شبكة النبأ: عندما اجتاحتني فكرة
الكتابة عن آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي راودني شعور بأن (ما لا
يدرك كله لا يترك جله) ، أجل فهذا البحر المتلاطم بالمآثر يجعل الخائض
في حيرة من امره فمن اين يأتيه يرد، حياة حافلة بالبطولات والجهاد
والتضحية والعلم والفقه والادب والزهد حمل هموم الامة الاسلامية اكثر
مما تحمله من انواع التعذيب والسجون والمراقبة والمطاردة والاضطهاد حمل
طيلة حياته اعباء الانسان الرسالي مستنيراً بنور الاسلام فلم يطأطأ
هامته للترغيب والترهيب وواجه بقامته التي لم تحسنها عذابات السنين
وبوجهه الذي ارتسمت فيه صلابة الابطال الخالدين ابطش وافظع نظام
دكتاتوري عاشه العراق على مدى تاريخه الطويل.
فرغم كل ما مارسته الانظمة القمعية لهذا النظام من اساليب وحشية ضد
هذا الجسد الطاهر إلا انها لم تستطع ان تثني الارادة الفولاذية التي
كانت كصلابة الجبال في الدعوة الى الله والاسلام والقرآن كان السيد حسن
الشيرازي يحمل في عيونه ألق الحرية وكان في داخله نور يزداد توقداً
كلما زادت سياط الجلاوزة والجلاديين من قسوتها على جسده الملائكي ذلك
هو نور الاسلام الذي ما خبأ في تلك الروح الطاهرة قط حتى رجعت الى ربها
راضية مرضية.
كان السيد حسن الشيرازي مثال الشخصية العظيمة التي تعددت جوانبها
الابداعية المشرقة فهو العالم الفاضل والمفكر الكبير والثائر الشجاع
والاديب المبدع والحديث عن هذه الجوانب المتعددة يحتاج الى مجلد ضخم
وربما اكثر وما سنتناوله هنا هو جانب واحد من هذه الجوانب المشرقة لهذه
الشخصية الفذة وهو الجانب الادبي الذي ابدع فيه السيد حسن الشيرازي
أيما إبداع، فقد كان ادبياً ملتزماً مهتماً بقضايا العصر ومراقباً عن
كثب الواقع الاسلامي فكان الاسلام هو المحور الاساسي الذي تدور حوله
قصائده وحياته اليومية.
أمامنا اليوم ديوان يحتوي على اكثر من مئة وستين ما بين قصيدة وقطعة
شعرية في موضوعات شتى وأغراض متعددة تمطر القارئ برذاذ من الصور
الجميلة المليئة بالمشاعر المتدفقة والمكيفة للتأمل والاهتمام فقد
تناول صاحب الديوان العديد من القضايا المهمة بأسلوب بلاغي وقدرة
ابداعية دلت على باعة الطويل في عالم الشعر حتى يحسب القارئ للوهلة
الاولى ان صاحب الديوان لم يهتم بأمور اخرى غير الشعر لما حفلت به
قصائده من اسلوب لغوي عالً وخصائص فنية شاعرية وربما سيتفاجىء القارئ
حين يعرف ان هذا الديوان لواحد من اعلام العلماء واساتذة الفقه إلا وهو
آية الله السيد حسن الشيرازي فأن ما يراه القارئ في الديوان وما يلمسه
هو ان صاحبه شاعر كبير يهدف الى قوة التعبير والقدرة على الاقناع ويترك
نقاطاً معينة ويتوغل في معنى قصده ويتوجه بتركيب الى الشكل الاساس الذي
يستخلص منه قصده وقد عالج الشاعر في ديوانه كثيراً من المشاكل صاباً
اهتمامه على الصورة الشعرية وتأثيرها على القارئ الذي توجه اليه حكمة
تساعد في حل كثير من المشاكل أو تسهيلها فيما لو أولاها اهتماماً كافياً
وتأملاً جيداً.
