مدى مطابقة تشريعات الأحزاب السياسية في العراق

مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان

خالد عليوي العرداوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

المقدمة

 يثير موضوع الأحزاب السياسية اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن القانوني والسياسي المتعلق ببناء الدولة ومؤسساتها، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم أي العلاقة بين الفرد والدولة. لذا فأن بناء عراق ديمقراطي متكامل المؤسسات، يحتاج إلى فهم دقيق لمعنى الحزب السياسي ودوره في الحياة السياسية للدولة، بحيث تكون الأحزاب مؤسسات لرفع وعي المواطن، والارتقاء ببناء الدولة في كافة المجالات، لا أن تكون عبارة عن قيادات سياسية تتصارع فيما بينها، وهذا يتطلب بدرجة أساس أن يكون التنظيم القانوني للاحزاب صحيحا ومنسجما مع المعايير الدولية لحقوق الانسان.

 وعليه فان موضوع الأحزاب السياسية وما يرتبط بها تكوينا، وانتماءا، ونشاطا...، في المعايير الدولية، والمعايير الوطنية (العراقية) سوف تكون موضوع اهتمام هذا البحث في الصفحات القادمة.

الحزب السياسي: مفهومه وأهمية دراسته؟

يشير الفقيه الفرنسي (موريس دوفرجيه) إلى أن الأحزاب السياسية تعد (مؤسسة الأساسية في الأنظمة الليبرالية التي لم يخطط لها النمط الليبرالي، وإنما هي ولدت وتطورت مع الانتخابات والتمثيل، إذ ظهرت في البداية بشكل لجان انتخابية مكلفة في آن واحد بتوفير رعاية وجهاء المرشح وجمع الاموال الضرورية للحملة الانتخابية..)، ثم تطورت هذه اللجان الى أحزاب (كوادر موظفين)، فأحزاب جماهيرية في وقت لاحق.

أن أعطاء تعريف واضح للحزب الساسي يعد أمرا فائق الأهمية لتمييزه عن الكتل والأجنحة السياسية والجماعات التي تمارس تأثيرها في اعضاء البرلمانات والسلطات التشريعية وشهد تعريف الحزب السياسي اختلافات كثيرة بين الباحثين باختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، لكن التعريف الذي نجده مختصراً ودقيقا هو ان الحزب السياسي يراد به: (تنظيم سياسي لقوى اجتماعية معينة تجمعها نظرة عامة أو أيدلوجية واحدة هدفه الاخير الحصول على السلطة أو الاحتفاظ بها)، وتلعب الأحزاب السياسية دوراً مزدوجا في التمثيل السياسي أذ أنها تؤطر (تؤهل) أولا الناخبين، ثم تؤطر المنتخبين، كما هي -أيضا- نوع من حلقة الوسط بين المنتخبين والناخبين. بل أنه بدون الاحزاب يستحيل الحديث عن نظام سياسي ديمقراطي لأنها تساعد على نموالوعي السياسي عند المواطنين فهي تسمح بخيار أكثر وضوحا عند الانتخابات، ودون أحزاب لا يسع الناخبين أن يطلعوا على معلومات دقيقة عن توجه مختلف المرشحين، فهم سيتوجهون لدعم الوجهاء التقليديين الذين يعرفونهم بعض الشيء، أن هذه الأهمية المعطاة للأحزاب السياسية سوف تزداد خطورتها عند ادراك حقيقة أن الأحزاب في بلد ما سوف تأخذ بعد فترة تطول أو تقصر بالاستقرار من حيث (عددها، بناها الداخلية، أيديولوجيتها، اتساعها، تحالفها، أنماط المعارضة، هذا المجموع الثابت يكون منظومة أحزاب، أن منظومة الاحزاب.... في بلد ما هي عنصر أساسي من مؤساساته السياسية...)، لأنها هي التي تحدد طبيعة نظامه السياسي من حيث كونه نظاما سياسيا قائما على التعددية أو الثنائية الحزبية، الحزب المهيمن أو الحزب الواحد، وهل هو نظام ديمقراطي أم نظام شمولي –هذا من جانب- ومن جانب آخر تحدد منظومة الأحزاب المنظومة الانتخابية في البلد، فنظام الانتخاب بدورة واحدة يطبق مع نظام الثنائية الحزبية غالبا، أما نظام التمثيل النسبي فيمارس مع منظومة الأحزاب المتعددة والمستقلة الواحد عن الآخر، في حين أن نظام الانتخاب بدورتين ينزع الى التعددية الحزبية المعدلة بفعل التحالفات.

