هل سنشهد قريبا نظاما للفصل العنصري

 في كردستان العراق؟

علي الأسدي

مؤلم ومخيب للآمال ما ستئول إليه العلاقات بين الكرد وبقية مكونات الشعب العراقي فيما لو أصر رئيس اقليم كردستان السيد مسعود برزاني وحكومته على تنفيذ تصورهم القومي  بالهيمنة بقوة السلاح على ما أطلقوا عليه " المناطق المتنازع عليها ".

ومعلوم أن تلك المناطق تضم مدنا وقرى وأحياء مأهولة بخليط من العرب والكرد والتركمان والأيزيديين والشبك والمندائيين والكلدانيين والأشوريين كانوا ومازالوا يعيشون بانسجام وتعاون نادرالمثال في تاريخ ا! لمجتمعات البشرية. فلماذا يسعى القادة الأكراد إلى تغيير حياة أولئك الناس التي مثلت عبر العصور أجمل صور التعايش وأرقاها، وأدارت شئونها رغم قسوة الطبيعة واهمال أنظمة الحكم؟

 كانت القيادة الكردية بعلم وبموافقة القوات الامريكية قد نفذت الخطوة الأولى من خطتها الطموحة  للأستحواذ على مناطق تعتبرها جزء من مشروعها القومي، وذلك عبر اعلانها الصريح عن رغبتها في اقامة حدود واضحة المعالم تفصل تلك المناطق التي يسكنها الكرد في شمال العراق عن بقية السكان العرب وغيرهم، مستفيدة من الفراغ الأمني الذي حصل بعد اسقاط الدولة العراقية من قبل قوات التحالف الأجنبية في 19 / 3 / 2003.

وبناء على ما ذكرته صحيفة الفيغارو الفرنسية في عددها في 17 /10/ 2009 نقلا عن خبير فرنسي عاد لتوه من العراق، أن الأمريكيين هم من سمح  للكرد بالاستيلاء على أكثر من 80 ألف كيلومتر مربع من الأرض وتعزيز سلطتهم في 3 محافظات بشمال العراق، وهو أمر يثير الآن استياء الجيران العرب ". واعتمادا على ذلك الدعم قام مسلحو البشمركه الكردية بفرض تواجدهم والانتشار في مدن وقرى وأحياء، ورفعوا راياتهم على جبالها وهضابها وفوق ابنيتها بعد أن أزالوا العلم العراقي عنها. كما قاموا بترسيم حدودا وخطوطا لأراض ومياه قالوا عنها انها إرثا قوميا كرديا تدعمه الشرعية التاريخية، فيما الأصدق تاريخيا وعلميا القول أنها إرث عراقي مطرز بحضارات سومر وآشور وبابل. من وجهة نظري كحريص على مصلحة شعب كردستان، أرى أن الكرد يرتكبون خطأ فادحا إن وثقوا بالدعم الأمريكي لطموحاتهم القومية، ولهم في تجربة الزعيم مصطفى البرزاني الذي أجبرته الولايات المتحدة على إلقاء سلاح الحركة الكردية، بصفقة مذلة لصالح صدام حسين وشاه إيران في سبعينيات القرن الماضي. ولكن يبدو أن تلك الصفحة من التاريخ قد طويت وأهملت، ولكن إلى حين، عندما تتكشف الحقيقة ويظهر الزيف.

 يضغط القادة الأكراد بالحاح على حكومة بغداد، للإقرار بعائدية تلك المناطق من الشمال العراقي إلى الاقليم الكردي، ويدعمون دعوتهم بخرائط يعتبرونها الأساس للبت في مصير تلك المناطق. كما قررت القيادة القومية الكردية المضي ابعد من ذلك، فأعدت على عجل دستورا لاقليم كوردستان نص على ضم محافظة كركوك ومناطق أخرى إلى الاقليم، متجاهلة الرأي العام العربي في المحافظة ومناطق أخرى الذي يعارض بشدة هذا الضم. وكرد فعل لذلك سارعت القوى السياسية في محافظة كركوك لتشكيل ما سموه " المجلس السياسي العربي " كمرجعية توحد صفوف القوى السياسية العربية بكافة اتجاهاتها لمعارضة التحرك الكردي. وبنفس الوقت كرر التركمان وهم المكون الثالث القوي في محافظة كركوك والأكثر تشددا تجاه الطموحات الكردية، كرروا مطالبهم بالسماح لهم بالتسلح وتشكيل ميليشيات لحماية مناطقهم بعد تزايد التوتر مع المكون الكردي.

