
شبكة النبأ: على الرغم من أن إيران
كانت قد وافقت مبدئياً على العرض الذي قدمته الدول الكبرى الخمس
الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى المانيا، بشأن برنامجها
النووي، إلا أن التوقعات منخفضة حول موافقة إيران النهائية على
الاقتراح المقدم، ولا سيما منذ أن أوضحت طهران قبل اجتماع 1 تشرين
الأول بأن القضية النووية ليست قابلة للتفاوض. وقد بدأت الولايات
المتحدة وحلفاؤها بالفعل بالتحضير لاحتمال فشل المفاوضات عن طريق
قيامها حالياً بتطوير حزم العقوبات المحتملة التي يمكن فرضها على
طهران. ولكن بسبب المعارضة الروسية والصينية، يبدو من غير المرجح قيام
مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار قوي حول هذا الموضوع. ومع ذلك، يبدو أن
واشنطن تنوي أن تعتمد على نهوج أخرى متعددة الأطراف لزيادة الضغط على
إيران، مثل تكثيف جهودها لإنفاذ القوانين لمكافحة الفساد ضد الشركات
التي تتعامل مع إيران، وتشجيع الدول الأخرى أن تحذو حذوها.
وكتبَ مايكل جيكوبسون، زميل أقدم في معهد واشنطن لبرنامج ستاين
لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، مقالاً جاء فيه: إن القوانين التي تمنع
الشركات الأمريكية من الانخراط في النشاط الفاسد في الخارج كانت قد
شُرعت قبل أكثر من ثلاثين عاماً. ففي عام 1977، أصدر الكونغرس الأمريكي
"قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة" (المعروف أيضاً باسم FCPA)، الذي
يحظر على الشركات الأمريكية دفع رشاوى لمسؤولين حكوميين أجانب من أجل
الحصول على أعمال أو الاحتفاظ بها. كما فرض القانون المذكور التزامات
مختلفة على الشركات فيما يتعلق بحفظ السجلات لكي يكون من الصعب إخفاء
تلك الأنواع من المكافآت. وهناك عقوبات مدنية وجنائية يمكن فرضها إذا
تم انتهاك القانون المذكور، الذي يدار بصورة مشتركة من قبل وزارة العدل
و "لجنة الأوراق المالية والبورصات" الأمريكية. وعلى الرغم من أن جهود
حكومة الولايات المتحدة كانت قد ركزت بالدرجة الأولى على النشاط غير
المشروع من قبل الشركات الأمريكية في الخارج، يمنح كذلك القانون
الأساسي صلاحيات للحكومة الفدرالية تتجاوز الحدود الإقليمية للولايات
المتحدة بحيث تستطيع العمل ضد الشركات غير الأمريكية. والأهم من ذلك،
تدخل أي شركة أجنبية مدرجة في أسواق الأوراق المالية الأمريكية في إطار
اختصاص "قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة".
ويتابع جيكوبسون، في التسعينيات من القرن الماضي، بدأت عدد من
البلدان الأخرى بوضع تشريعات مماثلة لمكافحة الفساد. وجاءت الخطوة
الأولى في عام 1997، عندما صادقت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"
(OECD) على "اتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في
المعاملات التجارية الدولية"، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1999.
وتُعرِّف الاتفاقية مصطلح الرشوة على نطاق واسع جداً، حيث لا يقتضي من
البلدان التعاون في هذه الأنواع من التحقيقات فحسب، بل يتوجب عليها
أيضاً فرض عقوبات حقيقية على شركات ثبت بأنها قامت بانتهاك تلك
الاتفاقية. واعتباراً من آذار/مارس 2009، كانت جميع الدول الثلاثين
الأعضاء في "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" بالإضافة إلى ثمانية
دول أخرى، قد وقعت على هذه الاتفاقية، وأقرت التشريعات الخاصة لتنفيذها.
