الصومال... بين حلم الدولة وعقبة الميليشيات

 

شبكة النبأ: خلال جولتها الأخيرة في أفريقيا، عقدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مؤتمراً صحفياً مع الشيخ شريف شيخ أحمد، رئيس «حكومة الصومال الاتحادية الانتقالية» ("الحكومة الانتقالية").

وتؤشر تصريحاتها عن التزام كبير من قبل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدعم حكومة الشيخ شريف المتعثرة ضد جماعات المعارضة المسلحة في البلاد، التي ترتبط بعضها بتنظيم «القاعدة» والتي تهدد الأمن في منطقة القرن الأفريقي الأكبر.

الحكومة الاتحادية الانتقالية

يقول اندريه لو سيج هو استاذ مساعد والرئيس الأكاديمي لمكافحة الإرهاب في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية - مركز اقليمي لوزارة الدفاع الأمريكية، الكائن في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة، أُنشئت «الحكومة الاتحادية الانتقالية» في كينيا في أعقاب عملية سلام مدعومة دولياً في عام 2004. وقبل أن تتمكن "الحكومة الانتقالية" من التفاوض حول وصولها إلى مقديشو، اتحد مزيج من [التنظيمات] ذوي المصالح الإسلامية والقبلية المختلفة المدعومة من قبل [جمعيات] المجتمع المدني لتشكيل «اتحاد المحاكم الإسلامية» ("المحاكم الإسلامية"). وبعد خمسة عشر عاماً من حكم أمراء حرب عشائريين لم يحظو بتأييد شعبي، جلبت "المحاكم الإسلامية" الأمن والأمل بصورة مؤقتة إلى العاصمة التي مزقتها الحرب. ومع ذلك، فإن تشكيل "المحاكم الإسلامية" كانت خطوة غير عملية. فبسبب نفوذ الإسلاميين المتشددين، وسعت ميليشيا «اتحاد المحاكم الإسلامية» سيطرتها على معظم المناطق في جنوب الصومال وطوقت القاعدة الخلفية لـ «الحكومة الاتحادية الانتقالية» في بيدوا، وهددت بتوسيع نطاق حربها المقدسة إلى أثيوبيا. ورداً على ذلك، قامت القوات الأثيوبية بغزو جنوب الصومال في كانون الأول/ديسمبر 2006، وهزمت قوات «اتحاد المحاكم الإسلامية»، ونصبت "الحكومة الانتقالية" في مقديشو. وقد أدى ذلك إلى تشتيت قوات "المحاكم الإسلامية" في جميع أنحاء جنوب الصومال ولكنها لم تُدمر. فقد عادت إلى الظهور في أشكال كثيرة، لا سيما «جماعات حزب الإسلامية» و «حركة الشباب»، التي عادت وتسللت ببطء في مقديشو بطريقة مجزأة. وقد انخرطت الميليشيات في تكتيكات حرب العصابات الكلاسيكية لكي تقوم بتخويف ومضايقة وإبلاء خصومها. وبمرور الوقت، قامت باستيراد أساليب هجوم متطورة إلى الصومال، بما في ذلك استخدام العبوات الناسفة والتفجيرات الانتحارية. معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

ولم تكن "الحكومة الانتقالية" قادرة على هزيمة المتمردين حتى بمساعدة الدعم الأثيوبي العسكري، وأصبحت تعوقها منازعات القيادة والانشقاقات العشائرية حول تقاسم السلطة. وفي كانون الثاني/يناير 2009، تم استبدال رئيس "الحكومة الانتقالية" الأولى، عبد الله يوسف أحمد، بالشيخ شريف -- وهو زعيم إسلامي في «اتحاد المحاكم الإسلامية» أكثر اعتدالاً من سلفه -- في خطوة هدفت تقسيم قوى المعارضة وإضعاف المعارضة المسلحة. ومع ذلك، لا تزال "الحكومة الانتقالية" نمر من ورق. فنادراً ما يجتمع البرلمان، و فر العديد من أعضائه من مقديشو خوفاً على أمنهم الشخصي. إن "الحكومة الانتقالية" غير قادرة على توفير الخدمات الاجتماعية التي هناك حاجة ماسة إليها، كما ليس لديها خدمات مدنية جديرة بالذكر -- وغالباً ما يكون وزراء الحكومة أنفسهم، الموظفين الوحيدين في الوزارات في «الحكومة الاتحادية الانتقالية». كما تضم قوة حماية "الحكومة الاتحادية" بصورة أساسية 5,000 من القوات الأوغندية والبوروندية التي أرسلت إلى مقديشو كجزء من «بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال».

