شبكة النبأ: أثار التقرير الأخير
لمنظمة مراسلون بلا حدود الذي تناول ترتيب الدول حسب طبيعة الحريات
الصحفية حفيظة اغلب صحفيو العراق نظرا لاعتماده معايير غير موفقة حسب
قولهم.
حيث اعتبرت شريحة واسعة من الصحفيين إن مقومات العمل الإعلامي في
العراق بات يتمتع بهامش كبير من الحرية في التعبير ونقل الأخبار رغم
أعمال العنف التي ترصد هنا وهناك.
فيما أضاف البعض إن التقرير قدم العديد من الدول على حساب العراق،
مما اعتبره الكثير منهم إجحاف يجانب حقيقة الأمر.
التقرير المجحف
حيث اكد بعض الصحفيين ان التقرير الأخير لمنظمة (مراسلون بلا حدود)
حول حرية الصحافة بأن فيه “نوع من الإجحاف” مع التقدم الكبير المتحقق
في حرية التعبير وتراجع العنف ضد الصحفيين، مشيرين الى ان “تسلسل
العراق المتاخر عن العديد من الدول العربية هو نتيجة لاعتماد المنظمة
على معلومات غير دقيقة”.
وكانت منظمة (مراسلون بلا حدود) قد أشارت في تقريرها الصادر في 20
تشرين الاول اكتوبر الجاري الى تسجيل وضع الصحافيين في العراق “تقدما
ملحوظا” بحلوله في المرتبة 145 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام
2009 من مجموع 175 دولة، مشيرة الى وجود “عدائية للسلطات تجاه الصحفيين”.
ورأى الكاتب والصحفي أمين يونس، من دهوك، ان “المعايير التي اعتمد
عليها التقرير تُغطي جانباً واحداً من الواقع العراقي وهو جانب العنف،
والذي أثّرَ بالتأكيد على حرية التعبير، مثلما اثر على كافة جوانب
الحياة الاخرى”. بحسب أصوات العراق.
وقال امين “إذا اخذنا بنظر الإعتبار إنتشار الفضائيات والاذاعات
والصحف والمظاهرات والاعتصامات وحجم النقد وحرية التعبير في وسائل
الاعلام العراقية، ومقارنتها بالكثير من البلدان التي كان تسلسلها في
التقرير أفضل من العراق، فاننا نرى ان التقرير لم يكن دقيقاً كثيراً
ولا مًنصفاً تجاه العراق”.
واضاف “هنالك تصرفات يومية خاطئة يقوم بها المسؤولون العراقيون
وحماياتهم، كالإعتداء على الصحفيين والاعلاميين والحد من حريتهم، لكن
ذلك لا يمكن اعتباره توجها رسميا، بل مجرد ممارسات فردية”، مضيفا ان
“اكبر سلبيات الواقع الصحفي العراقي هي صعوبة الحصول على المعلومة
والتعامل معها كأنها من اسرار الدولة التي لا يمكن الكشف عنها، بينما
هي من اهم حقوق الصحفي من اجل إيصال الحقيقة للمواطن”.
وزاد يونس “مازلنا نعاني من الخلط بين الدولة والحكومة، ومازالت
الحكومة تتصرف وكأنها دولة، والدليل على ذلك هو طبيعة أداء شبكة
الارسال والاعلام العراقية وهي المؤسسة الاعلامية الرسمية للدولة والتي
ينبغي ان تكون على مسافة واحدة من الجميع وان لا تتدخل الحكومة في
شؤونها مطلقاً، لكنها عمليا تخضع لأوامر الحكومة”.
وتقدم العراق وفق تقرير (مراسلون بلا حدود) من المرتبة 158 التي
سجلها في العام 2008 الى 145، مبينا أن “وضع الصحافيين في العراق احرز
تقدما، فقد تبدّل الخطر، إذ ان تهديدات الميليشيات والمنظمات الإرهابية
قد اختفت ليواجه الصحافيون العراقيون بدلاً منها عدائية السلطات أو
سياسيين يمنعون وسائل الإعلام عن بلوغ بعض المناطق”، مشيرا الى ان
“قضايا القدح والذم المرفوعة ضد صحف تندد بالفساد أصبحت عملة متداولة
في البلاد لا تفلت منها أي وسيلة إعلام حتى تلك المؤيّدة للحكومة”.
