قضية فلسطين محور القاعدة لنشر التطرّف والتجنيد والتمويل

 

شبكة النبأ: تدعي فصائل متنوعة في الأراضي الفلسطينية بأنها مرتبطة بتنظيم القاعدة أو تستوحي أفكارها منه. ومع ذلك، لم تندمج أي من هذه الفصائل بالجماعات المتعلقة بتنظيم القاعدة. كما لا تتماثل خطابات تنظيم القاعدة الواسعة النطاق ضد إسرائيل بصورة متوازية مع القيام بعمليات هدفها ضرب إسرائيل.

وبدلاً من ذلك، يبدو أنه يتم استخدام موضوع فلسطين كـ قضيب إضاءة يستطيع من خلاله تنظيم القاعدة الإستفادة من الارتباط العاطفي للعرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم مع هذه القضية. ويوفر صدى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أداة بلاغية قوية لتنظيم القاعدة، في جهوده المتعلقة بالتطرّف والتجنيد وجمع الأموال.

وكتبَ ماثيو ليفيت، زميل بارز في معهد واشنطن ومدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات التابع للمعهد. مقالاً حول الموضوع جاء فيه: إن إحدى تصريحات بن لادن العلنية الأولى كانت رسالة وجهها إلى الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز، مفتي المملكة العربية السعودية، وضح فيها التعلق المبكر للقضية الفلسطينية مع تنظيم «القاعدة». وقد تمثل جوهر تلك الرسالة، التي كتبت في كانون الأول/ديسمبر عام 1994، برفض بن لادن للأسرة المالكة السعودية والتنديد بتواطؤ بن باز مع الحكم السعودي. وقد كان موضوع غضب بن لادن هو قيام بن باز بتأييد اتفاقات أوسلو عام 1993.

واضاف ليفيت، عند إعلان بن لادن الحرب على الولايات المتحدة في عام 1996، تضرع بالقضية الفلسطينية لحشد المسلمين لمحاربة التحالف "الأمريكي الإسرائيلي". وقد بررت فتوى من قبل بن لادن ومجموعة أخرى من الإسلاميين المتطرفين في شباط/فبراير 1998، الدعوة إلى الإرهاب باسم تحرير "المسجد الاقصى والمسجد الحرام من قبضتهم". وتمت الإشارة إلى القضية الفلسطينية في كلا التصريحين بتعبيرات إسلامية عالمية، وليس فلسطينيية قومية، ولم تكن مهاجمة إسرائيل وتحرير فلسطين المواضيع المركزية فيهما.

وتابع ليفيت، بدلاً من ذلك قام تنظيم «القاعدة» باستغلال موضوع تحرير فلسطين كقضية لدعم دعوته للجهاد في أوضح صوره. ففي تقرير من قبل أيمن الظواهري عام 1996 بعنوان "شفاء صدور المؤمنين"، قال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بأن الأنظمة العربية والإسلامية التي تقبل الأمم المتحدة وإسرائيل ككيانات مشروعة قد فقدت مصداقيتها وسلطتها. وقد اعتبر الظواهري منظمة التحرير الفلسطينية إحدى هذه الكيانات المرتدة، واستخدم هذا المنطق لتمهيد الطريق لشن هجمات ضد الغرب وضد الأنظمة العربية "المرتدة" والمنظمات الدولية وإسرائيل.

كما شددت محاضرات منظر الجهاد [الاكتروني] لتنظيم «القاعدة» أبو مصعب السوري، على "التأثير الاستراتيجي في ضرب المصالح اليهودية والأمريكية والغربية في قلب العالم العربي".

خطابات القاعدة حول العمليات التي تستهدف إسرائيل

وقال ليفيت، لا تشير أكثر خطابات تنظيم «القاعدة» المتعلقة بتخطيط العمليات التي تستهدف إسرائيل، إلى التخطيط الملموس على المدى القريب، بل إلى نوايا وطنية تستهدف إسرائيل في نهاية المطاف كجزء من رؤية ايديولوجية إسلامية "لتحرير" جميع أراضي المسلمين. وكما قال أمير المؤمنين في دولة العراق الإسلامية المرتبطة بتنظيم «القاعدة» أبو عمر البغدادي، أن العراق قد "مهد الطريق لغزو الدولة اليهودية". وقد ردد هذا الربط قادة آخرون في تنظيم «القاعدة» مثل أبو ليث الليبي، حيث أكد أن جميع أنشطة تنظيم «القاعدة» هي "للإعداد والتدريب من أجل قتال اليهود في المسجد الأقصى". وبالمثل، ذكر الظواهري في كانون الثاني/يناير 2006، أنه بمجرد قيام الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش بالإعتراف بهزيمته في العراق وأفغانستان، سيحول تنظيم «القاعدة» اهتمامه باتجاه القضية الفلسطينية.

