستة اشهر حليب الام حصريا (ثم تضاف اليه اغذية مكملة مناسبة) والذي سيساهم في بقاء الطفل على قيد الحياة، اي خفض معدل الوفيات بين الاطفال من 12 الى 15% في الدول النامية.

وسجل تقدم في القارتين الاكثر تأثرا بالتأخر في النمو وهما افريقيا واسيا. وفي اسيا ان تأخر النمو انتقل من 44% في 1990 الى 30% في 2008 في حين في افريقيا كان 38% في 1990 واصبح 34% في 2008.

اللجوء للمحاصيل المعدلة وراثيا هل هو الحل؟

وفي اطار السعي نحو المحاصيل المعدّلة وراثياً من اجل الوفرة، قالت اكبر اكاديمية علمية بريطانية ان العالم يحتاج الى المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيا من اجل زيادة الانتاج الزراعي والحد من تأثير الزراعة على البيئة.

وذكرت الجمعية الملكية في تقرير ان العالم يواجه "تحديا كبيرا" لاطعام 2.3 مليار شخص اخرين بحلول عام 2050 وفي الوقت نفسه الحد من التأثير البيئي للقطاع الزراعي.

وقالت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة في وقت سابق هذا الشهر انه يجب على العالم ان يزيد انتاجه من الغذاء بنسبة 70 في المئة واستثمار 83 مليار دولار سنويا في الدول النامية بحلول منتصف القرن الحالي.

وقال ديفيد بولكومبي من جامعة كيمبردج المسؤول عن تقرير الجمعية الملكية "المشكلة مزمنة .. ان نفعل ذلك بشكل مستدام دون ان نجرف التربة او نستخدم المخصبات بصورة زائدة هو تحد كبير."

وقال لرويترز "ليس هناك المزيد من الارض لاستغلالها .. ومن جانب التكلفة واستخدام الوقود الاحفوري فاننا نريد استخدام مخصبات اقل."

وأضاف "من المحتمل أن تظهر مشكلة امدادات الغذاء بعد 10 او 20 او 30 عاما من الان" مشيرا الى ان هذا لا يترك أمام العالم كثيرا من الوقت علما بان البحث العلمي يحتاج الى وقت لتطوير محاصيل جديدة.

والحل سيكون مجموعة من التوجهات التكنولوجية منها المحاصيل المعدلة وراثيا بتكنولوجيا متطورة واللجوء لاساليب اقل تطورا مثل بذر العشب حول الذرة لابعاد الحشرات كذلك الحفاظ على تنوع الطبيعة وأنواع المحاصيل البرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 25/تشرين الثاني/2009 - 27/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م