يكفي هذا التحرك من جانب العرب والتركمان ليشعر الكرد بالخطر المحدق بالأمن الهش اصلا والاستقرار في البلاد كلها. !  لذلك ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها نشر في اب / اوغسطس الماضي بقولها – " أن الأكراد يضغطون لتمرير دستور جديد لإقليمهم، عبر إجراء استفتاء عليه، وهي خطوة أثارت المسؤولين العراقيين والأميركيين الذين يتخوفون من أن تمثل هذه الخطوة تهديداً جديداً لوحدة العراق. وذكرت الصحيفة - " أن الدستور المقترح يحفظ للأكراد مزاعمهم بالأراضي المتنازع عليها والنفط والغاز الموجود فيها، وهو ما ترفضه الحكومة الاتحادية والمجموعات الإثنية الموجودة في هذه الأراضي ".

 وتنقل صحيفة الفيغارو الفرنسية عن خبير فرنسي  زار العراق مؤخرا قوله - " أن القيادة الكردية أرادت استخدام هذا الدستور كوسيلة ضغط على الحكومة العراقية لاجبارها على قبول المطالب الكردية ".

 لقد أقر بالفعل برلمان اقليم كردستان المنتهية صلاحيته بأكثرية ساحقة صيغة ذلك الدستور الذي عبر بوضوح تام عن سعي حثيث لاقامة دولة كردية لها كل مقومات الاعلان عن ذلك في أي وقت تشاء القيادة الكردية. لقد أصبح من العسير نتيجة لذلك فهم شعور التحدي  المتصاعد تجاه الحكومة العراقية،واللهاث المحموم وراء تكريد مدنا وأحياء ! يعيش سكانها في أجواء تعايش سلمية ووادعة، حيث لم تسجل أي حوادث عنف بين مكوناتها، لا الآن ولا في عهد النظام السابق.

فلماذا يسعى القادة الأكراد لبناء حواجز وجدران بينهم وبين بقية السكان الآخرين، في حين أن العراق كله من شماله إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه مفتوحا للكرد كما لغيرهم من المواطنين العراقيين. وبغداد العاصمة كانت وما تزال تحتضن بحنو واحترام عشرات الآلاف من الكرد دون تمييز، مانحة اياهم كل حقوق العمل والتملك ومزاولة النشاط الاقتصادي والسياسي والثقافي دون قيود أو تمييز. رغم كل هذا لا يتوقف السيد البرزاني عن المضي في تنفيذ إعلانه بعائدية المناطق كركوك واجزاء واسعة من محافظة نينوى وديالى، معلنا في الوقت نفسه بأنه لا يألوا جهدا لأجل التوصل إلى اتفاقات مع بغداد، وأنه يستخدم أقصى مرونة ممكنة لأجل التوصل الى حلول للمشاكل الراهنة، لكنه لم يفعل، ولم يغير حتى من لهجة التحدي التي اعتاد على استخدامها.

 ففي خطاب وجهه الاربعاء 22 /7/ 2009 الى جماهير من محافظة دهوك خصصه لحشد التأييد لأرائه ومواقفه بخصوص خلافاته مع بغداد قائلا –  " أبدينا مرونة في ذلك لم يكن بسبب التشكك بأنفسنا بكردستانية كركوك ولا سنجار او خانقين، بل اردنا ان نحل ذلك عن طريق الدستور والالتزام بفقراته". واستطرد قائلا- " اذا تم تطبيق المادة 140فسيستقر! الوضع في العراق، وان لم تحسم هذه المسألة فلا توجد قوة تعمل ضد وحدة اجزاء كردستان واحتلال شبر من ارضيها"، مؤكدا بتحد واضح غير قابل للمرونة التي ذكرها حيث يقول-  أن "كركوك مثل السليمانية ودهوك واربيل مدينة عراقية، ومثلما هم يمتلكون الهوية الكردستانية فان كركوك ايضا كردستانية".