وفي حزيران/يونيو 2009، كانت «الحكومة الاتحادية الانتقالية» على وشك أن تُطرد من مقديشو في هجوم منسق قام به متمردين. وتسيطر "الحكومة الانتقالية" على جزء صغير فقط من العاصمة، ولها نفوذ في أجزاء أخرى من جنوب الصومال من خلال تحالفات فضفاضة مع قادة سياسيين عشائريين وميليشيات. وحتى في مقديشو، تتمتع "الحكومة الانتقالية" بقيادة وسيطرة ضعيفة للغاية على قوات الميليشيا التي تدعمها، بما في ذلك الأقوياء في الأجهزة الأمنية و «أهل السنة والجماعة»، وهي حركة صوفية ولَّدَت مؤخراً العديد من الميليشيات المسلحة. وتعمل هذه المجموعات باستقلالية كاملة تقريباً، حيث تم تشكيلها من قبل عشائر مختلفة ومتنافسة، وتسيطر على بقع خاصة بها من الأراضي الصومالية – بنفس الصورة التي كان تعمل بها فصائل أمراء الحرب في البلاد في التسعينيات من القرن الماضي.

مجموعات المعارضة المسلحة

يتكون التمرد في الصومال من مجموعتين رئيسيتين هما: «جماعة حزب الإسلامية» و «حركة الشباب»، ولكلاهما قادة مرتبطين بخلية تنظيم «القاعدة» في شرق افريقيا. إن «جماعة حزب الإسلامية» هو دمج فضفاض لعدة حركات مسلحة في جنوب الصومال التي انبثقت من «اتحاد المحاكم الإسلامية». ويرأس هذه المجموعة حسن ضاهر عويس، القائد العسكري السابق لـ «حركة الإتحاد الإسلامي»، أول حركة متشددة إسلامية عصرية في الصومال التي ظهرت في التسعينيات من القرن الماضي وصُنفت من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

ويعتبر الكثيرون أن «جماعة حزب الإسلامية» هي أداة لطموحات عويس الشخصية لكي يصبح أول زعيم دولة إسلامية في الصومال. وقد انضمت إليه حركة «رأس كامبوني»، بقيادة حسن التركي -- وهو زعيم سابق آخر في «حركة الإتحاد الإسلامي» -- ومقرها في مناطق عشيرة «دارود» في منطقة جوبا السفلى والوسطى.

وتشمل «جماعة حزب الإسلامية» أيضاً اثنين من جماعات ميليشيا صغرى: «الجبهة الإسلامية في الصومال» و«مجموعة آنول» - The Anole Group.

إن «حركة الشباب» هي حركة جهادية صومالية لامركزية وعنيفة تطمح إلى إنشاء إمارة إسلامية متطرفة في جميع أنحاء منطقة القرن الافريقي.

ويتناقض هذا مع [سياسة] «جماعة حزب الإسلامية»، التي حافظت على جدول أعمال أكثر وطنية يركز على القضايا الصومالية. وعلى الرغم من أن «حركة الشباب» لم تسترع انتباه المحللين حتى منتصف عام 2006، كانت القيادة الأساسية للمجموعة نشطة على الأقل منذ عام 2003. وقد تطورت «حركة الشباب» من مجموعة صغيرة من المتشددين الصوماليين الملتزمين [بعقيدتهم] الذين يعملون مع عويس و «حركة الإتحاد الإسلامي» لتوفير الحماية والدعم لخلية تنظيم «القاعدة» في شرق أفريقيا.

