قيمة الوقت بين التقدم والتخلف

ثقافة إحترامه دليل على التحضّر والرقي

علي حسين عبيد

الشعب او الفرد الذي لا يتعامل مع الوقت باحترام فإن النتيجة الواضحة هي الفوضى والتخلف عن الركب والعيش بصور عشوائية لا تمت لروح العصر بصلة

شبكة النبأ: الوقت هو الصورة او الترجمة الحقيقية لعمر الانسان ودوره الفكري والعملي في آن، فلا شيء عدا الوقت يمثل سيرة الانسان منذ حلوله ضيفا على الارض وحتى عودته إليها ناجحا (في الامتحان) او فاشلا أو بين بين!!!.

وطالما ان الوقت هو الوعاء الذي يضم أنشطتنا كافة ويتحكم بدرجة نجاحها وفشلها، فإن أهميته تكمن في هذا المجال، بمعنى أن التعامل مع الوقت بنوع من التغاضي او الاهمال او اللامبالاة سينم عن تعامل مماثل للوقت معنا، ولعلها معادلة واضحة النتائج تلك التي تقول ( كلما تعاملت مع الوقت بدقة واحترام سوف تتقدم خطوة الى أمام) والعكس يصح بطبيعة الحال، لهذا يردد أكثرنا القول المأثور الذي ينص على أن (الوقت كالسيف ذي حدين فإن لم تقطعه قطعك) بكلمة اخرى إذا لم تحترم الوقت فلن يحترمك بالمقابل، ولعلنا نعرف تماما ما هي النتائج التي ستتمخض عن ذلك.

وهنا نطرح السؤال التالي: ما هي الاضرار المتوقعة التي ستلحق بالفرد والمجتمع في حالة عدم احترامه للوقت ؟ وما هي السبل التي تشجّع على تنمية ثقافة احترام الوقت والتعامل معه وفق طرائق متحضِّرة؟.

ولعل الاجابة عن الشطر الاول من السؤال يمكن أن تُستخلَص من الوقائع حصرا، بمعنى أن الامة او الشعب او الفرد الذي لا يتعامل مع الوقت باحترام فإن النتيجة الواضحة هي الفوضى والتخلف عن الركب والعيش بصور عشوائية لا تمت لروح العصر بصلة، إذ سنرى التخبّط في السلوك وفي الفكر ايضا شاخصين في الانشطة المتنوعة للفرد او المجتمع، وستضيع الفرص المتتالية التي قد تتوفر للانسان كي ينهض بواقعه الفردي والجمعي في آن.

ولعل الاخطر في هذا السياق الخاطئ هو توريث هذه الظاهرة الى الخَلَف، بمعنى أن الابن الذي يفتح عينيه على أب لا يحترم الوقت ويتخذ من اللامبالاة حالة ثابتة للتعامل معه، فإن هذا الابن سيشّب على هذا التعامل الخاطئ وسوف يورثه لمن يخلفه فيما بعد وهكذا ستصبح هذه الظاهرة منظومة حياة تؤطر وتحتوي انشطة الفرد والمجتمع بصورة عامة وستلحق به ضررا فادحا في إضاعة فرص التطور والتقدم .

ولعل المواعيد واحترام مواقيتها واحدة من العلامات الهامة في هذا المجال، فكلما كان الانسان ملتزما من هذه الناحية فإن هذا الامر سيكون دليلا على وعيه وعمق ثقافته وصحة سلوكه وافكاره ايضا، والعكس يصح تماما ولسنا بحاجة الى شرح ذلك، ولعلنا نتداول في كثير من الاحيان بعض الامثلة التي تُضرب على الشعوب ومدى التزامها واحترامها للموعد، كما يُقال عادة (إن فلانا إنكليزي في موعده) بمعنى أن الانكليز يحترمون المواعيد ويلتزمون بمواقيتها وهذا دليل على وعيهم العالي بأهمية الوقت في صنع الحياة المعاصرة والمتطورة .

وحين نلقي نظرة على واقعنا في هذا المجال، فإننا سنلمس ما هو مخيّبا للامال، ولعلنا لا نخطئ حين نقول اننا لا نتمتع بثقافة تحترم الوقت والمواعيد وكل ما يتعلق بهذا الامر، إذ كثير من الافراد يتعامل بلا مبالاة مؤسفة مع الاخرين فلا يحترم مواقيت الموعد سواء كان لقاء للعمل او الانشطة الفكرية والثقافية وغيرها، وهذه احدى مشاكل الشعوب التي تقبع في أسفل قائمة الحضارة، وحينما نبحث عن الاسباب والجذور سنعرف بأن الماوارَث ممن سبقونا هو الذي جذَّر هذه الظاهرة في سلوكنا وعموم انشطتنا.

ولكن حين نتطرق للشطر الثاني من السؤال، سنقول نعم ثمة سبل وطرائق كثيرة ومحددة في آن واحد بإمكاننا أن ننتهجها لكي نصل الى ثقافة تحترم الوقت وتتعامل معه بما يصب في الصالح الفردي والعام ايضا، ولعل الاهم في هذا الجانب هو أن يعتاد الفرد على احترام الوقت حتى تصبح هذه الحالة جزءً من طبائعه وسلوكه بشكل عام، ونظرا لاهمية هذا الموضوع نقترخ الخطوات التالية التي تسعى لتثبيت ثقافة متحضرة تحترم الوقت وتتعامل معه كوسيلة لتحقيق حياة أرقى:

- للدور التربوي في الحاضن العائلي قصب السبق في هذا المجال، فمن مسؤولية الاب والام تعليم اطفالهم على احترام الوقت ودقة المواعيد.

- للحاضن التربوي الثاني (المدرسة) دور جوهري في تثبيت وترصين ثقافة احترام الوقت لدى طلابها ابتداء من مرحلة (الروضات) صعودا الى المراحل اللاحقة.

- لرجال الدين دورهم الهام في هذا المجال نظرا لقوة التأثير الذي يتركونه في السامع او المتلقي بصورة عامة.

- للمنظمات الاجتماعية والتربوية دورها الهام في التثقيف الممنهَج بهذا الخصوص واقامة الدورات الخاصة بذلك.

- للاعلام الرصين بأنواعه كافة دوره في زيادة وعي الانسان فردا او جماعات في كيفية التعامل الدقيق والناجح مع الوقت.

- للجهات المعنية في الحكومة دورها في هذا المجال أيضا، من خلال تشكيل لجان متخصصة في هذا المجال لنشر الوعي الخاص باحترام الانسان لوقته.

وهكذا يمكن أن نبدأ منذ الآن بتسليط الجهود على تعليم وتعويد أنفسنا وترويض طبائعنا كي تتعامل مع هذا المجال بصورة متحضرة، لكننا يجب أن نتفق اولا على ان هذا الجهد يتطلب تضافر جهود الجميع من دون استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/تشرين الثاني/2009 - 25/ذو القعدة/1430