وربما الموضوع الأكثر أهمية هو أن ألمانيا وإيطاليا والنمسا، التي هي
بعض الشريكات التجارية الرئيسية التي تتعامل مع إيران، كانت هي أيضاً
من بين الدول المصدقة على الإتفاقية. وفي حزيران/يونيو2009، أصدرت "منظمة
التعاون الاقتصادي والتنمية" بيان عن السياسة العامة تدعو البلدان إلى
فرض تشريعاتها الوطنية على نحو أكثر صرامة، موضحة أنه مع قيام الأزمة
الاقتصادية العالمية، ستواجه الشركات مزيداً من الضغوط للانخراط في
نشاطات غير مشروعة لجمع الأموال اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، كانت 140
دولة عضوة في الأمم المتحدة قد وقعت على "اتفاقية الأمم المتحدة
لمكافحة الفساد" التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005، كما صادقت عليها
80 دولة.
ويذكَر جيكوبسون، استخدمت الولايات المتحدة "قانون الممارسات
الأجنبية الفاسدة" سابقاً لاستهداف الفساد الذي قامت به الشركات
الاجنبية في إيران. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2006، توصل عملاق الطاقة
النرويجية "شتات أويل" إلى تسوية مع الحكومة الأمريكية وافق خلالها على
دفع 21 مليون دولار وتعيين مدير مستقل لشؤون الإمتثال للتحقيق في
الانتهاكات المختلفة لـ "قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة". وقد
اعترفت شركة "شتات أويل" بأنها كانت قد دفعت في عامي 2001 و 2002،
ملايين الدولارات لمسؤول إيراني عندما سعت الشركة لاقتحام سوق قطاع
الطاقة الإيراني المربح. وقد وثق مسؤولو "شتات أويل" بإمكانية ذلك
المسؤول في توجيه عقد تطوير حقل "پارس الجنوبي" -- إحدى أكبر حقول
الغاز الطبيعي في العالم – إلى شركتهم. وفي وقت لاحق، تم في الواقع منح
العقد إلى "شتات أويل".
ويبيّن الكتب، إن قضية "شتات أويل" كانت سابقة من نوعها: حيث كانت
المرة الأولى التي فرضت فيها الولايات المتحدة، السلطة القضائية لـ
"قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة" على الشركات غير الأمريكية، على
أساس أن أسهم تلك الشركات مدرجة في أسواق البورصة الأمريكية. وفي وقت
لاحق، شرح مسؤول كبير في وزارة العدل الأمريكية موقف حكومة الولايات
المتحدة مشيراً: "إذا كُنتَ قد جئتَ إلى الولايات المتحدة وتسعى إلى
الوصول إلى أسواق رأس المال الأمريكية، نتوقع منك أن تلعب وفقاً
للقواعد تفسها التي تتبعها شركاتنا".
ويستطرد، على الرغم من العقوبة المالية الصغيرة نسبياً التي فُرضت
على "شتات أويل"، كانت للقضية أثر كبير على تلك الشركة. فمنذ ذلك
الحين، انفقت "شتات أويل" الملايين من الدولارات في بناء نظام امتثالي
داخلي أكثر قوة لمكافحة الفساد، ووضع إجراءات الحكم الرشيد في قوانين
الشركة. ومع ذلك، فقد لحقت أضرار كبيرة بسمعة "شتات أويل"، ولا تزال
الشركة تخضع لرقابة حكومية وثيقة.
ويوضح جيكوبسون، في الواقع يمكن أن تكون عقوبات "قانون الممارسات
الأجنبية الفاسدة" أكثر صرامة وحتى أكثر ضرراً على أي شركة. ففي كانون
الأول/ديسمبر 2008، على سبيل المثال، تم تغريم شركة "سيمنز" الألمانية
مبلغ 800 مليون دولار لانتهاكها "قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة".
ونتيجة التحقيق، أُجبرت "سيمنز" أيضاً على استبدال إدارتها العليا
وإجراء تغييرات أخرى من ضمنها تعيين محام أمريكي كأول مدير لشؤون
الإمتثال تعينه الشركة.