وقد حصلت «حركة الشباب» في النهاية على حكم ذاتي من قيادة «حركة الإتحاد الإسلامي»، وبدأت بعمليات لـ "اصطياد البشر" ضد قادة ميليشيات أمراء الحرب الذين يدعمون الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب، وقامت بسلسلة من أعمال القتل ضد موظفي الإغاثة الدوليين ونشطاء السلام. ثم أصبحت الحركة قوة النخبة القتالية لـ «اتحاد المحاكم الإسلامية»، وهي الآن العمود الفقري لحركة التمرد المناهضة لـ «الحكومة الاتحادية الانتقالية». وفي تشرين الأول/أكتوبر 2008، وقعت الهجمات الأكثر تدميراً التي قامت بها المجموعة حتى الآن، وذلك في المناطق الآمنة نسبياً في المناطق الشمالية من «أرض الصومال» و «بونتلاند».

وقد أظهرت الانفجارات الخمسة المتزامنة التي وقعت في مكاتب الحكومة المحلية، وفي مجمع للأمم المتحدة وفي القنصلية الاثيوبية، تمرُّس شبكة «حركة الشباب» والمجال الذي تستطيع الوصول إليه [في تمردها داخل البلاد].

إن «حركة الشباب» هي ميليشيا جهادية منسقة بصورة فضفاضة وليس لديها على الأرجح زعيم يتمتع بقيادة وسيطرة كاملين على جميع قوات "الحركة".

وبدلاً من ذلك، لديها مجلس شورى مؤلف من قادة عسكريين كبار وشخصيات دينية –– بمن فيهم أحمد عبدي آو- محمد جودني –– الذي ربما يضمن قيام تنسيق بين الخلايا العاملة في مناطق مختلفة من جنوب الصومال. وبحلول نهاية عام 2008، بدأت «حركة الشباب» بإدارة القسم الجنوبي من الصومال، وخلال مدة قصيرة أصبحت لا تحظى بشعبية بسبب فرضها قوانين صارمة وسيئة.

وعلى الرغم من أن الجمهور قد لا يدعم «حركة الشباب»، إلا أن المواطنين الصوماليين يملكون وسائل محدودة لمعارضة هذه المجموعة، التي تحافظ على النظام من خلال ممارستها قوة منعدمة الرحمة.

لقد كانت النتيجة قيام خليط من «حركة الشباب» و «جماعة حزب الإسلامية» التي تميزت نسبياً بسيطرتها على مناطق العمليات في مقديشو وميركا وكيسمايو وبيدوا وغيدو وحيران وغالغادود. وعادة ما يكون زعماء فرديون من «حركة الشباب» من نفس العشائر والبطون التي تسيطر على المناطق الخاصة بها.

وعلى الرغم من أنهم يقومون بتنسيق ودعم كل منهم للآخر في العمليات الأكثر أهمية، إلا أن عدم وجود نظام قيادة وتحكم مشترك سيؤدي إلى حدوث توترات ناجمة عن خلافات شخصية ومواقف سياسية متباينة. وكثيراً ما يختلف القادة حول قضايا متعددة مثل: مستويات التسامح أو المعارضة لوجود عمليات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة؛ وإرسال قوات لدعم بعضهم البعض في عملياتهم المختلفة؛ وكيفية التعامل مع المفاوضات المتعلقة بدفع الفدية عن رهائن غربيين، بمن فيهم عمال إغاثة وصحفيين. وقد تم دفع الفدية مؤخراً عن اثنين من مستشاري "الحكومة الانتقالية" لشؤون الأمن ذوي جنسية فرنسية.

