رضا المعصوم والالتزام بالعقائد واﻷحكام واﻷخلاق

محاضرة للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي

 

- ليعلم أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم بأن عليهم أن يؤدّوا وظيفتهم العقائدية والشرعية واﻷخلاقية التي يريدها مولانا صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

- المرجع الشيرازي..أنتنّ أيتها اﻷخوات إن تحلّيتن باللّين في تعاملكن مع أزواجكن وأبنائكن وأرحامكن وغيرهم فإن هذه اﻷخلاق الحسنة ستوجِب لكنّ رعاية أهل البيت ومحبّتهم صلوات الله عليهم

 

شبكة النبأ: قال سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، إن تعاليم الدين على ثلاثة أقسام هي، العقائد واﻷحكام واﻷخلاق. ومن يريد أن ينال رضا اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف عليه أن يسعى في الالتزام بتلك اﻷقسام.

وبيّن سماحته على سبيل المثال، إن اﻹنسان ـ رجلاً أو إمرأة ـ مهما كانت ظروفه يمكنه أن يكون أحسن أو أسوأ إنسان في زمانه أو عبر التاريخ. فالإنسان بنفسه يختار الحسن أو السوء لنفسه. فالله تبارك وتعالى قد تلطّف على اﻹنسان فوهبه العقل واﻹدراك والفهم والاختيار ليقوم اﻹنسان بإرادته في اختيار طريقه.

وأكد سماحته بالقول، ليعلم أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم بأن عليهم أن يؤدّوا وظيفتهم العقائدية والشرعية واﻷخلاقية التي يريدها مولانا صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. فالمعصومون اﻷربعة عشر صلوات الله عليهم كلهم روح واحدة في جسم واحد، والامتثال لتعاليم أي واحد منهم هو امتثال لهم جميعاً.

وقال مخاطباً الاخوات المؤمنات، أنتنَّ أيتها اﻷخوات عندكن قدوات حسنة عديدة، وأفضلهن وأعلاهن مقاماً مولاتنا فاطمة الزهراء وسيدتنا زينب الكبرى سلام الله عليهما، هاتان الامرأتان العظيمتان في تاريخ اﻹسلام وإن عاشتا كعيشة باقي النساء لكنهما خير أسوة للنساء كافة، في جميع الجوانب واﻷبعاد.

جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها سماحته بجمع من الأخوات في الخامس عشر من شهر شعبان المعظّم 1423 للهجرة ذكرى مولد مولانا الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه، وتنشر لأول مرة باللغة العربية.

وفيما يلي نص المحاضرة كاملاً:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

اُبارك لكم ذكرى مولد مولانا اﻹمام ولي الله اﻷعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأسأل الله تعالى أن يوفّقنا لتشملنا شفاعة اﻹمام وأن نحظى برضاه ورعايته.

أود أن أتحدّث عن كيفية نيل رضا اﻹمام ورعايته من خلال الرواية الشريفة التالية المروية عنه عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

يقول مولانا اﻹمام بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف: «فليعمل كل امرئ منك بما يقرّب به من محبّتنا»(1).

إن تعاليم الدين على ثلاثة أقسام هي: العقائد واﻷحكام واﻷخلاق. ومن يريد أن ينال رضا اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف عليه أن يسعى في الالتزام بتلك اﻷقسام.

ولتوضيح ذلك أقول:

إن اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف في طليعة المعتقدين بوحدانية الله تبارك وتعالى وبصفات الله الثبوتية والسلبية، وبعدله، وبالنبوّة. ومع أن مقام اﻹمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو أعلى من كلّ اﻷنبياء عدا جدّه مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، مع ذلك فهو صلوات الله عليه في طليعة المعتقدين أيضاً باﻷنبياء من آدم إلى خاتمهم صلى الله عليه وآله، وفي طليعة المعتقدين باﻹمامة والمعاد. وهو صلوات الله عليه في طليعة العاملين بأحكام اﻹسلام التي يذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية استناداً إلى آيات القرآن الروايات الشريفة المروية عن اﻷئمة المعصومين وعن اﻹمام نفسه صلوات الله عليهم أجمعين.