 وفي خطابه الموجه لاجتماع ممثلي الاحزاب والكيانات الكردستانية في 23 / 10 /2009 قال السيد البرزاني : ان القيادة الكردية ترفض بشكل قاطع اعطاء الخصوصية لمدينة كركوك خلال الانتخابات العراقية المقبلة،ولن نقبل باصدار اية مادة اخرى خاصة عن كركوك،لان المادة الوحيدة هي المادة 140 وهذا موقف جميع الاطراف." وشدد بارزاني ايضا على ان القيادات الكردية ترفض فصل كركوك عن المدن العراقية الاخرى او تحديد مقاعد مجلس المحافظة بين مكوناتها قبل اجراء الانتخابات.  واضاف: " نريد ان نعلن لجميع الاطراف اننا ككرد موقفنا واحد ولن نقبل بفصل كركوك اواصدار قانون خاص لها او اجراء انتخابات خاصة فيها او توزيع الكراسي فيها مسبقا." وفي كلمته التي وجهها لبرلمان كردستان الجديد كرر آراءه بخصوص  محافظة كركوك قال : " لقد قلنا رأينا في قضية كركوك، وليحدث ما يحدث ".

إن مثل تلك الخطابات المتشنجة لا تعبر عن مرونة أو استعداد للتوصل إلى مواقف تخدم الشعب العراقي بكافة مكوناته، وكان عليه أن يعرف أن مثل هذه المواقف تفتح الأبواب للتدخل الخارجي في شؤون العراق الداخلية، مما يعقد الوضع السياسي ويمهد لازمات إقليمية قد تقود البلاد نحو المجهول.

فقد عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن رأيه بخصوص كركوك في ختام زيارته للعراق منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، حيث طالب أن يكون للمحافظة ذات الجالية التركية الكبيرة وضعا خاصا بها. ويبدو أن رأيه هذا قد جاء ردا على موقف القيادة في اقليم كردستان.  وفي 24  من الشهر نفسه ذكر مصدر في السفارة الأميركية لوكالة كردستان للأنباء (آكانيوز)، إن السفير الأميركي في بغداد كريستوفر هيل أكد على ضرورة إبداء الكتل البرلمانية مرونة اكبر في التعامل مع ملف كركوك لتسهيل إقرار قانون الانتخابات. وطرح السفير هيل خلال لقائه مجموعة من المسؤولين العراقيين مقترحا بإجراء تعديلات على عدد نواب المدينة بطريقة ترضي جميع الأطراف وتسهم في إقرار قانون الانتخابات بالسرعة الممكنة،او تأجيل البت في القضية إلى ما بعد إجراء التعداد السكاني في العام المقبل.

مما سبق نلاحظ امكانية تورط الدول الأجنبية في موضوع كركوك،وبكلمة أخرى امكانية تدويل مشكلة تخص العراقيين وحدهم، وبالتالي تعليق مصيرها بقوى أجنبية ما كان لها أن تتفوه بكلمة لولا تصلب مواقف القوى السياسية الكردية بشأن كركوك أولا وأخيرا. يجب أن لا نقلل من خطورة التدخل الخارجي في هذه القضية الساخنة التي تعود تشابكاتها إلى عقود مضت وتتمحور بشكل خاص حول العلاقة  بين الكرد والتركمان في المدينة.

 إن الرغبة في الهيمنة وتجاهل الآخر هو مصدر التوتر بين مكوناتها، ولا أجد أي مبرر لاصرار الكرد على فرض سيطرتهم على المدينة واعتبارها جزء من كردستان في حين لا يرغب بذلك المكونات الأخرى. إن المجتمع المتنوع يحتاج إلى اعتراف الجميع بتنوعه، ويتطلب دعم بعضهم البعض في جهودهم لتطوير المدينة اقتصاديا وثقافيا، وجعلها نموذجا للتعاون والانسجام لكل العراق. وما تحقق للكورد من أدوار في الحكم الاتحادي يجب أن  يشعرهم بالتواضع وليس الغرور، ويمنعهم من التنافس مع الأقليات الأخرى على الادارة الذاتية لشؤون مدنهم وقراهم وبخاصة محافظة كركوك ذات التنوع العرقي والديني والقبلي المتميز.