وعلى الرغم من أنه من المستحيل التأكد من العدد الدقيق للمتمردين، يتفق معظم المحللين على أن مجموعات المتمردين قد توسعت من عدة مئات من المتشددين الصوماليين الملتزمين [بعقيدتهم]، والذين لهم علاقات مع «حركة الإتحاد الإسلامي» وتنظيم «القاعدة» في أفغانستان، إلى العدد الحالي الذي يتراوح بين 5,000 إلى 10,000 مقاتل.

ولكن معظم هؤلاء المقاتلين ليسوا جهاديين من ذوي الخبرة أو متصلبين؛ ويتألف جزء كبير منهم من شبان صوماليين انضموا إلى الميليشيات انطلاقاً من رغبتهم في الحصول على مكافآت نقدية وليس لأسباب سياسية أو أيديولوجية.

ومن ناحية الدعم الخارجي، يتم انتقاد أريتريا بانتظام لتقديمها مساعدات مالية وعسكرية للمتمردين. ويوجد أيضاً العديد من المصادر التي توفر إيرادات محلية.

ويعتمد اقتصاد الحرب في الصومال بالدرجة الأولى على السيطرة على البنية التحتية الأساسية والعقارات (بما فيها المطارات والموانئ والأسواق وتقاطعات الطرق) التي بالإمكان جمع الضرائب منها. إن الحصول على تحويلات المغتربين هو أيضاً مصدراً هاماً من مصادر التمويل، ويتم الحصول على الدعم بصورة إجبارية من بطون كثيرة ومن الأعمال التجارية المحلية.

الخاتمة

على الرغم من أن حركة التمرد في الصومال تبدو واسعة النطاق، ينبغي عدم المبالغة في قوتها. فـ «جماعة حزب الإسلامية» و «حركة الشباب» تعانيان من دعم شعبي محدود، وقوة قتالية محدودة، وتناحر سياسي، وحاجة مستمرة للتفاوض من أجل الوصول إلى أموال جديدة. ومع ذلك، فنظراً لضعف أداء «الحكومة الاتحادية الانتقالية» في تطوير قدرات تنموية وأمنية وسياسية متكاملة، فحتى التمرد الضعيف والمنقسم يتمتع بإمكانية الاستمرار في التفشي بين الصوماليين لسنوات عديدة قادمة.

المكاسب الهشة

في 14 أيلول/سبتمبر 2009، قتلت القوات الأمريكية الخاصة بالقرب من بلدة "بروة" على الساحل في جنوب الصومال، زعيم بارز من خلية تنظيم «القاعدة» في شرق افريقيا، صالح علي صالح نبهان. وعلى الرغم من أن وفاة نبهان سوف يعرقل ويضعف على نحو خطير قدرات تنظيم «القاعدة» والجماعات التي تدعمه، دون تحقيق تقدم سياسي وبناء السلام في الصومال، إلا أن استهداف قيادة الجماعة الإرهابية سيكون له أثر استراتيجي لفترة قصيرة.

معسكرات تدريب ومقاتلين أجانب

تقوم خلية تنظيم «القاعدة» في شرق افريقيا ومنذ فترة طويلة باستخدام الصومال كملاذ آمن، حيث تُدعم من قبل قيادة «حركة الشباب» و«جماعة حزب الإسلامية» -- اثنين من الحركات الإسلامية الصومالية. وكان تنظيم «القاعدة» قد قام بارتكاب التفجيرات على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، والهجمات المتزامنة على ساحل كينيا ضد فندق پارادايس والمحاولة الفاشلة لإسقاط طائرة إسرائيلية مستأجرة مليئة بالسياح عام 2002، والمحاولة الفاشلة للهجوم على السفارة الأمريكية الجديدة فى نيروبي عام 2003.

إن العلاقة بين «حركة الشباب»، و«جماعة حزب الإسلامية»، وخلية تنظيم «القاعدة» في شرق أفريقيا هي علاقة قريبة لكنها معقدة. ففي مناسبات عديدة، بدت هذه المجموعات وكأنها موحدة وتقاتل جنباً إلى جنب ضد «الحكومة الاتحادية الانتقالية» ("الحكومة الانتقالية"). وعلى الرغم من كل ذلك، وبصرف النظر عن الشائعات المتداولة، لم يحدث حتى الآن الاندماج بين «حركة الشباب» وتنظيم «القاعدة».