كما أن اﻹمام صلوات الله عليه هو في طليعة العاملين والملتزمين باﻷخلاق اﻹسلامية.

إذن، فمضمون كلام اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف الذي صدّرنا به حديثنا هو:

إن محبّتكم لنا وإظهارها هو أمر حسن وفاضل، ولكن نيل مقام القرب منّا يتطلب العمل والالتزام باﻹسلام وليس بإظهار المحبّة لنا فقط. فكما أن اﻹمام هو في طليعة الملتزمين باﻹسلام فإن أساس وملاك نيل القرب منه عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو الالتزام بالعقائد واﻷحكام واﻷخلاق الإسلامية.

ربما يكون لشخص تعلّق قلبي قوي باﻹسلام فتراه لتعلّقه القلبي والعاطفي يبكي على فراق اﻹمام سلام الله عليه. ولكن إن كان تديّن ذلك الشخص وعقائده وأخلاقه وأعماله مخالفة لما يريده اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف فإنه سيحرم من نيل القرب من اﻹمام. فالطريق الوحيد للتقرّب من اﻹمام ينحصر بالعمل باﻹسلام.

لو كان المريض مؤمناً بالطبيب الذي يراجعه وبوصفته الطبية ومحبّاً له لكنه لا يعمل بما يصفه له من الدواء فإنه لا يمثل للشفاء مهما بلغ إيمانه بالطبيب ومحبّته له. وهكذا يكون حال من يحبّ اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف لكنه لا يعمل بما يريده اﻹمام. فالعامل اﻷساسي الذي يوجب نيل مقام القرب من اﻹمام هو العمل بما يريده اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف. فكل من تكون صحيفة أعماله حسنة يحظى بالقرب من اﻹمام، سواء كان رجلاً أم إمرأة، وعالماً أم من العوام.

 • اﻹيمان أو الكفر

على سبيل المثال: إن اﻹنسان ـ رجلاً أو إمرأة ـ مهما كانت ظروفه يمكنه أن يكون أحسن أو أسوأ إنسان في زمانه أو عبر التاريخ. فالإنسان بنفسه يختار الحسن أو السوء لنفسه. فالله تبارك وتعالى قد تلطّف على اﻹنسان فوهبه العقل واﻹدراك والفهم والاختيار ليقوم اﻹنسان بإرادته في اختيار طريقه.

لقد ضرب الله في القرآن الكريم للمرأة المؤمنة والكافرة مثالين، فابتدأ ببيان مثل للكافرين وقال:

«ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط»(2). فهاتان المرأتان كانتا زوجتي نبيّين من أنبياء الله وهما النبي نوح ـ من أنبياء أولي العزم ـ والنبي لوط عليهما السلام. وهاتان الامرأتان عاشتا في بيت اثنين من اﻷنبياء وعاشراتهما وشهدتا أعمالهما وسمعتا كلامهما، لكن صارت عاقبتهما سيئة حيث أصبحتا مثالاً ونموذجاً للسوء.

في قبال ذلك وفي اﻵية التي تليها يذكر الله تعالى امرأة أخرى هي نموذج للمرأة الصالحة، فيقول:

«وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون»(3).

إن آسية امرأة فرعون عاشت مع زوج كان مثالاً للظلم والشقاء والعصيان، ومدعياً بالربوبية، لكنها عاشت صالحة وعملت صالحاً فاستحقت بذلك أن عدّها القرآن الكريم مثالاً للنساء الصالحات.

إذن فالله تعالى أعطى للإنسان القدرة على الاختيار، واﻹنسان بنفسه يكون حسناً أو سيّئاً، وبإرادته ينتخب الطريق لنفسه.

ينبغي للأخوات أن يعلمن أنه إن لم يوفّقن للعيش في بيوت اﻷنبياء فإنّ ظروف حياتهن ليست بأصعب من الظروف التي عاشتها امرأة فرعون.

