ظاهرة تدخين النركيلة في العراق.. وسيلة للترويح ام نتيجة للبطالة؟

 

شبكة النبأ: انتشرت في السنوات الأخيرة في عموم مناطق العراق ظاهرة تدخين النركيلة، التي جذبت بسحرها الشباب والمراهقين بعد ان كانت حكرا على كبار السن، ما دفع الكثير من اصحاب المقاهي الشعبية والراقية بتقديم النركيلة بانواعها المختلفة، في حالة وصفها عدد من الشباب بأنها وسيلة للترويح عن النفس، فيما اعتبرها آخرون نتيجة لانتشار البطالة.

صاحب احد المقاهي الحديثة المتخصصة بتقديم النركيلة في وسط بغداد، تحدث عن رواج كبير شهدته مهنتهم في العامين الأخيرين، قائلا “في السابق كانت هناك محلات محدودة تقدم النركيلة لبعض كبار السن، لكن الامر الآن مختلف تماما، إذ هناك اقبالا واسعا على تدخين النركيلة في صفوف الشباب والمراهقين.

وأشار صاحب المحل، الذي افتتح مؤخرا لاستقطاب محبي النركيلة من الشباب والمراهقين، ان “طريقة تقديم النركيلة اليوم تختلف عن السابق، فهناك انواع كثيرة من المعسل تلبي رغبات الزبائن وتتباين بطعمها وروائحها، فعدا التفاحتين هناك التوت والبطيخ والعسل، وانواع اخرى قادمة من مناشيء مختلفة وباسعار متباينة”، لافتا الى ان “الاقبال على النركيلة في تزايد رغم ارتفاع اسعار المعسل والفحم.

نبيل عمر، 38 سنة، احد مدخني النركيلة من مرتادي مقهى بوسط بغداد، قال“تعودت على النركيلة حتى صرت غير قادر على الاستغناء عنها، فهي رفيقتي في كل مكان اذهب اليه”، مشيرا الى انه يدخن نحو 8 مرات يوميا، معتبرا انها صارت “وجبة رئيسية مثل وجبات الطعام. بحسب تقرير اصوات العراق.

وأشار عمر الى انه “يفقد السيطرة على اعصابه وتنتابه لحظات غضب عندما يبتعد عن النركيلة”، معتبرا ان لجوءه للنركيلة والتدخين جاء بسبب “البطالة واوقات الفراغ الطويلة ونتيجة الضغوط الحياتية التي يعيشها.

احد زملاء نبيل والذي كان يجلس الى جانبه، قال “اقوم بتدخين النركيلة نحو عشرة مرات يوميا، لا استطيع الاقلاع عنها او تخفيفها لأني اعتبرها صديقتي العطوف”، مشيرا الى انها تأخذ جزءا غير قليل من وارداته المالية.

تدخين النركيلة لم يعد يشمل كبار السن والشباب فقط، بل بدأت تستقطب نسبة كبيرة من المراهقين الذين يجلسون لساعات في المقاهي حيث تلفهم سحابات الدخان الأبيض، والذي صار يمثل بالنسبة للكثيرين طقسا للترويح عن النفس وحاجة يومية توازي تناول وجبات الطعام.

ووصف محمد فرج، 17عاما، النركيلة بانها “حبيبتة الوفية” التي يحتاجها عندما يكون منزعجا، وقال “انا اشغل نفسي بالنركيلة في الأوقات التي اكون فيها بحاجة للترويح عن نفسي، اشعر انها تكلمني وتخفف من ضغوط حياتي، ألجأ اليها في المقهى مع أصدقائي لقضاء اوقات ممتعة برفقتها.

كما ان تدخين النركيلة لم يعد يقتصر على الذكور بل تعداه ليشمل النساء خاصة الفتيات بمقتبل العمر، حيث يلاحظ في بعض احياء بغداد اقبال واسع على تدخين النرجيلة من قبل الفتيات.

وقالت شذى فائق، التي ترتاد احدى مقاهي بغداد الراقية لتدخين النركيلة، “دخنت اول مرة النركيلة قبل نحو سنتين حين دعتني احدى صديقاتي لتناولها، ثم تعودت عليها، لكني ادخنها فقط في المقهى للتسلية مع صديقاتي كون الاسرة تمنعها في البيت.

ويرى احد مرتادي المقاهي ان لانتشار النركيلة في السنوات الاخيرة اسباب عديدة تتعلق بارتفاع نسب البطالة وعدم توفر اماكن لاستقطاب الشباب والترفيه عنهم، فضلا عن مشكلة تقليد الاخرين لاثبات النفس.

وأعتبر جميل اسماعيل، احد المرتادين لمقهى يقدم النركيلة، ان “لانتشار هذه الظاهرة اسباب عديدة اولها انتشار البطالة ما بين الشباب، مشيرا الى ان عدم وجود اماكن تستقطب الشباب وتشكل متنفسا يدفعهم للتوجه الى المقاهي لتمضية اوقات فراغهم”، منوها الى ان “الصبية يرونها اسلوبا لاثبات وجودهم امام المجتمع عبر تقليد الاخرين.

من جهتهم يحذر الأطباء من المخاطر الصحية العديدة لتدخين النرجيلة، مشيرين الى انها سبب رئيس في العديد من الامراض القاتلة.