هدف البحث

 أن أهمية الأحزاب السياسية في عالمنا المعاصر تجعل منها عنصرا مهما في منظومة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية يجب أن تبذل جهود تشريعية كبيرة من أجل جعل وجودها تكوينا (تشكيلا) ونشاطا منسجما مع دورها في الارتقاء بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وطالما أن الرغبة المعلن عنها لدى صناع القرار في عراق ما بعد 2003 هي بناء نظام سياسي ديمقراطي يكون مصدراً للإلهام في محيطه، فأن التنظيم القانوني للأحزاب السياسية في هذا النظام بشكل يتفق مع معايير الشرعة الدولية لحقوق الانسان وحرياته الأساسية يعد أمرا بالغ الاهمية لضمان هذه الحقوق والحريات للإنسان العراقي، لذا يجب معرفة تناول حق التجمع والاجتماع في الشرعة الدولية وبعض مصاديقها في الاتفاقيات الإقليمية البارزة أولاً، ثم معرفة هذا التأطير القانوني لهذا الحق في أطار التشريع العراقي ثانياً، وأجراء مقارنة بين معايير الشرعة الدولية وواقع التشريع العراقي لأدراك نقاط التلاقي والافتراق ثالثاً للخروج بجملة من الاستنتاجات والتوصيات نضعها امام المشرع العراقي.

المبحث الأول:

الأحزاب السياسية وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان

 على الرغم من أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تستند إلى الإعلان العالمي لحقوق للانسان الصادر في عام (1948)، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادرة في عام (1966)، والبرتوكولين الاختياريين الإضافيين فأن هذا الإعلان وهذين العهدين وما يلحق بهما تستند شرعية صدورها إلى ما ورد في ميثاق الامم المتحدة من فقرات بشأن حقوق الإنسان، فيكون بذلك الميثاق مصدر ألهام للشرعة الدولية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إذ ورد في ميثاق الامم المتحدة بشأن مقاصد هذه المنظمة الدولية في المادة 1/الفقرة الثالثة ما يلي: (تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل ذات الصيغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك اطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال أو النساء). أما تحقيق الاستقرار الدولي وقيام علاقات سلمية بين الأمم فأنه يقتضي أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أوالدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا أذ أكدت على ذلك المادة 55/ الفقرة/ ج من ميثاق الامم المتحدة.

 ويلاحظ بأن التأكيد على قضية احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في بنود الامم المتحدة يجعل من صدور الإعلانات والمواثيق الدولية متمما ومنسجما مع التوجه الذي سارت عليه المنظمة الدولية، كما إن الاعتراف بشرعية وجود الأحزاب السياسية وحرية الانتماء إليها أو الانسحاب منها (حق التجمع والاجتماع) يعدا واحدا من هذه الحقوق التي يجب أن يعترف بها للبشر بدون أي تمييز- أيضا- وسنجد تفصيلات هذا الحق في بنود الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966)، كما سنجد أن هذا الاعلان والعهد انعكست تأثيراتهما في بنود اتفاقيات إقليمية بارزة تعنى بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، لاسيما الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (1950)، فضلا عن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (1969)، ومن ثم سنحاول تلمس المعايير التي أطرت حق التجمع والاجتماع السياسي في هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية.

