دور رجل الدين في مقارعة الدكتاتورية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

 

شبكة النبأ: الغرائز التي يحملها الانسان في تكوينه البايولوجي، تدفعه الى الذاتية والانانية وتفضيل النفس، ما يستدعي أن يقف العقل بوجه هذه الاندفاعات (ذات الطابع الحيواني غير المهذب).

وكما هو متفق عليه علميا، أن الانسان من دون المنظومات التهذيبية التي توجه مساراته الفكرية والعملية، فإنه يتحول الى آلة او ماكنة (ستفرم) كل من يقف بوجهها وهي تغذ السير لتحقيق اهدافها القائمة حصرا على تفضيل الذات، وهذه المنظومات الضاغطة والموجِّهة للعقل البشري تتمثل بالتعاليم الدينية ومنظومة الاخلاق والاعراف والنواميس السائدة في الوسط الاجتماعي.

ولعلنا نؤشر حقيقة واضحة حين نقول بأن الدين هو المنظومة الأهم والاقوى والاكثر تأثيرا في تصحيح المسارات البشرية الخاطئة، فردية كانت او جماعية، كونها تمثل اوسائل المثلى في مخاطبة العقل، وبالتالي تعمل على توجيهه ليكون متحكما بالغرائز الطائشة.

وهنا سيبدو جليا ذلك الدور المحوري لرجل الدين وهو يتصدر العقول والآراء والاصوات التي تقف بوجه الحاكم السياسي الطائش كما ثبت ذلك على مر الازمان، إذ يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الثمين الموسوم بـ ( السياسة من واقع الاسلام):

(وقد كان من واجب العلماء أن يردّوا الأُمراء والحكّام عن الغي والفساد، إذا انزلقوا، وكان عليهم أن يقابلوهم ويرشدوهم باللسان والنصح، فإن لم ينفع ذلك فبالوقوف دونهم وما يريدون، مهما كلّفهم الأمر).

وهكذا يكون هذا الدور ضاغطا وفاعلا ومتجددا كونه يستمد منهجه من مناهج الحكمة الإلهية والنبوية ومن مناهج أهل البيت عليهم السلام، وبهذا فهو يحدد مسؤولية رجل الدين بوضوح ازاء السياسي (المنحرف) ويوجب عليه توجيه السياسي الحاكم وتشذيبه بل والضغط عليه بكل الوسائل المتحة كون أن رجل الدين يملك سلطة العقل الذي يستند الى إرادة الله تعالى في تسيير أمور الامم والشعوب كافة، فليس الامر متعلقا بغرائز الفرد الحاكم بل ثمة مصالح جماعية تتعلق بمصائر الامة والشعب، مما يتيح قدرة أكثر لأن يمار رجل الدين دوره الجوهري في التوجيه والتشذيب والضغط إذا لزم الأمر ذلك.

وسنتفق على ان السلطان الذي تسيره غرائزه سوف لا يكون منصفا لا لشعبه ولا لنفسه أيضا، ولذلك كان العلماء مصدّا تأريخيا لنزعات الحكام الجائرين، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(إنّ العلماء عبر العصور المتمادية والقرون المتتابعة سائرون على منهجهم الذي رسمه لهم رسول الله صلی الله عليه و آله والأئمة الطاهرون من إصلاح أمور الأمّة الإسلامية وتقويمها، فلم يتركوا الحكّام وما يفعلون، ويدعوهم وما يريدون، بل تدخلوا في السياسة).

وهذا يدل على أن رجل الدين لم يقف مكتوف الايدي فيما يتعلق بمصائر الناس وحيواتهم، بمعنى انه ما يلبث أن يستنفر كل مقومات ومستلزمات الحكمة والتوجيه والضغط على السياسي اذا لمس منه انحرافا او تفضيلا للذات والحاشية معا، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي أن رجال الدين لم يدخروا جهدا في هذا المجال حيث نقرأ ذلك في كتاب سماحته المذكور آنفا إذ يقول في هذا الصدد:

( وكانوا –رجال الدين- يقومون بذلك ويرشدون وينصحون، ويهددون ويكفّرون، ويعارضون ويقاطعون كل من كان ينحرف عن الإسلام من الحكام.

فكم من عالم أُبعد من دياره؟

وكم من مجتهد أُوذي وسُجن؟

وكم من فقيه أُحرق داره وطُرد؟

وكم منهم قُتل وصُلب؟

وكم؟ وكم؟

كل ذلك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الحكّام وتقويمهم عن الهوى والشهوات).

ولعلنا نتفق الآن على اننا في العراق –مع التأسيس المتواصل لمقومات ومسارات العملية السياسية- احوج ما نكون لتحقيق التأسيس السياسي الناجح، وهذا لن يتحقق بطبيعة الحال في ظل غض البصر والبصيرة عن الاخطاء التي يقع فيها السياسيون خاصة انهم يؤسسون لمنهج حكم يُراد الاستمرار به والاعتماد عليه كنموذج حكم راقي يعوّض المسلمين والعراقيين جميعا عما ألحق بهم من ضرر فادح نتيجة السياسات العشوائية التي تعاقبت على تسيير امورهم.

من هنا يُعدّ رجل الدين النموذج الامثل لمراقبة الحراك السياسي وتوجيهه بما يحقق مصلحة الجميع، ولا يجب قط أن يتخلى عن دوره هذا لا سيما في هذه المرحلة التي تطفو فيها النزعات الشرهة على السطح مما يستوجب متابعتها وتأشيرها والضغط المتواصل باتجاه محوها لاسيما من سجايا وتوجهات الساسة الذين يتحكمون بمصائر بسطاء الناس وغيرهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/تشرين الثاني/2009 - 11/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م