الصين وأفريقيا: استثمار وتعاون أم ميدان صراع جديد مع الغرب

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: نادرا ما تمر فترة دون ان تبرم الصين اتفاقا جديدا للطاقة والموارد مع دولة افريقية ما، وتضر هذه الاتفاقات بالغرب بينما تكسب الصين من هذه العلاقات ما هو أكثر من الموارد.

وتوفر أفريقيا للصين أمرين هامين الاول الفرصة لكسب الاحترام والمكانة العالمية التي ترى بكين أنها تستحقها مع تنامي نفوذها الاقتصادي والثاني أصدقاء لا يصدرون عليها الاحكام او ليس لديهم مبرر مباشر للخوف من صعود الصين.

ويرجع دفء العلاقات الصينية الافريقية عقودا الى الوراء حين ساندت بكين الدول المستقلة حديثا بالاضافة الى حركات التحرير. وكان دعم القارة السوداء ضروريا لدخول الصين الى الامم المتحدة عام 1971 .

وقال كريس الدن وهو خبير في الشؤون الافريقية بمعهد لندن للاقتصاديات "يمكنك القول ان الدافع الحالي هو الاقتصاد لكنهم (الصينيين) كانوا دوما أصحاب مصالح سياسية في أفريقيا منذ منتصف الخمسينات وما بعد ذلك.

"ومع تحول الصين الى لاعب أكثر نشاطا في الشؤون المتعددة الاطراف أدركت حاجتها لشركاء.. وأفريقيا هي شريك مناسب جدا بطرق كثيرة."

وفي عام 2006 وعد الرئيس الصيني هو جين تاو بتحقيق قفزة كبيرة في الاستثمارات والتجارة والمساعدات خلال أول قمة تعقدها بكين مع الزعماء الافارقة. وخلال قمة مجموعة العشرين للاقتصاديات الكبيرة والنامية التي عقدت في نوفمبر تشرين الثاني تطرق الى احتياجات أفريقيا خلال الازمة الاقتصادية العالمية.

وحين يزور رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو مصر للقمة الافريقية الصينية الثانية التي تعقد في الثامن والتاسع من نوفمبر تشرين الثاني الجاري يتوقع محللون ودبلوماسيون ان يقدم ما يعادل خمسة مليارات دولار من قروض وائتمانات عرضها هو حينذاك بل ربما أكثر.

ويبلغ اجمالي الناتح المحلي الافريقي نحو 1.2 تريليون دولار اي تقريبا ربع حجم الاقتصاد الصيني وقيمته 4.4 تريليون دولار.

ويعكس التزام هو بأفريقيا قناعته الراسخة بأن القارة السوداء توفر مسرحا تسوده مشاعر الود ليثبت للعالم ان نمو الصين وسياساتها الدولية هي لصالح العالم.

وقال الدن خبير الشؤون الافريقية "يودون اثبات ان نواياهم الحميدة ممثلة بشكل أمثل في أماكن مثل أفريقيا."

وتقدم أفريقيا للصين الدعم الدبلوماسي الهام الذي لا تلقاه عادة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بل ومن دول أخرى في اسيا خاصة فيما يتعلق الامر بقضايا خلافية مثل تصويت الامم المتحدة على حقوق الانسان.

استعدادات لتعزيز التعاون

وتجتمع الصين وافريقيا الاحد والاثنين في منتجع شرم الشيخ المصري سعيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية المتنامية بينهما رغم المخاوف من قيام "استعمار جديد" صيني.

وسيفتتح الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء الصيني وين جياباو المؤتمر الوزاري الرابع لمنتدى التعاون الصيني الافريقي الذي يشارك فيه خمسون بلدا.

وينتظر وصول العديد من رؤساء الدول والحكومات بينهم رئيسا السودان عمر البشير وزيمبابوي روبرت موغابي للمشاركة في هذا الاجتماع الذي يعقد كل ثلاث سنوات.

وكانت الصين وعدت عام 2006 خلال آخر مؤتمر وزاري لمنتدى التعاون الصيني الافريقي بمضاعفة مساعدتها لافريقيا. وحققت الاستثمارات الصينية المباشرة في هذه القارة بحسب الاحصاءات الرسمية الصينية قفزة من 491 مليون دولار عام 2003 الى 7,8 مليار دولار في نهاية 2008، ما فرض بكين كشريك هام في منافسة مع الغربيين. بحسب رويترز.

كذلك تضاعفت المبادلات التجارية بين الصين وافريقيا منذ مطلع العقد لتصل الى 106,8 مليارات دولار عام 2008، مسجلة ارتفاعا بنسبة 45,1% في سنة. غير ان هذا النمو الهائل في العلاقات الاقتصادية والتجارية يترافق مع مخاوف.

فالصين التي يتوقف اهتمامها في استثماراتها على تحقيق صفقات بدون الخوض في مسائل متعلقة بحقوق الانسان، تتهم على الدوام بالسعي لفرض "استعمار جديد" وبمساندة انظمة ترتكب انتهاكات لحقوق الانسان بضخ مليارات الدولارات في دولها.

وشدد وين جياباو في الطائرة التي كانت تقله الى مصر على ان التعاون على صعيد الطاقة ليس "سوى أحد المجالات" التي تشملها العلاقات بين الصين، احد كبار مستهلكي المعادن والنفط، وافريقيا التي تحتوي على كميات هائلة من هذه الموارد.