1. الأحزاب السياسية في بنود الإعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:-

الإعلان العالمي لحقوق الانسان (1948)

 لقد خصص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادتين 20/1 و2 منه لتنظيم تشكيل الجمعيات والجماعات دون فرض أي قيد أو ارغام على الانتماء اليها أو الانسحاب منه تعسفاً إذ جعل من هذا التنظيم حقا ملازما لكل انسان فلا يجوز حرمانه منه تعسفا ولا يجوز التضييق من هذا الحق بشرط أن يكون تشكيل تلك الجماعات والجمعيات لأغراض سلمية، بعبارة أخرى أن حق التجمع والاجتماع يعترف به أذا كان يرمي إلى تحقيق أهداف سلمية. علما بأن تمتع الإنسان بهذا الحق سوف ينمي تبادل الآراء والأفكار بالشكل الذي يتجاوز كل الحدود والقيود محققا ما رمى أليه الإعلان في المادة 19، وفي نفس الوقت يرفع الشعور بالمسؤولية للمواطن فيحفزه على ممارسة دوره في الانتخاب والتصدي للوظائف العامة الذي نصت عليه المادة 21/ أولا، ثانيا، ثالثاً. أما المادة 8 من الإعلان فقد نصت على (لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لأنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون)، فجعلت أي شكوى في مجال حقوق الإنسان يمكن اللجوء فيها الى المحاكم الوطنية.

العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966)

صدر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بقرار الجمعية العامة المرقم 2200 في كانون الأول 1966، وفيه جرى التأكيد على جملة من الحقوق والحريات العامة ومنها تشكيل الأحزاب والانتماء إليها بشروط، إذ جاء في المادة 21 الاشارة الى حق التجمع السلمي بنصها (يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم)، وعلى الرغم من حسن النية في معقولية هذه الشروط وضرورتها لاسيما في الفترات الاستثنائية، ولكن عمومية النص وعدم توضيح المقصود بالتدابير الضرورية في مجتمع ديمقراطي قد يجعل الحكومات الوطنية الدكتاتورية تستغل النص في انتهاك حقوق الإنسان بدلا من صيانتها. بالإضافة إلى ما تقدم فأن هناك شروط أخرى حددها العهد في ممارسة التنظيم الحزبي وهو ما تم الإشارة إليه في المادة 20/ أولا، ثانيا عندما جرى التأكيد على منع أية دعاية للحرب وحظر كل نشاط يدعو الى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية بالشكل الذي يؤدي إلى التحريض على التمييز أو المعاداة أو العنف وهذا القيد يبدو جيدا حتى لا يستغل الحق في التجمع والاجتماع بشكل يقود إلى بروز أحزاب وأفكار ورؤى تعادي العمل الديمقراطي وتنتهك حقوق الانسان وحرياته بالجملة.

2. الأحزاب السياسية في ابرز الاتفاقيات الإقليمية:-

 لقد جرى التأكيد على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الاتفاقيات الإقليمية والتي من ابرازها الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (1950)، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (1969).

الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان

أكدت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في المادة 21/ أولاُ وثانيا على حق التجمع السلمي بصورة خاصة وذلك بقولها: (1- لكل شخص الحق في ممارسة حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات مع آخرين... 2- لا تفرض على ممارسة هذا الحق أي قيود سوى ما ينص عليه القانون ويكون ضروريا في مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن القومي أو سلامة الجمهور ومنع نشوء الاضطرابات أو ارتكاب الجرائم أو لحماية المصلحة والآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية ولا تحول هذه المادة دون فرض قيود مشروعة على ممارسة هذه الحقوق من جانب افراد القوات المسلحة أو رجال الشرطة أو الأشخاص القائمين على إدارة شؤون الدولة).

الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان

 أشارت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة في 22/11/1969 الى حق التجمع والاجتماع في المواد13، 15، 16، إذ نصت المادة 13/ خامسا على (حق الاجتماع السلمي بدون سلاح هو حق معترف به ولا يجوز فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك المفروضة طبقا للقانون والتي تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الأمن القومي آو السلامة العامة أو النظام العام أو لحماية الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم)، أما المادة 16 فقد نصت على حق التجمع بقولها (1- لكل شخص حق التجمع وتكوين جمعيات بحرية لغايات إيديولوجية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو سياسية أو عمالية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو سواها 2- لا تخضع ممارسة هذا الحق الا إلى تلك القيود المفروضة قانونا والتي تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لمصلحة الامن القومي والسلامة العامة أو النظام العام أو لحماية الآداب العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم 3- لا تحول أحكام هذه المادة دون فرض قيود قانونية بما فيها حتى الحرمان من ممارسة حق التجمع على افراد القوات المسلحة والشرطة).

