شبكة النبأ: للتقويم الفردي والجماعي
دور هام في تشذيب الشخصية كفرد او كجماعة ذات سمات سلوكية او فكرية
متجانسة ومتقاربة، ومفهوم التقويم قد يتلاقى مع مفهوم النقد (الايجابي)
الذي يهدف في جميع الاحوال الى الارتقاء بالسلوك والتفكير البشري،
فالسعي لتقويم فرد معين لا يتم إلا من خلال متابعة سلوكه وقراءة افكاره
ثم الدخول إليه من بوابة النقد الهادف الذي لا يضع في حساباته سوى
الارتفاع بشأن الانسان من مرتبة ادنى الى أعلى.
وبهذا نلاحظ ثمة تلاقي بين المفهومين بل لعلهما يذهبان الى هدف واحد
وإن تنوعت سبل الوصول إليه، لذا توجد عدة فنون للنقد إذا قُبل هذا
التعبير، بمعنى أن (القولبة النقدية او التقويمية) لن تكون في صالح
الناقد والمنقود معا، ونقصد بالقولبة هو تحجر الاسلوب ودخوله في حيز
الروتينية التي تقتل روح التنوع والابداع في الفحوى اولا ثم في طريقة
النقد او التقويم، لهذا يرى المختصون في علم الاجتماع ان ثمة سبلا
عديدة للنقد يمكن لها ان تضع الانسان في الجادة المطلوبة ومن هذه السبل
او الفنون كما يرى احد المختصين:
البينية :ليكن نقدك لأخيك، أو لأيّ إنسان آخر نقداً بينياً، أي بينك
وبينه ولا تنقده أمام الآخرين، فحتى لو كان نقدك هادفاً وهادئاً
وموضوعياً إلاّ أنّ النقد في حضور الآخرين ممّن لا علاقة لهم بالأمر قد
يدفع الطرف الآخر إلى التشبّث برأيه، أو الدفاع عن نفسه ولا نقول عن
خطئه. ولذا جاء في الحديث: (مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه
علانية فقد شانه).
وهكذا نرى اهمية الحذر في انتهاج الانسان لاسلوب نقدي دون غيره،
ولعل لهدف المقوّم او الناقد هو الاصلاح والتطوير، بيد أن الخطأ في
التنفيذ قد يؤدي الى نتائج عكسية في هذا المجال، وبدلا من ان ترتقي
بالانسان بفن النقد فإنك تذهب به الى درجات أدنى من السلوك والخلق او
الفكر بسبب التنفيذ الخاطئ لطريقة النقد او التقويم.
وفي هذا المجال نطلع على اسلوب تقويمي آخر من لدن أحد المختصين، ذلك
هو:
الإنصاف :فالنقد هو حالة تقويم.. حالة وزن بالقسطاس المستقيم،
وكلّما كنت دقيقاً في نقدك، بلا جور ولا انحياز ولا تعصب ولا افراط ولا
تجاوز، كنت أقرب إلى العدل والانصاف، وبالتالي أقرب إلى التقوى، قل في
منقودك ما له وما عليه.. قل ما تراه فيه بحق ولا تتعدّ ذلك فـ (مَنْ
بالغ في الخصومةِ أثِم).
إن الهدف من النقد ينبغي أن يكون ذا طابع اصلاحي وإلا لن تكون هناك
فائدة مرتجاة منه، بمعنى ان المقوّم او الانسان الناقد يجب ان يكون
مؤمنا بالعمل الذي يقوم به ويحدد هدفه بدقة من اجل ان لا تلتبي عليه
الامور، فهور رجل اصلاحي لا يبغي التجاوز على الناس حتى الخطائين منهم
بل يتمثل جل هدفه بإعادة الانسان (المتجاوز) الى الخط الصحيح، ويقدم
لنا المختص ذاته سبيلا آخر ينبغي أن يتوفر للمقوّم او الناقد وهو:
جمع الإيجابي إلى السلبي :
وهذا الأسلوب من الأساليب المحبّبة في النقد، حيث تبدأ بالإيجابي
فتشيد به وتثمّنه ثمّ تنتهي إلى السلبي، وبهذه الطريقة تكون قد جعلت من
الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد، لأ نّك بذلك تفتح مسامع القلب قبل
الأذنين ليستمع الآخر إلى نقدك أو نصيحتك.. إنّك تقول له: إنّه جيد
وطيب وصالح ومحترم لكنّ ثمة مؤاخذات لو انتبه إليها لكان أكثر حسناً
وصلاحاً .
فإذا ما احترمت إيجابيات الشخص المنقود وحفظتها له، ولم تنسفها أو
تصادرها لمجرد ذنب أو خطأ أو إساءة، فإنّك سوف تفتح أبواب الاستماع إلى
ما تقول على مصراعيها، وبذلك تكون قد حققت هدفك من النقد، وهو إيصال
رسالة للمنقود حتى يرعوي أو يتعظ، كما إنّك لم تجرح إحساسه ولم تخدش
مشاعره.
فأن تبدأ بغيجابيات الشخصية هذا يعني انك كسبتها ثم تعرّج على
الجوانب الخاطئة وامكانية تلافيها وتجاوزها، ويقترح علينا المتخصص
الاجتماعي ذاته سمة اخرى ينبغي ان تتوافر في اسلوب الناقد الاجتماعي
وهي:
اعطاء الفرصة للدفاع عن النفس :
فحتى ولو كوّنت عن شخص صورة سلبية لا تتعجّل بالحكم عليه.. استمع
إليه أوّلاً.. وأعطه فرصة كافية ليقول ما في نفسه وليدافع عن موقفه وقل
له: لقد بلغني عنك هذا، واترك له فرصة الدفاع وتقديم الإفادة، أي افعل
كما يفعل القاضي العادل فهو يضع التهمة بين يدي المتهم ويعطيه فرصة
للدفاع عن نفسه وموقفه، إمّا مباشرة أو عن طريق محام، فلا تأتي كلمة
القضاء الفصل إلاّ بعد أن يدلي الشهود بشهاداتهم، والمحامي بمرافعته
لكيلا يُغمط حق المتهم .
لذلك يمكن ان تشكل هذه الخطوة عامل كسب للمقوِّم قبل المقوَّم،
بمعنى ان فرصة الاصلاح ستكون هنا مضاعفة كون ان الانسان (الخاطئ) سيجد
فرصة للتعبير عن افكاره وافعاله حتى لو كانت خاطئة، لكنك حين تمنحه
حرية الحديث والتفكير فإنك سوف تضع خطأه بين يديه وامام عينيه وانه
سيبتعد عنه طوعيا وهذا هو ما يهدف إليه الناقد الاجتماعي الذي يعمل على
تقليل الاخطاء البشرية الى ادنى درجاتها سواء ما يتعلق بالسلوك او
التفكير ايضا. |