وقال ان "الصين لا تأتي اطلاقا الى افريقيا من اجل مصادر الطاقة فقط" وأكد ان "هدف الصين من مساعدة افريقيا هو تعزيز قدراتها التنموية الذاتية"، مشيرا الى ان "تعليم شخص صيد السمك افضل من اعطائه سمكا".

من جهته قال وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد "ان الامر لا يشكل كما يقول البعض محاولة من الصين لاستعمار افريقيا" معتبرا ان الطرفين على السواء يجنيان مكاسب من العلاقة بينهما.

وبحسب صيغة اولية لخارطة الطريق التي يتوقع ان يقرها المؤتمر وقد نشرتها وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية، فان الصين ستتعهد بزيادة حجم المساعدة التي تقدمها لافريقيا و"تخفيض او الغاء" الديون المتوجبة على الدول الافريقية. كما ستقوم بحسب هذه الصيغة بزيادة الاستثمارات في القارة الافريقية وفتح سوقها اكثر على بضائعها.

الصين ارض الفرص لبعض الافارقة

قبل ان تدق الساعة الرابعة صباحا تصل فيمبايي كاجيسي الى مبني شبكة التلفزيون المركزية الصينية لتؤدي عملها كأول مذيعة للنشرات الاخبارية عن قارة افريقيا في الصين لتكون واجهة لجالية اخذة في النمو.

وكاجيسي واحدة من عدد متزايد من الشبان الافارقة الذين يتوافدون على الصين بفضل الازدهار الاقتصادي في البلاد والتقارب الاكبر مع الدول الافريقية مما يوجد فرصا مغرية مثلها مثل تلك القائمة في اوروبا والولايات المتحدة.

ونمت الجالية الافريقية في الصين نموا كبيرا منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية في 2001 ويقول الخبراء في هونج كونج ان عددهم بلغ 250 الفا. بحسب رويترز.

كثيرون منهم تجار يشترون سلعا صينية الصنع رخيصة لبيعها في بلادهم. ويتوافدون على مراكز التصدير مثل قوانغتشو حيث ظهرت "افريقيا الصغيرة" وتمثل جالية لها متاجرها ومطاعمها الخاصة وتوجد مراكز لبيع الصادرات التي تزدحم بكل شيء من ملابس من الجينز تقليدا للماركات العالمية واقمشة افريقية بالوانها الزاهية.غير ان المهنيين الشبان يجدون مجالات جديدة في كل قطاع من التلفزيون الى احدث مجالات الترفيه.

وتقرأ كاجيسي البالغة من العمر 28 عاما وهي من زيمبابوي نشرات الاخبار كل ساعة تقريبا من الخامسة الى التاسعة صباحا على القناة التاسعة وهي القناة الناطقة باللغة الانجليزية التابعة للدولة وتعتبر لسان حال الصين أمام العالم الخارجي.

ورغم مواعيد العمل المبكرة حيث تحتاج الى نصف ساعة لتصفيف الشعر ووضع زينتها فضلا عن ضغط الظهور على الهواء مباشرة تقول كاجيسي انها ممتنة لفرصة تعزيز التفاهم.

وصرحت لرويترز في استراحة بين ظهورها على الهواء "كثير من الصينيين ربما لم يقابلوا الكثير من الافارقة والان حانت الفرصة ليقول البعض (حسنا لماذا تتحدث بهذا الاسلوب أو لماذا يبدو شعرها كذلك)."

وتضيف ان من المستحسن ايضا ان يدرك الافارقة حين يأتون الى هنا ان ثمة فرصا امامهم مثل اي اجنبي اخر. وتوافد غربيون يجيدون اللغة الصينية على بكين منذ سنوات لبدء حياتهم المهنية.

وعلى الجانب الاخر من المدينة ينهي فرانك بايلونجاندي عمله المسائي فيما تبدأ كاجيسي يومها.

وولد بايلونجاندي في جمهورية الكونجو الديمقراطية وجاء للدراسة في الصين قبل ستة اعوام وانتهت به الحال لان يكون ملكا لحياة الليل في العاصمة بفضل عمله كمنسق موسيقى.

وفي العام الماضي اختير كافضل منسق موسيقى في العاصمة ويقيم في واحد من اكبر النوادي الليلة وهو فيكس.ويقول بايلونجاندي "استشعرت الطاقة والفرصة واستشعرت ضخامتها."حسنا اعتقد انه المكان الذي ينبغي ان ابقى فيه.. انا في المكان المناسب في الوقت المناسب."

ويربط بين الصين والكثير من الدول الافريقية تحالفات سياسية منذ عقود ولكن الاتصال المباشر بين المواطنين العاديين كان محدودا حتى وقت قريب.

واثار توافد الافارقة على الصين بعض الخلافات من بينها مواقف عنصرية ومصادمات مع السلطات. ففي يوليو تموز تظاهر اكثر من مئة افريقي في شوارع مدينة قوانعتشو الجنوبية في احتجاج اتسم بالعنف في بعض الاحيان اعتراضا على حملة الشرطة ضد من يتجاوزون فترة تأشيرات الدخول بشكل غير شرعي.

لكن من تزايد اغراء الشرق فمن المرجح ان يواصل شبان افارقة لديهم طموح الخروج من افريقيا والتوجه للصين في السنوات المقبلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 11/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م