إذن عليكن أن تسعين إلى الالتزام العملي باﻹسلام حتى تصبحن كامرأة فرعون التي عاشت في أسوأ الظروف وأصعبها لكنها لم تنحرف عن الطريق الصحيح وحافظت على اعتقادها الصحيح وعلى صلاحها. فعاقبة امرأة فرعون تدلّ على أن النساء يستطعن أن ينلن مقام القرب من اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف وأن يحظين برعايته مهما عشن في ظروف عائلية صعبة، واقتصادية واجتماعية وغيرها.

كما وفي إطار اﻹرادة وحق اﻹختيار الذي أعطاه الله تعالى للإنسان، قد تنحرف المرأة وإن عاشت في بيت ملتزم بالعقائد الصحيحة وبأحكام اﻹسلام وأخلاقه.

أقول: إن الله تعالى خلق اﻹنسان للامتحان والاختبار وجعله حرّاً ومختاراً، وكل إنسان يرى نتيجة اختباره بعد موته في صحفية أعماله فيتحسّر حينها على ما قصّر، والنساء غير مستثنيات من ذلك، فبعضهن ممن عشن في ظروف سهلة وقصّرن في أعمالهن فلم يوفّقن لنيل مقام القرب من اﻹمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، مثل هؤلاء النسوة سيتحسّرن يوم القيامة عندما يرين أن نظيراتهن عشن في ظروف صعبة لكنهن وبسعيهن وأعمالهن استطعن أن يوفّقن لنيل القرب من أهل البيت صوات الله عليهم.

 • لنعرف وظيفتنا

ليعلم أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم بأن عليهم أن يؤدّوا وظيفتهم العقائدية والشرعية واﻷخلاقية التي يريدها مولانا صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. فالمعصومون اﻷربعة عشر صلوات الله عليهم كلهم روح واحدة في جسم واحد، والامتثال لتعاليم أي واحد منهم هو امتثال لهم جميعاً.

جاء في مضمون الرواية الشريفة أن أحد أصحاب الأئمة قال للإمام المعصوم: عند روايتي لبعض أحاديثكم أنسى اسم المعصوم الذي قالها، فهل يجوز لي أن أنسبها إلى أي واحد منكم؟ قال له الإمام: نعم، فقولنا واحد وعملنا واحد.

إذن فيمكننا أن ننسب حديث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مولانا اﻹمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف أو إلى باقي اﻷئمة المعصومين صلوات الله عليهم.

جاء في الحديث الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى»(4). وفي مضمون رواية أخرى أن اﻷئمة صلوات الله عليهم كلهم من تلك الشجرة. فكلام اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف في العقائد واﻷحكام واﻷخلاق هو عين كلام باقي المعصومين في تلك اﻷمور. فيجب على الجميع أن يقرأوا القرآن الكريم والروايات الشريفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم وأن يسألوا أهل العلم ليعرفوا العقائد واﻷحكام واﻷخلاق التي يرضاها المعصومون صلوات الله عليهم، ويصمّموا على العمل بها وتطبيقها في جوانب حياتهم الفردية الاجتماعية. وهذا هو الطريق الوحيد الموجب للقرب من اﻹمام صاحب العصر والزمان، والموجب لنيل رضاه ومحبّته عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

إن إظهار اﻹنسان محبّته للإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ مهما كان مستوى المحبّة ـ ليس دليلاً قاطعاً على محبّة اﻹمام لذلك الشخص أو أنها توجب محبّة اﻹمام، وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم واﻹمام بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل إن الامتثال والالتزام بسيرة اﻹمام صاحب العصر والزمان وعمله عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي يوجب محبّة اﻹمام.

أنتن أيّتها الأخوات المكرّمات الحاضرات في هذا المجلس جميعاً تعرفن قواعد العربية وتعلمن أن حرف (اللام) الوارد في كلمة (فليعمل) بعد الفاء هي لام اﻷمر. وكلمة (فليعمل) هي كنظيرتها (اعملوا) ولكن بما أن اﻹمام لم يخاطب أشخاصاً حاضرين لذلك قال سلام الله عليه (فليعمل) فجاءت الكلمة بلام اﻷمر للغائب. ويعني ذلك: أظهروا محبّتكم لنا في إطار العمل بتعاليمنا. فكلٌّ سيتقرّب إليه اﻹمام ويتقرّب هو إلى اﻹمام بمقدار ما يكون عمله وأخلاقه قريبين من سيرة اﻹمام صلوات الله عليه.