ويستذكر ليفيت، ربما كان غياب تنظيم «القاعدة» عن القيام بأعمال تنفيذية على الساحة الفلسطينية أكثر وضوحاً خلال الحرب في غزة في كانون الأول/ديسمبر 2008 – كانون الثاني/يناير 2009. فخلال ذلك الصراع، أطلق كل من البغدادي والظواهري وأسامة بن لادن بيانات دعت إلى الجهاد في غزة، ولكن لم تقدم أياً من الإعلانات التي صدرت عن تنظيم «القاعدة»، أي دليل بأن التنظيم نفسه سيقوم بدعم موقفه بأعمال تنفيذية على ساحة القتال.

ويبيّن ليفيت، وفقاً لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، كان مُيسِّر أعمال تنظيم «القاعدة» على الساحة الفلسطينية، أبو زبيدة، أثناء إلقاء القبض عليه في آذار/مارس 2002، يحاول "تنظيم هجوم إرهابي في إسرائيل واستعان بأبو مصعب الزرقاوي – زعيم تنظيم القاعدة في العراق - لأيجاد طرق تهريب إلى إسرائيل لنقل الأشخاص والمواد إليها". ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، كان الزرقاوي قد تلقى أكثر من 35,000 دولار بحلول عام 2001، للعمل في الأراضي الفلسطينية. "وتلقى الزرقاوي تأكيدات بأنه سيتم تقديم المزيد من التمويل للقيام بهجمات ضد إسرائيل"، ووفقاً لبعض التقارير من المحتمل بأنه كان قد سافر بنفسه إلى فلسطين بحلول عام 2002.

أما "مفجر الحذاء" ريتشارد ريد، الذي أدين بمحاولة تفجير طائرة أمريكية في رحلتها من باريس إلى ميامي، فقد قام بالإستعداد لمهمته من خلال اختبار أمن الطيران على طائرات الخطوط الجوية الإسرائيلية "إل عال"، واكتشاف أهداف محتملة للهجوم في مصر وإسرائيل. وبعد رحلته الكشفية، قدم ريد تقريراً إلى أحد العاملين في المجال التخريبي في أفغانستان تضمن مجموعة متنوعة من المقترحات بشأن كيفية وموقع تنفيذ الهجمات في إسرائيل، بما في ذلك إعطاء معلومات محددة عن المباني الإسرائيلية، ومطار بن غوريون وساحة حائط المبكى. ومع ذلك، لم يقم تنظيم «القاعدة» باتخاذ أي إجراء حول أي من أعمال المراقبة المفصلة التي قام بها ريتشارد ريد.

ويتابع ليفيت بالقول، في جلسة استماع أمام محكمة عسكرية أمريكية فى خليج جوانتانامو في آذار/مارس 2007، زعم العقل المدبر لحوادث 11 أيلول/سبتمير، خالد شيخ محمد، بأنه كان قد شارك في 31 مؤامرة إرهابية، بما فيها استهداف عدة أهداف إسرائيلية أو يهودية، معظمها لم يحدث قط. وشملت تلك المؤامرات قيادة طائرات من المملكة العربية السعودية إلى بنايات في مدينة ايلات جنوب إسرائيل؛ إرسال العديد من "المجاهدين" إلى إسرائيل لاستطلاع "أهداف إستراتيجية"؛ استهداف السفارات الإسرائيلية في الهند وأذربيجان والفلبين واستراليا؛ تآمر لشن هجوم على رحلة شركة "إل عال" الإسرائيلية من تايلاند؛ الهجمات الكينينة في مومباسا، التخطيط لمهاجمة أهداف أمريكية وبريطانية ويهودية في تركيا؛ التآمر لشن هجوم على شركة نفط أمريكية في اندونيسيا "التي يملكها اليهودي وزير الخارجية الأمريكية السابق هنري كيسنجر"، حسب وصف خالد الشخ محمد. وعلى الرغم من أن صحة تلك التصريحات غير معروفة، إلا أن الهجمات التي في كينيا، وتركيا، والهجوم مماثل باستخدام الصواريخ والطائرات على إيلات كانت قد حدثت في الواقع.

وفي نيسان/أبريل 2002، قام مهاجماً انتحارياً تابعاً لتنظيم «القاعدة» بتفجير شاحنة ملغومة أمام كنيس يهودي تاريخي في جزيرة جربة التونسية. وأدى الهجوم، الذي كان له صلة بالعمليات التي أدارها خالد الشيخ محمد، عن مقتل 21 شخصاً. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2003، قام إرهابيون مرتبطون بتنظيم «القاعدة»، بتفجير معبدين يهوديين في اسطنبول.

