الصداقات الجيدة تنمّي  المواهب الكامنة

شبكة النبأ: للصداقات دورها الحاسم في تطوير مواهب الإنسان مثلما لها الدور نفسه في إضعافها بل وإطفائها كليا، فليس من المستغرَب أن تؤثر سلوكيات الصديق الأحمق على صديقه الموهوب لا سيما إذا لم يقدّ الأخير مدى الخسارة التي سيتعرض لها نتيجة لصداقته غير المدروسة، لذلك ثمة إنسان بإمكانه إلغاء دور الصداقة وتأثيرها في مسيرة حياته، لكنه يمكن أن يضع لها حدا فيما لو عرف مدى تأثيرها السلبي عليه ويصح العكس مع الصداقات المثمرة .

فحين يفتح الإنسان عينيه منذ منبته الطفولي ويتطلع إلى الأطفال الموجودين في محيطه الاجتماعي والمكاني، سيختلط بهم ويختار منهم أصدقاءه لأسباب متعددة منها قسرية التواجد في محلة او مدرسة واحدة ومنها ما يعود الى تقارب الرغبات وما شابه ذلك، فيشركهم او يشترك معهم بنشاطاته المختلفة في اللهو واللعب وما شابه.

بيد ان السؤال الذي سيظل قائما هو:ما هي المعايير التي دفعت بهذا الطفل كي يختار هؤلاء الأصدقاء من دون غيرهم؟.

يقول المختصون إن الجانب النفسي له دور مهم في ذلك، بمعنى أن هذا الطفل الذي لا يزال وعيه محدودا سيشعر بالراحة النفسية عندما يكون معه الطفل الفلاني وبالعكس سوف يتأزم ويقلق ويشمئز بمشاركة طفل آخر، وهذا ما يُطلق عليه دوافع الصداقة أو مقوماتها، وستستمر هذه الدوافع بالتصاعد والرسوخ مع نمو الإنسان جسديا وذهنيا وغالبا ما يكون الصديق قريبا من الإنسان في أفكاره ووضعه النفسي .

ولذلك تبقى الرعاية الأبوية من لدن الأب وألام لها قصب السبق في التوجيه والمراقبة والتصحيح بوسائل الإقناع والتوضيح وما شابه، بمعنى إن الإنسان في اوائل حياته لا يعرف مدى خطورة الصدقات السيئة على مجريات حياته كما انه لا يعي الفوائد الجمة التي سيجنيها من صداقاته الجيدة لا سيما ما يتعلق بتطوير مواهبه ومهاراته المتعددة التي تبدأ بالبزوغ في بدايات النشأة، وهنا يظهر جليا دور الأبوين والعائلة في تطوير ملكات الإخوة لدى الأطفال، كونها هي التي تحصر الصداقات بالعنصر الجيد وتطورها.

إذن هذه هي قيمة الصداقة وهذا هو دورها في بناء العلاقات الإنسانية الناجحة التي تصب في الصالح الفردي والجمعي في آن واحد، حيث يصعب على المرء أن يحقق ما يصبو إليه من نجاح في أي مجال من مجالات العمل والعلم معا من دون أن يستشير أصدقاءه أولا ويمكنه أن يستنير بأفكار غيره، حيث يقول المثل المعروف (من شارك الرجال بآرائهم شاركهم بعقولهم).

وغالبا ما تستند علاقات الصداقة إلى تقارب في الأفكار وفي الوضع النفسي كما ذكرنا، فالطيور على أشكالها تقع، والمؤمن سيكون قريبا من المؤمن في فكره وأفعاله والعكس يصح هنا، كما إن الموهوب يكون أكثر قربا من قرينه الذي يقترب من مواصفاته، على العكس من علاقات الصداقة غير المدروسة حيث لا يجني الإنسان من أصدقاء السوء سوى الخسائر، يقول أحد  الكتاب في هذا الجانب:

إن التحلـيل النفسي لعلاقة الأخوة والمحبّة التي تنشأ بين الأشخاص، على أساس الإيمان والارتباط السّليم، هي أخوة صادقة ونزيهة، لا يشوبها الغشّ أو المطامع.. والتجربة الاجتماعية والإحصاءات التي تسجِّلها دوائر إحصاء الجريمة توضِّح لنا أنّ أصدقاء السّوء ليسوا أصدقاء، بل أعداء.. فكم جرّت الصّداقات السيِّئة من كوارث ومآسي ، وسمعة سيِّئة على الأشـخاص الذين كانوا أبرياء، ولكنّهم تلوّثوا بمخالطتهم لأصدقاء السّوء .. وأصبحوا مجرمين، أو شملتهم الجريمة، وسوء السمعة لعلاقتهم بأصدقاء السّوء ..

إذن فاختيار الصّديق هو في حقيقته اختيار لنوع شخصيّتنا وسمعتنا في المجتمع، وربّما لمصيرنا في المستقبل.. فكم من أناس أصبحوا صالحين وناجحين في حياتهم بسبب أصدقائهم الذين ساعدوهم في تطوير مواهبهم ومهاراتهم، وكم من أناس خسروا حياتهم، وتحمّلوا الأذى والمشاكل المعقّدة بسبب العلاقات الرديئة مع أصدقاء السوء أو أصدقاء اللهو وقتل المواهب .

لكن ثمة صداقات رائعة ومفيدة وناجحة تقود الإنسان من نجاح إلى نجاح، لاسيما تلك التي تدعم مواهب الفرد وتطورها وتجعلها أكثر فاعلية وتطورا، ناهيك عن الشعور النفسي المطمئن الذي تحققه الصداقات الجيدة حيث ترتفع في مستواها إلى مرتبة الأخوة الحقة والصداقات الموهوبة، إذ يقول المثل (رب أخ لك لم تلده أمك) والمعني هنا هو الصديق الجيد الذي يصل بصداقته إلى مرتبة الأخ للإنسان في الضراء والسراء، وهنا تحديدا تكمن أهمية اختيار الإنسان لأصدقائه حيث تتطلب الحياة أناسا ناجحين مخلصين مؤمنين يدعمونه في رحلته الطويلة كي يحقق ما يصبو إليه من حياة كريمة ناجحة متميزة، تعتمد على المواهب المتميزة واستثمارها بالأسلوب الأمثل من خلال الصداقات الناجحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/تشرين الثاني/2009 - 21/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م