إن اﻹمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو الآن في الغيبة الكبرى، لكن على مرّ تاريخ الغيبة الكبرى ومن وسط مئات الملايين من الناس لعله يوجد أشخاص قد وفّقوا للتشرّف بلقاء اﻹمام، وهذه مسألة بحاجة إلى تأمل وتدبّر، كي نعلم ونفهم سبب توفيق عدد قليل من الناس بتشرّفهم بلقائهم باﻹمام من بين الملايين من المحبّين له؟ وحتى نعرف العلّة اﻹساسية لذلك.

لا شك أن العلّة اﻷساسية لذلك هو ما ذكره اﻹمام صلوات الله عليه في الرواية التي صدّرنا بها حديثنا. وبعبارة أخرى إن الذين وفّقوا للتشرّف بلقاء اﻹمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف كانو من الملتزمين باﻹسلام، وإنهم نالوا محبّة اﻹمام بعملهم بالعقائد واﻷحكام واﻷخلاق اﻹسلامية.

 • القدوة الحسنة

أنتن أيتها اﻷخوات عندكن قدوات حسنة عديدة، وأفضلهن وأعلاهن مقاماً مولاتنا فاطمة الزهراء وسيدتنا زينب الكبرى سلام الله عليهما.

هاتان الامرأتان العظيمتان في تاريخ اﻹسلام وإن عاشتا كعيشة باقي النساء لكنهما خير أسوة للنساء كافة، في جميع الجوانب واﻷبعاد. فمولاتنا الزهراء صلوات الله عليها خاضت مراحل الحياة وعاشت فتية وشابة وأُمّاً وزوجة ومربية وكانت أيضاً أمّاً ﻷبيها. فاقرأن سيرتها لتعرفن كيف كان تعاملها صلوات الله عليها مع أمّها مولاتنا خديجة الكبرى سلام الله عليها، ومع أبيها مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله ومع زوجها مولانا اﻹمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

 لولا فاطمة لما خلقتكما

وهنا أرى من المهم أن أذكر جانباً من مقام وفضل مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليه، وأقول:

جاء في الحديث القدسي: «ياأحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما»(5).

لقد سمعتم وعرفتم ماذا جرى في التاريخ من وقائع، إثر استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلولا وجود الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه لانمحى كل شيء، فكان معاوية بن أبي سفيان يقول علناً، سأسعى بالقدر الذي أستطيع به دفن اسم محمد (!!)، فلولا الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه، لما خُلق النبي المصطفى صلى الله عليه وآله. وهذا هو معنى (لولا علي لما خلقتك). وكذلك لو فرضنا أن الله تعالى تفضّل بخلق النبي محمد صلى الله عليه وآله والإمام علي سلام الله عليه، ولكن لم يخلق السيدة الزهراء سلام الله عليها، فمن ذا الذي سينجي ـ بشكل ظاهر ودونما معجزة ـ عليّاً بن أبي طالب، عندما شدّوا وثاقه، واقتادوه والسيوف مسلّطة على رأسه الشريف، يريدون قتله، في قصة معروفة للجميع، فلولا السيدة الزهراء سلام الله عليها لقتل الإمام علي صلوات الله عليه في ذلك اليوم، ولانتهى وانمحى كل شيء.

هي حجّة على العالمين

فليس معنى الحديث القدسي المتقدّم أن عليّاً بن أبي طالب سلام الله عليه أفضل من النبي صلى الله عليه وآله؛ أو أن فاطمة سلام الله عليها أفضل من الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إذ إن الأفضلية موضوع آخر مختلف، بل المراد من الحديث معنى الإلغاء، ونظيره معنى الآية المباركة: «وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته»(6)، في قصة الغدير المشهورة. فبعد مضي ثلاث وعشرين عاماً من السعي الدؤوب، وتحمّل المصاعب والأهوال والأذى والقتال، على طريق نشر الرسالة الإسلامية، يقول القرآن الحكيم في العام الأخير، أي العام 23 للهجرة، بما يعني أن لولا إعلان الغدير، لأضحت كل تلك السنوات بحكم اللاشيء، وبما يعني أيضاً أنه لو لم يصنع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ما صنع في واقعة غدير خم، لألغيت النبوة.