 ومن القيود الأخرى التي نصت عليها الاتفاقية في هذا المجال ما جاء في المادة 13/ خامسا بقولها: (أن أية دعاية للحرب وأية دعوة للكراهية أو العرقية أو الدينية والذين يشكلان تحريضا على العنف المخالف للقانون، أو أي عمل غير قانوني آخر ومشابه ضد أي شخص أو مجموعة اشخاص مهما كان سببه بما في ذلك سبب العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الأصل القومي تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون).

يتبين مما تقدم ان المعايير الدولية المتفق عليها في الاتفاقيات والمواثيق المذكورة آنفا فيما يتعلق بحق التجمع والاجتماع السياسي هي:

1. الاعتراف للأفراد بالحق في التجمع والاجتماع السياسي.

2. إن يكون هدف التجمع والاجتماع سلمي.

3. حظر كل تجمع أو اجتماع يحرض على العنف او الكراهية اوالتمييز الديني والعرقي والقومي...  

4. حظر مشاركة أفراد القوات المسلحة وقوى الأمن والشرطة ومن في فئتهم من المشاركة في التجمعات السياسية دون أن يكون هذا انتهاكا لحق التجمع والاجتماع السياسي.

5. الإشارة إلى إمكانية فرض تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي صيانة للأمن القومي والأخلاق العامة والآداب العامة والصحة العامة وحقوق الآخرين وحرياتهم دون تحديد نطاق تطبيق هذه التدابير الضرورية.

6. الإقرار بحرية الأفراد في الانتماء الى التجمعات السياسية وحرية بقائهم وانسحابهم منها.

المبحث الثاني:

التنظيم القانوني للاحزاب السياسية في التشريع العراقي النافذ

 يمكن أن نبين التنظيم القانوني للأحزاب السياسية في العراق من خلال بنود الدستور العراقي الدائم لعام 2005 ومن خلال الامر 97 الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة لعام 2004 وكالاتي:

الدستور العراقي النافذ

 نص الدستور العراقي النافذ في المادة 38/ ثالثا على أن (الدولة تكفل بما لا يخل بالنظام العام وآداب حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظيم ذلك بقانون)، أما المادة 39 فقد أشارت إلى تأسيس الأحزاب السياسية بنصها على: (أولاً-حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها مكفولة وينظم ذلك بقانون ثانيا- لا يجوز إجبار احد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها). بالإضافة إلى أن الدستور العراقي حث على التوجه السلمي للتجمع والتظاهر من اجل الاعتراف به قانونا وعدم الاكراه على الانتماء الى الحزب أو التجمع السياسي أو الانسحاب منه كما ان المشرع العراقي حرص على وضع قيد آخر تمثل في نص المادة 7/أولا بقوله: (يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو يمجد أو يروج أو يبرر له وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق وينظم ذلك بقانون).

 ولا توجد ضرورة لأي تكرار لما تم ذكره بشأن هذه المادة عند مناقشتها كما ورد في المعايير الدولية (راجع ص6 من المبحث الأول) عندما أشرنا الى انها مادة ضرورية في المحتوى مع تحفظ على الصياغة لمنع استغلال الحرية والديمقراطية للقيام بأعمال بعيدة عن حقوق الانسان وحرياته الأساسية.

قانون الأحزاب والهيئات السياسية (رقم 97 لعام 2004)

 إن أمر سلطة الائتلاف ذي الرقم 97 الذي اشير اليه بقانون الاحزاب والهيئات السياسية وجرت في ضوئه الانتخابات العراقية الأخيرة، فلم يصدر لحد الآن (تاريخ كتابة هذا البحث) قانون جديد ينظم الاحزاب ليحل مكانه، فقد عرف في الفقرة الأولى من القسم الثاني منه الكيان السياسي بأنه (أي منظمة بما في ذلك أي حزب سياسي تتكون من ناخبين مؤهلين يتآزرون طواعية على أساس أفكار أو مصالح أو آراء مشتركة بهدف التعبير عن مصالحهم ونيل النفوذ وتمكين مندوبيهم من ترشيح انفسهم لمنصب عام شرط حصول هذه المنظمة المكونة من الناخبين المؤهلين على المصادقة الرسمية ككيان سياسي من قبل المفوضية العراقية المستقلة للانتخابات (المفوضية العليا). كما يمكن أن تعني عبارة كيان سياسي شخصا واحدا بمفرده عندما ينوي ترشيح نفسه للانتخابات شرط حصوله على المصادقة الرسمية ككيان سياسي من قبل المفوضية)، ثم حدد الامر 97 في القسم الثالث منه الوضع القانوني للكيانات السياسية بالشكل الاتي:

 1. يصبح كل كيان سياسي بعد المصادقة عليه كيانا قائما بذاته ما لم يكن قد تمتع بهذا الوضع القانوني سابقا.

 2. للكيانات السياسية الحق في امتلاك العقارات واستئجارها، وابرام العقود والمعاملات، والتمتع بأية استحقاقات قانونية إضافية تقرها اللوائح والأنظمة..

 3. كل الكيانات السياسية متساوية أمام القانون.

 4. لا يحق لأي كيان لم يحصل على المصادقة من قبل المفوظية الترشيح للانتخابات.

 أما القسم الرابع من الأمر، فقد حدد المبادئ العامة التي يجب على الكيانات السياسية التقيد بها وهي:

1. تحديد الفوضية لأية أفعال غير قانونية تمارسها الكيانات السياسية واتخاذ الإجراءات العقابية بحقها والتي تصل إلى حد سحب المصادقة، إضافة إلى العقوبات الجنائية التي اقرها القانون العراقي.

2. يجب على الكيانات السياسية التقيد بالتعليمات الآتية:

· عدم الارتباط بأية قوة مسلحة أو ميليشيا أو وحدة عسكرية.

· عدم الحصول على تمويل مباشر أو غير مباشر من أية قوة مسلحة أو ميليشيا أو وحدة عسكرية.

· عدم ترشيح أي مرشح لا تتوفر فيه المعايير القانونية النافذة.

· التقيد بالقوانين والأنظمة المنظمة لعمل الأحزاب في العراق.

· التقيد بقواعد السلوك التي تصدرها المفوضية.

· أن يكون لها نظام داخلي يحدد برامجها وعملها متاح للشعب ويستثنى من ذلك الأفراد الذين اكتسبوا صفة كيان سياسي.

· لها الحق في تشكيل ائتلافات مصالح للتنافس الانتخابي.

· أن تتمتع بشفافية عالية في معاملاتها المالية.

 يتضح من خلال ما تقدم إن المعايير العراقية لتنظيم الأحزاب السياسية كما وردت في الدستور العراقي النافذ والأمر 97 هي كالآتي:

1. الاعتراف للأفراد بحق التجمع والاجتماع وحرية تكوين الأحزاب السياسية.

2. الهدف السلمي للتجمعات والأحزاب والاجتماعات السياسية.

3. حظر المشرع العراقي أي تجمع أو اجتماع يحرض على العنف والكراهية والتمييز العنصري او يروج او يمجد ذلك وخص البعث الصدامي بالذكر.

4. وضع المشرع العراقي قيود على مشاركة القوات المسلحة وقوى الامن والشرطة في العمل السياسي (المادة9/ أولا/ ج).

5. التأكيد على حرية الانتماء للتجمعات السياسية وحرية البقاء والانسحاب منها دون قيد أو إكراه.

المبحث الثالث:

تقييم الإطار التشريعي للأحزاب السياسية في ضوء المعايير الدولية لحقوق الإنسان ونصوص التشريع العراقي النافذ.

 بعد إن استعرضنا في المبحث السابق معايير الاعتراف بحق التجمع والاجتماع في اطار المواثيق الدولية والإقليمية وذلك في المادة20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواد 20 و21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 11 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والمواد 13/5 و15 و16 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، ومعايير هذا الحق في التشريع العراقي وذلك في المواد 38و39 من الدستور العراقي بالإضافة إلى أمر سلطة الائتلاف ذي الرقم 97، فقد اتضح بان هنالك اتفاق في صياغة النص الذي تمت به الإشارة إلى حق التجمع والاجتماع في الاعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقيات الإقليمية البارزة التي تم ذكرها في هذا البحث ولم يبتعد التشريع العراقي كثيراً عنه فيما يتعلق بالتنظيم القانوني للأحزاب السياسية، ولكن هنالك بعض الملاحظات التي سنبينها في جدول المقارنة المعتمد في هذا البحث.

