قانون امتيازات النواب

رشوة فات أوانها

علي الأسدي

275 نائبا اختيروا بالاقتراع السري ووفق القائمة المغلقة، لم يكن الشعب على علم بمؤهلاتهم العلمية أو الثقافية أو السياسية، ولم يرى صورهم أو يعرف أي شيئ عن حسن أو سوء سلوكهم، وفيما إذا كان سجلهم يسمح لهم أن يمثلوا أو يحموا مصالح الشعب. وقد ظهر فيما بعد تورط البعض منهم بنشاطات غير مشروعة وما يزالون طريدي العدالة وتبحث عن بعضهم الشرطة الدولية. لكن ماذا عن البعض الآخر؟

إن 165 نائبا من ذلك البعض يلهث وراء الامتيازات، رواتب خيالية، قروض لشراء سيارات يسعون لجعلها منحة، مخصصات حماية لثلاثين أو أكثر من الحراس لا تخطر ببال، قطع أراضي على ضفاف نهر دجلة تصل مساحتها إلى 600 متر، جوازات سفر دبلوماسية لهم ولافراد عائلاتهم  بضمنهم الاطفال، تقاعد براتب خيالي مدى الحياة عن خدمة أربعة سنوات فقط قضوا أكثرها في مقهى المجلس النيابي، أو خارج العراق للمشاركة في وفود مدفوعة من ميزانية الدولة. يكلف النائب خزينة الشعب ( 26  ) ألف دولار شهريا بما يساوي  ( 312 ) ألف دولارا في العام. ألم يسألوا أنفسهم مقابل ماذا..؟؟

لقد تصاعدت الاحتجاجات في أوساط شعبية عديدة ضد تصويت النواب بأكثرية لصالح امتيازاتهم الخاصة، فقد قال ممثل المرجع الكبير السيد علي السيستاني في كربلاء احمد الصافي ان " نسبة كبيرة من اعضاء مجلس النواب، تصل الى ثلاثة اخماس، يصوتون على امتياز خاص بهم". واعتبر ان "الانسان عندما يفكر بهذه الطريقة من الصعب ان تؤمن مصلحة البلد عنده  ". وتساءل:  "ماهي المصلحة بان يكون لدى عضو مجلس النواب جواز سفر دبلوماسياله ولعائلته لمدة ثماني سنوات قادمة؟ ".

وتساءل رجل دين آخر هو السيد صدرالدين القبانجي العضو البارز في المجلس الاسلامي خلال خطبة صلاة الجمعة  "لماذا لا يكون هذا الاجماع على قانون الانتخابات الذي ما زال يراوح بين مكاتب المجلس السياسي للامن الوطني والبرلمان؟" وتابع "أليس الاحرى ان يكون اجماعهم على ذلك؟".

واكد السيد بهاء الاعرجي رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب رفضه القاطع لهذه المطالب قائلا: " انا اعترض على هذه الامتيازات وساكون حجرعثرة امام تنفيذها" وتابع "ليس هناك من نائب بحاجة الى قطعة ارض او جواز سفر دبلوماسي لان هذا الجواز يستخدم لانجاز اعمال وتسهيل مهام سيكون هو بعيدا عنها".

وأصدر ديوان رئاسة الجمهورية  بيانا توضيحيا جاء فيه : ان "مجلس النواب قام اخيرا بالتصويت على المشروع (للمرة الثالثة) بأغلبية ثلاثة أخماس اعضاء المجلس، ونظرا لاعتراض مجلس الرئاسة على مشروع القانون لمرتين متتاليتين، وبما انه لا يحق لمجلس الرئاسة نقض القانون للمرة الثالثة استنادا للدستور، اعتبر المشروع نافذا ولم يبق لمجلس الرئاسة سوى إرسال مشروع القانون للنشر في الجريدة الرسمية ".

وأبدى النائب عن التحالف الكردستاني السيد محمود عثمان معارضته لامتيازات النواب قائلا: "انا ضد هذه الامتيازات منذ البداية، وقلت لهم لا تطلبوا جوازات ولا ارض لاننا تحت وابل من الانتقادات وهذا سيجعلنا تحت مزيد من الانتقادات". واضاف " طالبت بان تجري هذه الامور في جلسة علنية وليس داخل جلسات سرية لان ذلك سيضاعف من (تأثير) هذه المطالب".

بشكل عام  وحتى من دون هذه الامتيازات المثيرة للجدل، فإن النظام الحالي للرواتب  لأعضاء مجلس النواب والرئاسة والحكومة لا يتناسب والحالة المالية للدولة في الظروف الحالية، ولا يمكن قبوله شعبيا في ظل أزمة البلاد الاقتصادية الراهنة، حيث نسبة الفقر العالية في صفوف الشعب. ومن غير المقبول أخلاقيا أن يسمح بسريان القانون الجديد بامتيازات النواب، الذي سيزيد من تذمر ونقمة الاكثرية المسحوقة  التي  تكدح الملايين منها من أجل سد الرمق، وهذا ظلم لا ينبغي السماح به أبدا.  يتطلب من حكومة المالكي استخدام صلاحياتها لوقف اصدار هذا القانون المعيب، وإنه من العار على أولئك النواب أن يسعوا لتنفيذه الآن في حين لم يتبقى لدورة مجلسهم إلا أسابيع، فياله من صلف وجحود بحق الشعب العراقي.

إن مشروع قانون الامتيازات  الحالي لمن لا يعرف، أعدته مجموعة مستشارين يعملون خلف الكواليس في مؤسسات الدولة يمثلون شركات النفط الأمريكية  إبان حكم السفير الأمريكي الأسبق زلماي خليل زاد. لقد قدم مشروع الامتيازات الحالي كرشوة للنواب لكسب موافقتهم على تمرير قانون النفط والغاز الذي أعدته شركة أمريكية باشراف كبريات شركات النفط وصندوق النقد والبنك الدوليان. ولأن قانون النفط لم يمرر في حينه للمعارضة الشديدة له من قبل مثقفينا، فقد قرر رئيس المجلس النيابي السابق السيد محمود المشهداني تأجيل البت فيه في حينه، لكن الجشع لا يقف عند حدود، فها هو يطل برأسه من جديد لحصد المكاسب قبل نهاية الدورة التشريعية للمجلس النيابي الحالي، حيث يتوقع الكثير من النواب الذين يلهثون وراء الامتيازات استحالة انتخابهم من قبل الشعب في انتخابات العام القادم.

لهذا نراهم يستميتون من أجل التهام ما أمكن من رشوة شركات النفط الاحتكارية التي استطاعت وضع اليد على النفط العراقي دون الحاجة إلى بصماتهم. ليجعلها عليهم لعنة وعلى الذين أتوا بهم نوابا من الآن وحتى يوم القيامة، آمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 8/تشرين الثاني/2009 - 9/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م