من قضايا المهمة التي عالجها الشاعر هو ما يعتور الانسان المتشكك من
حيرة وغموض وشك نحو قضية الخلق والخالق فقدم الشاعر بأسلوبه الرائع
آيات من الابداع الشعري عن الابداع الالهي استجلت تفاصيل مراحل الابداع
الكون والانسان وما يتعلق بهما من ملابسات وتطورات ومثل هذا النموذج
الشعري يزور القارئ فضلاً عن المتعة والمعلومات الغزيرة والمهمة التي
تشبع فهم القارئ الذي يسعى الى الكمال الروحي وهو الدافع الملح لكل
انسان، ففي قصيدته قصة البدء يسترسل الشاعر في وصف النظام والتناسق في
الخلق وفق نظام ايديولوجي حيث يقول:
كان نوراً. . في قبضة الله يجري نقطة. . أرصدت _ بها _ الاشياء
فأذا النقطة. .. البداية طالت ألفاً. . ثم كان _ منها _ الباء
واحتوت جاذبية النقطة ال حرف فأجرته _ في مداها _ الولاء
فأذا الحرف صار دائرة ال أيجاب. . والسلب نقطة صماء
وبفعل الارقام والاحرف والنقطة. . والدائرات. ... كان الضياء
واستمر الضياء يجري خيوطاًً وتلاقت خيوطها البيضاء
وبمثل هذا الانسجام يسترسل الشاعر في (قصة البدء) بتتابع بديع فيقول:
وأستبد الهواء بالماء موجاًً ان ترامى يفر منه الفضاء
واذا دمدت جبابرة الامواج فالكون في السفوح غثاء
وترامت من أملاحها _ وهي الاف المجرات _ زبدة دكناء
واتقتها _عبر المدارات _ذرات اليها تناهت الاضواء
ثم يتابع الشاعر(قصة البدء) في كينونة الانسان الاول فيقول:
أحملي فكرة السنا. . بأسماء كرة الارض _بعد _ ثلج. . وماء
آدم _ بعد _ ما احتواه البلاء فهو _كالنور _صفحة. . بيضاء
لم ينازعه _بعد_ اغراء حواء. . ولم ترتطم به الاخطاء
صفوة الله فيه كل سجايا ملكوت السماء والاسماء
كعبة الله فالسجود له تجربة ميزت بها الفرقاء
نفخ الله روحه في كيان ابجدياته: تراب. . وماء
وهكذا في تناسق جميل وقدرة على الاقناع يستعرض الشاعر في مقطوعاته
في نفس القصيدة والتي تكاد تكون ملحمة شعرية تستجلي تفاصيل مراحل ابداع
الكون والانسان: غضبة الله، وعصيان آدم، وأغنية الشيطان، واعتذار ادم،
وهابيل وقابيل، الحكمة الآلهية في بدء الخليقة
وكانت لقضية أهل البيت (ع) مكانة متميزة في ديوان السيد حسن
الشيرازي لما تمثله من اهمية في تاريخنا الاسلامي وقد استلهم الشاعر من
هذه القضية الخالدة الدروس والعبر التي جسدها الائمة الاطهار (ع) في
حياتهم فصبها في قوالب ابدعتها قريحته وصاغتها ذائقته ففي قصيدته فجر
النبوة يخاطب النبي الاكرم (ص) في ذكرى مولده فيقول:
بوركت يا مولداً انجبت مفخرة الدنيا. ... وفجرت فيها الفجر والشفقا
انزلت فيها من المشكاة كوكبها فسار في الركب نجم الافق منطلقاً
نفس النبي وما أسمى خلائقه اعظم بمن ربه اسرى به غسقاً
روح تنزل بالايات فأنتعشت به القلوب فلما عاد، ما زهقا
يا كوكباً يحصد الايمان مرصده فتستنير عقول كلما خفقا
تتجلى الروعة في البيت الاخير حيث انه يعطي كشفاً مفاجئاً دون ان
يخرج من محيط الصورة إذا برز الشاعر كلمة (الكوكب) التي تدل على النور
وختم البيت ب(خفق) وهو البريق الإخاذ الذي يخرج منه وما بينهما جاء
بكلمة (عقول) والتي تصور الروح الانسانية التي تستنير من هذا الكوكب
الذي شبه الشاعر رسول الله (ص)_ مجازاً_به ومن الجدير بالملاحظة ان
الاستعارة والتشبيه لهما الغلبة على باقي الفنون في الشعر العربي وهناك
كثير من الابيات شبهت رسول الله (ص) بالكوكب أو القمر أو الشمس لكنها
ليست كلها كانت قادرة على خلق العواطف أو إثارها واستجابة العاطفة
الشعرية كما في هذا البيت، اما عندما يخاطب الشاعر بطل الاسلام الامام
أمير المؤمنين (ع) فأنه يعبر عما ارتسم في داخله من عظمة نحو هذا
الإمام العظيم الذي صار نموذجاً يحتذى به في كل زمان ومكان ففي قصيدته
