
شبكة النبأ: يؤكد المختصون أن الشرط
الانساني لوجود الانسان لا يتحقق بفقدانه للعمل، بمعنى أن العمل هو
الشرط الاساس لتحقيق الذات الانسانية، وانعدام هذا الشرط يضع الانسان
على هامش الحياة، ويُقصي دوره على نحو واضح فيصبح كائنا مقصيا هامشيا
لا دور له في صناعة عناصر الديمومة او الصيرورة البشرية، ولعل الامر لا
ينحصر بالنتائج الظاهرة او الملموسة لفقدان العمل بل سيكمن الخطر
الاكبر في شعور الانسان بكونه فائضا او عبءاً على الآخرين.
وهذا ما سيقود بدوره الى ظهور وتنامي حالات التمني، بمعنى حين يفتقد
الانسان للعمل الذي يدعم شخصيته ويسهم بتحقيق ذاته، فإنه سيلجأ الى
الامنيات التي غالبا ما تكون فارغة من المغزى الحقيقي، وهذا ما سيؤدي
بالنتيجة الى ضعف الفرد وقصور ملكاته وانتاجيته مما سينعكس بالضرورة
على واقع المجتمع وسماته كون الفرد هو النواة الصغرى التي تشترك مع
غيرها في تكوين هذا المجتمع، ولعل الخطأ الفادح الذي ينتج عن الامنيات
الفارغة يكمن في تنمية ظاهرة الاتكال، التي تعني محاولة الانسان الحصول
على مبتغياته في الاكل والشرب والبناء وما شابه من الاحتياجات الاخرى،
من دون أن يقدم جهدا في هذا المجال، أي أنه يتمنى الحصول على الرفعة
والسمو والثراء من خلال الامنيات فقط، وبهذا فإنه قد يتمنى الوصول الى
مجتمع مثالي بالامنيات وحدها وهذا هو مكمن الخطورة والاعتياد الخاطئ.
لهذا يعتبر المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله) إن (الأماني الفارغة، من الأخطاء التي يرتكبها
الانسان ـ حتى في أصغر الأشياء-) كما ورد هذا في كتابه الثمين الموسوم
بـ (لنبدأ من جديد) بكلمة اخرى انه من غير الملائم أن يلجأ الانسان في
تحقيق مآربه الى الامنيات حتى لو تعلق ذلك بأصغر الاشياء، حيث يؤكد
الامام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا:
(إذا كانت الأماني بضاعة الأحمق حتى في ما ثمنه فلسان، فماذا ترى في
ما ثمنه ألف بليون دينار؟وإذا كانت الأمنية الحصول على ما ثمنه فلسان
بدون سلوك الطريق الموصل حمقاً –مرة-، فأمنية الحصول على ما ثمنه ألف
بليون دينار بدون سلوك الطريق الموصل، حمق - ملايين المرات-).
وهذا ما يؤكد على ان انتهاج الانسان الى الطريق السليم في تحقيق
اهدافه أمر لا تهاون فيه، أو ينبغي أن يُنظر الى الامر بهذه الصورة،
لأن الخلل في هذا الجانب واعتماد الامنيات لوحدها هو نوع من انواع
الحماقة التي تضر بالانسان والمجتمع على حد سواء وتهبط بهما الى درك
المجتمعات المتخلفة الضعيفة.
ويؤكد الامام الشيرازي رؤيته هذه حين يقول في كتابه (لنبدأ من
جديد):
(هناك مسلمون يظنون أنّ الأماني كافية لإنهاضهم، ولذا لا يكدحون
إلاّ لأجل ثوب يلبسونه أو طعام يأكلونه أو…، ولكن هل الأماني تكفي؟).
إن الاجابة عن هذا التساؤل ستحدد مسؤولية الانسان المسلم تجاه
مجتمعه ونفسه ايضا، فإذا كان يرى أن الاماني نوع من الحمق كما يرى
الامام الشيرازي (رحمه الله) فهي بالتالي لن تخدم الانسان ولا مجتمعه،
وعليه أن يحوّل هذه الامنيات الى منهج عمل منتج يصب في صالح الفرد
والمجتمع معا، وهنا نكون قد حققنا الشرط الانساني لكينونة الانسان، بيد
أن الامر يتعلق بمسؤولية أولي الامر من القادة السياسيين المسؤولين على
ادارة اقتصاد البلد او المجتمع، بمعنى ان الانسان ربما يكون ذا نزعة
عملية لا تعتمد الامنيات منهجا ولكنه قد لا يحصل على العمل المناسب،
نتيجة للبطالة التي قد تنتشر بين صفوف المجتمع بسبب الادارت السيئة او
الفاشلة لاقتصاد المجتمع كما في الفوضى الحالية التي تحصل في العراق
مثلا.
بيد ان الانسان يبقى مسؤولا كفرد او كعنصر فاعل في المجتمع، بمعنى
لا ينبغي عليه أن يعيش في دوامة الامنيات الفارغة متكلا على غيره او
على المجهول، بل عليه ان يبادر ويحول مساحة الامنيات الفارغة الى واقع
عملي او فكري منتج يصب في صالح الطرفين الفرد والمجتمع، فالبطالة او
غياب العمل لا تعفي الفرد من تحقيق ذاته بالعمل او بالانتاج في كفتيه
الفكرية والعملية ايضا.
وقد قدم الامام الشيرازي ثلاثة انواع من الامنيات الفارغة التي قد
يجعلها الانسان بديلا عن العمل كما ورد ذلك في كتابه (لنبدأ من جديد):
(إنّ الأماني على ثلاثة أنواع:
1- أُمنية أن الأوضاع هي بنفسها تنقلب إلى الخير.
2- وأمنية أن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يأتي
فيصلح، فننتظر ظهوره من دون عمل أو بذل جهد، غير مبالين بقوله سبحانه:
]وقل اعملوا[. (105) سورة التوبة.
3- وأمنية أن غيره يقوم بالإصلاح).
وهكذا نلاحظ أهمية أن يتجاوز الانسان (أمنياته الفارغة) الى العمل
المنتج لكي يحقق ذاته اولا ولكي يسهم في بناء المجتمع والنفس ثانيا. |