يشارك الكرد في السلطة العليا في الدولة الاتحادية، إضافة إلى مواقع حساسة في كل الوزارات التنفيذية والتمثيل الدبلوماسي، وفي السلطة التشريعية والقضاء والجيش. وللكرد كامل الحرية في النشر وتشكيل الاحزاب السياسية وتأسيس القنوات الفضائية ووكالات الأنباء في أي مكان في العراق، وهي حقوق لا يتمتع بجزء يسير منها أي مجتمع كردي في أي دولة من دول الجوار التي تتواجد فيها جاليات كردية كبيرة، وهذا يكفي ليشعرهم بالتواضع تجاه حقوق وطموحات مكونات الشعب العراقي الأخرى لا محاصرتها وتجاهل مطالبها كما يحدث حاليا في كركوك وربما مستقبلا في مدن أخرى.

إن ما ينبغي على الكرد أن يعوه هو التواضع الذي يتميز به شقيقهم الأكبرالشعب العراقي، الشعب الذي لم يمارس التمييز والتسلط تجاه الاقليات المكونة لنسيجه الاجتماعي. وكان عليهم أن يقدروا صدق الشعور الأممي الانساني الذي يكنه العرب العراقيون للكرد وبقية الأقليات، وأن يشعروا بالفخر وهم يرون حفاوة العراقيين بأول كردي يشغل أعلى منصب رفيع في البلاد وهو رئيس الدولة.

لقد كان حريا بالقادة الكرد، أن يتيحوا هذا الحق للعرب والأقليات القومية والدينية المقيمة في كردستان، بحيث يكون لهم الحق في الترشيح للمناصب الرفيعة في سلطة الاقليم، أسوة بحق الكرد في المشاركة بالسلطة الاتحادية للعراق. أما مسودة الدستور التي أقرها برلمان كردستان، فليست فقط استثنت الأقليات المقيمة بكردستان، بل لم تنص ولو رمزيا على حق العرب في تلك المناصب. إن هذا المنحى إن دل على شيء فإنه دليل على عمق التعصب القبلي والقومي لدى القيادة الكردية الحالية، والتي للأسف تهيمن على تفكير الكثير من قياداتهم السياسية التي تعلمت وعاشت واختلطت مع الثقافات المتنورة في الدول المتقدمة. ولهم في ترشح مواطنين من أصول كردية وغيرها في الدول الاسكندنافية وهولندة ودول أوربية أخرى، وفوزهم بعضوية برلماناتها خير مثال على احترام دساتير تلك الدول لمبادئ حقوق الانسان قولا وفعلا. برغم هذه التجربة الديمقراطية العظيمة يعمد سياسيون أكراد ما يزالون يحتفظون بمواطنتهم في تلك الدول على حرمان الاقليات في اقليم كردستان من حق الترشح للمناصب التنفيذية والمشاركة في مجلس النواب أو مجالس المحافظات.

أتساءل مستغربا ولي كل الحق بذلك، كيف لا يشعر السيد البرزاني بالحرج من الشعب العراقي، وشعوب العالم الأخرى، وهو يدفع بمواطني كردستان بعيدا للانفصال عن الشعب العراقي الذي كان المبادر الأول والوحيد الذي اعترف بحقوق الكرد القومية في دستور أول جمهورية عراقية عام  1958. فقد نص في المادة الثالثة منه بالآتي : " يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم، وصيانة حرياتهم، ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية." تم هذا في وقت كانت كل من تركيا وإيران وسوريا التي تتواجد فيها جالية كردية واسعة تزج بمواطنيها الكرد في السجون لمجرد تحدثهم بلغتهم  الكردية الأم، وما يزالون لحد هذه اللحظة محرومون من حقوقهم القومية.

وأتساءل أيضا، كيف تسمح الحركة الكردية لنفسها أن تحتفي سنويا بذكرى حركة ردة رجعية نفذتها قبائل اقطاعية كردية لاسقاط ذات الحكومة التقدمية التي أقرت للكرد حقوقهم القومية في دستور عام 1958، هذا إضافة لتحالف الحركة الكردية  مع انقلابي 8 شباط الدموي الرجعي عام 1963؟  أليس من الانصاف والوطنية إبداء الأسف عن فعل تكبد بسببه الشعب العراقي أحزانا وآلاما تعجز قدرات كتاب القصة في العالم عن التعبير عنها؟.