ومع ذلك، فإن تنظيم «القاعدة» قادراً على الإستفادة من مكاسب «حركة الشباب» التي تزيد من المساحة العملية لتنظيم «القاعدة» من ناحية المناورة والاستعداد للقيام بهجمات جديدة. وتوحي الشائعات السائدة بأن زعيم «جماعة حزب الإسلامية» حسن ضاهر عويس يحاول إعادة اكتشاف ذاته كزعيم سياسي، وربما يكون راغباً في التخلي عن تحالفه مع «حركة الشباب» من خلال التفاوض على اتفاق لتقاسم السلطة مع «الحكومة الاتحادية الانتقالية». وفي حين أن مثل هذه المحادثات ستزيد من عزلة حركة التمرد، من غير المعروف ما هي واقعية مطالب عويس. وعلاوة على ذلك، فإن منحه أي منصب رفيع المستوى في «الحكومة الاتحادية الانتقالية» سوف لن يكون محل ترحيب سواءاً من قبل إثيوبيا أو الولايات المتحدة -- البلدان اللذان تعتبران عويس إرهابياً.

وكحد أدنى، يبدو أن [هذه] الجماعات تتعاون تعاوناً وثيقاً في مجال إدارة معسكرات التدريب التي تنتشر في جنوب الصومال.

وتهدف بعض هذه المعسكرات إلى تلقين المبادئ الأساسية والمهارات الفكرية لأعضاء الميليشيا الصومالية من المجندين الجدد، في حين تقوم معسكرات أخرى بتقديم المزيد من التدريب المتقدم في حرب العصابات والمتفجرات وأعمال الاغتيال.

وقد أصبحت هذه المعسكرات الأخيرة نقطة جذب للمقاتلين الأجانب من الخارج – الذين يطلق عليهم المهاجرين – القادمين من الشتات الصومالي، أو من بلدان أفريقية أخرى، أو من الشرق الأوسط.

إن أبرز مثال على تدفق المقاتلين الأجانب إلى الصومال هي الحادثة التي تشمل ما يقرب من عشرين شاباً أمريكياً من أصل صومالي عادوا إلى الصومال في عامي 2007 و 2008، للإنضمام إلى «حركة الشباب». وتعتبر هذه الزمرة أكبر فئة معروفة من مواطني الولايات المتحدة قامت بالإنضمام إلى مجموعة إرهابية اجنبية.

وقد كان من ضمن هذه المجموعة شيروا أحمد، أول متفجر انتحاري معروف ذو جنسية أمريكية، كان ضمن جماعة «حركة الشباب» التي قامت بهجمات في «صومالي لاند» و «بونتلاند» في تشرين الأول/أكتوبر 2008.

لقد أصبح معظم هؤلاء الشبان متشددين في الولايات المتحدة، ولا سيما في مدينة مينيابوليس/منطقة سانت پول.

وقد امتدت تحقيقات مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي اللاحقة عبر جميع أنحاء الولايات المتحدة وشملت الصوماليين الذين يعيشون في مدن سان دييغو وبوسطن وسياتل وپورتلاند، وكولومبوس. وقد جرت أيضاً تحقيقات مماثلة وتم القيام ببعض الاعتقالات في المملكة المتحدة واستراليا والدول الاسكندنافية. وبالإضافة إلى الدعم الفوري الذي قدمه الصوماليون في الشتات لـ «حركة الشباب» داخل البلاد، تركز الاهتمام على إمكانيات هؤلاء الأفراد في تلقي تدريبات إرهابية في الصومال، ومن ثم استخدام جوازات سفرهم لتنفيذ هجمات في الغرب.