إن السيدة الزهراء سلام الله عليها والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله والإمام علي سلام الله عليه يأتون في المرتبة الأولى. وإن من لوازم مقام السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها مسألة الولاية التشريعية والولاية التكوينية؛ فإذا ما قالت السيدة الزهراء سلام الله عليها شيئاً، يصبح من الواجب على جميع الأنبياء والأولياء والملائكة وسائر الخلق من الإنس والجان، الامتثال له، كما أكّده حديث الإمام الباقر سلام الله عليه، فهي سلام الله عليها حجة على النساء والرجال، إلا أن الأمر يكتسي بنوع من الخصوصية بالنسبة للنساء، فماذا تحبّ الزهراء سلام الله عليها، وماذا تريد للمرأة؟

 الزهراء أحسن قدوة

ثم إنها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فلتنظر المرأة كيف كانت الزهراء سلام الله عليها تعامل أباها صلى الله عليه وآله؟ وكانت الزهراء سلام الله عليها زوجة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فكيف كان تعاملها مع الإمام علي سلام الله عليه؟

كما أنها كانت أُمّاً للإمامين الحسن والحسين سلام الله عليهما، والسيدة زينب الكبرى سلام الله عليها، والسيدة أم كلثوم سلام الله عليها، فكيف كانت تعامل أبناءها؟

كل ذلك دروس من السيرة العطرة لسيدة نساء العالمين سلام الله عليها، ويتعيّن على كل امرأة أن تتخذها نماذج تطبّقها بحذافيرها على حياتها، وطريقتها في العيش والتعامل مع ميادين الحياة.. وهناك أمر أهم وهو الهدف الذي استشهدت لأجله الزهراء، فهي سلام الله عليها فدت الإسلام بنفسها الطاهرة.

كما عاشت مولاتنا زينب سلام الله عليها كباقي النساء فاقرأن سيرتها واطّلعن على مسيرتها وتأسّين بها.

على سبيل المثال: المرأة التي لها أب وأم وزوج وأخ وأقارب وأرحام عليها أن تتعلّم من مولاتنا فاطمة الزهراء ومولاتنا زينب سلام الله عليهما كيف تتعامل معهم ومع أرحامها وأقاربها. وهذا العمل هو أفضل سبيل لنيل القرب من مولانا اﻹمام بقية الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وهذا ينطبق أيضاً على الرجل وليس على المرأة فحسب. فالرجل والمرأة وإن كانت الأحكام الشرعية الخاصّة بهما تختلف في بعض الموارد، ولكن في مقام نيل القرب من اﻹمام لا فرق بينهما. بل بمقتضى بعض الروايات وعمل المعصومين فإن الله تبارك وتعالى قد سهّل في اﻷحكام على النساء أكثر من الرجال، وهذا يعني أن آلية نيل مقام القرب من اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف للنساء أسهل من الرجال. فإذا كانت النسبة المطلوبة من عمل الرجل التي يمكنه أن ينال بها القرب من اﻹمام هي ستين بالمئة مثلاً، فإنها للمرأة أقل من الستين.

جاء في الحديث الشريف عن مولانا اﻹمام الصادق صلوات الله عليه: «أكثر أهل الجنة المستضعفين النساء»(7). وقد يقول قائل: إن عدد النساء في الدنيا أكثر من عدد الرجال فمن الطبيعي أن يكون أكثر أهل الجنة من النساء. ولكن اﻹمام الصادق صلوات الله عليه ولدفع مثل ذلك الاحتمال يقول في تكملته لحديثه الشريف: «علم الله ضعفهن فرحمهن».

بناء على ذلك، فإن سبب كون أكثر أهل الجنة من النساء هو أن الله تعالى يعلم بأن المرأة أضعف من الرجل في أبعاد مختلفة. ولذلك فهو تعالى يرحم النساء أكثر من الرجال ويدخلهن الجنة قبل الرجال. ولذا فالنساء ينلن مقام القرب من اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف أسرع من الرجال.