جدول المقارنة:

معايير الاعتراف بحق التجمع والاجتماع في أطار المواثيق والاتفاقيات الدولية.

معايير الاعتراف بحق التجمع والاجتماع في أطار التشريع العراقي النافذ.

1- منحت المواثيق والاتفاقيات الدولية الأفراد الحق في تكوين الأحزاب والجمعيات السياسية. المادة20/1و2 من الإعلان، والمادة 21 من العهد، والمادة21/أولاً وثانيا من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

1- منح التشريع العراقي الأفراد الحق في تكوين الأحزاب السياسية على أن ينظم ذلك بقانون المادة رقم 39/ أولاً من الدستور العراقي النافذ.

2- هدف التجمع والاجتماع سلمي وفق المواد 20 من الإعلان و21 من العهد و11 من الاتفاقية الأوربية و15 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

2- أشار المشرع العراقي لمثل هذا الشرط للاعتراف بحق التجمع والاجتماع وفق المادة 38 الفقرة الثالثة وحدد تنظيم ذلك بقانون من الدستور النافذ.

3- منع أي تجمع او اجتماع يحرض على الكراهية والعنف والتمييز على أساس الجنس أو القومية أو العرق... وذلك في المواد20 و21 من العهد و13/5 من الاتفاقية الأمريكية.

3- حظر التشريع العراقي تكوين أي كيان او تجمع يدعو الى الكراهية والعنف تحت أية مسميات وخص البعث الصدامي بالحظر في المادة 7/أولاً من الدستور العراقي النافذ.

4- منع أفراد القوات المسلحة وقوى الأمن من الترشيح لأي تجمع سياسي سلمي وفق المادة 16 من الاتفاقية الأمريكية والمادة 11 من الاتفاقية الأوربية.

4- حظر على أفراد القوات المسلحة وقوى الأمن الترشيح لأي كيان سياسي سلمي في المادة 9/أولا/ من الدستور العراقي النافذ.

5- إمكانية فرض تدابير ضرورية لصيانة الأمن العام والأداب العامة وحماية حقوق الآخرين... م/21 من العهد والمادة 21/2 من الاتفاقية الاوربية والمادة 16/2 من الاتفاقية الامريكية.

5- خلا التشريع العراقي من إمكانية اتخاذ تدابير ضرورية على أي كيان سياسي لاغراضة صيانة الأمن والسلم والآداب العامة وحقوق الآخرين.

6- التأكيد على حرية الانتماء والانسحاب من الجماعات والجمعيات السلمية وفق المواد16 من الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان و21 من الاتفاقية الأوربية.

6-أكد التشرع العراقي على حرية الانتماء والانسحاب من الكيانات السياسية وفق المادة 39/ثانيا من الدستور العراقي النافذ

إن الجدول أعلاه يبين الحقائق الآتية:

1. اتفق التشريعان الدولي والعراقي بالنص على اقرارالحرية الكاملة للافراد في الانتماء والانسحاب من التجمعات والاجتماعات السياسية، إذ إن وجود الإكراه في هذا الأمر يقود إلى مصادرة الحرية وهو ما لا يهدف اليه التشريع وهذا الامر دليل انسجام بينهما.

2. إن هناك انسجاما واضحا بين التشريعين أيضا في جعل الهدف السلمي هدفا جوهريا للاعتراف بالحق محل البحث لكن التشريع العراقي حسب مقتضى الظرف زاد بالتفصيل عندما قرن الاعتراف بصدور قانون لاحق (المادة38 /3 من الدستور العراقي النافذ).

3. لم يشر المشرع العراقي الى فقرة التدابير الضرورية التي أكدت عليها المواثيق والاتفاقيات الدولية والتي تضع قيوداً على عمل الاحزاب والتجمعات السياسية وفقا لمقتضيات الامن القومي والاداب العامة والاخلاق العامة.. وقد يكون قد قصد ذلك بغية منع استغلال هذه العبارة بالشكل الي يقود الى ممارسات تصادر هذا الحق وتشوهه.