ويتابع بالقول، في نطاق الجهود المبذولة لتطوير طرق فعالة للضغط على
إيران، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها النظر في استخدام أدوات
مكافحة الفساد على نطاق أوسع لعدة أسباب. أولاً، إن الفساد مستشر في
إيران؛ وكما في موضوع "شتات أويل" المذكور، فإن زيادة التدقيق ستكشف
بدون شك عن وجود انتهاكات عديدة. وخلافاً للإنطباع الذهني القائم عن
الزعماء الإيرانيين كمتعصبين أيديولوجيين، يكرس القادة الإيرانيون
الكثير من جهودهم لملء جيوبهم -- وفي أكثر الأحيان يكافحون بشراسة
لحماية دخلهم بدلاً من أفكارهم. فعلى سبيل المثال، إن أكبر هاشمي
رفسنجاني، الذي يعمل حالياً رئيساً لـ "مجمع تشخيص مصلحة النظام" (الذي
يختار المرشد الأعلى ويتمتع بالسلطة لإقالته)، كان يعطي دائماً أولوية
عالية لتعزيز المصالح الإقتصادية لأبناء عائلته، كما فعل عند تعيين
نجله، الذي يشغل الآن منصب مدير "مترو طهران". كما أن فصائل "الحرس
الثوري الإسلامي" القوية التي هي الركيزة الأساسية للجمهورية الإسلامية
وركناً أساسياً من أركان فسادها على حد سواء، تقوم بملء جيوبها من خلال
الصفقات المشبوهة التي توقعها وكذلك باستخدام قوتها الغاشمة.
ثانياً، بإمكان الإقتراح حول زيادة التركيز من قبل الولايات المتحدة
وعدد من البلدان الصناعية القوية الأخرى ردع العديد من الشركات بصورة
كافية بحيث تكل عن التعامل تجارياً مع إيران. وقد صنف "مؤشر مدركات
الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية" لعام 2008، الفساد في إيران
في المرتبة 141 من أصل 180 دولة قامت "منظمة الشفافية الدولية"
بتقييمها، مما يدل بالفعل بأن هناك قلق على نطاق واسع حول بيئة الأعمال
في إيران. كما يُظهر المؤشر أيضاً بأن الفساد هو مشكلة متنامية، لأن
إيران كانت تحتل قبل عامين المرتبة 105 من بين الدول المصنفة في ذلك
التقرير. وفي النهاية، قد تقرر الشركات بأن عدم الإمتثال لقوانين
مكافحة الفساد هو قرار صعب جداً ومكلف بالنسبة لها إذا ما استمرت
بالقيام بأعمال تجارية في إيران.
ويختتم جيكوبسون بالقول، إن مفتاح النجاح في دفع هذه المبادرة قدماً
بالنسبة لواشنطن، سيكون في إقناع الشركات الأوروبية بالبدء بصورة نشطة
في الاستفادة من القوانين القائمة. وعلى الرغم من أن العديد من الدول
الأوروبية كانت قد أصدرت تشريعات قوية في هذا الصدد -- وفي كثير من
الحالات كانت تشريعاتها أكثر صرامة من "قانون الممارسات الأجنبية
الفاسدة" -- إلا أنها كانت تحجم عموماً عن استخدام تلك الصلاحيات. ومن
الأمثلة الجيدة على ذلك هي الفوضى التي نجمت في عام 2007 عندما أوقفت
الحكومة البريطانية تحقيقاً حول المزاعم التي قالت بأن شركة "بي أيه
إي" دفعت رشوة لمسؤولين كبار في الحكومة السعودية. وقد دافع رئيس
الوزراء البريطاني السابق توني بلير عن ذلك القرار، مشيراً بأنه يصب في
"المصلحة الوطنية" للمملكة المتحدة، وأن التحقيق كان يمكن أن يؤدي "إلى
إلحاق أضرار كبيرة لعلاقاتنا مع المملكة العربية السعودية، [بالإضافة
إلى] الأضرار المادية". وعلى الرغم من أن اتخاذ إجراءات إضافية من قبل
الولايات المتحدة - من جانب واحد - ضد الشركات الأجنبية المشاركة في
الأنشطة التجارية غير المشروعة في إيران كان يمكن أن يكون له تأثير
كبير، فإن إقناع آخرين للإنضمام إلى الجهود الأوسع نطاقاً لمكافحة
الفساد كان سيسفر بدون شك عن إحراز نتائج أفضل بكثير. |