التعليم الابتدائي في العراق يدقّ ناقوس الخطر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: نحن والآخرون نفهم ونؤمن بأن التعليم هو الاداة الاهم التي وصلت بالانسان الى ما هو عليه، بعد ان كان لا يختلف عن حيوانات الغاب او البر، ولقد أدركنا جميعا هذه الاداة المهمة (التعليم) وقدراتها الهائلة في بناء المجتمعات والارتقاء المتواصل بها الى مراتب أعلى وأعلى، وأدركنا أيضا خطورة إهمالها وما ستؤول إليه حالة المجتمع فيما لو تغاضى المعنيون عن اهمية التعليم.

وقد لاحظ الجميع مراقبون ومسؤولون ومواطنون ايضا، ترديا متواصلا في قطاع التعليم الابتدائي بسبب الفوضى التي يعاني منها وتشتت القرار التعليمي فيما يخض ادارة العملية التعليمية كبناء المدارس او توزيع الكوادر التدريسية وما شابه من المشاكل المتعددة التي أخذت تضغط باتجاه تراجع التعليم (الابتدائي خاصة).

ولعل المشكلة الأكثر خطورة وأهمية، هي قلة البنايات المدرسية بشكل كبير مما قاد الى دمج عدة مدارس في بناية واحدة، فهناك المدارس الثلاثية حيث تتقاسم ثلاث مدارس ابتدائية ساعات النهار (القصير) مع زخم هائل في زيادة الطلبة المبتدئين، وهنا نستطيع أن نستخلص النتائج التعليمية السيئة (لهذه الظاهرة المؤسفة) فتعدد المدارس في بناية واحدة يعني قلة ساعات التعليم المخصصة لها، وبدلا من أن تكون اربع او خمس ساعات ستتقلص الى ثلاث او أقل وهذا يعني قلة مدة الحصة وصعوبة توصيل المادة خاصة اذا عرفنا ان الصف الواحد قد يشتمل على اكثر من ستين طالبا مبتدئا، وهذا يعني بالنتيجة رسوب عدد كبير من الطلاب الصغار في صفوفهم الابتدائية للاسباب الواردة في اعلاه، أو لجوء معلميهم الى إلحاقهم بصفوف أعلى من دون أن يكونوا أهلا لذلك ما يؤدي بالنتيجة الى (أمية مقنعة) أي ان الطالب قد يصل الى الصف الخامس الابتدائي من دون ان يكون عارفا باللغة (كتابة وقراءة) او الرياضيات او غيرها من المواد التدريسية، ما يدفع به الى الهروب والتسرب من الدراسة تحت ضغط عدم الفهم وضعف الاساس التعليمي.

 وهكذا ستكون لدينا اجيال متتابعة من الاطفال الاميين الذي يشكلون قاعدة المجتمع العراقي الجديد، ولنا أن نتصور حين يُبنى المجتمع العراقي (الديمقراطي الجديد) على أساس من مكوّن من الاطفال الجهلة الاميين الذين وصلوا الى هذه النتيجة بسبب فوضى الادارة التعليمية من قبل آبائهم الكبار وأعني بهم المسؤولين عن ادارة العملية التعلمية في عموم العراق.

 وهناك مثال قريب جدا عن المأساة التي يعيشها التعليم االابتدائي في ظل تشتت القرار وتوزعه بين عدد من الوزرات والمؤسسات الرسمية مما يؤدي الى بطء الاجراءات التي تحاول ان تحد من هذه العقبات، ومثالنا عن احدى البنيات الموجودة في احد الاحياء حيث جمعت فيها اربع مدارس ابتدائية تتناوب ساعات النهار لتقديم التعليم لطلابها!! ولنا أن نتوقع العواقب الوخيمة التي سيتعرض لها طلاب هذه المدارس على سبيل المثال وليس الحصر، لأن هذه الظاهرة تكاد تكون منتشرة كالوباء!!، وقد ذكر أكثر من طالب وطالبة وفي اكثر من مدرسة، بأنهم يجلبون (الحصران) من بيوتهم ويفرشونها في الصفوف كي يجلسوا عليها لعدم توفر الرحلات ولكثرة عدد الصف الذي يصل الى سبعين طالبا احيانا.

وحين نتساءل لماذا يحدث هذا في ظل (ديمقراطية العراق الجديد) وعودة أمواله من النفط او غيره لمواطنيه كما هو مفترض؟ فإن الجواب يبقى يدور في ملعب المسؤولين والجهات المختصة التي تتحمل جميع النتائج السيئة بل الخطيرة التي ظهرت وبانت امام العيون والبصائر للمواطنين ولغيرهم، كما أن مسؤولية ما تعرض وسيتعرض له الاجيال الراهنة واللاحقة ستبقى بذمة المسؤولين الذين لا يقوموا بأدوارهم كما يجب.

 على أننا نرى أن زمام الامور لم يزل تحت السيطرة شريطة أن تتحرك وزارة التربية والوزارات او الدوائر الرسمية المعنية بسرعة استثنائية لمعالجة هذا الامر، وسنضع الخطوات الاجرائية التالية للاسهام ببعض الحلول التي يمكن ان تحد او تقضي على هذه الظاهرة في حالة توفر النوايا والضمائر المخلصة لدى المعنيين ومن هذه الخطوات:

- الاعلان الفوري عن الشروع بإنشاء البنايات المدرسية وفق اسلوب الحملات الكبرى المستثناة من كل الشروط التي تتعلق بإعلانات تشييد المشاريع وتخصيص الاموال وما شابه.

- ولعل النقطة الاولى تتطلب جهدا حكوميا يفوق جهد الوزارة المعنية (التربية) بمعنى آخر على الحكومة أن تعلن فورا برنامجا عمليا سريعا لانشاء آلاف البنايات المدارسية في مدد تنفيذ سريعة بل استثنائية .

- أن تتساوى اهمية معالجة هذه الظاهرة مع معالجة ظاهرة شحة المياه التي اعلنها رئيس الوزراء في محافظة البصرة او ميسان .

- أن يتم تدارس هذا الوضع الخطير للتعليم من لدن لجان متخصصة تضع الحلول الفورية لهذه الظاهرة لكونها تساهم بتجهيل اجيال متلاحقة من الاطفال .

- أن لا يُعتمد اسلوب انشاء المدارس الروتيني المعروف وأن يتم القفز على ذلك بتدخل حكومي مباشر، كما تعلن الحكومات حالات الطوارئ نتيجة حدوث أمور خطرة غير قابلة للتأجيل في المواجهة او التصدي .

- أن يفهم الجميع بأن حل مشكلة البنايات المدرسية سيقود الى حل جميع المعضلات الاخرى التي تسهم في اعاقة عملية التعليم.

بمعنى ان وفرة البنايات ستقود الى ساعات تعليم اكثر وعدد اقل من الطلاب في الصف الواحد، ناهيك عن توفر الكادر التعليمي للبنايات الجديدة، حيث اخبرني احد مدراء المدارس في مدينتي بأن الكادر التدريسي المخصص لمدرسته فقط يكفي لتدريس ثلاث مدارس وهو يعاني من فائض كبير في المعلمين، وفي حال توفر البنايات الجديدة فإن الكادر التعلمي متوفر لها مسبقا، واخيرا قد لا نكون قدمنا رؤية متكاملة لمعالجة هذه الظاهرة، لكننا نأمل من المعنيين في الحكومة العراقية العمل فورا على معالجة هذه الظاهرة خدمة للصالح العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 14/تشرين الثاني/2009 - 16/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م