وقد جاء في الكثير من الروايات الشريفة أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله واﻹمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كانا في آخر لحظة من عمرهما الشريف يوصيان بالمرأة كثيراً. فقد قال اﻹمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما حضرته الوفاة في وصيته إلى اﻹمام الحسن صلوات الله عليه: «الله الله في النساء وما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلّم به نبيكم أن قال اُوصيكم بالضعيفين من النساء..»(8). وهذا يدل على أن مراعاة حقوق المرأة لها مكانة وأهمية خاصة عند أهل البيت صلوات الله عليهم.

 • صعب لكنه عذب

إن نيل مقام القرب من أهل البيت صلوات الله عليهم ليس عملاً سهلاً، كما أن كل الأمور المهمة في الحياة صعبة. فالله تبارك وتعالى خلق الدنيا وحفّها بالمشاكل والصعوبات حتى يختبر العباد. ففي المدرسة والجامعة نجد أن اﻷسئلة المقدّمة للطلاب في الامتحان تكون صعبة وليست سهلة. فلا يسألون من الطالب ما هي نتيجة (5×5) مثلاً، بل تكون اﻷسئلة صعبة ومناسبة لما تعلّمه الطالب. فالامتحان يجب أن تصاحبه الصعوبة وإلاّ لا يسمى امتحاناً.

 • اﻷخلاق الحسنة مفتاح الجنة

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة»(9).

إن المعصومين اﻷربعة عشر صلوات الله عليهم كانوا القمة واﻷفضل في الالتزام باﻷخلاق الحسنة في قولهم وعملهم، لذلك فهم صلوات الله عليهم يريدون من أتباعهم وشيعتهم أن يكونوا كذلك.

لقد عاش مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة المكرّمة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة لاقى فيها من المشركين أنواع الأذى والتهم. فضربوه بالحجارة، وآذوا أرحامه وأقاربه وأتباعه، وبعد أن هاجر إلى المدينة حاربوه خلال ثماني سنوات أكثر من ثمانين مرة، واستمروا في أذاهم له صلى الله عليه وآله، وقتلوا العديد من أصحابه، لكنه صلى الله عليه وآله عندما فتح مكّة عفا عنهم جميعاً.

فقد ذكرت كتب الحديث المعتبرة وكتب التاريخ أن من الذين آذوا النبي صلى الله عليه وآله كثيراً هو ابن اُبي الذي كان يبث الدعايات والتهم والأباطيل والكذب ضد النبي، وكان دور ابن أبي حينها كدور مؤسسة إعلامية في زمننا الحاضر، واستفاد في ذلك من فصاحته وبلاغته وبإلصاقه التهم بالنبي صلى الله عليه وآله والاستهزاء به. وكان يؤلّب الناس على النبي ويجنّدهم لمحاربته وكان عاملاً أساسياً في أكثر المشاكل التي واجهها الرسول صلى الله عليه وآله، حتى أن النبي قال بحقّه: ألد أعدائي.

لقد كان اللين في التعامل مع الآخرين من أبرز الخصائص اﻷخلاقية للنبي صلى الله عليه وآله وهذه الخصيصة اﻷخلاقية كانت أيضاً عند باقي اﻷئمة المعصومين صلوات الله عليهم. فلم يكن تعامل النبي صلى الله عليه وآله شديداً دوماً مع اﻷعداء والمخالفين، بل إذا أراد أحد أن يستجير أو يشفع ﻷحد من الأعداء كان صلى الله عليه وآله يقبل ذلك ويعفو عن عدوّه.

لقد آذى ابن أُبي النبي كثيراً فأباح النبي صلى الله عليه وآله دمه. فعندما رأى ابن أُبي أن النبي قد فتح مكّة وأسقط أكبر معقل للكفّار والمشركين لم يجد أمامه سوى التسليم، لذلك طلب من أم سلمة ـ وكانت من سادات نساء مكّة ومن خيرة زوجات النبي صلى الله عليه وآله ـ أن تشفع له عند النبي. ففي مضمون الرواية جاءت أم سلمة إلى النبي وطلبت منه أن يقبل بشفاعتها بالعفو عن ابن أُبي. فقال لها النبي: إنه من ألد الأعداء. فقالت له أم سلمة: وإنك عفوّ فاعفُ عنه. فعفا عنه صلى الله عليه وآله.