4. إن التشريع العراقي والدولي حصل بينهما الانسجام -أيضا- في عدم الاعتراف بالأحزاب والتجمعات التي تحرض على العنف والكراهية بكافة صورها، لكن الدستور العراقي ذهب بعيدا وذلك من خلال التأكيد على حظر وجود البعث الصدامي.

5. اتفق التشريعان العراقي والدولي في نصهما على حرمان افراد القوات المسلحة والشرطة وقوى الامن من التمتع بحق التجمع والاجتماع السياسي اذ ان فتح الباب القانوني لهذه الفئات قد يقود إلى الإساءة إلى جوهر عملها واغراقها في الخصومات السياسية (الحزبية) الضيقة المتناقضة.

الاستنتاجات والتوصيات

لقد خلص هذا البحث إلى جملة من الاستنتاجات والتوصيات وكالآتي:

أولا: الاستنتاجات

1. إن الأحزاب السياسية تعد مؤسسة مهمة من مؤسسات بناء الدولة الديمقراطية ولا يمكن النهوض بالعملية السياسية الديمقراطية في العراق من دون تنظيم الوضع القانوني للأحزاب السياسية العراقية بشكل صحيح.

2. هناك انسجام واتفاق بين المعايير الدولية لحقوق الانسان والمعايير العراقية في مجال الاقرار للافراد بحق التجمع والاجتماع السياسي في جوانب عديدة وهذا أمر حسن.

3. افتقر التشريع العراقي إلى الإشارة في نصوصه الى فقرة التدابير الضرورية التي وردت في المواثيق والاتفاقيات الدولية.

4ـ لقد ذهب المشرع العراقي بعيدا عندما أشار إلى عبارة البعث الصدامي لانه لا يوجد نظير لهذه العبارة في المعايير الدولية.

ثانيا: التوصيات

1. نوصي المشرع العراقي بالاستمرار في التأكيد على المواد التي كانت موضع اتفاق مع المعايير الدولية في مجال الإقرار بحق التجمع والاجتماع السلمي وحرية تكوين الاحزاب السياسية وعدم جعلها موضوعا لتعديلات مستقبلية مخالفة لهذه المعايير.

2. إذا كان المشرع لم يشر الى فقرة التدابير الضرورية في فترات الازمات الوطنية فأن تحديد هذه التدابير بشكل دقيق يمنع اللبس والغموض وبعيدا عن المطاطية في الصياغة هو أمر حسن ويتفق مع المعايير الدولية.

3. إن تشكيل محكمة وطنية تعنى بحقوق الانسان في العراق يمكن اللجوء اليها لرفع دعوى تجاه أي انتهاك لحقوق الإنسان هو أمر حسن ويشكل مصدر حماية مهم لحق التجمع والاجتماع.

4. إن تعديل المادة 7/ الفقرة الأولى من الدستور العرقي النافذ بالشكل الآتي: (يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي اوالعرقي يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له تحت أي مسمى كان وينظم ذلك بقانون)، ورفع عبارة (وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق) وذلك لان المشرع عندما يشرع نص قانوني عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار عمومية النص فمن شروط القاعدة القانونية ان تكون عامة والعبارة المطلوب حذفها من النص مرنة جدا وقد تستغل سياسيا بشكل يقود إلى انتهاك حق التجمع والاجتماع السياسي وحرية تكون الاحزاب السياسية.

5. تعديل نص المادة 9/أولا /ج من الدستور النافذ بحيث يمنع افراد القوات المسلحة والاجهزة الامنية العراقية من تأسيس الاحزاب السياسية والانتماء اليها ويمكن للمشرع الاستفادة من نص المادة 98/ ثانيا من الدستور النافذ والتي تحدد الشروط المفروضة على القضاة في هذا المجال.

* معاون مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

** دراسة نشرت في مجلة الفرات العدد السادس 2009 التي تصدر من مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

http://fcdrs.com

.....................................................

المصادر المعتمدة

1. الدستور العراقي لعام 2005.

2. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.

3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر من الأمم المتحدة عام 1966.

4. الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1969.

5. الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1950.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الثاني/2009 - 15/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م