من جهته أشار الكاتب والصحفي عبدالكريم يحيى، من الموصل، الى وجود
حالة “ارباك وضبابية” في الاعلام العراقي بما فيه الصحافة التي “تعيش
مرحلة انتقالية”.
وقال يحيى “نحن نسير في اتجاهين متعاكسين، الأول يقول بوجود حرية
تعبير كبيرة ويؤكد ان لا سيادة لغير القانون وانه ليس هناك ما يُخوِّف
الصحفي غير انتهاك القانون والتجاوز على حقوق الآخرين من خلال القذف
والسب بدون دليل، والدليل حذاء الزيدي”.
واضاف “والاتجاه الثاني يقول بعدم وجود حرية تعبير لأنَّه لا يوجد
مطبوع أو قناة فضائية مستقلة مالياً وغير مُسيَّسَة، وبالتالي فإنَّ
العاملين في المجال الإعلامي يقعون تحت وصاية صاحب النفوذ والمال،
والدليل كما يقول البعض إقالة رئيس تحرير جريدة الصباح وقبله وقف
الصحفي أحمد عبد الحسين عن العمل لأنَه تناول سرقة مصرف الزوية في
الكرادة ببغداد”.
ولفت يحيى الى “حالة خطيرة يعيشها الإعلام العراقي ترتبط بالطارئين
على المهنة ممن سُدَّت بوجوههم أبواب الرزق، ولأنَّ العراق صار وخلال
فترة قصيرة ربما الدولة الأولى في عدد الفضائيات والمطبوعات الورقية
تجد الكثيرين يعملون في هذا المجال دون اية مؤهلات، وهو ما شكل حالة
ضعف مهني انعكست على مجمل العمل الإعلامي”.
ورغم ذلك يتساءل يحيى عن المقاييس التي اعتمدت في إصدار أحكام
التقرير، وقال “التقرير ربما كان على صواب إلى حدٍّ ما ولكن ليس تماماً
فلا يمكن القول أنه دقيق، لأنَّه يستنتج حالة عامة من حالة خاصة، وهو
أمرٌ غير جائز عقلياً ومنطقيا”، مبينا “لا يمكن استنتاج قضية عامة من
قضية خاصة، مهما تكرَّرَ حدوث القضية الخاصة، فمن المعروف أنه مهما
بَلَغَ عدد البجعات البيضاء، فإنَّه من غير الجائز القول أنَّ كلَّ
البجَع بيض”، وبالتالي ستكون تسلسلات الدول في مثل هذه التقارير جميعها
تقريبية وبعيدة عن الدقة”.
فيما قال الدكتور هاشم حسن، الأستاذ في الإعلام بجامعة بغداد
والصحفي الناشط، إن “واقع العمل الصحفي في العراق له خصوصية مقارنة
بباقي دول العالم، بسبب الوضع الأمني غير المستقر والضغوط التي يواجهها
الصحفي لضمان حياته ومواصلة عمله”.
وأضاف حسن “رغم ذلك اعتقد ان تقرير منظمة مراسلون بلا حدود كان يمكن
ان يضع العراق في مرتبة أفضل لو كان قد اعتمد في تقييمه لوضع الصحافة
في العراق على مصادر أكثر دقة و على أساس الحرية الصحفية”.
وتابع “لكن المنظمة تعتمد في معلوماتها على مصادر غير دقيقة وعلى
منظمات مدنية وصحفية يفترض بها ان تكون مهنية وحيادية، لكنها تقوم
بتضخيم بعض الأحداث والاعتداءات وتنقل معلومات هي اقرب الى الإشاعات
منها للأحداث، لدوافع وأسباب سياسية وأخرى مالية”.