إن هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله لا نجده عند أغلب الحكّام والرؤساء. فمعظم الحكام إذا عادوا شخصاً فإنهم لا يتنازلون عن عداوتهم له، معتبرين تنازلهم مهانة لهم بل إنهم لا يتنازلون عن أي فعل ولا يتراجعون عن تنفيذه وإن كان حراماً، فهم يعتبرون التراجع دليلاً على الضعف.

• أخلاق الصالحين

إن الملفت للنظر في عفو النبي عن ابن اُبي هو أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعتبر عفوه ضعفاً أو ما شابه ذلك رغم أنه كان قد أعلن مسبقاً للمسلمين ولمشركي مكّة والمدينة بأنه قد أباح دم ابن اُبي لعداوته للإسلام وللنبي.

أنتن أيتها اﻷخوات إن تحلّيتن باللّين في تعاملكن مع أزواجكن وأبنائكن وأرحامكن وغيرهم ولم تتشبّثن بما اتخذتنه مسبقاً من قرار أو فعل تجاه أي أحد، فإن هذه اﻷخلاق الحسنة ستوجب لكنّ رعاية أهل البيت ومحبّتهم صلوات الله عليهم. والوصول إلى هذه المرتبة الراقية بحاجة إلى تصميم حقيقي وقوي.

لقد حفلت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله واﻷئمة اﻷطهار صلوات الله عليهم بالكثير من هذا التعامل الأخلاقي الرفيع، ومنها تعامله مع وحشي قاتل حمزة عليه السلام. فالنبي صلى الله عليه وآله قد أباح دم وحشي لجريمته الكبيرة التي ارتكبها بقتل سيِدنا حمزة عليه السلام، لكن وعندما جاء العباس ـ هو عمّ النبي ولم تكن أخلاقه كأخلاق النبي ـ إلى النبي صلى الله عليه وآله واستشفع لوحشي بالعفو، قبل النبي شفاعة العباس وتنازل عما اتخذه مسبقاً بحق وحشي.

مما مرّ يتضح أن كل شخص ـ من الناحية الأخلاقية ـ إذا لم يكن عنده لين في التعامل مع اﻵخرين ولا يتنازل عما اتخذه مسبقاً، فإنه لا ينال رعاية اﻹمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف إلاّ إذا أصلح نفسه وأخلاقه.

إن الحلم عن اﻵخرين هو من اﻷمور المهمة اﻷخرى التي تمكّن المتحلّي بها من نيل مقام القرب من اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف. فالحلم والصبر في علم اﻷخلاق لهما معنى واحد مع فارق هو أن الصبر تحمل ما يتعرّض له اﻹنسان من مشاكل خارجة عن إرادته كالذي يتعرّض لحادثة اصطدام فيتضرّر بدنه أو إحدى أعضائه فيتألم ويتأذى جرّاء ذلك، فتحمّله اﻷذى واﻷلم يعدّ صبراً.

أما إذا لاقى الإنسان تصرّفاً سيئاً أو سمع كلاماً بذيئاً من زوجته أو أبيه أو أمّه أو من أولاده أو من غيرهم فتحمّله ولم يردّ عليهم بمثل ما تعاملوا معه فصبره وتحمّله هذا يسمى حلماًَ.

 • تنبيه

اُذكّر اﻷخوات مرّة أخرى أن عليهن أن يطالعن سيرة مولاتنا فاطمة الزهراء وسيدتنا زينب الكبرى سلام الله عليهما ليعرفن تعاملهما مع اﻵخرين. فمولاتنا الزهراء وسيدتنا زينب صلوات الله عليهما مع أنهما قد تعلّمتا الخلق الرفيع من النبي صلى الله عليه وآله ومن اﻹمام أمير المؤمنين ومن اﻹمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهما لكنهما بذلتا الجهد أيضاً في بناء أنفسهما، وتحلّيتا باﻷخلاق الحسنة والرفيعة ومنها الحلم عن اﻵخرين.