وخلال قيام إثيوبيا بغزو الصومال في عام 2007، قتل رئيس خلية تنظيم «القاعدة» في شرق افريقيا، أبو طلحة السوداني. وبعد وفاة نبهان مؤخراً، يبقى فضل محمد هارون زعيم تنظيم «القاعدة» القائد الأكثر خبرة، وهو لا يزال مطلق السراح في منطقة القرن الافريقي.

وكحد أدنى، فإن فقدان نبهان سيعطل بشدة برامج القدرات والتخطيط التي تقوم بها «حركة الشباب» وتنظيم «القاعدة» في الصومال.

لقد قام نبهان بقيادة وتجنيد وإدارة برامج تدريبية للجهاديين في جميع أنحاء جنوب الصومال، وكان يُعتقد بأنه كان يشغل بمثابة حلقة حساسة بين الجهاديين في القرن الأفريقي والقيادة العليا لتنظيم «القاعدة»، كما قام بإدارة عملياته الخاصة التي استهدفت مصالح غربية في شرق افريقيا. وعلاوة على ذلك، تثير النتائج المترتبة على القضاء على نبهان سؤالاً حول تشكيل خلية تنظيم «القاعدة» في شرق أفريقيا في الوقت الحالي. فباستثناء فضل هارون، الذي قيل بأنه عمل في أغلب الأحيان على الساحل الكيني أكثر من قيامه بأعمال تخريبية من داخل الصومال، فقد تم القضاء على جميع قيادات الخلية. وقد يحاول بعض أعضاء الخلية الصغار ملء مكان نبهان، ولكن قد ينتهي مصير هذه الخلية المتميزة من تنظيم «القاعدة» بدمجها الكامل مع «حركة الشباب».

ويمكن أن يشير مقتل نبهان أيضاً إلى حدوث تحول في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في الصومال.

ففي هجومها استخدمت القوات الأمريكية الخاصة مروحيات متعددة كانت قد أقلعت من سفينة حربية قبالة السواحل الصومالية، وتم انتقاء الهدف في منطقة نائية غير مأهولة.

وعلى الرغم من أنه كان من المحتمل أن تكون تلك العملية أكثر خطورة بالنسبة للقوات الأمريكية، إلا أنها قيدت إلى حد معين من احتمال قيام أي فرصة لحدوث أضرار جانبية ضد المدنيين.

كما أن توقيت العملية كان أيضاً عاملاً حاسماً في ذلك الهجوم بسبب انتهاء الاحتلال الإثيوبي وانقسام الحركات الإسلامية الصومالية. وقد أدى قيام تلك البيئة إلى وجود فرصة أقل احتمالاً بأن تؤدي عملية القضاء على نبهان إلى إذكاء دعم شعبي صومالي للتطرف.

من قتال المتمردين إلى بناء السلام

إن الخوف القائم على نطاق عالمي تقريباً من «حركة الشباب» التي تهيمن على الصومال والفرص التي توفرها "دولة الصومال عديمة القانون" لتنظيم «القاعدة»، قد عملت على توحيد جهود المجتمع الدولي من أجل دعم "الحكومة الانتقالية".

وفي حين قامت الولايات المتحدة باتخاذ زمام المبادرة في تقديم الأموال والأسلحة، يتم أيضاً دعم «الحكومة الاتحادية الانتقالية» بقوة بواسطة التدريب العسكري والحوكمة، وبمساعدة مشورة التفاوض من قبل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، والعديد من الدول الاعضاء في هذه المنظمات الدولية.

وفي الوقت الحاضر، لدى «الحكومة الاتحادية الانتقالية» ومسانديها في الخارج عدد من الأسباب للتفاؤل. فبعد وقف تقدم المتمردين في وقت سابق من هذا الصيف، استعادت قوات "الحكومة الانتقالية" -- المدعومة من قبل «بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال» -- بعض خسائرها في مقديشو. وقد اجتذبت النجاحات الميدانية من قبل القوات الموالية لـ «الحكومة الاتحادية الانتقالية» في مناطق هيران وجيدو، العديد من المقاتلين الإسلاميين من العاصمة. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن «حركة الشباب» و«جماعة حزب الإسلامية» منقسمتان بصورة كبيرة حول القضايا الإيديولوجية وخطوط القيادة، في حين أن المجتمع الدولي متحد بشكل متزايد في دعمه لـ "الحكومة الانتقالية".