وأوضح حسن ذلك قائلا “بعض الصحفيين يعطون بلاغات غير دقيقة ولدوافع
شتى، والمنظمات العراقية ترسلها دون تدقيق الى منظمة مراسلين بلا حدود
لتسجل كحالات ضعف في البناء الصحفي وحرية التعبير”.
واستطرد “هناك جهات كثيرة تروج لاعتداءات هنا وهناك لأسباب تتعلق
بالصراعات السياسية، بل ان بعض الأحزاب شكلت خلايا إعلامية لإسقاط
الآخرين بدوافع انتخابية، وآخرها موضوع زهراء الموسوي الذي جرى تضخيمه
بشكل هائل”.
وزاد حسن، الذين يشغل عضوية هيئة الأمناء بشبكة الإعلام العراقي، إن
“قضية إقالة رئيس تحرير الصباح فلاح المشعل روجت بشكل كبير باعتبارها
دليلا على ضغوط حكومية على الصحفيين، رغم ان الصباح ليست جريدة تابعة
للحكومة بل لشبكة الإعلام العراقي وهي هيئة مستقلة، في حين إن قرار
إقالة المشعل كان قد اتخذ قبلها بأشهر لضعف الأداء المهني وتراجع
المطبوع عدديا من 50 الى 20 ألف نسخة ولوجود فساد مالي وإداري، وقد جرى
تأجيل تنفيذ القرار بعد حادثة مصرف الزوية لكي لا يفسر بشكل خاطئ”.
وخلص حسن الى القول “نعم هناك تجاوزات من بعض حمايات كبار المسئولين
وبعض المسؤولين الذين يفكرون بعقلية شمولية مستمدة من ثقافة النظام
السابق فيعتقدون ان منع المعلومة الى درجة الاعتداء على الصحفي هو حفظ
للأمن الوطني، والعنف هنا مرتبط بتركيبة الكيانات في الدولة وثقافة
المجتمع، لكن العراق افضل في مجال حرية التعبير من جميع الدول العربية
ودول المنطقة فلا توجد رقابة على المطبوعات ولا قيود على النشر”.
رئيس تحرير صحيفة (كردستاني نوى) ستران عبد الله، اعتبر ان الخطر
الأكبر على الصحافة في العراق يأتي من تدهور الأمن.
وقال عبد الله، متحدثا من السليمانية “قياسا للتحول الديمقراطي
والسياسي الكبير الذي شهده البلد اعتقد ان التقرير فيه بعض الإجحاف،
خاصة ان جزء كبير من العنف الموجه ضد الصحفيين مرده للوضع الأمني
المتردي وليس لقمع الحريات”.
وأضاف “في العراق هناك عملية سياسية ديمقراطية وتداول للسلطة، وفي
هكذا جو الضغوط على الصحافة لا يمكن ان تكون أكبر مما في الدول العربية
او دول المنطقة، لكن المشكلة في الوضع الامني الذي يشكل عامل الضغط
الاكبر على الصحافة العراقية وهو الذي يضع العراق في مرتبة متأخرة”.
وتابع عبد الله “اذا كان التقرير يعتمد في تقييمه على الخطر الذي
يهدد حياة الصحفيين ويواجه عملهم فان فيه جزء من الصحة، اما الحديث عن
وجود قمع منظم لحرية الصحافة فهذا فيه اجحاف، لأن العملية السياسية
محكومة بثوابت دستورية، ورغم ان هناك قوى تأمل في احتكار السلطة لكن
اسس بناء الدولة الجديدة لن تسمح بظهور سلطة تستطيع ان تقمع حرية
الصحافة كما هو الحال في الكثير من الدول العربية ودول المنطقة”.
واستطرد عبدالله “ارى انه بمقارنة حرية الصحافة في العراق مع دول
المنطقة نكتشف اننا افضل حالا من معظمها باستثناء ربما لبنان التي تملك
تاريخ عريق في الصحافة، فقد قطعنا اشواط كبيرة خلال السنوات القليلة
الماضية في مجال تثبيت حرية الصحافة حتى بالمقارنة مع الكثير من الدول
الافريقية والاسيوية”.