إذن فأنتن أيتها اﻷخوات حاولن أن تتأسين بمولاتنا الزهراء ومولاتنا زينب الكبرى سلام الله عليهما في تعاملكن مع من يسييء إليكن حتى وإن كان لديكن القدرة على الردّ عليهم بالمثل، فلا تقمن بالردّ بالمثل بل تحلّين بالحلم والصبر حتى يوجب هذا الخلق الرفيع لكُنَّ نيل القرب من اﻹمام، وتشملكن رعايته عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ووصيتي لكن أنتن أيتها اﻷخوات هي أن تحاول كل واحدة منكن بقدر استطاعتها بأن تسرّ مولاتنا الزهراء سلام الله عليها.

فعليكن أن تسعين في ترسيخ العقائد الصحيحة وتقويتها، وفي حثّ الفتيات بالالتزام باﻷحكام واﻷخلاق الحسنة، وحاولن في تربية المزيد من اﻷخوات تربية سليمة وفق العقائد واﻷحكام واﻷخلاق اﻹسلامية التي يريدها اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

لا شك أن كل من تسعى في هذا المجال ستنال محبّة ورعاية اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه بمقدار ما تبذله من طاقاتها وقدراتها وعلمها. وأما التي تقصّر وتتهاون فإنها ستكون سبباً في تألّم اﻹمام وأذاه.

لذا ونحن نعيش هذه الأيام العطرة والمباركة بذكرى مولد مولانا اﻹمام بقية الله صلوات الله عليه يجدر باﻷخوات أن يصممن تصميماً حقيقياً على أن يعاهدن اﻹمام في الالتزام بالعقائد واﻷحكام واﻷخلاق الحسنة اﻹسلامية، وأن يقمن بتشجيع نظيراتهن على الالتزام بتلك اﻷمور الثلاثة. والعهد مع اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو في القلب وليس باللسان، فالإمام يعلم بحالنا جميعاً كما جاء في توقيعه الشريف حيث قال:

«ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم»(10). فاعلمن أن التزامكن باﻷمور الثلاثة التي مرّ ذكرها هو الذي يمهّد الطريق لتشرّفكن باللقاء باﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

إذن فاسعين كثيراً في تعلّم العقائد الصحيحة وبالعمل بالواجبات وترك المحرّمات والتحلّي باﻷخلاق الحسنة كما أراد اﻷئمة المعصومون صلوات الله عليهم، وكنّ من السابقات في ذلك حتى تستطعن أيضاً أن تهدوا نظيراتكن وتقمن بتربيتهن.

أسأل الله تبارك وتعالى بلطفه، وببركة اﻹمام بقية الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف وببركة يوم ميلاده العظيم أن يحفظنا اﻹمام من البلايا وشرور آخر الزمان كما قال صلوات الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه الشريف في توقيعه المبارك: «إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء»(11).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

.............................................................................

الهوامش/

*  هذه المحاضرة ألقاها سماحته بجمع من الأخوات في الخامس عشر من شهر شعبان المعظّم 1423 للهجرة ذكرى مولد مولانا الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه، وتنشر لأول مرة باللغة العربية.

1) الاحتجاج/ ج2/ ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه/ ص495.

2) سورة التحريم: الآية 10.

3) السورة نفسها: الآية11.

4) كشف اليقين/ للعلاّمة الحلّي/ المبحث الحادي عشر في خبر المنزلة و.../ ص280.

5) ملتقى البحرين/ للمرندي/ ص14، من فقه الزهراء/ ج1/ ص19، مستدرك سفينة البحار/ ج3/ ص334.

6) سورة المائدة: الآية 67.

7) من لا يحضره الفقيه/ ج3/ باب النوادر/ ص468/ ح4628.

8) فروع الكافي/ ج7/ باب صدقات النبي وفاطمة والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين/ ص49/ ح7.

9) وسائل الشيعة/ ج12/ باب 104 استحباب حسن الخلق مع الناس/ ص152/ ح15920.

10) الاحتجاج/ ج2/ ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه/ ص495.

11) الاحتجاج/ ج2/ ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه/ ص495.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/تشرين الثاني/2009 - 13/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م