وقال الدكتور علي زيدان، لوكالة اصوات العراق، ان “النركيلة احد اسباب سرطان الشفاه وهو واحد من الأمراض السرطانية الأكثر انتشارا خاصة بين المدخنين للسكائر والنركيلة، فالاحتراق المستمر يؤدي الى تقرّحات شديدة تصيب النسيج الحرشفي للشفة السفلية التي تغير لونها وتتورم.

واضاف “هذا المرض خطير بسبب صعوبة إعادة بناء الأنسجة من جديد بعد استئصال الورم، منوها “توجد بعض المواد الهيدروكربونية في النركيلة الى جانب مواد مشعة بنسبة ضئيلة، تتراكم وتصبح ذات تأثيرات خطيرة جداً.

وتابع “المعسل وهو احد مكونات النركيلة الرئيسية يحوي مواد صناعية لاضفاء الطعم والرائحة، وهي مواد شديدة الخطورة على الجهاز المناعي، إضافة إلى المضاعفات الناتجة عن الإحتكاك الدائم بالشفاه وهو ما يمثل اعتداءً شديداً.

وأشار زيدان الى “سعي بعض الشركات إلى إدخال عنصر مهدئ في التبغ، مما يؤدي إلى إدمان الجسم، وهو ما يصعب عملية الاقلاع عنها، محذرا من ان “الدراسات تثبت ان تدخين نركيلة واحدة يعادل 60 سيجارة.

من جهته قال الدكتور كمال الحيلاني المختص في علم النفس بجامعة بغداد ان “السبب الأساسي للانتشار الكبير للنركيلة هو البطالة المنتشرة بما تشكله من اوقات فراغ طويلة، فضلا عن تردّي الأوضاع الأقتصادية والامنية”، مشيرا الى ان “الشباب العراقي خارج سوق العمل، تتعاركهم الهموم المعيشية، ولا حلّ يجدونه سوى اللجوء إلى تدخين النرجيلة.

وعبر الحيلاني عن اعتقاده بان النركيلة جاءت الى العراق من دول الجوار نتيجة تقليد ابطال المسلسلات السورية والمصرية التي تعرض على شاشات التلفزة، حيث انها تحولت من تقليد الى موده ثم ادمان، لافتا الى ان “النركيلة كانت منتشرة في صفوف كبار السن فقط لكنها الآن اصبحت تحظى بشعبية في صفوف الشباب والمراهقين اكثر.

واضاف ان “المخاطر الناشئة عن هذه الظاهرة على قدر كبير من الخطورة، ولابد من اتخاذ خطوات جدية للتخلص منها.

فيما حذر الدكتور نجم عبد الربيعي من المضار الكبيرة للنركيلة، قائلا “هي تؤثر على الجهاز التنفسي والعصبي والهضمي، وهي عامل مساعد في امراض القلب وتصلب الشرايين، مضيفا “التدخين يقلل 10 سنوات من عمر الانسان بحسب بعض النظريات العلمية، وهي وباء يجب العمل بجدية للتخلص منه.

ودعا مواطنون الى حلول جادة لمواجهة ظاهرة انتشار مقاهي النركيلة، والى تدخل الحكومة لوضع اجراءات وقوانين للتخفيف من مخاطرها وانتشارها الذي وصفوه بالكبير والمدمر.

وقال ابو محمد، 42 عاما، ان على الآباء مراقبة اولادهم خاصة في مرحلة المراهقة وتقديم النصائح لهم لمواجهة بعض التقليعات والظواهر السلبية”، واصفا ظاهرة انتشار النركيلة بانها خطيرة ومدمرة.

واضاف “انها ظاهرة لا تليق بتقاليدنا كمجتمع محافظ”، لافتا الى “انتشار عدد من المقاهي في مناطق كثيرة ببغداد لتقديم النركيلة للفتيات حصرا، منبها الى ان البعض “يخلط مواد مهدئة لتحمل نشوة ومتعة اكبر، وهو ما يصيب المدخن بالادمان.

فيما طالب ابو يحيى بـ”منع إعطاء التراخيص للمقاهي التي تقدم النرجيلة للشباب دون سن 18 سنة، وعدم بيع الشيشة ومستلزماتها للمراهقين والشباب دون سن 18 سنة، ومنع تقديم النرجيلة في الأماكن العامة، وتكثيف الرقابة الصحية على المقاهي وانزال العقوبات بالمخالفين.

ونبه المواطن علي خليل الى ان “ظاهرة النركيلة التي غزت العراق هي حالة مرضية خلقتها البطالة والضغوطات المادية القاهرة والفراغ الذي لا يتم استغلاله بنشاطات فاعلة ومفيدة، وهذا يوصل الى الوحدة الروحية والعاطفية التي لا توجد تربة مناسبة لاختراقها وإغنائها.

واضاف “النركيلة ظاهرة تسـتشـري وتحتاج الى الدراسة والكثير من العمل لوضع خطط للحد منها، كي لا ينكفئ هذا الجيل الغني بأحلامه وطاقاته والفقير بالإمكانات المحركة والدافعة له للتعبير عن نفسه باتجاه التطوير والتنمية الشاملة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/تشرين الثاني/2009 - 6/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م