الكاتب الصحفي والناشط المدني هادي جلو، من بغداد، وصف تقدم العراق
عدة درجات الى الامام في تقرير مراسلين بلا حدود يمثل شيء ايجابي “رغم
ان التقرير فيه شيء من عدم الانصاف”.
وقال جلو “العراق يتقدم اغلب الدول العربية باستثناء لبنان ومصر
التي لها تقاليد وتاريخ في اصدار الصحف وحرية العمل الصحفي، لكن
المنظمات الاوربية ومنها مراسلون بلا حدود تنظر الى الاستهداف الجسدي
والعنف ضد الصحفيين كما الى حرية التعبير وتعتبره مقياسا في تقديراتها”.
واضاف “المنظمة تعتمد في تقديراتها على تقارير منظمات عراقية قد لا
تتسم بالدقة، ونحن نرى ان العراق الآن وضعه مختلف تماما عما كان عليه
قبل سنة او سنتين، حيث كنا نشكتي كثيرا من الضغوط على الصحافة، لكن
قياسا الى جيراننا فاننا نملك حرية تعبير واسعة”.
واوضح جلو قائلا “مراسلون بلا حدود في بعض تقاريرها تعتمد على
معلومات غير دقيقة واحيانا من مصادر في خارج البلاد ولا تنتظر رأي مرصد
الحريات الصحفية مع ان لهم شراكة مع المرصد، كما حدث في موضوع زهراء
الموسوي، حيث اصدروا تقريرا يفتقد الدقة، وهو ما ينعكس ايضا على
تقريرهم الاخير ومستوى تصنيف العراق”.
ورأى جلو ان “قياس مستوى حرية الصحافة في العراق يجب ان يكون من
خلال مستوى حرية التعبير وليس من خلال مستوى العنف الذي يواجه الصحفيين
في بلد يمر بمرحلة انتقالية صعبة، رغم هذا نرى ان الامور تغيرت منذ
2003 فهناك تطور جيد في الأمن، حيث كنا نسمع ونشاهد العشرات من عمليات
القتل والاعتداء على الصحفيين وكان هناك معدل ضحايا سنوي يتجاوز 30
صحفي”.
وخلص جلو الى القول “نحن نتفق مع مراسلون بلا حدود في مسألة خطورة
منع وسائل الإعلام من بلوغ بعض المعلومات والمناطق، وقد حذرنا في
التقرير الأخير لمرصد الحريات الصحفية الصادر في 3/5/2009 من مستقبل
غامض للصحافة العراقية في مجال الوصول الى المعلومة والحصول عليها من
المصادر الحكومية والمؤسسات التشريعية وهذا امر نؤكد عليه لأنه الخطر
الأكبر الذي نراه يتهدد الصحافة مستقبلا”.
وجاء ترتيب العراق في تقرير مراسلون بلا حدود قبل اليمن (167)
وسوريا (165) والسعودية (163) وفلسطين (161) وليبيا (156) وتونس (154)
والسودان (148)، وبعد كل من مصر (143) والجزائر (141) والمغرب (127)
والبحرين (119) والأردن (111) وعمان (106) وقطر (94) والامارات (86)
ولبنان (61) والكويت (60) التي تصدرت الدول العربية ودول الشرق الأوسط
عموما بما فيها اسرائيل التي جاءت بالمرتبة (93)، وجاءت ايران في قاع
القائمة بتسلسل 172.
ووضعت المنظمة العراق فى 2007 في الترتيب 157 وفي العام 2008 في
الترتيب 158 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره المنظمة كل
عام.
ومراسلون بلا حدود (Reporters Without Borders) هي منظمة غير حكومية
تدافع عن حرية الصحافة، تتخذ من باريس مقرا لها. أسسها روبرت مينارد في
العام 1985، وهو أمين عام المنظمة حاليا، وتعتمد المنظمة في تقييمها
على مدى التزام سلطات الدول بالحرية الصحافية ومعيار التدخلات السياسية
والقمعية ضد الصحافة والصحافيين العاملين في المؤسسات الإعلامية ومدى
الجهود المبذول منها لاحترام حقوق الإنسان والتسهيلات المقدمة
للإعلاميين. |