إن سعي القيادة الكردية للسلطة و الهيمنة على الأراضي وإقامة حدود ومواقع على المزيد منها في شمال العراق بعلم وموافقة الأمريكان، يجري في وقت تستكمل فيه 27 دولة أوربية عملية إزالة الحدود والحواجز فيما بينها، لتتيح لشعوبها الفرصة الأفضل للاندماج ببعضها مكونة مجتمعا واحدا، وأوطانها وطنا واحدا للجميع، لا تحده أو تعيقه حدود طبيعية أو مفتعلة، ولا يعيق شعوبها اختلاف اللغات أو الأصول القومية أو الدينية أو المذهبية. تجربة غنية عظيمة الفائدة لشعوب المنطقة والعالم، تلك التي بدأتها أوربا منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن القيادة الكردية ليس فقط تتجاهل تلك التجربة، بل لا تتحدث مع حكومة العراق لا وأصابعها على الزناد مع أن من تفترضهم أعداء هم أخوة وجيران ورفاق طريق.

وما يرمي إليه الأخوة في القيادة الكردية الحالية في الواقع من خلال خطة التقسيم التي يحاولون تنفيذها في ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، لعزل الكرد عن أخوتهم العرب وبقية الاقليات، هو ذات الأسلوب الذي استخدمته الحكومة القومية التركية في سبعينيات القرن الماضي، عندما احتلت شمال جزيرة قبرص، وقسمت مجتمعها الواحد إلى شعبين متعاديين تفصلهما الأسلاك الشائكة. لقد وجد القبارصة أنفسهم في ليلة وضحاها مجرد طائفتين بعد أن كانا مجتمعا موحدا، فقط، لأن العصبية القومية العثمانية أرادت ذلك.

الفصل العنصري بين القبارصة اليونانيين والأتراك لم يكن أبدا مثالا يحتذى في العلاقات بين القوميات متعددة الثقافات، بل التعايش وتلاقح ثقافات القوميات والطوائف هو الطريق الأفضل للابداع وبناء الأوطان. ليس هناك ما يمكن اقتباسه من المأساة القبرصية لمصلحة شعب كردستان، بل العكس هو الصحيح، حيث لا منفعة أبدا، وانما التشريد والكراهية، وتعطيل التنمية الاقتصادية، وتخريب جسور الود والتعايش التي ربطت الطائفتين لعهود طويلة من السنين. إنها صورة طبق الأصل للعصبية القومية التي رعتها وشجعتها الأنظمة الفاشية والنازية في ألمانيا وايطاليا واليابان والتي تم دحرها في الحرب العالمية الثانية بتحالف العالم المتمدن.

وما يجري الآن باسم شعب كردستان، بقضم قرية من هنا،ورابية من هناك وشارعا في مكان آخر،وعزل مواطنيها بالجدران الاسمنتية والأسلاك المكهربة إلا محاولة بائسة مكتوب لها الخيبة عاجلا أو آجلا، لأنها لا تجلب غير الكراهية المتبادلة بين الأكراد وباقي سكان تلك المناطق، وهذا ما لا يسعى إليه الأكراد أو غيرهم الذين اختاروا العيش المشترك كما فعل أجدادهم خلال آلاف السنين.

قد تتمكن القيادة الكردية من تنفيذ رغبتها بمساعدة ودعم الحلفاء الأمريكان وغيرهم من اقامة جدران الفصل العنصرية في أحياء وشوارع وأزقة وبساتين ومياه الشمال العراقي، لكنها لن تبني بذلك حياة أفضل لأبناء شعب كردستان. إنهم سيقدمون له بدلا عن ذلك نموذج الجزيرة القبرصية المقسمة، أو نموذج حكم البيض في جنوب أفريقيا قبل تحررها من نظامها العنصري. ففي تلك الأمثلة دروس بليغة كافية ليستفيد منها كل من يسعى لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/تشرين الثاني/2009 - 13/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م