وعلاوة على ذلك، فإن الالتزامات العامة لتوفير الدعم السياسي والمالي والأمني من قبل الولايات المتحدة قد ساعدت على تشجيع قيادة «الحكومة الاتحادية الانتقالية» ومنحها المزيد من الموارد على حد سواء.

وعموماً، هذه مكاسب إيجابية لـ «الحكومة الاتحادية الانتقالية»، إلا أنها لا تزال هشة للغاية. وحتى إن كان التعاون العسكري قصير الأجل ضد قوات «حركة الشباب» و «جماعة حزب الإسلامية» ناجحاً، ستكون هناك عقبات كبيرة ينبغي التغلب عليها قبل أن يصبح هذا التحالف المناهض للمعارضة متكوناً من أعضاء فعالين في حكومة وحدة وطنية.

وإذا كانت «الحكومة الاتحادية الانتقالية» قادرة على الاستفادة من هذا الزخم، والعمل على بناء تحالفات سياسية مع عشائر فرعية رئيسية في جنوب الصومال (ولا سيما داخل أبغال، وحبر غدير، ومجتمعات عشائر الـ "موروسادي" في مقديشو)، قد يكون هناك مجال كافي لقادة "الحكومة الانتقالية" للبدأ في إعادة تشكيل ميليشيا وطنية يمكن أن توفر الأمن وسيادة القانون بصورة تدريجية في المناطق الخاضعة لسيطرة «الحكومة الاتحادية الانتقالية». وعلاوة على ذلك، يمكن للاستثمار الجدي أن يطور القدرات الوزارية لكي تقوم بتخطيط وتقديم الكثير من الخدمات الاجتماعية الضرورية. إن هذا هو المسار الواقعي الوحيد لبناء السلام المستدام في الصومال.

وبدلاً من ذلك، يمكن عكس مسار المكاسب التي حققتها مؤخراً «الحكومة الاتحادية الانتقالية»، إذا قام الشيخ شريف بتبديد هذه الفرصة السانحة.

وحتى بدون وجود دعم شعبي كبير، فإن التأجيل قد يسمح لـ «حركة الشباب» و «جماعة حزب الإسلامية» إلى التوصل إلى اتفاقات تعاون أكثر دواماً. وحتى أسوأ من ذلك، إن جهود المتمردين لقتل القيادة العليا لـ «الحكومة الاتحادية الانتقالية» يمكن أن يعطل بصورة ناجحة من شرعية وفاعلية الحكومة، المبنية على ترتيبات تقاسم السلطة.

ومع ذلك، فالخيار المرجح هو منتصف الطريق: أي قيام "الحكومة الانتقالية" بصد الأسوأ من بين أعمال التمرد ولكن بدون القضاء عليها، وفشل «الحكومة الاتحادية الانتقالية» في استخدام المجال الذي يمنحه الأمن الإضافي من أجل التفاوض حول نظام سياسي شامل.

إن هذا السيناريو المؤسف هو الاتجاه السائد في الحرب الأهلية في الصومال والمتمثل بحدوث جمود عسكري متأرجح، وتنافسات على الزعامة على أساس عشائري، وقيام استثمار ضئيل جداً فيما يتعلق ببناء قدرات لنظام إدارة يمكن أن يحكم بشرعية.

وفي غضون ذلك، يستمر الصوماليون في معانتهم إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، كما يقوم المتشددون المرتبطون بتنظيم «القاعدة» باستغلال البلاد لتخطيط المزيد من الهجمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/تشرين الثاني/2009 - 13/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م