ويستذكر ليفيت، بعد سبعة أشهر من الهجوم الذي وقع على الكنيس في جزيرة جربة، قام إرهابيون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» بتنفيذ أنجح هجوم إرهابي قامت به المجموعة ضد أهداف إسرائيلية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2002، هاجم نشطاء من تنظيم «القاعدة» فندق پارادايز في مومباسا، كينيا، وهو منتجع شعبي يقضي فيه السياح الإسرائيليون عطلهم. وقد أدى الهجوم إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة حوالي 20 آخرين بجروح خطيرة. وفي ضربة متزامنة تقريباً في مكان مجاور، قام مقاتلون من تنظيم «القاعدة» بإطلاق صاروخ أرض - جو على طائرة ركاب إسرائيلية تابعة لشركة الطيران "آركيا"، كانت تحلق من كينيا إلى إسرائيل، ولكن الصاروخ أخطأ هدفه.

وفي كانون الثاني/يناير 2006، ادعى زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، مسؤوليته عن هجوم صاروخي في شمال إسرائيل. وعلى الرغم من أنه لم يتم التحقق من قوله، إلا أنه زعم بأن أسامة بن لادن هو الذي أمره بالقيام بذلك الهجوم.

ويبين الكاتب، على المدى القريب يعتقد الخبراء الإسرائيليين بأنه في حين لم يحوّل تنظيم «القاعدة» تركيزه العملي ويقوم بأعمال إرهابية تستهدف إسرائيل، لا يزال تهديد المجموعات السلفية الجهادية في قطاع غزة وتلك المتفرعة من تنظيم «القاعدة»، بالقيام بهجمات إرهابية خطيراً.

ويعبر المسؤولون الإسرائيليون عن قلقهم من بروز أهمية "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" وقدرته العملية، وكذلك رغبته في استهداف مراكز إسرائيلية ويهودية في شمال أفريقيا وأوروبا وربما في إسرائيل. وبالنظر لقابلية "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" في الوصول إلى المسلمين الأوروبيين والنشطاء الفلسطينيين الذين بإمكانهم دخول إسرائيل، ووجود عدد كبير من الأهداف اليهودية والإسرائيلية في أوروبا، حيث يحتفظ هذا التنظيم بشبكة نشطة، يرى محللون إسرائيليون بأن "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" هو عنصر تنظيم «القاعدة» الأكثر قدرة على استهداف المصالح الإسرائيلية.

ومع ذلك، فإن تنظيم «القاعدة» وجهاده العالمي لم يصل بعد إلى فلسطين بأي طريقة مجدية. ويرجع ذلك جزئياً إلى الإستقبال العدائي الذي وفرته «حماس» للمقاتلين الفلسطينيين ذوي التوجه السلفي الجهادي في قطاع غزة. ففي آب/أغسطس 2009، على سبيل المثال، قامت قوات الأمن التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة، جنباً إلى جنب مع المسلحين المتشددين من الجناح الإرهابي لجماعة «كتائب القسام»، بمداهمة مسجداً تابعاً للواعظ السلفي الجهادي رجل الدين الشيخ عبد اللطيف موسى، واشتركت في معارك طويلة الأمد مع أتباعه، جميعهم أعضاء في جماعة «جند انصار الله»، وهي جماعة سلفية ملهمة بأعمال تنظيم «القاعدة» ولكنها غير منتسبة رسمياً إليه. وأدت الاشتباكات إلى مقتل نحو 24 شخصاً وإصابة 130 بجروح.

ويقول ليفيت، مع ذلك وبسبب الضغط الذي يواجهه تنظيم «القاعدة»، من المحتمل أن يسعى التنظيم إلى تعزيز صورته عن طريق التركيز ليس على خطاباته فحسب، ولكن أيضاً على عملياته [داخل] إسرائيل في محاولة لإمتلاك زمام المبادرة في القضية الفلسطينية. وفي نهاية المطاف قد تقوم فروع إقليمية مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، بدافع التركيز الخطابي المتواصل الذي يقوم به التنظيم تجاه إسرائيل، بتنفيذ هجمات ناجحة على أهداف إسرائيلية.

ويختم الكاتب ليفيت بالقول، كما قال عضو بارز في المجموعة السلفية الجهادية «جلجلات» العاملة في غزة، "لم يقم تنظيم «القاعدة» حتى الآن برعاية عملياتنا. نحن ننتظر للقيام بعملية جهادية كبيرة مخصصة لفضيلة الشيخ أسامة بن لادن. ومع ذلك، فإن مسارنا وعقيدتنا مماثلة لتلك التي يتبعها تنظيم «القاعدة». وإذا يَطلب منا تنظيم «القاعدة» المبايعة له، نحن مستعدون تماماً لذلك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4/تشرين الثاني/2009 - 5/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م