هل تؤدى الأزمة الأمريكية الى نظام اقتصادي جديد

د . محمود ابوالوفا

قد يكون من أهم الآثار التي ستتركه خطة إنقاذ النظام المالي التى تبنتها الحكومة الفيدرالية الامريكية وضع نظم وقواعد جديدة لضبط ذلك النظام ربما تكون نواه لتغييرات جذرية فى النظام الراسمالى العالمى والذى ظل لعقود متربعا على عرش النظم الاقتصادية باعتباره النموذج الأمثل .

وقد ورد على لسان وزير المالية هنري بولسون فى المقابلة التى اجريت معه فى احد البرامج التلفزيونية فى اواخر سبتمبر من عام 2008 قوله: "اننا نفتقر الى سلطات وبنى التنظيم لحماية الشعب الأميركي"

و لذلك فأن المسئولين الأميركيين يسعون لاستحداث نظم جديدة يتمثل بعضا منها فى: طريقة عرض قروض الإسكان وبطاقات الإئتمان وما فى حكمها من تسهيلات مالية على المستهلكين الذين يشكلون "السوق الاولى فى منظومة التمويل العقارى والطريقة التى يمكن للمصارف والمؤسسات المالية ان تستثمر بها أموال المودعين فيما يعرف باسم "السوق الثانوي."

ومن المعلوم ان الأزمة المالية قد تخلف عنها الكثير من الكوارث التي تعد الأسوأ منذ فترة الثلاثينات من القرن الماضي، ومنها انهيار ستة بنوك كبرى وغيرها من مؤسسات مالية عملاقه مثل ليمان برزار و بنك واشنطن ميتشوال  و بنك ميريل لينش .

ويفترض ان تعمل النظم الجديدة على ضبط اليات الإقراض والمتمثلة فى  معدلات الفوائد المحفزة التي تجذب راغبي القروض , حيث يبنى النظام الحالى على ان يبدأ القرض بمعدل فائدة منخفض فى السنتين الأوليين لكنه غالبا ما يرتفع بوتيرة أسرع فى السنوات التالية بالاضافه الى وجود شرط عدم جواز تسديد قيمة القرض بالكامل في وقت مبكر مما يلزم المقترضون بضرورة تحملهم أعباء معدلات فائدة مرتفعة تفوق معدلات الفائدة السارية خلال سنوات عديدة.

ويتوقع بعض المراقبين ان يصدر الكونجرس قوانين لمكافحة ما يعرف بـ"الإقراض المفترس" كما انه  سيلزم مقدمو قروض الرهونات العقارية بالحصول على تراخيص من الحكومة الفيدرالية."

وقد أقر مجلس النواب الأميركي فى سبتمبر 2008  قانونا (يعتبر الأول من نوعه فى سبيل مكافحة ممارسات الإقراض الضار من قبل شركات بطاقات الإئتمان) يقضى بفرض رسوم خفية وغير مبررة تضاف الى الفائدة المستوفاة وهو ما أجبر العديد من الأميركين على تحمل أعباء اضافية على  الديون الاصلية, ويتوقع ان يبت مجلس الشيوخ في تشريع مماثل.

ويتوقع الخبراء ان يعمل المسئولين وهيئات التنظيم التابعه للحكومه الامريكية  فى وضع ما يسمى باشتراطات مقتضيات الاحتياط  او مايسمى فى اقتصاديات البنوك بعملية خلق النقود ( يقصد بخلق النقود السياسة التى تحددها البنوك المركزية والتى تقضى بتحديد ما تحتفظ به المصارف التجارية من وحدات نقدية مقابل ما تمنحه من ائتمان , والذي عادة ما يقضى بان تحتفظ بدولار واحد مقابل كل عشرة دولارات تقرضها او تدين بها لأصحاب الحسابات والمودعين , لكن بنوك الإستثمار يسمح لها بان تحتفظ بدولار واحد مقابل كل 30 دولارا تقوم بإقراضها او استثمارها).

ويتوقع الخبراء ان يسعى المسئولون الى استحداث نظم تحول دون تكرار الأزمة المالية  ولكن دون تكبيل الاسواق المالية بأنظمة شديدة التعسير, فى حين  يرى آخرون انه من الصعوبه بمكان التوصل الى توازن بين هذين الأمرين، فلا يجب ان تجعل الازمة الحالية المسئولون العمل على وضع معوقات وقيود من شأنها وقف الإبداع الذي عاد علي الاسواق بفوائد كثيرة في الماضي , وكذلك يتوجب وضع ضوابط صارمة تحول دون وقوع ازمة او ازمات مماثلة فى المستقبل.

وقد اعلن المسؤولون الأميركيون إن الأزمة التي نشأت عن ضعف سوق الإقراض والرهونات الأميركية ستؤثر على النظام المالي العالمي لأن الاقتصاد الامريكى له علاقة مباشره تربطه بالأسواق المالية للبلدان الاخرى , ولذا فهم يرون أنه لابد ان تكون الإجراءات على مستوى عالمي حتى يمكن القضاء على المشكلة كليا.

 فيما اعلنت الدول الاوربيه واليابان ودول اخرى منها مصر انهم بعيدون عن تيار الازمة الامريكية , ومن ادل الأمثلة على ذلك أن محافظ البنك المركزي الياباني اعلن إنه لا يعتقد بأن استقرار النظام المالي الياباني معرض للخطر من تأثير الازمة الامريكية, ولكن اعتقد-ومعى الكثيرين-  ان ما أسفرت عنه احداث شهرى نوفمبر وديسمبر 2008 قد برهنت على عدم صحة ما ذهبوا اليه حيث بدأت تداعيت الازمة الامريكية تلقى بظلالها الكالحه على اقتصاديات العالم اجمع.

وفى دراسة أجراها البنك المركزي الفيدرالى في أغسطس 2008 قدر فيها خسائر الاستثمار الأجنبي الذي يملك سندات أميركية مدعمة برهونات قد تصل الى ما يقارب 75 بليون  دولار.

وفى اعتقادى ان هذه التداعيات على اقتصاديات اغلب دول العالم لابد ان تبعث على صياغة نظام عالمى جديد اما ان يكون تطويرا للنظام الرأسمالى بإلباسه ثوبا جديدا او استبداله بنظام اخر يحقق الاستقرار للاقتصاد العالمى ويحول دون وقوع ازمات او كوارث اخرى.

MAW01000@YAHOO.COM

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تشرين الثاني/2009 - 17/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م