صقر الحروب يصف الشاعر جملة من مناقب الامام علي بن ابي طالب (ع) فيقول:
صهر النبي أبا الائمة من به الرحمن باهى في السماء اطائبا
طهرت بيت الله عن أوثانه لما ثبت مجاهداً ومحارباً
تهب الجنان لمن تريد وتصطفي والنار تدخل من أتاك مغاضباً
بحر الندى ترب الهدى رب رمز العلى خير الانام مناقباً
الفكر يعجز حين يجري مرسلاً والعقل يعثر حين يمضي صائباً
والكون يخشع لأسمه متواضعاً وسخاؤه يزري السحاب الصائبا
نشر العجائب في الدنا فأستيقظت أمم لتشهد من علاه عجائباً
انها قطعة تتسم بقوة بلاغية وتفنن رائع، لاحظ الكلمات التي تعطي
عنصر شدة التركيز فكلمتا الفكر والعقل اخذتا موقعين على جانب كبير من
الايحاء ناهيك عن ان البيت الاخير أعطى صورة جميلة من خلال كلمة (لتشهد)
والتي اعطت انطباعاً واستجابة للأهتمام أما في قصيدته (انت الرمز)
والتي كتبها بمناسبة مولد سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة
الزهراء (ع) فنختار منها هذه الابيات ثم نتناول ما حملته من صور فنية:
هذه فاطم اطلت على الاكوان تزري بطلعة الاقمار
هي أرقى من الطيعة كالارواح ماراقها بريق النضار
لم تزين بالعقيدة جيداً وبالخاتم كفاً ومعصماً بالسوار
أغنت المعدمين بسطاً ولكن ليس في بيتها متاع الدار
مالها من مباهج الكون ميل ولها المكرمات خير شعار
حقق الشاعر هنا كمالاً في الصورة وتناغماً في الانطباع وأوصل
الحقيقة الشعرية عن الموضوع حين تناول الحالة الاجتماعية الانسانية
للسيدة فاطمة الزهراء والجانب المعاشي لها في تنسيق عالً هو جزء من
تنسيق تجربته الشعرية، أما شعره السياسي فقد تناول الوضع المأساوي الذي
كان يعيشه العراق في حكم البعث الكافر في مضمون ثوري عبر الغضب والحزن
الذين يعانيهما الشاعر جراء تسلط الظالمين والمستعمرين على هذا البلد
كما عبر عن وطنيته ومبدئه تجاه دينه ووطنه واستمانته في الدفاع عنهما
فقد عبرت فصائد هوية، وعراق بعث، وعنفوان الآلام، وانهيار مرايا،
والانسان الشيعي، وضفاف الارض، ويا امام العصر، وصرخة الحق، وفلسفة
الطاغوت، وانفجار الجرح، وثورتي وصوتي، وفلسفة البعث، وطغاة العراق
والتي كونت مجموعته الشعرية طغاة البعث عن مقاومته للسطلة البعثية
وتصديه لها مهما كلف الثمن، ولم تستطع تلك السلطة الغاشمة بوسائلها
القمعية واساليبها الهمجية البربرية من اسكات هذا الصوت الهادر الذي
راح يتعالى في ظلمات الزنزانات ومن بين سياط الجلادين:
أنا دمع ينفر كالبارود
وعرق يضرب كالمدفع
أنا وحي رسول احرقه الطاغوت ولم يركع
انا خبز فقير مات ولم يشبع
انا جرح جربه كل سيوف بني العباس ولم يخرج
انا شغب حاربه كل سلاطين الاتراك. . ولم يخنع
والشاعر رغم لك ما ألم به من آلام يستنفر الشعوب المظلومة كافة
للثورة ضد الظالمين والمتسلطين
يا شعوب الارض هبي للسلاح
واسحقي الدنيا اجتياحاً واكتساح
وازرعي الجو صلاحاً وفلاح
ان جبريل ينادي للكفاح
ارفعي فوق المجرات مهاد
واعصفي عبر المدى نوح البلاد
وانشري في مربع الظلم حداد
واهتفي في كل ناد للجهاد
كما تناول الشاعر العديد من القضايا الاجتماعية في شعره فكان يعالج
العادات المنحرفة معالجة اسلامية اصلاحية ففي قصيدته (حرية السيدات)
دعا المرأة الى اتباع الشريعة الاسلامية السمحاء التي تصونها وتحفظها
وحذرها من الوقوع في هاوية السفور والانحراف الذي لبس لباس الحضارة
المزيفة
افيقي من السكرة الغادرة ولا تتبعي الفكرة الفاجرة
قذفت حجابك خلف الدروب ودست فضيلتك العاشرة
كما احتوى الديوان على كثير من القصائد العرفانية والفلسفية
والاجتماعية والسياسية جسد فيها الشاعر احاسيسه وافكاره الدينية
والاخلاقية التي تجذب القارئ الى اعماق تربوية عقائدية عبر سلسلة من
غزارة الصور وتنوع الابتكار. |